حجية السنة النبوية.. صراع الأزهر والسيسي الجديد

في السبت ٢٤ - نوفمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

ما بين نداءات التجديد.. ودعوات مقاومة التبديد، شهدت احتفالية المولد النبوي، الأسبوع الماضي، ظهور الخلاف بين الأزهر ومؤسسة الرئاسة المصرية إلى النور مجددا، بتصريحات مباشرة لقيادة المؤسسة الدينية، شيخ الأزهر الشيخ "أحمد الطيب"، والرئيس المصري، "عبدالفتاح السيسي".

ففى كلمته دعا الإمام الأكبر إلى ضرورة الحفاظ على السنة النبوية المطهرة وعدم الانجرار وراء الصيحات التي دأبت على التشكيك في قيمة السنة وفي ثبوتها وحجيتها.

كما أدان دعوات الاعتماد فقط على القرآن وحده كالمصدر الوحيد للتشريع، مشددا على أن ما قام به علماء الأمة السابقون جهود علمية جبارة مضنية، أفنى فيها علماء الأمة وجهابذتها أعمارًا كاملة، أراقوا فيها ماء أعينهم، من أجل هدف واحد، هو تمييز الصحيح من غير الصحيح من مرويات السـنة.

لكن كلمات "الطيب" لم تجد قبولا كبيرا لدى "السيسي" الذي رد على الإمام الأكبر قائلا: "يا ترى إساءة من ينادى بالاعتماد على القرآن وحده كالمصدر الوحيد للتشريع أكبر، أم إساءتنا كفهم خاطئ وتطرف شديد؟".

كما تساءل: "يا ترى سمعة المسلمين عاملة إزاي فى العالم؟"، لافتا إلى أن الإشكالية الموجودة فى العالم الإسلامي اليوم هى القراءة الخاطئة لأصول الدين، وليس اتباع السنة ومن عدم اتباعها.

معركة متجددة

لكن صراع تجديد الخطاب الديني، الذي تعد السنة النبوية محورها، تجدد مرارا على مدى السنوات الماضية، إذ بدأت أزمة "تجديد الخطاب الديني"، مطلع عام 2015؛ عندما دعا "السيسي" لما وصفه بـ"ثورة دينية" وإلى "تجديد الخطاب الديني"؛ للتخلص من أفكار ونصوص تم تقديسها على مدى قرون، وباتت مصدر قلق للعالم كله، وفق ادعائه.

وفي 24 يناير/كانون الثاني 2017 قال "السيسي" لـ"الطيب" خلال احتفالات عيد الشرطة :"تعبتني معاك يا فضيلة الإمام"، ورغم أن ظاهر هذه الكلمة مزحة إلا أن أنصار الرئيس اعتبروها شهادة وفاة للأزهر وشيخه، وقالوا إن الرئيس فاض به الكيل.

وقبل أسبوعين وتحديدا خلال انعقاد فعاليات منتدي شباب العالم، تحدث "السيسي" عن قضية التجديد، واستخدم لفظان الأول تصويب، والثاني تصحيح، قائلا: "من غير المعقول أن تكون مفردات وآليات كان يتم التعامل بها من ألف عام وكانت صالحة فى عصرها تطبق في عصرنا!".

وأضاف "السيسي": "حد سأل نفسه لماذا تتمركز أغلب الصراعات فى هذه المنطقة ولماذا تضم المنطقة أكبر نسبة من اللاجئين، ومن الضحايا؟، بعدها تابع: "إحنا لا نتكلم فى تغيير دين.. ولكن إزاى تقنع أصحاب العقول والرأي أن لديه مشكلة حقيقة فى خطابه وفهمه للدين الذى يتعامل به.. لابد من إيجاد مفردات لخطاب ديني تتناسب مع عصرنا، وبعد 50 سنة نحتاج تطويرها بتطور المجتمعات".

رؤية الطيب للتجديد

لكن رؤية "السيسي" بـ"الحذف" و"التخلص" تختلف عن رؤية "الطيب" التي دونها في مقال له نشرته جريدة الأهرام، الأسبوع الماضي، قال فيه إن التجديد الذي ننتظره ينبغي أن ينطلق فيه من القرآن والسنة أولًا، وبشكل أساسي، ثم مما يتناسب ومفاهيم العصر من كنوز التراث بعد ذلك.

وتابع أنه وليس المطلوب - بطبيعة الحال- خطابًا شموليًا لا تتعدد فيه الآراء ولا وجهات النظر، فمثل هذا الخطاب لم يعرفه الإسلام في أي عصر من عصور الازدهار أو الضعف، وإنما المطلوب خطاب خالٍ من "الصراع" ونفي الآخر واحتكار الحقيقة في مذهب، ومصادرتها عن مذهب آخر مماثل.

لكن أزمة "التجديد" القديمة المتجددة، ليست هي الوحيدة بين الأزهر و"السيسي".. إذ سبقتها أزمات عديدة بدأت مبكرا، حتى قبل تولي "السيسي" الرئاسة رسميا.

1- أزمة فض الاعتصام

رغم دعم "الطيب" انقلاب الجيش علي الرئيس المدني المنتخب، "محمد مرسي"، في 3 يوليو/تموز 2013، وحضوره البيان الذي ألقاه "السيسي"، حينما كان وزيرا للدفاع آنذاك، للإعلان عن خارطة الطريق، في مرحلة ما بعد "مرسي"، فإن الصراع بين "السيسي" و"الطيب" بدأ منذ فض اعتصام أنصار "مرسي" في ميداني رابعة العدوية والنهضة في 14 أغسطس/آب 2013.

فآنذاك، أعلن شيخ الأزهر، عبر بيان متلفز، تبرؤه من الدماء التي سالت، قبل أن يعتزل لأيام في مدينته سوهاج (جنوبي البلاد) رفضا لفض الاعتصام بالقوة.

ومع عودته، بدأ خلاف مكتوم بين الرجلين، تصاعد للإعلام عقب تولي "السيسي" الرئاسة، وبدأت إشاراته لتؤكد عدم الرضا عن أداء "الطيب"، حتى أن "السيسي" قال في أحد خطاباته: "فضيلة الإمام كل ما أشوفه بقول له: إنت بتعذبني".

2- أزمة تكفير أعضاء "الدولة الإسلامية"

أزمة تكفير منتسبي تنظيم "الدولة الإسلامية"، كانت بين الأزهر ومفكرين وكتاب محسوبين على النظام.

بدأت في ديسمبر/كانون الأول 2014، عندما أصدر الأزهر بيانا، رفض فيه تكفير منتسبي "الدولة الإسلامية"، وأوضح أنه "لا يستطيع أحد أن يحكم على مؤمن بالكفر مهما بلغت سيئاته".

وفي المقابل ظهر على الساحة إعلاميون مؤيدون للنظام ينتقدون الأزهر صراحة، متهمين إياه بأنه مخترق من السلفية الوهابية، وأن جماعة "الإخوان المسلمين" تسيطر عليه.

3- أزمة الخطبة المكتوبة

"الخطبة الموحدة" مطبقة في مصر منذ نهاية 2015، وتعتمد على تحديد موضوع الخطبة، على أن تكون الخطبة عموما ارتجالية تدور حول الموضوع المحدد، بينما كانت وزارة الأوقاف تريد أن تحولها إلى "خطبة مكتوبة"؛ أي ورقة تحتوي نصا موحدا صادرا عن الوزارة، يقرأها الخطيب (إمام المسجد) كل جمعة.

لكن الأزهر عارض هذه الرغبة، التي تم تطبيقها على مدار أسابيع في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2016، وقررت "هيئة كبار العلماء" (أعلى هيئة دينية تابعة للأزهر الشريف)، رفض تطبيق "الخطبة المكتوبة"، معتبرة إياها "تجميدًا للخطاب الديني"، فتراجعت وزارة الأوقاف، عن "الخطبة المكتوبة".

3- أزمة الطلاق الشفوي

بدأت تلك الأزمة عندما خرج "السيسي"، خلال احتفالية عيد الشرطة، في 24 يناير/كانون الثاني 2017، داعيا إلى إصدار قانون يقضي بألا يتم الطلاق إلا أمام مأذون؛ أي حظر الطلاق شفويا، معتبرا أن الهدف منه إعطاء الناس فرصة لمراجعة نفسها بدلا من أن يتم الطلاق بكلمة يقولها (الزوج) هكذا في أي لحظة.

وقال "السيسي"، مبررا طلبه، إنه طبقا لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر (حكومي)، فإن 40% من المتزوجين يطلقون خلال السنوات الخمس الأولى من الزواج، معتبرا أن هذه نسبة كبيرة ويكون لها سلبيات على الأسرة والأجيال المقبلة.

ورغم إلحاح "السيسي" وأذرعه المختلفة، فإن هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف رفضت طلبه، واعتبرته مخالفا للأصول الشرعيةـ مؤكدة أن ظاهرة شيوع الطلاق لا يقضي عليها اشتراط الإشهاد أو التوثيق؛ لأن الزوج المستخف بأمر الطلاق لا يعجزه أن يذهب للمأذون أو القاضي لتوثيق طلاقه.

4- أزمة قانون الأزهر

في ظل تعالي الأصوات المحسوبة على النظام التي تهاجم الأزهر، وتعتبر مناهجه سببا في انتشار التطرف والإرهاب في مصر، سعى ائتلاف الأغلبية في البرلمان المصري "دعم مصر" لسن تعديلات تشريعية، بشأن اختيار أعضاء هيئة كبار العلماء وطريقة تعيين شيخ الأزهر.

وقدم النائب البرلماني "محمد أبو حامد" مشروع قانون في هذا الصدد، عده البعض محاولة للتمهيد لعزل شيخ الأزهر، حيث تضمن تعديلات جوهرية على قانون الأزهر، تقضي بوضع مدة لولاية شيخ الأزهر يتم تحديدها بثماني سنوات.

وسمح بتدخل واسع للرئاسة والأجهزة الأمنية في تعيين هيئة كبار العلماء، الجهاز الأهم في مؤسسة الأزهر، والمسؤول عن انتخاب ومحاسبة وربما عزل شيخها، فضلا عن دوره في اختيار مفتي الجمهورية.

ومع تصاعد الخلاف بين الأزهر والبرلمان بشأن مشروع القانون، تدخلت شخصيات مصرية عامة لإنهاء حالة التوتر عبر وقف المشروع، وهو ما تم بالفعل.

5- أزمة زواج القاصرات

كما قاد "السيسي" حملة ضد زواج القاصرات (من هم دون 18 عاما)، مطالبا الأزهر بتحريمه، تردد شيخ الأزهر، "أحمد الطيب"، في الرد، قبل أن يرفض تحريم زواج القاصرات.

كان "السيسي" أشار خلال الاحتفالية بإعلان نتائج التعداد السكاني، في 30 سبتمبر/أيلول المنصرم، إلى أن عدد الفتيات اللاتي تزوجن في سن الثانية عشر كبير جدا، وبينهن من أنجبت وطلقت، لافتا إلى أن الفتاة في هذه السن تكون صغيرة، مناشدا الآباء الرفق ببناتهم.

ولم تمض سوى ساعات قليلة على حديث "السيسى"، لتكشف وزارتا الصحة والعدل عن الانتهاء من إعداد قانون لتجريم زواج الأطفال ممن هم أقل من 18 عاما، الذي من المنتظر أن يناقشه البرلمان خلال دور الانعقاد المقبل، دون الرجوع إلى رأي الأزهر كما ينص الدستور.

في المقابل، أكد "الطيب"، في لقاء مع قناة "الغد المشرق" (خاصة)، أنه لا يوجد نص صريح قاطع في القرآن أو السنة يبيح أو يمنع زواج القاصرات، مضيفا: "الرسول لم يقل لنا زوجوا أطفالكم قبل البلوغ، مفيش (لا يوجد) إطلاقا هذا الكلام".

لكن اللافت للنظر، أنه في معظم المعارك التي خاضها الأزهر أمام مؤسسة الرئاسة، أو وزارة الأوقاف التي يدعم وزيرها الرئاسة بشكل مطلق، خرج فيها الأزهر منتصرا.. على الأقل حتى الآن.

اجمالي القراءات 2037