بعيدًا عن أوجاع الجسد.. كيف تقدم الإسعافات الأولية النفسية للمتضررين في الأزمات؟

في الأربعاء ١٨ - يوليو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

لا يخلو العالم أبدًا من كوارث وأحداث مفجعة، وعندما نرغب في مدّ يد العون إلى الأشخاص المتضررين من تلك الأحداث، قد نجهل الطريقة التي يمكن أن نقدم لهم بها الدعم النفسي المناسب. وقد يجري استدعاؤك باعتبارك موظفًا أو متطوعًا لتقديم المساعدة في كارثة كبيرة، أو ربما تجد نفسك في موقع حادثٍ يتعرض الناس فيه للأذى؛ وقد تحتار في ما ينبغي قوله أو فعله لتقديم المساعدة لهم.

نتناول في السطور التالية كيفية التعامل مع تلك الأوضاع بأفضل طريقة ممكنة، تضمن تقديم المساعدة للأشخاص الذين يُعانون من محنة شديدة، والحفاظ على سلامتك وسلامة الآخرين دون أن تتسبب إجراءاتك في أي أذى. وهو ما تشمله الإسعافات الأولية النفسية، التي توفر المساعدة الإنسانية العملية والداعمة للأشخاص الذين يعانون من أحداث مفجعة، بطرق ترعى كرامتهم وثقافتهم وقدراتهم، وذلك وفق الدليل الذي وضعته منظمة الصحة العالمية.

كيف تؤثر الأزمات في الناس؟

تقع أنواع مختلفة من الأحداث الأليمة في العالم، مثل: الحروب، والكوارث الطبيعية، وحوادث المرور، والحرائق، والعنف المتبادل ما بين الأفراد مثل العنف الجنسي. وقد يتأثر بهذه الأحداث أفراد وأسر وجماعات ومجتمعات بأكملها، وقد يفقد البعض بيوتهم أو أحباءهم، أو قد ينفصلون عن أسرهم ومجتمعاتهم، أو قد يشهدون الموت أو العنف أو الدمار.

ومع أن أحداثًا كهذه تؤثر في جميع الأفراد بطريقة أو بأخرى، إلا أن لكل فرد نطاقًا واسعًا من ردود الأفعال والمشاعر التي قد تصدر عنه. وقد يشعر الكثير من الناس بالانجراف، أو الارتباك، أو الحيرة حيال ما يحدث. قد يشعرون بالخوف الشديد، أو القلق، أو بحالة من البلادة والانعزال. قد يصدر عن بعض الأشخاص ردود فعل بسيطة، في حين قد يظهر البعض الآخر ردود فعل أشد.

وتعتمد ردود فعل الأفراد على عدة عوامل منها: طبيعة الأحداث التي مروا بها ومدى شدتها، وتجربتهم مع أحداث أليمة سابقة، والدعم الذي يحصلون عليه في حياتهم من الآخرين، وصحتهم الجسدية، وتاريخهم الشخصي والعائلي في مشكلات الصحة النفسية، بالإضافة إلى خلفياتهم الثقافية وتقاليدهم، إلى جانب أعمارهم (على سبيل المثال، الأطفال في مراحل عمرية مختلفة يظهرون ردود فعل مختلفة).

ولكل شخص نقاط قوة وقدرات تُساعده على مواجهة تحديات الحياة، لكن البعض يكونون أشد عرضة للتحديات، وبشكل خاص أوقات الشدائد. وقد يحتاجون إلى مساعدة إضافية، بما في ذلك الأشخاص المعرضون للخطر أو الذين يحتاجون إلى دعم إضافي؛ بسبب أعمارهم كالأطفال، وكبار السن، أو المصابين بعاهة جسدية، أو اضطرابات نفسية، أو الأشخاص الذين ينتمون إلى جماعات مهمّشة أو مستهدَفة بأعمال العنف.

ما هي الإسعافات الأولية النفسية؟

تصف الإسعافات الأولية الاستجابة الإنسانية الداعمة للأشخاص، الذين يتعرضون للمعاناة، أو قد يكونون بحاجة إلى الدعم. وتنطوي الإسعافات الأولية النفسية على تقديم الرعاية والمساندة العمليتين دون تطفل، وتقدير الاحتياجات والمخاوف، ومساعدة الناس على تلبية احتياجاتهم الأساسية، مثل: الغذاء، والماء، والمعلومات.

هذا فضلًا عن الاستماع إلى الناس دون ممارسة الضغط عليهم كي يتكلموا، وإراحة الناس ومساعدتهم على الشعور بالهدوء، إلى جانب مساعدتهم في الوصول إلى المعلومات، والخدمات، والدعم الاجتماعي،

والحماية من التعرض لمزيد من الأذى.

وتُعد الإسعافات الأولية النفسية بديلًا عن التفريغ النفسي الذي ثبت عدم فعاليته، وفي المقابل، يعتمد الإسعاف الأولي النفسي على عدة عوامل مفيدة للغاية في عملية تعافي"selectionShareable"> ولا ينبغي فرض المساعدة على الأشخاص الذين لا يريدونها، بل يجري تقديمها لأولئك الذين قد يحتاجون إلى الدعم. وقد تكون هناك حالات يحتاج فيها الشخص إلى أشكال دعم، تتجاوز الإسعافات الأولية النفسية وحدها.

لذلك؛ يجب على من يُقدم المساعدة أن يُدرك نطاق حدوده وقدراته، وأن يحاول الحصول على مساعدة من الآخرين، مثل الكوادر الطبية -إن كانت متوفرة-، أو من زملاء، أو أشخاص آخرين في المنطقة، أو من السلطات المحلية.

وفي الحالات الحرجة التي يوجد فيها عدد كبير من المتضررين، يفوق القدرة على المساعدة، توجد مواصفات خاصة للأشخاص الذين يحتاجون إلى دعم فوري أكثر تقدمًا من غيرهم، ومن هم بحاجة إلى مساعدة طبية أو غيرها كأولوية لإنقاذ حياتهم.

وتشمل"> أما عن المكان، يمكن تقديم الإسعافات الأولية النفسية في أي مكان آمن بما يكفي للقيام بذلك. ويجري ذلك على الأغلب في إطار المجتمع المحلي، على سبيل المثال في موقع حادث ما، أو الأماكن التي يجري فيها تقديم الخدمات لأناس يُعانون من ضيق نفسي، مثل المراكز الصحية، والملاجئ أو المخيمات، والمدارس، ومواقع توزيع الأغذية، وغيرها من أشكال المعونة.

وفي الوضع الأمثل، يُفضّل تقديم الإسعافات الأولية النفسية في مكان يُوفر قدرًا من الخصوصية في التحدث مع الشخص المتضرر، عندما يكون ذلك ملائمًا. وبالنسبة إلى الأشخاص الذين تعرضوا إلى أنواع معينة من الأحداث الأليمة، كالعنف الجنسي، يكون توفير الخصوصية ضروريًّا لضمان السرية واحترام كرامة الشخص.

كيفية المساعدة بطريقة مسؤولة

يتضمن تقديم المساعدة بشكل مسؤول أربع نقاط رئيسة: أولها احترام السلامة والكرامة والحقوق، فمن المهم عند تولي مسؤولية تقديم المساعدة في أوضاع الحوادث الأليمة، أن يكون التصرف بطرق تحترم سلامة الأشخاص المتضررين وكرامتهم وحقوقهم. كذلك، يلزم تجنب تعريض الأشخاص لمزيد من الخطر أو الأذى، والتأكد من سلامة الأطفال والبالغين وحمايتهم من الأذى الجسدي أو النفسي. وينبغي أيضًا معاملة الأشخاص باحترام وفقًا لثقافتهم وأعرافهم الاجتماعية، والتأكد من حصول الجميع على المساعدات بشكل منصف دون تمييز.

 

 

ثانيًا، تكييف الأفعال بما يراعي ثقافة الشخص؛ إذ غالبًا ما يكون بين المتأثرين أشخاص من خلفيات ثقافية مختلفة، بما في ذلك أقليات أو فئات قد تكون مُهمشة؛ لذلك من المهم الانتباه إلى الخلفية الثقافية والمعتقدات الخاصة بكل فئة؛ حتى يتمكن مقدم المساعدة من تحييد مشاعره وعدم التحيز. وتُحدد الثقافة الاجتماعية كيفية تعاملنا مع الآخرين، وما الذي يستحسن أو لا يستحسن قوله وفعله. على سبيل المثال، في بعض الثقافات، لا يُجيز العُرف للشخص أن يفضي بمشاعره لشخصٍ آخر خارج نطاق العائلة، أو قد لا يكون من الجائز للنساء التحدث إلا إلى نساء أخريات، أو ربما تنطوي طرق معينة في اللباس أو الغطاء على أهمية كبيرة.

ثالثًا، الدراية بإجراءات أخرى للاستجابة لحالات الطوارئ عندما يتأثر مئات الآلاف من الأشخاص بكارثة ما؛ إذ يجب أن يجري اتخاذ إجراءات مختلفة للاستجابة للطوارئ، مثل عمليات البحث والإنقاذ، والرعاية الصحية الطارئة، وتوفير المأوى، وتوزيع الأغذية، وأنشطة تتبّع أثر أفراد الأسرة، وحماية الأطفال.

وغالبًا ما يواجه عمال الإغاثة والمتطوعون مشكلةً في معرفة ماهية الخدمات المتوافرة، وأماكن توافرها. لذلك يُفضل أن تكون على دراية بما يتوافر من الخدمات وأشكال الدعم؛ حتى تتمكن من إطلاع الأشخاص الذين تقوم بمساعدتهم عليها، وإعلامهم بكيفية الحصول على المساعدة العملية.

رابعًا، الاعتناء بالنفس؛ إذ إن تقديم المساعدة بمسؤولية يعني أيضًا الاعتناء بصحتك بوصفك مقدم المساعدة؛ فقد تتأثر بما تختبره في حالات الكوارث، أنت أو أحد أفراد أسرتك بشكل مباشر بالحادثة. لذلك من الضروري أن تُولي عافيتك اهتمامًا إضافيًّا، وتحرص على أن تكون قادرًا جسديًّا وعاطفيًّا على مساعدة الآخرين. وإذا كنت تعمل ضمن فريق، فاحرص كذلك على سلامة زملائك.

تقديم الإسعافات الأولية النفسية

ينطوي تقديم الإسعافات">

 

وفي المبدأ الثالث والأخير (اربط)، ساعد الأشخاص على تلبية احتياجاتهم الأساسية، والوصول إلى الخدمات المتوفرة. أيضًا ساعدهم في التغلب على مشكلاتهم، وقدم لهم المعلومات اللازمة، واربط الأشخاص بأحبائهم، ووفر لهم الدعم الاجتماعي.

إن الطريقة التي تتواصل بها مع الشخص الذي يعاني من محنة مهمة للغاية؛ فالأشخاص الذين مرّوا بحادثة أليمة قد يكونون في حالة من الانزعاج، أو القلق، أو الارتباك، ومنهم من قد يلوم نفسه على أمور وقعت أثناء الأزمة. لذلك؛ فإن التحلي بالهدوء يمكن أن يساعد هؤلاء الأشخاص على الشعور بمزيدٍ من الأمان والسلامة، وبأن الآخر يفهمهم ويحترمهم، ويقدم لهم الرعاية بشكل ملائم.

قد يرغب الشخص الذي اختبر حادثة أليمة بإخبارك عن قصته؛ لذلك فإن الاستماع إلى قصة شخصٍ ما قد يشكل دعمًا كبيرًا له. غير أنه من المهم عدم ممارسة الضغط على أي شخص ليروي ما حدث له؛ فبعض الأشخاص ربما لا يريدون التحدث عما حدث لهم، أو عن ظروفهم. ولكنهم قد يقدّرون ذلك إذا حافظت على هدوئك، وأعلمتهم بأنك ستكون متواجدًا في أي وقت يرغبون فيه بالتحدث، أو إذا ما قدمتم لهم دعمًا عمليًّا كوجبة غذاء، أو كوبًا من الماء.

لا تتكلم كثيرًا، واسمح بفترات من الصمت؛ إذ إن الحفاظ على الصمت لمدة ما، قد يوفر للشخص فسحة مناسبة، وقد يشجعه ذلك على مشاركة تجربته معك، إن كان يرغب بذلك. وعند استماعك إلى الأشخاص المتضررين، احرض أن تبقى قريبًا منهم، ولا تضغط على الشخص كي يتكلم، فقط استمع إليه إن كان يرغب في التحدث عما حدث. وإذا كان الشخص في حالة من الضيق الشديد؛ ساعده على الشعور بالهدوء، واحرص على ألا يبقى وحده.

ولكي تتواصل معه بشكل جيد، عليك الانتباه إلى كلامك ولغة جسدك، مثل تعابير الوجه، والتواصل البصري، والإيماءات، وطريقة جلوسك أو وقوفك إزاء الشخص الآخر؛ إذ إن لكل ثقافة طُرقها الخاصة في ما يتعلق بالسلوكيات المناسبة التي تظهر الاحترام؛ فاحرص أن تتكلم وتتصرف بطرقٍ تأخذ بالاعتبار ثقافة الشخص، وعُمره، وجنسه، وتقاليده، وديانته.

ويلزم الأشخاص المتأثرين بالأزمة الحصول على معلومات دقيقة عن: الحادثة، والأحباء أو الأشخاص المتأثرين الآخرين، ومدى سلامتهم، وحقوقهم المتاحة، إلى جانب كيفية الوصول إلى الخدمات والأمور التي يحتاجونها.

أيضًا تبين أن الأشخاص الذين يشعرون بأنهم قد حظوا بدعم اجتماعي جيد بعد الأزمة، يتكيفون بشكل أفضل من أولئك الذين يشعرون بأنهم لم يحظوا بدعم جيد. لذلك؛ يُعد ربط الناس بأحبائهم والدعم الاجتماعي جزءًا مهمًا من الإسعافات الأولية النفسية. ومن أجل ذلك احرص على أن يبقى الأطفال مع أهلهم وأحبائهم، وأن تبقى العائلات معًا، وساعد الناس على الاتصال بالأصدقاء والأقارب؛ لكي يتسنى لهم الحصول على الدعم. حاول كذلك أن تربط الأشخاص مع مجتمعهم الروحي، إذا أبلغوك أن الصلاة وممارسة الشعائر الدينية، أو المساندة من القادة الدينيين يمكن أن تساعدهم.

اجمالي القراءات 904