الذكاء ليس أن تربح في الشطرنج وتجيد الحساب فقط.. 5 أنواع مختلفة للذكاء

في السبت ١٣ - يناير - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

هذا الشخص ذكاؤه لا يُصدق»، ربما سمعت الوصف السابق كثيرًا للإشارة إلى قدرة شخص ما على إحراز أعلى الدرجات في الاختبارات الدراسية، لكن هذا الوصف عام وغير منطقي، فليس هناك شخص ذكي وآخر غبي، إنما لكل شخص جانب من الذكاء يتميز فيه، وجوانب أخرى لا يستطيع أن ينجح فيها، ولذلك ليس من الغريب أن ترى شخصًا لا يستطيع إتمام عملية حسابية بسيطة عند البائع، بينما ينجح في الإجابة على أسئلة فلسفية شديدة التعقيد.

نستطيع فهم سبب ذلك عندما نتعرف إلى التعريفات المختلفة للذكاء، إذ نجد عالم النفسي الفرنسي ألفريد بينيه يُعرفه بأنه يتألف من أربع قدرات تتمثل في: الفهم والابتكار والنقد والقدرة على توجيه التفكير في اتجاه معين، ولكن هذا التعريف لا يتوافق مع عالم النفسي الإنجليزي تشارلز سبيرمان الذي يرى أنه قدرة فطرية عامة تؤثر في جميع نشاطات العقل، أيًا كان موضوعها وشكلها، ومن هنا نصل إلى أن تعريف الذكاء غير متفق عليه، ولذلك فأشكاله متعددة.

1- الذكاء الوجودي.. البحث وراء الحقيقة

هل تبادر إلى ذهنك يومًا ما أسئلة ذات طابع وجودي وعندما ناقشتها مع المحيطين بك اتهموك بالتفكير في أمور غير نافعة؟ لا تقلق على نفسك فهذا يعني أنك تتمتع بنوع من الذكاء يُدعى الذكاء الوجودي، ويعني أن تكون لديك القدرة على التصور والبحث وراء إجابات أسئلة عميقة حول الوجود الإنساني، ويرى عالم النفس الأمريكي هوارد غاردنر أن هذا النوع من الذكاء يظهر عند الأفراد الذين يميلون إلى طرح الأسئلة حول الحياة والموت، والتأمل فيها.

تأتي هذه التساؤلات في أشكال مختلفة مثل: لماذا أنا هنا؟ هل هناك أبعاد أخرى للحياة؟ هل يمكن للحيوانات أن تفهمنا؟ هل يوجد أشباح حقًا؟ أين نذهب عندما نموت؟ لماذا يوجد الأشرار في العالم؟ هل هناك حياة على كواكب أخرى؟

 

 

الكثير من الأشخاص المؤثرين في التاريخ كان سر نجاحهم تمتعهم بذكاء وجودي عالٍ، مثل: الفيلسوف اليوناني الشهير سقراط، الذي اخترع الأسلوب السقراطي في طرح الأسئلة، ويتضمن طرح أسئلة تهدف للتوصل إلى الحقيقة أو على الأقل دحض الأكاذيب، بالإضافة إلى بوذا مؤسس الديانة البوذية التي تقوم على أساس البحث عن الحقيقة، والقدیس أغسطينوس الذي استند في جزء كبير من فلسفته على تعاليم الفيلسوف اليوناني أفلاطون، المؤيد لفكرة وجود حقيقة مجردة أكثر اكتمالًا مما نراه في الواقع الذي يعتبره العالم الناقص.

2- الذكاء المنطقي.. الوقوع في غرام الأرقام

يتمثل هذا النوع من الذكاء في القدرة على تحليل المشاكل والقضايا منطقيًا، والتفوق في حل العمليات الرياضية وإجراء التجارب العلمية، فالأشخاص الذين يتمتعون بذكاء منطقي يكونون قادرين على التعامل مع الأرقام ببراعة منقطعة النظير.

وتوجد العديد من المؤشرات التي تخبرك بتوافر الذكاء المنطقي لديك مثل: إجراء العمليات الرياضية بسهولة في ذهنك دون الحاجة إلى ورقة وقلم، وحب الألعاب الاستراتيجية كالشطرنج وألعاب التفكير، والاستمتاع بالتجارب التي تُجرى في المعمل، والبحث عن تفسيرات منطقية لما يحدث حولك بما في ذلك التساؤل عن طريقة عمل الأشياء، بالإضافة إلى القدرة على حل المشاكل التي يعجز الآخرون عن حلها.

وكما هو معلوم أن لكل قدرة عند الإنسان طرقًا لتنميتها والاهتمام بها، فيُنصح أصحاب هذا النوع من الذكاء بأنشطة معينة مثل تحليل وتفسير البيانات والإحصاءات، وحل الألغاز والألعاب الحسابية، إلى جانب تحليل المشكلات التي تظهر في وسائل الإعلام مثل حوادث سقوط الطائرات.

وينجح الأشخاص الذين لديهم ذكاء منطقي في مهن معينة من أبرزها: تدريس علم المنطق أو الرياضيات، أو العمل في تدقيق الحسابات، أو في مجالات أخرى مثل البرمجة والهندسة المدنية والاقتصاد والمحاماة، والبحث العلمي.

من المشاهير الذين تمتعوا بذكاء منطقي واضح، المخترع الأمريكي توماس إديسون مخترع المصباح الكهربائي والفونوغراف، وأيضًا آينشتاين أعظم علماء التاريخ وصاحب نظرية النسبية، التي كانت خطوة رئيسية في شرح كيفية عمل الكون، ولا ننسى بيل جيتس مؤسس شركة «مايكروسوفت» التي أصدرت نظام تشغيل ويندوز الذي تعمل به 90% من أجهزة الكمبيوتر الشخصية اليوم في العالم.

3- الذكاء الموسيقي.. فهم أدق تفاصيل النغمات

«هذا شخص لديه أذن موسيقية» يُطلق هذا الوصف على الأشخاص الذين لديهم حس موسيقي بالفطرة، لكن الأمر لا يقف عند اقتصاره على كونه وصفًا إنما يتعداه ليصبح نوعًا من أنواع الذكاء، يتمثل في إدراك تفاصيل الموسيقى وتحليلها والقدرة على التعبير من خلالها، والتمييز بين الأصوات المختلفة وتحديد مدى ملاءمتها للغناء.

ولتوضيح الأمر أكثر سنطرح نموذجًا يمكن الاستدلال به لتأكيد أن هناك أشخاصًا يولدون وهم يحملون صفات الذكاء الموسيقي، فعازف الكمان الأمريكي الشهير يهودي مينوهين بدأ في حضور حفلات أوركسترا ولاية سان فرانسيسكو الأمريكية في سن الثالثة، وقد دفعه ذلك إلى الإصرار على تعلم الكمان، وبمجرد بلوغه العاشرة كان أداؤه يعتبر احترافيًا، لذلك ليس غريبًا أن يعده الكثيرون طفلًا معجزة.

وهناك بعض الظواهر التي تؤكد أن الشخص لديه مستقبل واعد في مجال الموسيقى مثل تمكنه من ترديد النغمات الموسيقية بمجرد الاستماع إليها، وغنائه بشكل غير واعٍ أثناء انشغاله بمهامه اليومية، وإجادته تقليد الألحان والأصوات المختلفة، إلى جانب فهم الفروق الدقيقة في الموسيقى بالتفرقة بين النغمات والآلات المختلفة، والتعرف على المقامات والإيقاعات.

بالطبع فإن الوظائف التي ينجح فيها الأشخاص أصحاب الذكاء الموسيقي، ستكون فيما يرتبط بها من مجالات مثل: العمل كموسيقيين أو مطربين أو ملحنين، وأيضًا تظهر موهبتهم في العمل في تدريس مادة الموسيقى أو إدارة شركات الإنتاج الفني.

ويعد الملحن والعازف الشهير بيتهوفن في مقدمة الأشخاص الذين برعوا في توظيف ذكائهم الموسيقي في أعمالهم الموسيقية، فقد ألف أفضل مقطوعاته بعد أن أصابه الصمم، وقال عن ذلك أنه يتصور النوتات الموسيقية في ذهنه قبل أن يعزفها، كما نرى مغني البوب الراحل مايكل جاكسون كيف أسر الملايين بإحساسه بالإيقاع وقدرته على التوفيق بين رقصاته والموسيقى.

4- الذكاء البدني.. النجاح الرياضي لا يعتمد على العضلات فقط

ربما أثار انتباهك أداء أحد الرياضيين الأولمبيين وهو يتنافس في إحدى المسابقات العالمية، ولكن ما كنت تراه ليس وليد اللحظة فهو في الغالب شخص نجح في توظيف ذكائه البدني من أجل صناعة مستقبله الرياضي المُبهر، فالذكاء من هذا النوع يقوم على عدة أسس مثل تنظيم علاقة الجسم بالجاذبية والاستيعاب المسبق، بالإضافة إلى الإدراك الحسي، ولذلك فهو يثبت بطلان الاعتقاد الشائع الذي يقول بعدم وجود علاقة بين النشاط العقلي والبدني.

وتظهر على الشخص الذي يتمتع بالذكاء البدني عدة علامات مثل: صعوبة أن يجلس ساكنًا لفترات طويلة من الزمن، وأيضًا حبه للأعمال اليدوية مثل الحياكة والنحت والنقش، واستخدامه كثيرًا ليديه أثناء الحديث مع الآخرين، واستمتاعه بأنشطة رياضية معينة مثل الجري والقفز والمصارعة.

وهناك عدة تمارين يمكن أن تساهم في زيادة وتنمية الذكاء البدني من أهمها استكشاف الشخص للمناطق بيديه وهو معصوب العينين، وانضمامه لتدريبات مستمرة في رياضات مختلفة، وأيضًا تجربة السير على جدران منخفضة الارتفاع.

الوظائف التي ينجح فيها الأذكياء بدنيًا تكون ذات صلة بالحركة عمومًا مثل أن يعملوا في مجال الرياضة بمختلف تخصصاته سواء اللعب أو التدريب أو التدريس أو حتى العلاج الرياضي، وأيضًا العمل في المجال الفني ممثلين أو مؤدين مسرحيين.

5- الذكاء الاجتماعي.. ليس بالتعليم وحده تُصنع حياة ناجحة

هل صادفت أثناء عملك شخصًا أحرز أعلى التقديرات في الجامعة ولكن بعد تخرجه لم ينجح في بناء مساره الوظيفي؟ السر وراء ذلك يرجع إلى أن الذكاء الذي استعان به في حياته الجامعية ليس ملائمًا لسوق العمل بما فيه من متغيرات تتطلب المرونة الكافية والحس الاجتماعي الواعي، فالذكاء الاجتماعي يعكس قدرة الفرد على فهم وإدراك وملاحظة مشاعر الآخرين وحالاتهم المزاجية واحتياجاتهم.

ومنذ المقابلة الأولى ستجد الشخص الذي يحمل صفة الذكاء الاجتماعي يتصرف بطريقة مختلفة، فهو لديه الطلاقة اللفظية ومهارات المحادثة التي تجعله يقود المحادثات بكل لباقة، ويعرف كيف يلعب الأدوار الاجتماعية المختلفة لعلمه بالقواعد التي تحكم التفاعل الاجتماعي، وعندما تحدثه ستجده يستمع إليك بفعالية، ويفهم ما تقوله وانعكاسه على ما تشعر به، مما يترك لديك انطباعًا جيدًا عنه.

ويمكن اكتساب الذكاء الاجتماعي من التنشئة الاجتماعية في المراحل المختلفة للشخص، من الأسرة إلى المدرسة ثم الجامعة، فالبيئة التي يتواجد بها الفرد تسهم في إكسابه الذكاء الاجتماعي، لكن لا بد أن تتوافر لديه الرغبة في ذلك بعدم ميله للانعزال.

يحتاج الكثير من أصحاب الشركات اليوم إلى أشخاص أذكياء اجتماعيًا أكثر بالدرجة الأولى، ولذلك أدرجت جمعية كليات الطب الأمريكية اختبار الذكاء الاجتماعي ضمن الاختبارات التي لا بد أن يجتازها الشخص حتى يدرس الطب، فمن وجهة نظرهم أن الطبيب الناجح ينبغي عليه أن يفهم الناس جيدًا، ويعرف طرق التواصل معهم.

لكن بشكل أخص هناك مهن يزداد فيها الاحتياج إلى الذكاء الاجتماعي مثل: المعالج النفسي، ومندوبي المبيعات، والمدرسين، والعاملين في المجال الاجتماعي بشكل عام.

اجمالي القراءات 2723