مترجم: الشاشات تدمّر عينيك.. والآن بتنا نعرف كيف!

في الإثنين ١٩ - نوفمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

أصبحت هواتفنا الجوالة أجهزتنا المفضلة، لا تكاد تفارقنا منذ باكورةِ الصباح حتى آخر لحظاتِ ما قبل النوم؛ لكن الضوء الأزرق المنبعث منها ومن الأجهزة الرقمية الأخرى لدينا ربما لا يكون صديقنا الصدوق الذي يمكننا الثقة به.

يطولُ سجلّ الاكتشافات يومًا بعد يوم عن مضارّ وآثار الضوء الأزرق الخطرة، إذ يتسبب باضطرابات في إيقاعات ساعتنا البيولوجية وما يتبعها من معاناةٍ مع الأرق ومشاكل النوم. كما لفت الأطباء الانتباه إلى العلاقة بين تلك الأجهزة ومشاكل العين، بدءًا من إجهاد العين اليومي إلى المياه الزرقاء (الغلوكوما) وصولًا إلى التنكّس البقعي.

ناقوسٌ جديد يدقّه تقرير موقع «popular science» في هذا الميدان، كيف يمكن لضوء الشاشات الأزرق أن يدمّر مقلتيّ العينين، وماذا نفعل إزاء ذلك؟

مكمن الخطر

يرى الإنسان طيفًا محددًا من الضوء، بدءًا من الأحمر حتى البنفسجي. تظهر الأطوال الموجية الأقصر باللون الأزرق، بينما تظهر الأطول منها باللون الأحمر. أما ما نراه على أنه لون أبيض -سواء أتى من ضوء الشمس أو من شاشةٍ ما- يتضمن في الواقع كل الألوان الموجودة في الطيف تقريبًا.

يمتد الضوء المرئي ما بين الأحمر والبنفسجي، مصدر الصورة: ويكبيديا

في ورقةٍ بحثية منشورةٍ حديثًا في دوريّة «ساينتيفِك ريپورتس»، بدأ الباحثون في «جامعة توليدو» الأمريكية بتحليلِ كيفَ يمكن أن يحدثَ ضرر لا يمكن إصلاحه في خلايا العين، جرّاء التعرض القريب أو المطوّل للأمواج القصيرة بطول 445 نانومتر المسمّاة «الضوء الأزرق». ويمكن للنتائج أن تتسبب بعواقب وخيمة على تكنولوجيا المستهلك بشكلٍ عام.

بروفسور الكيمياء ومؤلف الدراسة «أجيث كاروناراثني» يشبّه المستقبلات البصرية بالسيارة ومادة الريتينال بالوقود؛ شارحًا الأمر بالتفصيل: «عندما تتعرض خلايا من العين للضوء الأزرق مباشرة في المختبر –يحاكي ذلك نظريًا ما يحدث عندما نحدّق في شاشات الهاتف والحواسيب لدينا-؛ تحفّز الموجات عالية الكثافة تفاعلًا كيميائيًا في جزيئات الشبكية في العين. يتسبب الضوء الأزرق بأكسدةِ الريتينال، مولِدًّا «أنواعًا كيميائية سامّة».

والنتيجة وفقًا لـ«كاروناراثني»:

 يُزوّد الريتينال بالطاقة العائدة لهذا النطاق المحدد من الضوء، متسببًا بقتل الخلايا المستقبلة للضوء؛ لا تعود هذه الخلايا للنمو إذا ما أُتلِفَت.

إذا كان الريتينال وقودًا، فالضوء الأزرق شرارته الخطِرة.

لا تعني هذه النتائج أن الأضرار الكارثية على الرؤية محسومة. لكن التجربة تظهر كيف يمكن للضوء الأزرق قتل الخلايا المستقبلة للضوء. لدى الضوء الأزرق قدرة على قتل كفايةٍ منهم لإحداثِ مرض التنكس البقعي، وهو مرضٌ عضال يجعل الرؤية ضبابية أو حتى يعدمها.

إدمانٌ أزرق

ينوّه التقرير إلى وجودِ الضوء الأزرق بشكلٍ طبيعي في ضوء الشمس، ضمن أشكالٍ أخرى من الضوء المرئيّ والأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء. ولكن كما يشير كاروناراثني، نحن غالبًا لا نحدّق في الشمس، كما أن معظمنا تعلّم أثناء الطفولة أنه مؤذٍ للعيون. ومع ذلك، تحمل الأجهزة الرقمية تهديدًا أكبر. يقضي المواطن الأمريكي العادي نحو 11 ساعة يوميًا أمام بعض أنواع الشاشات، وفقًا لاستطلاعٍ أجرته مؤسسة نيلسن عام 2016. حتى الآن، وأنتَ تقرأ الكلمات هذه تتعرض غالبًا للضوء الأزرق.

 

 

عندما نحدق مباشرةً إلى الشاشات –خاصةً في الظلام- نوجه الضوء إلى منطقةٍ صغيرةٍ جدًا داخل مقلة العين. يوضح كاروناراثني الأثرَ الخطير لذلك بتشبيهٍ آخر:

يمكن أن تزداد حدّة الضوء المنبعث من الجهاز أضعافًا مضاعفة. عندما تحمل عدسةً مكبّرة في ضوء الشمس، ترى شدة الضوء في بؤرة التركيز، يمكنك حرقَ شيءٍ ما به.

البرتقاليّ هو الأزرق الجديد

ينتقد مصممو تجربة المستخدم اعتمادنا على الضوء الأزرق وفقًا للتقرير. من بين هؤلاء «أمبر كيس» مؤلفة كتاب «تكنولوجيا هادئة»، التي توثّق في إحدى تدويناتها كيف أصبح الضوء الأزرق «لون المستقبل»، يعود ذلك ولو جزئيًا إلى أفلام مثل «بليد رانر» الصادر عام 1982. كما يعتبر الانتقال المدفوع بيئيًا من المصابيح المتوهجة إلى أضواء إل إي دي ذات الكفاءة العالية والقوة الكهربائية المرتفعة، دافعًا آخر نحو انتشار الضوء الأزرق. تعقّب كيس:

إذا ساهمت الثقافة الشعبية في دفعنا نحو واقعِ مضاءٍ بالأزرق المؤذي لنا كثيرًا، يمكنها أيضًا أن تساعدنا في الوصول إلى جماليّات جديدة تعتمدُ اللون البرتقالي.

تلاحظ كيس أن الجيش ما يزال يستخدم الضوء الأحمر أو البرتقالي للكثير من واجهاته، بما في ذلك ما يوجد في غرف التحكم ومقصورات القيادة، مضيفةً: «تأثير هذا الألوان ضئيل، ولذا تعتبر مثالية للمناوبات الليلية»، كما تقضي على «الشذوذات البصرية» التي يستحثها الضوء الأزرق- الإحساس بالسطوع الشديد لضوء الشاشة في الظلام- وهي محفوفة بالمخاطر في حالاتٍ عدة.

 

 

أيّة حلول؟

يعدّد التقرير بعض التقنيات المفيدة الممكن اللجوء لها حاليًا، مثلًا تقدّم شركة آبل خيار «النمط الليلي» على هواتفِها وأجهزتها، ما يسمح للمستخدمين بتصفية الشاشات من اللون الأزرق بحيث تبدو بطيفِ ألوان غروب الشمس. تتوافر أيضًا منتجاتٍ عدّة للتحكم في تدفق الضوء الأزرق إلى قزحيّة العين، بما في ذلك واقيات الشاشات المكتبية. بل يوجد أيضًا نظارات مُفلتِرة للأزرق مخصصة لهواةِ ألعاب الفيديو. لكن كلما اتضّح ضرر الضوء الأزرق والعطب الذي يسببه على رؤيتنا، طالب المستهلكون بتغييرات أكبر وأكثر جذرية.

 

 

حين يكبر الجيل الجديد سيكون السؤال: هل وقع الضرر؟

يخطط «كاروناراثني» للتركيز على جمع البيانات من هنا وصاعدًا، فهي «النزعة الجديدة» في طريقة نظرنا إلى أجهزتنا كما يقول: «سيستغرق الأمر وقتًا لمعرفةِ الضرر الذي يمكن أن تسببه هذه الأجهزة مع الزمن، وإن حدث الضرر فما مقداره؟ عندما يكبر الجيل الجديد سيكون السؤال آنذاك هل وقع الضرر؟». لكن الآن ومع تحديد المسار البيوكيمائي لأثر الضوء الأزرق، يتطلّع كاروناراثني إلى الابتكارات الجديدة: «من يعلم! قد نتمكن يومًا ما من تطويرِ قطراتٍ للعين تستعملها عندما تعرف أنك تعرضت لضوءٍ شديد، تأخذ منها بعض القطرات لتقلّل الضرر».

اجمالي القراءات 1650