مشاحنات دبلوماسية متعددة تثير تساؤلات حول المفهوم السعودي للسيادة

في الأربعاء ٠٨ - أغسطس - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

من شأن فشل الحلفاء الغربيين في الالتفاف حول كندا في نزاعها مع المملكة العربية السعودية أن يدفع المملكة إلى اعتقادٍ خاطئ بأن العقوبات الاقتصادية العدائية ستحميها من الانتقاد المتصاعد لسجلها في مجال حقوق الإنسان، وإدارتها للحرب في اليمن، إن لم يكن العكس. كما أنه يخاطر بإقناع ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" بأن سوء التصرف مع الإفلات من العقاب لن يؤثر على جهوده لجذب الاستثمارات الأجنبية التي تمس الحاجة إليها.

ولم تكن كندا هذا الأسبوع هي البلد الوحيدة التي تتبع نهجا نقديا تجاه المملكة. فبعد أسابيع من إعلان انسحاب القوات الماليزية من التحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب، الذي تقوده المملكة بمشاركة 41 دولة، أمر وزير الدفاع الماليزي "محمد سابو" بالإغلاق الفوري لمركز الملك سلمان للسلام الدولي، المدعوم من السعودية.

وكان المركز، الذي تموله السعودية، قد تم إنشاؤه خلال زيارة قام بها الملك "سلمان" إلى ماليزيا العام الماضي، لإعلان المملكة كزعيم في الكفاح ضد العنف السياسي وتعزيز السلام. وقد شكل إنشاء المركز تحولا في استراتيجية القوة الناعمة في المملكة، بعد أن اعتمدت لعقود من الزمن على تمويل عالمي سخي لسلسلة من المجموعات المسلمة المتطرفة.

وساعد المركز أيضا في توسيع النفوذ السعودي في جنوب شرق آسيا، من خلال جمع علماء المسلمين ووكالات الاستخبارات، في محاولة لمواجهة التفسيرات المتطرفة للإسلام بالتعاون مع جامعة العلوم الإسلامية الماليزية، التي تمولها السعودية، ورابطة العالم الإسلامي، السعودية أيضا، وهي ﻣﻨﻈﻤﺔ ﻏﲑ ﺣﻜﻮﻣﻴﺔ ﻋﻤﻠﺖ ﻟﻔﺘﺮة ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻛﻮﺳﻴﻠﺔ ﻟﻨﺸﺮ الإسلام المحافظ المتشدد عالميا.

واندلع الخلاف بين السعودية وكندا بعد أن دعا سفير كندا في المملكة، "دينيس حوراك"، المملكة العربية السعودية إلى إطلاق سراح الناشطات المحتجزات، بما في ذلك "سمر بدوي"، شقيقة "رائف" زوج المواطنة الكندية المتجنسة حديثا "إنصاف حيدر"، حيث تم إلقاء القبض عليه عام 2012، وحُكم عليه بالسجن 10 أعوام وألف جلدة، بتهمة الترويج لحرية التعبير وحقوق المرأة.

وبالتوازي مع الخلافات في حوادث مماثلة، مع السويد عام 2015، وألمانيا في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، لا يختلف ما حدث عن الأساليب التي تبنتها الأنظمة الاستبدادية الأخرى مثل الصين، التي ردت بالمثل في قضايا مثل تايوان وبحر الصين الجنوبي، ونشر الولايات المتحدة للنظام المضاد للصواريخ في شبه الجزيرة الكورية.

وقد سحبت السعودية سفيرها في السويد بعد أن انتقدت "مارغوت فالستروم"، وزيرة الخارجية السويدية، سجل حقوق الإنسان في المملكة، بما في ذلك إصدار الحكم على "رائف بدوي" وسجنه، كما أن المملكة ألغت اتفاقيات الأسلحة معها.

وبالمثل، استدعت المملكة سفيرها ردا على الانتقادات الألمانية لمحاولة المملكة التدخل في الشؤون الداخلية للبنان، من خلال وضع رئيس الوزراء اللبناني "سعد الحريري"؛ تحت الإقامة الجبرية، وإجباره على الاستقالة، ولقد جاءت المحاولة السعودية بنتائج عكسية، وسحب "الحريري" فيما بعد استقالته.

وفي إشارة إلى أن أساليب التخويف من قبل المملكة قد تكون متهورة، قالت ألمانيا، في يناير/كانون الثاني، إنها "أوقفت" على الفور صادرات الأسلحة إلى أي طرف يشارك في الحرب في اليمن، بما في ذلك المملكة العربية السعودية.

وفي مقال افتتاحي، أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن الإجراءات السعودية ضد كندا كانت "نوعا من التحركات التي كانت لتثير في الماضي معارضة حازمة وموحدة من الغرب. وحتى الآن، لم يكن هناك حتى تذمر أو احتجاج".

واستطردت الصحيفة قائلة: "ليس من غير المعتاد بالنسبة للدول أن ترفض الانتقادات الخارجية. لكن هذا الانتقام السعودي عدواني بلا داعي، ويهدف بوضوح إلى ترهيب المنتقدين وإجبارهم على الصمت... يدعي السعوديون أن البيان الكندي "تدخل علني وسافر" في شؤونها الداخلية، لكن هذه الحجة خادعة... ففي عهد الأمير "محمد"، لم يكن يخجل السعوديون من التحدث أو التدخل المباشر في شؤون الدول الأخرى، بما في ذلك اليمن والبحرين وقطر".

وفي الواقع، تشكل محاولة السعودية إقناع الحكومات بالامتناع عن الانتقاد محاولة لتقليص سيادة الآخرين، من خلال فرض عليهم ما يستطيعون وما لا يستطيعون قوله.

ونتيجة لذلك، يهدد رد السعودية القاسي على تصريحات السفير الكندي بمزيد من تقويض ثقة المستثمرين في التزام المملكة بسيادة القانون.

ويتجاهل التأكيد السعودي بأن كندا تدخلت في شؤونها الداخلية التزامات المملكة القانونية بصفتها من الموقعين على العديد من المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، التي تتجاوز السيادة الوطنية، ودورها في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والذي يعمل وفقا لمبدأ مراقبة الحكومات وانتقاد سجل الآخرين في حقوق الإنسان.

وقد حذر الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، الذي ذهب العام الماضي إلى المنفى الطوعي في الولايات المتحدة، على الرغم من دعمه الشديد للإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي قام بها الأمير "محمد"، ولديه علاقات وثيقة وطويلة الأمد مع عائلة "آل سعود"، من أن المملكة تقطع فعليا أنفها بنفسها.

وقال: "لا تمتلك المملكة ببساطة رفاهية تنفير أي أجزاء أخرى من المجتمع الدولي في خضم انخراطها العسكري غير الشعبي في اليمن... والأهم من ذلك، أن التحول الاقتصادي في المملكة يتطلب أصدقاء أكثر من الأعداء، ولكي يحقق "بن سلمان" رؤيته الاقتصادية والتحويلية التي تبناها في جولته الخارجية، فإنه يحتاج إلى استخدام الطرق والوسائل التي اعتاد عليها المستثمرون. وإذا كان المسؤولون التنفيذيون في شركة ما يخشون حدوث رد فعل عنيف بشأن أي انتقاد محتمل فيما يتعلق باستثماراتهم، فإن الرؤية الجديدة للمملكة تصبح في خطر جدي".

اجمالي القراءات 749