لن نكون منطقيين إذا ما ادّعينا أننا لا نخاف من الفشل، فمعظم البشر يخافون من إخفاقهم في الأمور المهمة، مثل اختبار دراسي مصيري، أو ذهابهم لمقابلة عمل يترتّب عليها الكثير من التغيرات في حياتهم. وبغضّ النظر عن مصدر الخوف، فمن الطبيعي أن يذهب هذا الشعور في نهاية المطاف، لكن هذا ليس ما يحدث مع بعض الأشخاص الذين يعلقون في دورة لا تنتهي من الخوف من الفشل، لينضمّوا إلى قائمة من يعانون من رهاب الفشل، أو ما يُعرف بـ«الأتيكيفوبيا» (Atychiphobia).

 

 

وتُعرف هذه الحالة علميًا بأنّها نوع من الخوف المستمر وغير الطبيعي من الفشل، وتكون نتيجته العيش بنمط حياتي يتميز بالحدود الضيقة، وهذا ما ينعكس في ظهور آثار مدمّرة على حياة الشخص، بإحجامه عن ممارسة معظم الأنشطة الطبيعية؛ نتيجة ترجيحه دومًا احتمالية فشله، فيفضل عدم المجازفة مهما كان الثمن، فعلى سبيل المثال: سيفضل الشخص المصاب بالأتيكيفوبيا عدم الذهاب إلى مقابلة العمل، أو اجتياز الامتحان الدراسيّ، وذلك لرُعبه الشديد من احتمالية إخفاقه فيها.

اضطراب «الأتيكيفوبيا» ليس بعيدًا عن الكثير من سكان العالم، ففي اليابان كانت معدّلاته عام 2001 تُقدّر بـ 22%، لكنها ارتفعت عام 2014 لتصل إلى 54% من إجمالي السكان، بينما كانت النسبة في الولايات المتّحدة مرتفعة أيضًا، ليس بنفس النسب القياسيّة في اليابان، ففي عام 2014 بلغت نسبة المصابين به 28% مقارنة بـ21% عام 2001.

اقرأ أيضًا: دون الذهاب لطبيب نفسي.. تعرف إلى أبرز 5 تطبيقات تقدم العلاج النفسي وتكلفتها 

الطفولة والمجتمع.. كلمتا السر

لا يمكن أن نعتمد على سبب وحيد لتفسير رهاب الخوف من الفشل، فالأسباب تكون مُعقدة في كثير من الأحيان، ومتشابكة بين العوامل الوراثية وكيمياء الدماغ، بالإضافة إلى ما يعيشه الشخص من تجارب حياتية سلبية: مثل تصرفات الوالدين المُسيئة، أو التعامل بشكل خاطئ مع الخبرات الناتجة عن فشل طفيف في الطفولة بالإحراج والسخرية، فعندما يحدث ذلك: غالبًا ما تكون النتيجة خوفًا غير عقلانيّ من الفشل حتى في المراحل العمرية المتقدمة، التي من المفترض أن تتسم بالنضج والعقلانية.

ومن الأسباب المتعلقة بالتربية أيضًا الربط بين منح الحب من جانب الوالدين وتحقيق الأداء الجيد، فحينها يشعر الطفل أن هذه المشاعر الإيجابية يجب أن تُمنح له ولأنه من الممكن خسارتها عند الفشل، فإنه يعيش تحت ضغط مستمر، وخوف لا ينتهي من الفشل.

وتزداد نسبة رهاب الخوف من الفشل في المجتمعات التي تتسم بالتنافسية، فالمصابون بهذا الاضطراب النفسي ربطوا بين احتمالية فشلهم وزيادة المنافسة، ولذلك يحجمون عن الإقدام على أي شيء عندما يجدون أنفسهم في موضع تنافسي مع الآخرين الذين يبذلون قصارى جهدهم لتجنب الفشل، وإثبات أنهم نجحوا في التغلب عليه قبل أن يتباهوا بنجاحهم الفعلي.

وبما أن المجتمع اليوم أصبح يُعرّف الشخص الناجح على أنه الشخص الذي ينجح في جميع جوانب حياته، فالمصاب بـ«الأتيكيفوبيا» يبتعد عن حتى المحاولة لشعوره بصعوبة الوصول للكمال، في مجتمع يحصر قيمة الفرد في عدد النجاحات التي استطاع الوصول إليها، ولا يعترف بالفشل على أنّه جزء طبيعي من تجربة النجاح.

رُهاب الفشل ووهم الوصول إلى «الكمال»

هناك إشكالية معروفة تتعلق بأمراض الصحة العقلية، وهي أن الأعراض يُحتمل أن تختلف جدًا من شخص لآخر، ولكن رغم ذلك فهناك بعض أعراض رهاب الخوف من الفشل تعد أكثر شيوعًا من غيرها، وقد يبدأ المصاب في التعبير عن الأعراض بشكل نفسي وجسدي في الوقت نفسه.

من المعتاد أن يظهر على المُصاب خوفٌ كبيرٌ وغير عقلاني من تعرّضه لأي فشل، فيقوده هذا الخوف إلى مسارات مختلفة تؤثر على حياته الاجتماعية والعملية، فمثلًا سيفضل البقاء في عمله الذي لا يعطيه حقّه الماديّ المشروع، أو المطالبة بترقية لأن الخوف من الفشل يمنعه أن يتركه حتى ولو كان مقتنعًا بجدوى ذلك، وقد يصل الأمر إلى تجنبه أي نشاط أو مشروع يحتمل ألا تكون نهايته إيجابية بشكل مضمون ويتعلق ذلك بطلبه لظروف تتّسم بالكماليّة، وهو الأمر الذي يستحيل في أغلب الحالات.

وغالبًا ما يكون المصابون برهاب الإخفاق خائفين من أمور مختلفة، منها فشل مشاريع العمل والاختبارات الدراسية، والعلاقات الاجتماعية، وأي شيء يعلمون أنهم لن ينجحوا فيه بنسبة 100%، وتلح على أذهانهم أسئلة قبل أخذ أي قرار مثل: ماذا لو فشلت؟ ماذا لو اعتقد الآخرون أنني شخص سيئ؟ ماذا لو لم يُعجب الآخرون بما فعلته؟

وأما بالنسبة للأعراض الجسدية، فتظهر في المعاناة من القلق النفسي الذي تصحبه أحيانًا نوبات الهلع، والتي تشمل أعراضها صعوبة التنفس والتعرق وجفاف الفم، ومن الأعراض كذلك استمرار صداع الرأس دون سبب واضح، والغثيان والتعرق بشكل مُفرط والارتباك والتنفس السريع.

اقرأ أيضًا: «كلما زاد الحب زادت الكراهية!».. إليك أبرز دراسات علم النفس والأعصاب لعام 2017

المضاعفات تصل إلى تعاطي المخدرات والانتحار

يقترب الخوف من الفشل من رُهاب «الخوف من الرفض»، وهما يغذيان بعضهما البعض، فمن يخافون من الفشل يعتقدون أنهم سيُرفضون نتيجة فشلهم، وتمتد الآثار للخوف من الفشل إلى مراحل متقدمة، ومن الممكن ترتيبها بالشكل التالي:

1- العزلة الاجتماعية

يؤدي الخوف من الفشل في كثير من الأحيان إلى عدم التعامل مع الآخرين أو الذهاب لأي مكان، ويشمل ذلك المناسبات الاجتماعية والعمل والدراسة، لينتهي الأمر بالشخص منعزلًا اجتماعيًا بشكل تام.

2- الاكتئاب

نتيجة الخوف الشديد من الفشل وما تصنعه العزلة في نفسية المصاب به، فإن الاكتئاب يعتبر أحد الآثار الجانبية التي سيعاني منها.

3- تعاطي المخدرات

يتحول الكثير من المصابين بـ«الأتيكيفوبيا» إلى المخدرات والكحول، كطريقة للهروب والتعامل بشكل خاطئ مع خوفهم من الفشل.

4- الانتحار

نتيجة الأعراض والمضاعفات المختلفة، قد يلجأ الذين يعانون من رهاب الإخفاق إلى الانتحار؛ لشعورهم أنه السبيل الوحيد للخروج من أزمتهم.

هناك أمل.. 6 إرشادات عملية تساعدك على التعافي

على الرغم من أهمية الذهاب إلى الطبيب النفسي لعلاج الخوف المَرَضي من الفشل، إلا أن هنالك بعض الإرشادات العملية التي يمكن باتباعها التخفيف من الأعراض، ومن أهمها:

1- حلل جميع العواقب المحتملة

 فكثير من المصابين بالخوف من الفشل يخشون من الأشياء والمهام الجديدة لأنها تعد مجهولة بالنسبة إليهم، ولذلك فالقضاء عليها يكون من خلال النظر في جميع النتائج المحتملة لقراراتك.

2- فكر بشكل أكثر إيجابية

لأن الأفكار الإيجابية تعد وسيلة قوية للغاية لبناء الثقة بالنفس، كما أنها تجنّبك الآثار المدمرة للتفكير السلبي.

3- انظر إلى السيناريو الأسوأ

 فرغم أنه قد يكون كارثيًا جدًا ويقف وراء خوفك، إلا أنه أحيانًا قد لا يكون سيئًا في الواقع لتلك الدرجة، ويمكن أن يساعدك إدراكه بشكل دقيق على عدم الخوف منه.

4- ضع دائمًا خطة بديلة

 فستشعر حينها بمزيد من الثقة أنك عندما تمضي قدمًا وتحدث بعض العراقيل، ستستطيع تجاوزها بسهولة.

5- افهم فوائد الفشل

 فالحياة ما هي إلا عبارة عن مجموعة معقدة من التجارب المختلفة، والفشل جزء لا يتجزأ منها، وينعكس عليك إيجابيًا في تعلّمك شيئًا جديدًا، حتى في الحالات التي يكلّفك فيها الفشل ماديًا؛ فإن فوائد التعلم تفوق خسارتك بكثير، فوفقًا للمستثمر البريطاني بول غراهام «يُفضل المديرون في الشركات الكبرى توظيف شخص حاول تأسيس شركة ناشئة وفشل، على شخص قضى نفس الوقت في العمل في شركة كبيرة».

6- انتقل للجانب التنفيذي

ولا تضيّع وقتك في التفكير، وستحصل حينها على الخبرة والمعرفة، وضع في اعتبارك أن كل شيء يكون صعبًا لأول مرة.

اقرأ أيضًا: تاريخ الطب النفسي من ثقب الجمجمة لطرد الأرواح الشريرة حتى البروزاك