غياب مصر يجعل تركيا وإيران زعيمتي الأمة العربية

في الإثنين ٣٠ - يوليو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

أود أن أبدأ بالتنويه إلى أن تلك الفرضية لا ترتبط بالإدارة الحالية أو السابقة للدولة المصرية، لكنها مرتبطة بتوجه منهجي بعيد المدى، وتطورات سياسية تمتد لتشمل معظم الدول العربية على حد سواء.

أعتقد أن الجميع يتفق على أن زعيم العالم الإسلامي لابد وأن يعبّر عن مصالح جميع المسلمين، فيما يتعلق بقضاياهم الأساسية، حيث تمثل قضية القدس حاليا القضية المركزية المشتركة لكافة المسلمين حول العالم، وهو ما يجعل القضية الفلسطينية تحتل مركز الصدارة على قائمة القضايا الجوهرية التي لا زالت تؤرق المجتمع الدولي لفترة طويلة.
ومع ذلك، يسود انطباع عام، بأن تلك القضية لم تكن في وضع أسوأ مما هي عليه الآن، بل وأسدلت الولايات المتحدة الأمريكية ستارا كثيفا مظلما على تلك القضية مؤخرا، وأغلقت جميع آفاق تحسن الأوضاع التي أصبحت تتحرك من سيء إلى أسوأ.

إن الولايات المتحدة الأمريكية تتربع في هذه اللحظة التاريخية على أوج قوتها، لكن الجميع، بما في ذلك الأمريكيون أنفسهم، يدرك أن أمريكا في أعلى نقطة من منحدر السقوط، الذي من الممكن أن يتسارع ليصبح انهيارا، لذلك تشبه الولايات المتحدة الآن مريضا بالسرطان مهدد بالموت، ويريد أن يستمتع بما تبقى من عافيته، ويستخلص منها كل ما يمكن استخلاصه. وبينما تتمتع إسرائيل بأقصى دعم مطلق من الولايات المتحدة الأمريكية، لأسباب معروفة، تود هي الأخرى أن تحوّل جميع شيكات الدعم الأمريكي إلى نقد عيني، يمكنها الاستفادة من حدوده القصوى الآن وهنا، لكن كلاهما لم يفكر ولو للحظة واحدة في مصالح الشعب الفلسطيني.

لهذا كانت القدس هي ضحية تلك الوليمة الأخيرة، والكل يعلم على من يقع الذنب، والكل يعلم مع من يكون الصراع من أجل الحفاظ على عروبة القدس الشرقية.

يمر العالم أجمع، بالتزامن مع الأزمة الأمريكية، بأزمة اقتصادية ضخمة تعصف بالنظام الاقتصادي العالمي، بينما تجعل المشكلات الاقتصادية والحروب المتناثرة في كل مكان من قضية القدس قضية هامشية، بينما تعج الشاشات بأخبار مزعجة، لا تدع وقتا لأحد أن يفكر بالقدس كثيرا، لكن القدس على وجه الخصوص تظل المشكلة المشتركة والأساسية للأمة الإسلامية تحديدا.
بمعنى أن الدولة التي ستواصل النضال من أجل القدس، ومن أجل الحل العادل للقضية الفلسطينية، والدولة التي ستواجه الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل (في القضية الفلسطينية كحد أدنى)، والدولة التي لن تكتفي بالمواجهة، وإنما ستواجه أمريكا وإسرائيل بفعالية وصرامة، سوف تصبح زعيما للعالم الإسلامي، وبما أن الأمة العربية هي قلب الأمة الإسلامية، فالمنطق يحتم إذن أن يكون زعيم الأمة الإسلامية عربيا، لكن هل يصعب على الأمة العربية أن تقبل زعيم الأمة الإسلامية زعيما لها، حال أن كان ذلك الزعيم غير عربي؟!

فالأمة العربية التي عانت لقرون من هيمنة الامبراطورية العثمانية، لم تبرأ بعد من رواسب الاستعمار الغربي الذي رحل عن الأرض لكنه بقي في العقول، حتى أصبح من الصعب تمييز التبعية الحضارية الفعلية للأمة، التي أصبح أبناؤها يعلنون عن تبعياتهم تلك بنية صافية، وعلى الرغم من كل الضغائن التي يحملها العرب ضد "العدو" الغربي، يظل الغرب بالنسبة لهم "عدوا محبوبا"، وتظل كل آمال وأحلام الكثيرين من العرب موجودة في الغرب، بينما يشكّل الغرب أجندات ووجهات نظر غالبية وسائل الإعلام العربية في عدد كبير من القضايا، وأصبح من الصعب عليك أن تجد عربيا لا يحلم بأن يعيش في نيويورك أو لندن أو باريس.

• كانت مصر زعيما للأمة العربية بلا منازع أثناء فترة حكم عبد الناصر، لكن مصر، ومنذ اعتلاء السادات ومن تلاه لسدة الحكم هناك، ابتعدت تدريجيا عن زعامتها للأمة، وأصبحت الآن منشغلة بالصراع مع أزماتها الاقتصادية وغيرها من القضايا الداخلية، أكثر من انشغالها بالتفكير في الزعامة.
• أما المملكة العربية السعودية، فقد حاولت في وقت من الأوقات أن تتبوأ منصب الزعيم الروحاني للعالم الإسلامي، بوصفها الدولة التي تضمّ الحرمين الشريفين، اللذين يمثل أحدهما قبلة المسلمين من شتى بقاع الأرض، لكن السعودية أيضا تخلّت عن تلك الزعامة، بحثا عن حلفاء لها في مواجهتها ضد إيران (وفيما يبدو أن الرياض لم تدرك بعد خطورة هذه الصفقات).
• بخلاف السعودية ومصر، تنشغل الدول العربية بالحروب ضد بعضها البعض، ولا يبدو أن هناك من بينها، باستثناء الأسد، من يرى في إسرائيل عدوا، أو أقل عداء من أشقاءها العرب.
• في تركيا يصعب التمييز بين الأسباب والنتائج: فهل ما يدفع أردوغان إلى خوض المشكلات مع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا طموحاته السياسية، أم أن تلك المشكلات هي ما يدفعه إلى البحث عن ثقل سياسي من خلال زعامته للعالم الإسلامي، وبالتالي يجعل صوت أنقرة أعلى من أصوات جميع العرب بشأن الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين. تتأرجح السياسة التركية بين النقيض والنقيض، متسببة في غضب الجميع وألم لتركيا نفسها، لكن الإمكانيات العسكرية والطموحات والتضاد المتصاعد مع الغرب، يدفع أنقرة إلى استغلال جميع الظروف المتاحة، بما في ذلك إمكانية زعامة العالم الإسلامي، بحثا عن أرضية سياسية تستند إليها، متفوقة بذلك على الغالبية العظمى في الوطن العربي.
• ثم بالطبع فهنالك إيران! التي تصل إليها زعامة العالم الإسلامي دون مجهود يذكر، بسبب غياب أي منافسة. فإيران تواصل عداءها السافر للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، بينما تساهم إدانتها الدائمة لتصرفاتهما العدائية في القضية الفلسطينية تلقائيا في رفع أسهم وسلطة طهران في العالم الإسلامي، في الوقت الذي تسود فيه الفوضى العالم العربي، ويهاجم الزعماء العرب بعضهم بعضا، ويسلمون راية الدفاع عن القدس إلى المتطرفين الإسلاميين والدول غير العربية.

وددت ألا أختتم المقال بعبارة: "إن روسيا ستظل الطرف الوحيد الذي يحاول إضفاء ولو قدر من الاستقرار على المنطقة، على الرغم من جهود العرب أنفسهم لخلق التوتر!"، لما يمكن أن تحمله عبارة كهذه من ثقل دعائي، إلا أن الواقع، من ناحية أخرى، يدفعني دفعا كي أقول ذلك، لأن ذلك هو عين الحقيقة؟!

اجمالي القراءات 824