Is vertical farming the future of #agriculture? arcnct.co/2m7Tzwq
الآن، يمكنك الزراعة في مرآبك أو مخزنك الصغير.. فهل يصبح الضوء الصناعي بديلاً للشمس وينقذ العالم من الجوع؟
في حاوية شحن قديمة، تنمو الآلاف من أوراق الكرنب الصغيرة تحت وهج مصابيح خافتة وردية اللون، في مشهد يبدو كأنَّه من أحد أفلام الخيال العلمي أو تجربة لوكالة ناسا، ولكن الواقع إنه نموذج واعد لأساليب الزراعة باستخدام الضوء الصناعي أو ما يُعرف بالزراعة العمودية.
كانت الشمس دوماً أمراً ضرورياً للزراعة، ولكن النباتات إذا وجدت بديلاً لضوئها فلن يكون لديها مانع في النمو إن كان مناسباً، وهذا ما تقوم عليه الزراعة باستخدام الضوء الصناعي، وفقاً لما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Postالأميركية.
الزراعة باستخدام الضوء الصناعي تشكل تحوُّلا تاريخيا تحقَّق بفضل هذا الاختراع
مايك زيلكيند هو الرئيس التنفيذي لشركة 80 Acres Farms، وصاحب مصنع للنباتات في أحد أحياء مدينة سينسناتي بولاية أوهايو الأميركية، حيث يزرع داخل المستودعات بجوار منازل المنطقة.
وبعد أن امتلأت مستودعاته، بات زيلكيند يزرع الكرنب في حاويات قديمة كانت تُستخدم لنقل البضائع على الشاحنات.
ويمثل زيلكيند جزءاً من تحوُّل جذري في الزراعة -يجري منذ عقود- يعتمد على استزراع النباتات تجارياً دون أدنى شعاع للشمس، من خلال الزراعة باستخدام الضوء الصناعي.
ولقد أصبح ذلك ممكناً بفضل عدد من التقدمات التقنية، أبرزها الابتكارات في إضاءة الصمامات الثنائية الباعثة للضوء.
وتساءل زيلكيند قائلاً: «ما ضوء الشمس من منظور النباتات؟ إنه مجموعة من الفوتونات (مكونات الضوء)».
إنها توفر الطاقة، والأهم أنها تزيد من إنتاجية المحاصيل
قطعت أضواء الصمام الثنائي الباعث للضوء -الذي يعمل عبر تمرير التيار بين أشباه الموصلات- شوطاً طويلاً منذ أن ظهرت في شاشات الآلات الحاسبة بسبعينيات القرن الماضي.
ومقارنة مع الأشكال الأخرى للإضاءة الكهربائية، تستهلك الثنائيات الباعثة للضوء طاقة أقل، وتُصدر القليل من الحرارة، ويمكن معالجتها لتحسين نمو النباتات.
وفي التطبيقات الزراعية، تُستخدم أضواء الثنائيات الباعثة للضوء بأساليب شبه كيميائية، لتزيد من الإنتاجية .
أتريدها حلوة أم لاذعة؟ المفاجأة أنها تُغيّر مذاق المزروعات وتطيل فترة صلاحيتها أيضاً
وتغير هذه الأضواء الكيفية التي تنمو بها النباتات، والوقت الذي تزهر فيه، ومذاقها، بل مستويات الفيتامينات ومضادات الأكسدة بها.
بل بإمكان هذه الأضواء أيضاً أن تطيل مدة صلاحية النباتات، الأمر الذي يجعل الزراعة باستخدام الضوء الصناعي عملاً ثورياً بالفعل.
زيلكيند يستخدم على سبيل المثال وصفات من الضوء لزراعة نوعين من الريحان من النبتة نفسها: نوع حلو المذاق ليُباع في متاجر البقالة، ونوع آخر لاذع كي يستخدمه الطهاة.
والفرق بينهما هو فقط في كمية الضوء الموجهة للنبات.
الزراعة العمودية ستعيد عملية تسعير المنتجات الغذائية
يرى زيلكيند -الذي كان مسؤولاً سابقاً بإحدى شركات الأغذية- أنَّ مزرعته الداخلية وتقنياتها الضوئية الرائدة لا تغير الطريقة التي تُزرع بها النباتات فحسب، بل أيضاً النظام المعقد لإنتاج الغذاء وتسعيره وتوزيعه في الولايات المتحدة.
فلو انتشرت الزراعة باستخدام الضوء الصناعي، فإن سكان المدن ليسوا بحاجة إلى انتظار قدوم المنتجات الزراعية من الأرياف البعيدة.
وتنتشر مصانع النباتات عالية التقنية في جميع أنحاء الولايات المتحدة وجميع أنحاء العالم.
وينجذب رواد الأعمال إلى فكرة قلب الوضع الراهن ومواجهة تغير المناخ واللعب بمجموعة من الأنظمة التقنية الفائقة، أبرزها أضواء الصمامات الثنائية الباعثة للضوء.
باختصار، تُعد الزراعة الداخلية أو الزراعة العمودية أمراً مفيداً من الناحية الاقتصادية والبيئية في الوقت ذاته.
إنها مقاوِمة للتغير المناخي وللأمراض، ولا تحتاج حتى إلى مبيدات حشرية
يقول زيلكيند إن رفوفه مكدسة بالمحاصيل الطازجة، ونمت هذه النباتات دون استخدام مبيدات حشرية وتُستهلك محلياً في غضون يوم أو يومين من حصادها.
وتحتاج هذه النباتات إلى جزء بسيط من الأرض والماء والأسمدة مقارنةً بالخضراوات التي تُزرع بالأساليب التقليدية.
فهو لا يحتاج إلى تهجين أصنافٍ معينة لمقاومة الأمراض على حساب النكهات، ولا نباتات معدلة وراثياً للتعامل مع ضغوط مجال الزراعة. ولا تُشحَن محاصيله إلى جميع أنحاء الولايات المتحدة في شاحنات مبردة من مَزارع معرضة لآثار تغيُّر المناخ، كمنافسيه التقليديين.
وقال زيلكيند، متحدثاً من مكتبه الذي يطل على مطبخ عرض لاستقبال زواره من الطهاة وغيرهم: «نعتقد أن تغيُّر المناخ يُصعِّب الأمر على العديد من المزارع في جميع أنحاء البلاد والعالم».
الأهم أنها تحتاج إلى مساحة أقل كثيراً من الزراعة التقليدية
وتتيح الصمامات الثنائية الباعثة للضوء دورات المحاصيل السريعة طيلة العام.
وهذا يسمح لزيلكيند وفريقه من المزارعين والتقنيين بإنتاج نحو 90719 كيلوغراماً من الخضراوات الورقية ومحاصيل العنب والأعشاب وبراعم الخضراوات سنوياً، في مستودع تبلغ مساحته نحو 1115 متراً مربعاً، وهي كمية تحتاج إلى 80 فداناً من الأراضي الزراعية.
وقال زيلكيند إنه يستطيع مثلاً زراعة السبانخ في ربع الوقت الذي تستغرقه زراعتها في حقل، وفي نصف الوقت الذي تستغرقه زراعتها بصوبة زراعية.
وهي لا تتأثر بتقلبات الطقس
كما أنه يستطيع الزراعة طيلة العام، وبغض النظر عن حالة الطقس في الخارج، بإمكان زيلكيند أن ينتج 15 محصولاً أو أكثر سنوياً.
وهو يقول: «ثم اضرب هذا العدد في عدد المستويات التي تزرع بها في المبنى الذي تستخدمه، ويمكنك تقدير الإنتاجية».
واستحوذ زيلكيند وشريكته في العمل تيشا ليفينغستون، رئيسة الشركة، على هذا المستودع المهجور، وأضافا إليه حاويتين شحن وحوَّلا الجزء الداخلي من المستودع إلى مناطق زراعية عدة مزوَّدة بأنظمة بيئية متطورة تراقب درجة الحرارة والرطوبة وتدفق الهواء ومستويات ثاني أكسيد الكربون وحالة المحاصيل، وتضبطها باستمرار.
وتُغمر جذور النباتات -التي تُزرع مائياً- في مياه غنية بالعناصر الغذائية، ويُعاد تدوير الرطوبة والعناصر الغذائية غير المستخدمة التي تبعثها النباتات.
والصُّوَب الزراعية قد تتجه إلى استخدام التكنولوجيا نفسها
إضاءة الصمامات الثنائية الباعثة للضوء هي التي غيرت الوضع تماماً، إذ تعتمد الصُّوَب الزراعية التقليدية على مصابيح الصوديوم ذات الضغط العالي لتكملة ضوء الشمس.
لكنَّ هذه المصابيح تستهلك طاقة أكبر بكثير لإنتاج المستويات نفسها من الإضاءة، فضلاً عن أنها تصدر الكثير من الحرارة.
ويتوقع المحللون أن الصُّوب الزراعية -التي ما زالت تشكل جزءاً كبيراً من الزراعة في البيئات المغلقة- ستُضاء أيضاً باستخدام الصمامات الثنائية الباعثة للضوء بشكل كامل مستقبلاً.
وتحسين كفاءة الإضاءة يدعم نمو النباتات
وقال زيلكيند إنَّ السنوات الثلاث الأخيرة شهدت انخفاض تكلفة إضاءة الصمامات الثنائية الباعثة للضوء إلى النصف، وازدياد فاعليتها أو طاقتها الضوئية إلى أكثر من الضعف.
وبدأ الإنتاج بمصنع سينسيناتي في ديسمبر/كانون الأول من عام 2016، وحالياً أصبح لدى الشركة 4 مزارع داخلية في عدة مناطق بالولايات المتحدة.
وقالت ليفينغستون: «نشعر بأن الوقت مناسب لنا لتحقيق الطفرة، لأنَّ كفاءة الإضاءة متوافرة هناك».
ولكن، كيف تزيد هذه الأضواء الصناعية من نمو النباتات وتؤثر في مذاقها؟
إحدى مميزات الزراعة باستخدام الضوء الصناعي هي إمكانية التحكم في موجات الضوء الموجَّه للنبات.
وعلى مرِّ عقود، توصل العلماء إلى أن البناء الضوئي يصل إلى ذورته المثالية ضمن نطاق الضوء الأحمر، لكنَّ النباتات تحتاج أيضاً إلى موجات الضوء الأزرق لمنع التمدد وتحسين لون الأوراق. وهناك نطاق ضوء يسمى الضوء الأحمر البعيد، يعزز نمو الأوراق الكبيرة والتفرع والإزهار.
وفي ظل التقدم بتقنية الصمامات الثنائية الباعثة للضوء، يمكن ضبط وصفات الضوء -عبر تحديد عدد ساعات الإضاءة وكثافة الفوتونات الموجهة إلى النباتات ومزيج الألوان- بدقة لكل محصول، بل لكل مرحلة في حياة المحصول.
وبالنظر إلى الطبيعة المتطورة لهذه التقنية وإمكاناتها التجارية الهائلة، تشارك شركات الإضاءة والجامعات -بالتعاون في كثير من الأحيان- مشاركةً فعالة في البحث والتطوير.
فعبر اختيار الأضواء المناسبة يمكن جعل النباتات أكثر إزهاراً
وقال ليو مارسيليس، أستاذ البستنة في جامعة فاخينينغن الهولندية: «لدينا عصر جديد تماماً من البحث».
إذ سمح تعديل وصفات الضوء للباحثين بمعالجة المحاصيل بطريقة لم يسبق لها مثيل قط.
ففي المختبر، دُفِع الأقحوان إلى مرحلة الإزهار دون اللجوء إلى الإجراء التقليدي، المتمثل في الحد من تعرُّض النبات اليومي لضوء النهار.
وهذا يسمح للمزارعين بإنتاج نباتات مُزهِرة أكبر.
وأضاف مارسيليس: «يتعلق الأمر بالتلاعب بالضوء الأزرق في اللحظة المناسبة من اليوم».
وهناك العديد من الاستجابات المدهشة للنبات تجاه الضوء».
وعلى سبيل المثال، يحب الخس أن يحصل على 18 ساعة من الضوء يومياً.
لكنَّ الريحان يفضل الحصول على ضوء أكثر سطوعاً مدة 15 ساعة يومياً، وفقاً لما ذكرته سيلين نيكول، وهي باحثة بشركة سيغنيفاي الهولندية (التي كانت تُعرف سابقاً بشركة فيليبس للإضاءة).