منتجات «فيكتوريا سيكريت» من صنعهم.. قصة «العبيد» الباقين في أمريكا حتى الآن

في الأربعاء ٠١ - أغسطس - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

من خلال التعديل الثالث عشر لدستور الولايات المتحدة، والذي وُثّق عام 1865؛ حُرر العبيد في أمريكا أمام أعين العالم، ولكن دون أن يلحظ الكثير الثغرة التي وجدت في نص هذا التعديل، فينص التعديل الدستوري على أن: «تُلغى وتُحرم أي ممارسة للعبودية غير الطوعية، إلا في حالة من أُدين بجريمة داخل الولايات المتحدة، أو أي مكان يخضع لولايتها القضائية»، ومن هنا بدأ عصر جديد للعبودية في أمريكا وهي عبودية السجناء، والتي نتعرف إلى مظاهرها وبعض الحقائق عنها في هذا التقرير.

السجن ليس تطهّرًا من الجريمة.. 75% من المساجين يعودون لزيارته

البعض يرددون أن «السجن تأديب وتهذيب وإصلاح»، والبعض الآخر يؤمن أن فترة السجن يجب أن تكون فترة إعادة تأهيل للسجين؛ حتى يخرج للمجتمع عضوًا فعالًا ومنتجًا تجاوز الجريمة التي ارتكبها، ولكن الأمر لا يسير على تلك الشاكلة في الولايات المتحدة، فمعدّل العودة إلى السجن مرة أخرى بعد الإفراج يتزايد تزايدًا مستمرًا.

 

 

ووفقًا لإحصائيات عام 2017، فإن ما يزيد على 75% من الذين يخرجون من السجن يعودون إليه مرة أخرى خلال خمسة أعوام، وهذا لأن معظمهم يُستغلّ في أعمال قد تبدو من الخارج إصلاحية، ولكن في طياتها تخبئ جذور العبودية، مما يشغلهم عن هدفهم الأصلي في تطوير ذاتهم، وهو ما سيتضح أكثر في الفقرات القادمة.

سجون أم مشروعات تجارية ضخمة؟

السجون في الولايات المتحدة ليست جميعها تابعة للدولة، فهناك سجون تسعى للربح تابعة للقطاع الخاص، وإذا كان السجين ينتمى إلى تلك النوعية من السجون؛ فهو يعتبر «عبدًا» لها، ولا يمتلك حق رفض العمل؛ لأن العقاب يكون السجن الانفرادي، أو سنوات تُضاف إلى مدة عقوبته، ولكن ليس هذا هو التجسيد الحديث لممارسة العبودية.

 

 

المُفترض أن العمل داخل السجون مثله مثل أي عمل، له مواعيد وقوانين تنظّمه وراتب أيضًا، ولكن تلك السجون لا تعترف بهذا الأمر، ولا تمنح السجناء أجرًا عن عدد ساعات العمل اليومية لصالح تجارات مزدهرة، وهذا لأن القائمين على تلك السجون يتّكئون على الثغرة الكامنة في التعديل الدستوري الثالث عشر الخاص بالعبودية، والذي يشير إلى أن السجين لا يعتبر رجلًا مُعاقبًا فقط، بل هو رجل ليس له أي حرية، ويعتبر عبدًا لسجّانه إلى حين انتهاء مدة عقوبته، وهو ما يُطلق عليه «العمل الجزائي».

 

وفي سعيها لكي لا تبدو قاسية في أعين الإعلام والرأي العام؛ تمنح هذه السجون بعض السجناء أجرًا مقابل العمل، ولكنه أجر زهيد، مثل سجناء ولاية لويزيانا والذين يشكلون 50% من رجال الإطفاء في الولاية؛ إذ يمنحهم السجن دولارين في الساعة مقابل عملهم، فإذا كان السجين يعمل خمس ساعات يوميًّا؛ فمرتبه الشهري لن يتجاوز 220 دولارًا أمريكيًّا، وهذا هو أعلى أجر يحصل عليه السجناء مقابل العمل في الولايات المتحدة الأمريكية. ومعظم السجناء يتقاضون 80 سنتًا في الساعة، وهو المبلغ الذي أشار إليه الإعلام الأمريكي بكونه «عبودية وليس أجرًا»، وهذا الأمر ينطبق على مليون ونصف المليون سجين في أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية.

 

ما تستخدمه في حياتك اليومية من صنع «عبيد سجون أمريكا»

الوظائف التي يعمل بها السجناء دون مقابل لا تتوقّف على المطافي أو النظافة وطهي الطعام وتنظيف الملابس بالسجن، بل الأمر يشمل العمل لصالح شركات كبرى تساهم منتجاتها في مسيرة حياتنا اليومية، أو منتجات تُرضي رفاهيات المستهلكين من أنحاء العالم.

 

 

وقد عُرف عن السجناء الذين يعاملون معاملة العبيد وفق التعديل الثالث عشر في الدستور الأمريكي، أنهم يحيكون منتجات العلامة التجارية الشهيرة للملابس النسائية «فيكتوريا سيكريت»، والتي يُعرف عنها غلاء أسعارها، إلى جانب مساهمتهم في أعمال تجميع الأجهزة لشركات عملاقة مثل «مايكروسوفت»، و«موتورولا»، والمزيد من العلامات التجارية المشهورة في أكثر من صناعة، ولا يجوز للسجين الموافقة أو الرفض على الوظيفة المُوكلة إليه، والتي تصل أرباحها لأصحاب السجون إلى مبالغ تتعدى مليارات الدولارات سنويًّا.

«وولنت جروف».. المراهقون والأطفال عبيد أيضًا

مرة أخرى، يجد القائمون على السجون ثغرة يمكن استغلالها في التعديل الثالث عشر لدستور الولايات المتحدة، لأنه لم يستثن في نصه الأطفال والمراهقين من العبودية أثناء فترة العقوبة على ارتكاب الجُرم. ووفقًا لبيانات الإحصاء السكاني للأحداث في الولايات المتحدة الأمريكية لعام 2015؛ هُناك ما يقرب من 50 ألف مراهق وطفل سجناء في أمريكا، وألف واحد منهم ينتقل إلى سجون الكِبار من أجل العمل لصالح السجون الهادفة للربح، وإن لم ينقلوهم إلى تلك النوعية من السجون التي تدمر أي فرصة لهم للإصلاح، فهم على أي حال يطبقون عليهم قانون العبيد.

 

 

«دعهم يرفهون عنّا ويملؤون جيوبنا بالأموال»؛ ربما تكون تلك هي الجملة التي جالت في أذهان مُلاك إصلاحية «وولنت جروف» الأمريكية التي حجزت ما يزيد على 1200 مراهق وطفل؛ لما ارتكبه القائمون على إدارتها من تجاوزات في حقوق الإنسان والأطفال، وهذا لأن الغرض الربحي من بناء تلك الإصلاحية يقف عائقًا بين الهدف المُجرد للإصلاحية، وهو تعديل سلوك الطفل والمراهق وإعادته إلى المجتمع مواطنًا صالحًا قادرًا على المُضي قدمًا في حياته.

 

 

ولكن في تلك الإصلاحية، والتي تعتبر مثالًا للكثير من السجون في أمريكا؛ كان الأطفال والمراهقون يعملون دون مقابل مادي، بينما عملهم يمنح أصحاب الإصلاحية ما يزيد على 3 ملايين دولار سنويًّا، ويرفهون عن ضباط الأمن بالمقاتلة والمراهنة عليهم كما صرح أحد السجناء للإعلام؛ مؤكدًا أن الأمن كان ينظم الشجارات بين السجناء كقتال الكلاب بالمراهنة وفقًا لوصفه، مخبرين إياهم أنهم لا ينفذون سوى القانون، فالمجرم عبد حتى تنتهي مدة عقوبته في أمريكا.

«صناعات السجن الفيدرالية».. أن تكون عبدًا لدى الدولة

خلال عام 1979، وبعد ضغوط تعرض لها أعضاء الكونجرس الأمريكي من الشركات الضخمة ورجال الأعمال؛ صدّق الكونجرس على برنامج يُدعى «صناعات السجن الفيدرالية»، والتي تفرض على السجناء بحكم القانون العمل المُوكل إليهم، وهؤلاء السجناء يتقاضون دولارين في الساعة؛ حتى يُمنح المشروع شكلًا شرعيًّا كما لمّح الإعلام الأمريكي.

حقق هذا المشروع خلال عام 2016 ما يزيد على 500 مليون دولار أمريكي، ولم يحصل السجناء سوى على أجرهم الشهري 220 دولارًا، والذي عادة ما يذهب إلى خزينة السجن أيضًا، الأمر الذي أثار بعض الآراء حول تحمّس أصحاب السجون لمزيد من السجناء حتى تنتعش تجارتهم، مما أثر بدوره في زيادة عدد السجناء في أمريكا زيادة ملحوظة خلال الأعوام التالية.

عبودية القرن الـ21.. هل تحرّر السود في أمريكا حقًّا؟

بغض النظر إن كان الأمر متعمدًا أم لا، فلا زالت العبودية مرتبطة في أذهان مواطنين أمريكا بأصحاب البشرة السوداء، فالسجناء هم الذين حُرموا من حق الحرية حينما ألغيت العبودية، ولكن المفارقة أن النسبة الأكبر من السجناء في الولايات المتحدة الأمريكية هي من السود.

 

 

ولكن هذا ليس معناه أن ما تبقى من السجناء يمثلهم بيض البشرة؛ فالسجناء من الأصول اللاتينية لهم نصيب أيضًا، ووفقًا لآخر الإحصائيات المنشورة فإن 33% من السجناء في أمريكا من أصل أفريقي، و23% من البيض، و30% من ذوي الأصول اللاتينية، والنسبة الباقية من أعراق مختلفة.

اجمالي القراءات 1265