خادم الحرمين الشريفين.. لقب اشتهر بالسعودية لكنه ولد بمصر قبل قرون

في الإثنين ٠٣ - ديسمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

عُرف عن ملوك وسلاطين المسلمين عبر التاريخ اهتمامهم بالألقاب، وقد جاء بعض هذه الألقاب باختيار الحكام أنفسهم وفرضت بعضها ظروف سياسية واجتماعية.
لكن تظل الألقاب التي تقلدها الحُكام بهدف المساعدة في بسط سيطرتهم وتوسيع نفوذهم هي الأكثر دهشة، خاصة إذا كانت مرتبطة بمعنى ديني له مكانة كبيرة لدى عامة المسلمين، ومن هذه الألقاب وأشهرها في السنوات الأخيرة لقب "خادم الحرمين الشريفين".
وقد يُتوهم أن هذا اللقب ابتدعته السعودية، لكن الحقيقة أنه ليس مستحدثا ولا حكرا على ملوكها، إذ ترجع بدايته إلى قرون خلت وبالتحديد في مصر.

الأيوبي باحثا عن شرعية دينية
فمع نهاية الدولة الفاطمية في مصر، أسس صلاح الدين الأيوبي الدولة الأيوبية في القرن الثاني عشر الميلادي، وعمل على توحيد الصفوف العربية والإسلامية، من أجل مواجهة الحملات الصليبية وتحرير المسجد الأقصى.

كما اهتم السلطان الناصر بتأمين طريق السفر إلى الحج برا وبحرا من هجمات الصليبيين، ونجح في إيقاف إحدى الحملات التي كانت تريد سرقة جثمان النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، ودعا له مشايخ الحرمين الشريفين على المنابر، ومن هنا حمل صلاح الدين الأيوبي لقب "خادم الحرمين الشريفين".

اللقب منقوش على قبة يوسف الواقعة جنوب صحن قبة الصخرة في القدس (مواقع إلكترونية)

ويؤكد الباحث الأثري يوسف أسامة في حديثه للجزيرة نت أن تأمين صلاح الدين للحجيج والمسجد الحرام والمسجد النبوي مكنه من توحيد صفوف الجيوش تحت رايته والشعوب من خلفه، وذلك بفضل لقب "خادم الحرمين الشريفين" الذي أطلقه عليه المشايخ وأهل الحجاز، ثم انتشر في سائر البلدان العربية الإسلامية.

ويلفت أسامة، وهو مؤسس صفحة المماليك على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك للتعريف بالآثار المنسية في مصر إلى القبة المشيدة باسم صلاح الدين الأيوبي في المسجد الأقصى بالقدس الشريف، والمكتوب فيها لقب "خادم الحرمين الشريفين"، بتاريخ 587هـ/1191م، مما يعني أن تاريخ اللقب يعود إلى نحو 800 سنة، وليس جديدا كما قد يُتوهم.

ويقول الدكتور علي الصلابي في كتابه عن السلطان صلاح الدين إن "اللقب بعد وفاة صلاح الدين الأيوبي ظل في البيت الأيوبي، لأنهم قاموا بتأمين طريق الحج وحماية الحجيج وخدمتهم، مما منحهم نفوذا سياسيا كبيرا في المنطقة العربية".

المماليك ورثوا الدولة وألقابها
بعد فتن أعقبت وفاة الصالح نجم الدين أيوب صعد مماليكه إلى سدة الحكم لكنهم احتفظوا بألقاب الأيوبيين، مثل لقب "السلطان" وكذلك لقب "خادم الحرمين الشريفين".

ويقول خبير الآثار الإسلامية صلاح عادل للجزيرة نت إن "أصول المماليك كعبيد لدى سلاطين الدولة الأيوبية ظلت هاجسا يؤرقهم دائما، وغرس في أنفسهم الخوف من رفض أهل مصر والشام والحجاز لهم في الحكم، لذلك اجتهدوا في خدمة الحجيج وأقاموا العديد من الوقفيات من أجل البيت الحرام والمسجد النبوي".

وأضاف عادل أن "خطوة المحافظة على لقب خادم الحرمين الشريفين، والانتصارات الحربية التي حققوها بداية من الانتصار على التتار، مكنتهم من بسط نفوذهم وكسب احترام الناس لهم داخل حدود ملكهم وخارجها". 

وحسب الباحث الأثري يوسف أسامة فإن لقب "خادم الحرمين الشريفين مدون على أثر إسلامي كبير في شارع المعز لدين الله الفاطمي بالقاهرة، وصاحبه هو السلطان المنصور أبو المعالي سيف الدين قلاوون أحد أبرز سلاطين المماليك.

اللقب أعلى النافذة المجاورة لمدخل مجموعة السلطان المنصور قلاوون بالقاهرة (الجزيرة)


اللقب يطير إلى العثمانيين
ويكمل خبير الآثار الإسلامية صلاح عادل قصة اللقب بقوله إن "دور المماليك في خدمة الأراضي الحجازية لم ينته مع هزيمتهم في معركة مرج دابق أمام السلطان العثماني سليم الأول، حيث أصبحوا ولاة لمصر تحت الحكم العثماني، وكانوا ملزمين بإعداد أهم قوافل الحج التي تحمل كسوة الكعبة المشرفة".

وأضاف عادل "لذلك فمع سقوط دولة المماليك على يد العثمانيين، وخضوع أراضي الحجاز لهم أصبح السلطان العثماني هو الأحق بلقب خادم الحرمين الشريفين، وعمل العثمانيون على إعمار الحرمين الشريفين وتخصيص الأوقاف اللازمة للحفاظ عليهما، وخدمة الحجيج، وأعانهم اللقب في استمرار حكمهم مئات السنين".

وأخيرا آل سعود
بعد أن تمكن عبد العزيز آل سعود من توحيد الأراضي الحجازية ونجد تحت حُكمه، قرر عام 1351هـ/1932م، أن يُغير اسمها إلى المملكة العربية السعودية، التي جلس على عرشها حتى الآن سبعة ملوك، حمل بعضهم لقب خادم الحرمين الشريفين.

وكانت البداية مع الملك فيصل حين كُتب اللقب على أستار الكعبة المشرفة، وفي عام 1986 قرر الملك فهد بن عبد العزيز التخلي عن لقب "صاحب الجلالة" ولقب نفسه بـ"خادم الحرمين الشريفين"، ثم سار على نهجه أخواه اللذان توليا السلطة من بعده؛ الملك عبد الله، ثم الملك الحالي سلمان بن عبد العزيز.

اجمالي القراءات 919