سور الأزبكية.. ملاذ المثقفين الغلابة ممنوع على أرض الأثرياء

في الثلاثاء ٠١ - يناير - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

إذا كنت شغوفا بالقراءة وتحب الاطلاع على الروايات أحدثها وأقدمها أو تريد كتب دراسية جديدة أو مستعملة، أوحتى إذا أردت العثور على كتب نادرة أو مجلات وجرائد قديمة، ولكن ليس لديك مالا وفيرا، فأنت تعلم جيدا أن قبلتك ستكون إلى «حديقة المثقفين الغلابة».

هناك حيث يٌفترش «سور الأزبكية» بضاعته أمام الزوار بمعرض الكتاب.

ولكن عليك أن تعلم أن هذا العام سيكون مختلفا تماما، عذرا لن تجد خيام "سور الأزبكية"، أنت أيضا لن تجد المعرض في ذات المكان الذي كنت تعتاد الذهاب إليه في أرض المعارض بمدينة نصر، سيكون عليك التوجه إلى مركز مصر للمؤتمرات والمعارض الدولية بالتجمع الخامس.

ربما لا يجتمع الغنى مع الفقر في آن واحد، كلهما يسير في اتجاه غير الآخر، وهكذا ما بدى على أرض الواقع، فحين انتقل معرض الكتاب إلى منطقة التجمع المعروفة بأنها منطقة الأثرياء، حُرم  الفقراء و"الغلابة" و"محدودي الدخل" من أن يجدوا ما يتطلعون إليه من امتلاك للكتب والروايات بأسعار زهيدة، كانوا يحصلون عليها من "سور الأزبكية"، الذي يغيب عن معرض الكتاب الدولي لهذا العام 2019.

يعود تاريخ سور الأزبكية إلى أكثر من قرن من الزمان، حين كانت العتبة منطقة راقية تضم دار الأوبرا ومجموعة من الملاهي و المسارح و الفنادق و المقاهي، التي يرتادها الأجانب و المثقفين وصفوة المجتمع، و اتخذ مجموعة من بائعي الكتب القديمة و المستعملة سور حديقة الأزبكية مكانا لعرض بضاعتهم.

وبعد ثورة يوليو اهتمت الدولة بهم فأنشأت لهم مجموعة من الأكشاك و ملكتهم إياها، و لكن تعرضت هذه الأكشاك للهدم و النقل مرتين،  إحداهما عند بناء كوبري الأزهر، وأخرى عند إنشاء محطة مترو العتبة، ولكن الباعة عادوا إلى أمكانهم ثانية.

في هذا المكان ترى مقولة صلاح جاهين "على أرض مصر يقدر يقول التاريخ ما يشاء" متجسدة بين طيات الكتب المرصوصة في "سور الأزبكية"، تحتضن بين سطورها تاريخ تحفظه على مدى العصور، وروايات وكتب وقواميس ومجلات وصحف وكتب دراسية قديمة، تشم رائحة الكتب فتشعر وكأنك تتنفس عبق التاريخ وتتجول في ماضي وأنت في حاضرك.

 

ومنذ بدايات انطلاق معرض القاهرة الدولي للكتاب قبل 50 عاما، ويُخصص مكانا لتجار سور الأزبكية لعرض بضاعتهم من الكتب والمجلات والروايات، وكانت تشهد إقبالا كبيرا من زوار المعرض، لاسيما أن متوسط أسعار الكتاب فيها تبدأ من جنيه واحد فقط و2 جنيه و5 و10 جنيهات إلى 100 جنيه، ففيه يجد مختلف الطبقات الاجتماعية ما يناسبهم، ولاسيما محدودي الدخل.

ولكن لن يجد زوار معرض الكتاب "سور الأزبكية"، والمقرر أن ينعقد في الفترة من 23 يناير وحت 5 فبراير 2019، بعد أن اعتذر العديد من التجار عن المشاركة في دورته الـ 50، لعدة أسباب، حسبما ذكروها في مذكرة استغاثة بعثوا بها إلى رئيس الجمهورية، أولها:أن العدد المطلوب للمشاركة فى دورة اليوبيل الذهبى 33 تاجرا، من أصل 108، وهو ما اعتبره التجار أن القائمين على تنظيم المعرض لا يريدون اشتراك سور الأزبكية، بل مجرد تمثيل باسم المشاركة.

أما السبب الثانى، فيتمثل فى أن أسعار الاشتراك هى 1200 جنيه، فى حين أن سعر المتر للناشرين الأعضاء فى اتحاد الناشرين المصريين هو 930 جنيها، بالإضافة إلى أن قيمة الاشتراك فى السنوات الماضية لا تتعدى نصف قيمة اشتراك الناشرين المصريين.

وتقول الصفحة الرسمية لسور الأزبكية على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" :"هناك من يريد معرض الكتاب حكرا على الأغنياء والمقتدرين، على أن يكون البسطاء خارج تلك الحسبة بأى حجة متواجدة".

وتشير الصفحة إلى أن سور الأزبكية بالمعرض هو قبلة السواد الأعظم من رواد معرض الكتاب وصاحب الباع الأكبر من الرواج التجارى به، نظرا لما يحويه من ملايين المطبوعات والتى تتماشى أسعارها مع دخل المواطن العادى، والذى ينتظر فعاليات المعرض من العام للعام ويعتبره نزهة وثقافة.

 

وتوجه تجار سور الأزبكية باستتغاثة إلى رئيس الجمهوري ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب، ووزيرة الثقافة، ورئيس الرقابة الإدارية، وجاء في نصها :"نحن أصحاب أقدم مكتبات في الوطن العربي (ســور الأزبـكـيـة)من أعمال قلوبنا وفخرنا نوجة صرختنا جميعاً لشعورنا بالظلم لماذا..لدينا هنا تسأولات ..هل من مجيب أو مغيث لنا إحقاقا للحق".

 

وتساءلت المذكرة :"لمصلحة من يحرم سور الأزبكية من المشاركة في معرض الكتاب الدولي لهذا العام 2019م، لمصلحة من يحرم محدودي الدخل والفقراء من الكتاب الرخيص الغني في جوهرة ومحتواة، كيف يؤجر المتر في أرض المعرض بــ960 جنية مصري لدار النشر .. في حين وصل إيجار المتر لنا نحن ســور الأزبـكـيـة العريق إلي 1500 جنية مصري".

وأضافت :"هل من المنطق تقليص عدد المشتركين في سور الأزبكية إلي 33 مكتبة فقط هذا العام .... العام الماضي كان عدد المكتبات المشاركين 117 مكتبة !!! بحجة عدم وجود مساحة كافية وظهور المعرض بشكل يليق بي اليوبيل الذهبي لمعرض الكتاب".

 

ومن جانبها نشرت الصفحة الرسمية الخاصة بمعرض الكتاب عبر "فيسبوك" الرد على منع بائعي سور الأزبكية من التواجد بالمعرض، وأوضحت بداية أن سبب نقل المعرض هو :"سوء الخدمات والنظافة والتنظيم بالمكان القديم، وتعرض كتب الناشرين للتلف من مياه الأمطار نتيجة إقامته في خيام، وأن المعرض لا يليق بكونه الأول جماهيريًا على مستوى العالم".

وأشارت إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يتنقل المعرض لمكان جديد، موضحة :"زمان كان المعرض يقام بالأوبرا من سنة 1969، ولما اتنقل لمدينة نصر سنة 1984 اتهاجم الهجوم نفسه ويمكن أكتر وبعد كده الناس فهمت إنه الانتقال للأفضل، وبعد مرور كل هذه السنوات تهالكت أرض المعارض بمدينة نصر فكان الطبيعي الانتقال للأفضل ومكنش في مناسبة أفضل من اليوبيل الذهبي ليشهد هذا التطور الكبير".

ونوهت إلى أن هناك مزايا بالمكان الجديد، وهي :"مجهز بأحدث التقنيات العالمية في مجال الصناعات الثقافية وتسويق الكتاب، تنظيم وخدمات متميزة للجمهور، تم حل المشاكل التي تواجه الناشرين، مشاركة دولية متميزة من عدد كبير من دول العالم بأجنحة كبيرة، خصومات كبيرة بمناسبة اليوبيل الذهبي للمعرض، أماكن انتظار للسيارات بمساحات كبيرة".

أما عن أسباب غياب "سور الازبكية" فأوضحت أن الهيئة لم تتعمد منع سور الأزبكية ولكنها نفذت قرارات اتحاد الناشرين المصريين والعرب بعدم مشاركة أي بائع يعرض ويبيع الكتب المزورة حماية لحقوق الملكية الفكرية وبديلا لده قامت بخطوتين مهمين:"سيتم إعداد جناح كبير للكتب المخفضة تابع لهيئة الكتاب تبدأ أسعاره من جنيه واحد،  سيتم طرح خصومات غير مسبوقة بدور النشر المختلفة على الكتب الأصلية التى يقبل عليها الجمهور".

وفي المقابل رد عيد إبراهيم، أحد تجار سور الأزبكية، مؤكدا أنه ليس هناك كتب مزورة بجناح السور، وأن الزبون يستطيع أن يفرق بين الكتب المزورة والأصلية، لافتا إلى أن هناك من يفعل ذلك ولكن لا يمكن تعميم هذه الصفة على جميع التجار والمكتبات، كما أن السور يشارك في المعرض طوال السنوات السابقة ولم يشهد عمليات تزوير.

وأضاف إبراهيم، عبر صفحة سور الأزبكية :"حضرتك بتبيع الكتاب إللي هو تكلفتة لا يتجاوز الـ 10 جنية ب 80 و 90 جنية مش دة حرام؟، ولا هو احنا عشان عندنا ضمير لازم ينقضي علينا".

ويقول حربي محسب، أقدم بائع كتب في سور الأزبكية، إن هناك تمييز في المستأجرين في معرض الكتاب بالتجمع الخامس، ونحن نحاسب على المتر في المعرض بـ1200 جنيه.

وأضاف "محسب"، خلال مداخلة هاتفية في برنامج " رأي عام"، مع الإعلامي عمرو عبدالحميد، على قناة "ten": أن بائعي الكتب في سور الأزبكية والسيدة زينب، والإسكندرية، ينتظرون المعرض من العام للعام، ومعظمهم عليه مديونيات كبيرة، وينتظرون المعرض لتحقيق هامش ربح صغير.

وبينما تدور هذه الخلافات بين تجار سور الأزبكية ومعرض القاهرة الدولي، يبقى أولئك الذين كانوا ينتظرون المعرض لاقتناء الكتب بأسعار زهيدة، فماذا عن موقفهم؟.

 

في الحقيقة لم يتردد المستفيدون من جناح "سور الأزبكية" بمعرض الكتاب عن إعلان موقفهم صراحة في تلك "الخناقة" الدائرة بخصوص معرض القاهرة الدولي للكتاب، ونقله لمنطقة "الأثرياء" بحسب قول إحدى الناشطات، وحرمان المثقفون "الغلابة" منه، وعبروا عن رأيهم بتدشين"هاشتاج :"قاطعوا اليبوبيل الذهبي"، وآخر " قاطعوا معرض الكتاب"، وذلك اعتراضا على حرمانهم من "سور الأزبكية".

 

تقول رباب إحدى الناشطات :"المعرض يرفض أن يقام في أرض الفقراء لأول مرة بدون الدكتور أحمد خالد توفيق، من جعل الشباب يقرأون، لكنه رحل وستمنع الدولة الشباب من القراءة، كما منعوا سور الأزبكية ملاذ الفقراء والمثقفين من التواجد بحجة شكوى الناشرين من تقليد رواياتهم الأصلية وطرحها في السور.. يا كدابين يا أفاقين".

وفي المقابل أعلن تجار سور الأزبكية رسميًا على مواقع التواصل الاجتماعى عن تنظيم معرض بالتزامن مع إجازة نصف العام، وهو الأمر الذى هدد بها التجار حال عدم خضوع الهيئة المصرية العامة للكتاب واتحاد الناشرين المصريين، لشروطهم الخاصة بمشاركتهم فى معرض القاهرة الدولى للكتاب المقرر انطلاقه فى 23 يناير 2019، أى مع إجازة نصف العام أيضًا.

اجمالي القراءات 2910