المغاسل الأيرلندية.. حين أدارت الراهبات سجنًا لتعذيب وقتل «الساقطات»

في الإثنين ٠٧ - يناير - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

مؤسسات شيدتها الكنيسة لتبني حالات النساء اللاتي لفظهن المجتمع،  وأشرفت عليها راهبات، وكان من المفترض أن تكون رسالة تلك المؤسسات الرحمة، وغرس قيم العفو والتسامح، وبالأخص ، لكنها عملت ضد كل هذا، وتبنت سياسة العنف والبطش، ووصل الأمر إلى القتل، وتمكنت من وضع تاريخ من الجرائم البشعة لها، نتحدث عن «مغاسل المجدلية» في إيرلندا.

العمل متواصل لأكثر من قرنين

في منتصف القرن الثامن عشر بدأت الكنائس المختلفة حول العالم في تشييد دار لإيواء اليتامى، وظهرت مؤسسات أخرى لإيواء النساء الساقطات التي تنصل منهن ذويهن، وبالفعل ظهرت العديد من «المغاسل» في دول العالم المسيحي، كانت عبارة عن ملجأ يأوي النساء وفي ذات الوقت يعملون في الغسيل، أطلقوا عليها «مغاسل المجدلية»، وكان هذا الاسم موجودًا في العديد من الدول، لكن مغاسل المجدلية الأيرلندية كانت الأكثر عنفًا ووحشية.

 

 

المبنى الرئيس لمغاسل المجدلية الأيرلندية

في عام 1766 افتتحت مغاسل المجدلية الأيرلندية كملاجئ للنساء الساقطات، وكانت في بادئ الأمر مؤسسة خيرية أنشأتها ارابيلا دني لإيواء البغايا التائبات، لكن بعدها تحولت إلى إشراف الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، وأشرفت عليها الراهبات، لكن كانت تلك المغاسل سجنًا للعمل ليل نهار، وغير مسموح لهن بأي شيء، حتى بالحديث مع بعضهن، ولا مجال للهرب طبعًا، وبينما كانت النساء تعانين، كانت الكنيسة تجمع تبرعات باسم المغاسل، وجاء في إعلان يعود تاريخه لعام 1838 طلب للمساعدة من أجل «عدد لا يحصى من النساء التعيسات اللاتي تبن عن الرذيلة بالتعليمات الدينية والأخلاقية».

رغم أن مغاسل المجدلية أغلقت في العديد من الدول بداية من مطلع القرن العشرين، ولكن مغاسل أيرلندا ظلت صامدة وحتى عام 1996، وتشير التقديرات إلى أن هناك عشرات الآلاف من النساء عشن تلك الحياة القاسية في مغاسل المجدلية الايرلندية، والتي حققت 230 عامًا من العمل المتواصل وحتى إغلاقها.

الناجيات يتحدثن: «كانوا قساة جدًا»

ظهور الناجيات وتحدثهن للإعلام فضح ما دار داخل مغاسل المجدلية الأيرلندية، روت مارينا جامبولد، والتي ذهبت إلى المغسلة في عمر 16 عامًا، أنها كانت تضطر للعمل 10 ساعات، وفي ذات يوم كسرت فنجانًا، فقالت لها الراهبة: «سأعلمك أن تكوني حذرة»، ربطتها الراهبة بحبل سميك في رقبتها لمدة ثلاثة أيام، واضطرت أن تأكل الطعام من على الأرض، وكان عليها أن تنزل على ركبتيها وتتوسل إليها، تروي مارينا ما توسلت به للراهبة، تقول: «أتوسل إلى الله عز وجل بالعفو، وعفو السيدة العذراء، وعفو رفيقتي – تقصد الراهبة – عن المثال السيئ الذي ظهرت به».

أما كاثلين ليج، إحدى الناجيات من مغاسل المجدلية الأيرلندية فروت أنها كانت تستيقظ كل صباح على صوت الجرس، وكانت تعمل كالروبوت، وروت أنهن كن يستحممن مرة واحدة في الأسبوع، تقول كاثلين: «أتذكر أن القمل ملء شعرنا، وكان يطفو حول الجزء العلوي من الماء، وإذا كنت آخر أشخاص يستحم، فسيكون الأمر مروعًا».

ماري والتي ذهبت إلى المغسلة في عمر 16 عامًا، ولم تكن ساقطة، بل يتيمة، تروي أنه في يوم جاءت راهبة وأخذتها هي وأخرى، ووضعتهما في غرفة بها جثة لإحدى السيدات العجائز التي ماتت، وتركتهما مع الجثة طوال الليل، تقول ماري: «كنت أتساءل في كثير من الأحيان لماذا كانوا قساة جدًا»، أما بريدجيت – وهي يتيمة أيضًا – فذهبت هي وأختها للمغسلة وتروي أنها قد قبض عليها ذات مرة قبض عليها تعطي خبزًا لأختها، فوضعوا عليها ورقة كتب عليها «لص».

الهرب كان هذا هو الحل الذي فكر فيه العديدات من المحتجزات قسرًا في مغاسل المجدلية الأيرلندية، وقد وفقت إليزابيث كوبين في الهرب، تروي أنها بعد أن حجزت ثلاثة أيام في غرفة مظلمة صغيرة، ولم يأت أحد لمساعدتها، أدركت أنه لا مفر سوى الهرب، لذا بحثت عن النوافذ الخالية من القضبان الحديدية، وكانت هناك واحدة في مقدمة المبنى، لذا قررت هي وفتاة أخرى الهرب منها، وبالفعل تمكنا بشكل أو بآخر من القفز من تلك النافذة، وركضتا بعيدًا عن المغسلة، وذهبتا إلى المدينة وعملا في مستشفى كممرضات، لقد كان حظهما أفضل بكثير من غيرهما.

 

 

إحدى بوابات مغاسل المجدلية الايرلندية

تصدير الأطفال بشكل غير قانوني

نظرًا لأن المغسلة كانت تؤوي من وصفن بالساقطات؛ فهناك من أتت بحمل أو ولدت هناك في مستشفى الدير، لذا لجأت الراهبات فور أن يفطم الطفل إلى تصديره، خشية أن تلوثهم أمهاتهم الساقطات، ووفقًا للتقارير صدرت مغاسل المجدلية الأيرلندية ما يصل إلى الألفي طفل بشكل غير قانوني إلى أشخاص بالتبني في الولايات المتحدة الأمريكية، أغلبهم من العائلات الثرية.

صورة من داخل مغاسل المجدلية الأيرلندية في مطلع القرن العشرين. مصدر الصورة: wikipedia

بعد أن كشفت فضيحة تصدير الأطفال، بدأ العديد من هؤلاء الأطفال الذين كبروا الآن يطالبون بالعدالة بالنسبة لأمهاتهم، وطالبوا باعتذار رسمي من دولة أيرلندا، على الرغم من أن أغلبهم يعيش حياة أفضل من تلك التي كان يمكن أن يعيشها في ملاجئ الكنيسة.

مقابر جماعية في أراضي الدير

في عام 1993 عثر على مقبرة جماعية تحت الأرض في دبلن عاصمة أيرلندا، كانت المقابر تحتوي على رفات المئات من «التائبات» اللاتي كن محتجزات في مغسلة المجدلية، ووفقًا للـ«جارديان» فإنهم قد احتجزن قسرًا، وحين متن بيعت الأرض التي دفن فيها، وهذا ما تسبب في فضح الأمر.

 

 

كان هذا المكان في السابق يخص مغاسل المجدلية

حرقت الجثث والتي وصل عددها إلى 155 وتم إعادة دفن الرماد في مقبرة جماعية أخرى في مقبرة جلاسنين، وللأسف فأغلب حالات الوفيات غير مسجلة أو موثقة رسميًا، لذلك لم يخطروا أقاربهن أو أي شخص على صلة بهن من أي نوع، والإجماع العام أن هذه الجثث تمثل النساء أو البنات اللاتي أسيئت معاملتهن حتى الموت.

حالات الوفاة المسجلة رسميًا في المغاسل 879 حالة، أما الذي لم يوثق فهو أبعد من ذلك بكثير، وقد عملت مجموعة تحمل اسم «العدالة من أجل المجدلية» على إجراء مقابلات مع الناجيات، وجمعت شهادات حول الموت، والدفن، وبحثوا في السجلات الانتخابية، وأوامر استخراج الجثث، وحتى أرشيف الصحف، ووصلوا في نهاية المطاف بعد كل هذا البحث أن عدد الوفيات غير المبلغ عنها يقترب من ألف ونصف حالة، ولكن هذا الرقم لا يزال مثيرًا للجدل ونفته الجهات الرسمية في أيرلندا.

المجدلية الآن بين الكنيسة والدولة

في عام 2011 شرعت «لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب» في إجراء تحقيق مطول في المغاسل ووجدتها مذنبة بالاستغلال وسوء المعاملة، وفي عام 2013، إلى جانب إصدار اعتذار رسمي من الدولة، استقرت الحكومة الأيرلندية على دفع تعويض لضحايا مغاسل المجدلية وغيرها بما يصل إلى 75 مليون دولار، وتعني هذه التسوية أن المئات من الناجيات سيحصل كل منهن على حوالي آلاف الدولارات، حسب الوقت اللاتي قضته كل واحدة منهن هناك.

 

 

من داخل مغاسل المجدلية الأيرلندية

الكنيسة الكاثوليكية لا تزال تستخدم جملًا فضفاضة، ولم تعترف بشكل صريح بارتكاب مخالفات في إدارة المغاسل، بل إن مؤسسات الراهبات الدينية والتي كانت تدير المغاسل فيما مضى؛ رفضت المساهمة بأي أموال في خطة التعويض التي أقرتها الحكومة الأيرلندية للناجيات، وقالت الراهبات الحاليات في تلك المؤسسات: «لسنا المسيئات فلماذا ندفع ثمن خطايا أخواتنا».

ومنذ عام 2017 وهناك خلاف حول البيع المحتمل لمبنى وأرض مغاسل المجدلية الأيرلندية الأخير، الحكومة ترحب بالبيع لكن هناك حقوقيين يطالبون أن يتحول الموقع إلى مركز تذكاري، وتعليمي يوثق تاريخ المغاسل الطويل في القمع والعنف.

اجمالي القراءات 1733