حلول «النقد الدولي» لإنقاذ اقتصاد الجزائر.. علاج مؤجل ونتائج ضبابي

في الأربعاء ٢١ - مارس - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

ي 12 مارس (آذار) الماضي اختتمت بعثة لصندوق النقد الدولي، زيارتها إلى الجزائر، استمرت نحو أسبوعين، بهدف الاطلاع على التطورات المالية والاقتصادية في البلاد، إذ تأتي هذه الزيارة في وقت حرج يمر فيه الاقتصاد الجزائري بوضع اقتصادي لا يحسد عليه، وربما تكون هذه الأوضاع هي الأصعب منذ الأزمة الاقتصادية والمالية التي مرت على الجزائر في ثمانينيات القرن الماضي، وتحديدًا في عامي 1988 و1989، عندما كانت الجزائر على بعد خطوة من إعلان حالة الإفلاس التام متأثرة بالهبوط الكبير في أسعار النفط الذي بدأ منذ عام 1986.

بالرغم من أن البلاد كانت تعيش حالة من الضبابية في كل القطاعات الاقتصادية في هذه الفترة، إلا أنّ أهم ما لا يغيب عن ذاكرة الجزائريين هي كمية القروض التي لجأت إليها الجزائر في هذه الفترة، إذ ارتفعت ديون البلاد من 18.5 مليار دولار عام 1985 إلى 28.6 مليار دولار عام 1989، وخلال التسعينيات لم تجد الجزائر أمامها سوى صندوق النقد الدولي للخروج من الأزمة خاصة بعد أن امتنعت كثير من الدول عن إقراض الجزائر.

كانت الأوضاع الاقتصاديّة في التسعينيات تشبه هذه الأيام كثيرًا، فمع اعتماد البلاد على ثلاثة برامج استقرار وتصحيح هيكلي لصندوق النقد الدولي، في أعوام 1989 و1991 و1994، كان الإجراء الأبرز من جانب الصندوق هو خفض قيمة الدينار الذي فقد آنذاك أكثر من 40% من قيمته، وذلك في وقت كان القطاع الصناعي قد تراجع فيه بشكل حاد، فلم يعد يمثل سوى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ15% في نهاية السبعينيات، وهي النسبة التي تقارب النسبة الحالية، لكن الفارق الآن هو امتناع الجزائر حاليًا عن الاقتراض الخارجي.

 

 

الآن وبالرغم من أن الجزائر غير مرتبطة ببرامج إصلاح اقتصادي بإدارة صندوق النقد، إلا أنّها في النهاية إحدى الدول الأعضاء بالصندوق، ومن هنا جاءت توصيات الصندوق مؤخرًا بهدف العمل على تحسين الوضع الاقتصادي الحالي، إذ تلخصت هذه التوصيات في المطالبة بتعويم العملة والعودة إلى الاقتراض الخارجي، ووضع ضمانات وقائية قوية أمام طبع النقود، فهل ستستجيب البلاد لهذه المقترحات؟ وكيف سيتأثر بها الاقتصاد حال تنفيذها؟

هل تحل مقترحات «صندوق النقد» أزمة الجزائر؟

قبل الحديث عن مقترحات أو توصيات الصندوق الثلاث؛ يجب أن نسأل أولًا: هل هذه التوصيات ستكون حلًا للأزمة الاقتصادية في البلاد التي مر على بدايتها نحو أربع سنوات؟ وللإجابة على هذا السؤال نحتاج معرفة الأزمة الأساسية لأزمة الاقتصاد، والتي تتلخص في هبوط أسعار النفط، فنحو 95% من الإيرادات في الجزائر تأتي بشكل مباشر أو غير مباشر من قطاع الطاقة، وهو ما جعل البلاد تفقد أكثر من نصف إيراداتها من النقد الأجنبي بسبب هبوط النفط، إذ هوت من 60 مليار دولار في 2014 إلى 27.5 مليار دولار في 2016، كما أن القطاع الإنتاجي بالجزائر يبقى هامشيًا، ويمثل أقل من 5% من الناتج الداخلي، وهو ما يقوّض فرص البلاد في التنوع الاقتصادي الحقيقي.

إذًا الأزمة الأساسية في عدم التنوع الاقتصادي؛ فمع مرور نحو أربع سنوات على تراجع أسعار النفط فشلت البلاد حتى الآن في شق طريقها نحو التنوع الاقتصادي، وعدم الخروج من التبعيّة للنفط بشكل شبه كامل لتغطية مصروفات البلاد، وهذا الفشل كان السبب الأساسي في تفاقم عجز الميزان التجاري، بسبب عدم القدرة على تعزيز الصادرات، وكبح جماح الواردات، وذلك في الوقت الذي تعتمد فيه الحكومة على سد العجز من خلال الاقتراض الداخلي «طبع النقود» والسحب من الاحتياطات النقدية.

 

 

بينما يريد الصندوق – كما وضح في أكثر من مناسبة – أن تلجأ الجزائر إلى خفضٍ تدريجي في سعر الصرف، باعتباره إحدى أدوات تحقيق التوازن بين الإصلاح الاقتصادي والمالي، وهو الأمر الذي قد يقضي على سوق الصرف الموازية (السوق السوداء)، التي تعدّ أحد العوائق أمام الاستثمارات الأجنبية، كما أن النقد الدولي يرى أن الاستدانة من الخارج ستؤدّي إلى توفير السيولة اللازمة للنفقات الاستثمارية، وهي الحلول التي ترفضها السلطات الجزائرية حتى الآن معتبرة اللجوء إلى الاستدانة من الخارج مساسًا بسيادة البلاد.

على الجانب الآخر؛ لم يرحب الصندوق بالحل الذي لجأت إليه الحكومة المتمثّل في التمويل غير التقليدي، مؤكدًا أن خلق النقود لتمويل العجز يجب أن يقابله وضع ضمانات وقائية قوية، أهمها وجود حدود كمية وزمنية صارمة على التمويل النقدي، في إشارة إلى أنه يجب على الجزائر عدم الاعتماد بقوة على طباعة النقد، وذلك على عكس اتجاه رئيس الوزراء أحمد أويحيى، الذي يجد هذا الإجراء – أي طباعة النقود – إيجابيًّا ونتائجه الاقتصادية جيدة.

التعويم.. حل الصندوق الدائم

دائمًا ما ينصح صندوق النقد الدولي باللجوء إلى تحرير سعر صرف العملة المحلية في الدول التي تعاني من أزمات اقتصاديّة كتلك التي تمر بها الجزائر؛ خاصة في ظل وجود سوق سوداء للعملة، فلا سبيل للقضاء على السوق السوداء إلا من خلال زيادة مصادر العملة وانتعاش الإيرادات، أو من خلال التعويم وترك العملة لقوى العرض والطلب، وهذا أسهل الطرق عادة، لكن نتائجه صعبة على المواطن الذي لا تحميه الحكومة في الغالب من نتائج صدمة فقدان العملة">ويحذّر الخبراء من أن تعويم العملة المحلية المنخفضة أصلًا حاليًا، من شأنه أن يتسبب في تفاقم أكثر لنسب التضخم التي صعدت مؤخرًا، ويزيد في تدهور القدرة الشرائية، وقد يدفع بالفئات الضعيفة إلى الشارع للاحتجاج، كما أن هذا الحل يعدّ حلًا نقديًا فقط لن يقدم جديدًا للاقتصاد الحقيقي. وتشير الأوضاع الاقتصادية حاليًا إلى أن السياسة النقدية لم تعالج أيًّا من المشاكل المزمنة، سواء من العجز التجاري أو التضخم، بل فشل البنك المركزي في الحفاظ على مستوى الاحتياطي النقدي، وهو ما يوضح أن السياسة النقدية لم تنجح في إيجاد حالة استقرار حقيقية.

الاقتراض الخارجي.. محظورات «بوتفليقة»

عندما أوقف الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الاقتراض من الخارج في عام 2005، وقرّر الدفع المسبق للديون الخارجية، وتسبب ذلك في تراجع ديون الجزائر إلى نحو 4 مليارات دولار أمريكي في عام 2016، بعدما كانت في حدود 30 مليار دولار في 1999. في الوقت نفسه قفزت احتياطات النقد الأجنبي الجزائرية لأعلى مستوياتها في 2013، مسجلة نحو 194 مليار دولار، ولكن الآن مع إيقاف الاقتراض؛ لن يكون لدى الجزائر احتياطي نقدي ربما خلال بضع سنوات، فهل على بوتفليقة أن يتراجع عن قراره؟

 

 

لا شكَّ أن قرار عدم الاقتراض من الخارج أمر جيّد في نظر العديد من الخبراء الاقتصاديين، ولكن هذا الأمر يتوقف على قدرة البلاد على إيجاد بديل تمويلي داخلي حقيقي، لا يستنزف احتياطي البلاد. ومع توقّع الوزير الجزائري، تراجعت احتياطات البلاد من النقد الأجنبي إلى 85.2 مليار دولار بحلول نهاية 2018، ثم إلى 79.7 مليار دولار في 2019، وقرابة 76.2 مليار دولار أواخر 2020، إذ تعتمد الحكومة بشكل كامل على الاحتياطي، وهو ما يجعله المورد الرئيس لتمويل العجز في الموازنة، بعدما فقدت البلاد أكثر من نصف مداخيل النقد الأجنبي، من 60 مليار دولار في 2014، إلى 27.5 مليار دولار نهاية 2016.

لكن على الجانب الآخر، يرى صندوق النقد الدولي أن الاقتراض الخارجي سيفتح مجالات استثمارية أمام البلاد، إذ بات الاقتراض أمرًا لا غنى عنه، لكن يجب أن يكون هذا الاقتراض لهدف إنتاجي لا استهلاكي، بمعنى أنه عندما تقترض الدولة أو تسحب من الاحتياطي النقدي من أجل علاج عجز الموازنة، أو الإنفاق على الواردات، فإن هذا التوجه في هذه الحالة يعد كارثيًّا، أما في حال كان الهدف الإنفاق على مشاريع تنموية إنتاجية فإن الاقتراض في هذه الحالة يصبح بضرر أقل كثيرًا، بل ربما يكون مفيدًا ومطلوبًا لإنعاش الاقتصاد، وزيادة فرص العمل بالبلاد.

طباعة النقود.. الحكومة تشجع والصندوق يحذر

في المقابل وجّه النقد الدولي تحذيرًا شديدًا للجزائر بخصوص إجراءات الإصدار النقدي «طباعة النقود»، وهو الأمر نفسه الذي حذّر منه كثير من خبراء الاقتصاد في البلاد، بعد أن عدّلت الحكومة الجزائرية نهاية السنة الماضية قانون القرض والنقد حتى تسمح للبنك المركزي بطباعة النقود، لتمويل المشاريع الحكومية وسداد الدين الداخلي للحكومة، خاصة ديون شركات البناء العالقة، في ظل دخول البنوك في أزمة سيولة حادة.

 وقد أظهر مؤخّرًا تقرير صادر عن بنك الجزائر المركزي أنه ضخّ سيولة محلية في الأسواق بقيمة 2.18 تريليون دينار، حتى نهاية العام الماضي 2017، مشيرًا إلى أن قيمة الأوراق النقدية التي طبعتها البلاد حتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تعادل قيمتها نحو 20 مليار دولار، في إطار التمويل غير التقليدي لسد العجز وتسديد الدين الحكومي الداخلي.

 

 

الوزير الأوّل الجزائري أحمد أويحيى.

ويرى خبراء اقتصاديون أن انتقادات النقد الدولي عملية طباعة النقود جاءت دليلًا على تخبط الحكومة، إذ كانت هذه التوصية الوحيدة التي اتفق فيها المحللون مع صندوق النقد الدولي، مؤكدين أن تبعات طباعة النقد ستبدأ أعراضها في الظهور على المديين القصير والمتوسط، أي بعد نحو ثمانية شهور من الآن، بينما يؤكد الخبير المالي فرحات آيت علي، أن «الحكومة غير قادرة على مرافقة الإصدار النقدي بإجراءات من شأنها امتصاص الصدمات التضخمية».

اجمالي القراءات 1279