الأمير الأحمر».. ما لا تعرفه عن والد الوليد بن طلال الذي انشق عن آل سعود في شبابه

في الخميس ١١ - يناير - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

على مدار العشرة أيام الأخيرة استحوذت أخبار الأمير طلال بن عبد العزيز، على اهتمام المواقع الإخبارية، بعدما خرجت تسريبات تربط بين تدهور حالته الصحية؛ واستمرار احتجاز نجله رجل الأعمال السعودى الوليد بن طلال؛ ضمن حملة الاعتقالات التي قادها ولي العهد تجاه عدد من الأمراء ورجال الأعمال. وقبل ذيوع هذه التسريبات نشر عدد من الوسائل الإعلامية صورًا للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز والأمير مقرن بن عبد العزيز، وهما في زيارة شقيقهما الأمير طلال بن عبد العزيز؛ لتعزيته في وفاة شقيقتهم الأميرة مضاوي بنت عبد العزيز، وتقبيل الملك سلمان يد شقيقه الأكبر.

يرسم التقرير التالى صورة كاملة عن مراحل حياة طلال بن عبد العزيز، الذى مثل خصوصية فى مواقفه وتعاطيه مع شؤون الحُكم داخل المملكة هو وأبناؤه.

«الأمير الأحمر» الذي استقال من هيئة البيعة وبايع أفكار عبد الناصر

فى أوائل الستينات، وبينما كانت القيم الاشتراكية تحتل صدارة الخطابات السياسية في العالم العربي، وسط احتفاء تاريخي شعبي بالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، المُلهم الأول لهذه القيم بعد ثورة 1952، كان «آل سعود» يحتمون ببعضهم البعض، خوفًا من وصول هذه الأفكار لأسوار المملكة، ويبذلون كل الجهد والأموال لنشر الفكر الوهابي أمام الأفكار  الناصرية.

واحد فقط شق هذا الصف، وخالف الجماعة، ورفض الإذعان لأشقائه؛ بالميل نحو هذه الأفكار، والدعوة لها داخل أرجاء المملكة. كان هذا الشخص الذي خالف تقاليد آل سعود؛ هو الأمير طلال بن عبد العزيز، الابن الثامن عشر من أبناء الملك عبد العزيز آل سعود الذكور، بعدما تزعم حركة ضمت بعض الأمراء في بداية الستينات، وطالبوا بإنهاء الحكم الملكي المستبد؛ فعُوقب على إثرها بإبعاده عن العائلة الحاكمة، والعيش في المنفى بأحد فنادق القاهرة، قبل أن تتمكن والدته من الإصلاح بينه وبين العائلة؛ ليعود إلى المملكة، ويظل ثابتًا على أفكاره، دون الجهر بها. ويظل مشهورًا خلال الستينات بالأمير الأحمر؛ بعدما اعتنق الأفكار الاشتراكية، وروج لها بين أوساط العائلة الحاكمة.

ولا يُعد هذا الموقف استثناءً فى مسيرة طلال بن عبد العزيز المخالفة لقرارات العائلة المالكة؛ فالأمير طلال استقال من «هيئة البيعة» التي تتولى مسؤولية اختيار ولي العهد في السعودية في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2011، بعد ثلاثة أسابيع من اختيار أخيه غير الشقيق الأمير نايف بن عبد العزيز وليًا للعهد بمرسوم من الديوان الملكي، في دلالة لا تنفصل عن هوة الخلاف التي زادت مع إخوته القابضين على مفاصل الحُكم، ويرون في أفكاره «خطرًا» يعمل على زعزعة حُكم العائلة المالكة.

وكان طلال بن عبد العزيز قد ظهر في مقابلة تلفزيونية مع فضائية مصرية في أواخر عام 2007؛ ليؤكد على أفكاره باستقلالية السلطات داخل العائلة الحاكمة، والسماح بتأسيس أحزاب سياسية، ويُشير لعائلته بأنها احتكرت المال والسلطة والجاه.

«هل يجوز أن يكون واحد في السلطة 50 و70 سنة، لو أينشتاين موجود بإمكاناته؛ فلن يقدر على البقاء لهذه الفترات الطويلة»

هذه الجملة التى قالها الأمير طلال بن الحسين تكفي لكشف انطباعاته حول أشقائه الذين يتناوبون على حُكم المملكة، ومنظومة السلطة التي تأسست بين أحفاد آل سعود.

وبالنسبة للأمير طلال، فلا يقف خط النقد عند حدود السعودية، بل يمتد لأغلب الدول العربية، مثل الكويت التي يطالبها بإعادة النظر في الديمقراطية الكويتية، وكذلك النظم الملكية في العالم العربي، التي يخاطبها بتعديل نظم حُكمها، وإجراء استفتاء على كُل شيء يتعلق بالأمور الهامة داخل الدول.

فيما توجد العديد من الدلائل الكافية التي مفادها أن الأمير طلال لا يؤيد ولى العهد السعودى محمد بن سلمان، والشهادة الداعمة لهذا الاستنتاج تتمثل فى التصريحات التي نشرها على موقعه الإلكتروني، وكسر بها صمته الذي التزم به بعد عودته من القاهرة، في أعقاب قرارات الملك سلمان بتعيين محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودى، والتي كان آخر ما كتبه يتعلق بالأوضاع الرسمية؛ إذ قال: «فوجئت عند نهاية العهد ما قبل الحالي وهذا العهد بقرارات ارتجالية أعتقد بعد التوكل على الله أنها لا تتفق مع شريعتنا الإسلامية ولا أنظمة الدولة»، مضيفًا أنه «لا سمع ولا طاعة لأي شخص يأتي في المناصب العليا يخالف مبادئ الشريعة».

وشغل طلال بن عبد العزيز عددًا من المناصب الحكومية خلال فترة شبابه فى العشرينات، قبل أن يطرح رؤاه الإصلاحية، ويخرج من منظومة الحُكم فى المملكة، وكان أبرز هذه المناصب هي شغله منصب وزير المالية والاقتصاد الوطني، ونائب رئيس المجلس الأعلى للتخطيط، قبل أن ينتقل لمنصب سفير المملكة العربية السعودية لدى فرنسا.

طلال بن عبد العزيز.. يدافع عن النموذج القطري ويرفض الأوسمة والشهادات الفخرية

تحمل أفكار الأمير طلال بن عبد العزيز خصوصية كبيرة وتمايزًا واسعًا تجاه العديد من القضايا السياسية والفكرية في العالم العربي. حاول «ساسة بوست» التعرف على هذه الأفكار من واقع متابعة تغريداته، ولقاءاته التلفزيونية على مدار السنوات السابقة.

التقارب بين نجله الأمير وليد بن طلال وحاكم قطر الأمير تميم بن حمد على مدار العامين الأخيرين، وتوسع استثماراته داخل الدولة الخليجية الصغيرة عن طريق شركة المملكة القابضة في كلٍ من القطاع الفندقي، من خلال إدارة فنادق «فورسيزنز الدوحة» و«موفنبيك الدوحة» و«موفنبيك تاور الدوحة»، وفي القطاع المصرفي من خلال مجموعة «سيتي»، فضلًا عن تمويله قناة إخبارية كُبرى على الأراضى القطرية، قبل أن يتم إغلاقها.

«الأمير طلال بن عبد العزيز يعتذر عن قبول الأوسمة والشهادات الفخرية»

تظهر هذه العبارة في الصفحة الرئيسة للموقع الرسمي له، وهو موقف يخالف فيه أمراء الخليج، وقادة دول العالم الثالث الذين تُمنح لهم شهادات فخرية مقابل لتبرعات يدفعونها، أو ثمنًا سياسيًا من جانب المؤسسات الأكاديمية على دعمهم المالي لها، الأمر الذي وجد رفضًا واسعًا من مئات الأكاديميين العرب في السنوات الأخيرة.

وكشكل من أشكال دعم التحول الديمقراطي للدول العربية؛ لا يكف طلال بن عبد العزيز فى أية مناسبة عن استدعاء تجربة أوروجواى كنموذج «للتداول السلمي للسلطة وكبح الفساد»، والذى يصفه بأنه «تجربة رائدة في السلم الاجتماعي، متجاوزة مرارة سنوات التناحر والاحتراب، وهي أيضًا كبيرة بديمقراطيتها التي حققت التداول السلمي للسلطة. والأوروجواي كبيرة بسجلها في كبح الفساد وتطويقه؛ ما جعلها تنعم بالاستقرار».

وتظهر انعكاسات هذه الأفكار الإصلاحية في المشروعات التي يتبناها الأمير طلال بن عبد العزيز؛ فقد تبرع الأمير طلال بن عبد العزيز بملايين الدولارات لإنشاء مدارس في المملكة العربية السعودية، وأغلب المناطق الفقيرة حول العالم، فضلًا عن إطلاق مئات البرامج والمنح المشتركة لدعم حقوق الأطفال ذوي الإعاقة، وحق الطفل العربي في التعلم، وذلك بالشراكة مع عدد من المؤسسات الدولية.

چينات التمرد تنتقل من الأب إلى الأبناء.. وتطاله!

على درب أبيهم تمرد أبناء الأمير الأحمر على كل ما هو ثابت وراسخ؛ حتى وصل الأمر للتمرد على الأب نفسه، بالإضافة إلى مناكفتهم لآل سعود والخروج عن الخط الرسمي لأغلب أمراء المملكة. ويتجلى ذلك في موقف الأميرة سارة بنت طلال بن عبد العزيز، ابنته من زوجته الثالثة التي توفيت في 2008، ونجله الوليد، المُدرج ضمن قائمة «فوربس» لأثرياء العالم.   

سارة بنت طلال.. لجوء سياسي لبريطانيا ومناكفة لآل سعود بعد غضب الأب عليها

في نهاية يوليو (تموز) ٢٠١٢، كتب المغرد السعودي الشهير «مجتهد» عبر حسابه الرسمي على «تويتر» خبرًا مفاده؛ تقدمت سارة بن طلال بن عبد العزيز بطلب لجوء سياسي إلى المملكة البريطانية المتحدة، والتي تعيش فيها منذ عام 2007، الأمر الذي قوبل بتكذيب من المغردين السعوديين، قبل أن يتأكد الخبر بعد أيام، وبررته الأميرة حينذاك بأنها تعرضت إلى: «سلسلة مضايقات تعرضت لها من أفراد في العائلة المالكة، فضلًا عن الفساد المستشري داخل أجهزة المملكة».

ليأتي طلب الأميرة السعودية حفيدة مؤسس المملكة للجوء سياسي بعدما ذاع صيتها إعلاميًا كأحد الوجوه المُعارضة داخل «آل سعود»؛ ومطلبها الدائم بمحاسبة الفاسدين في المملكة ولا سيما في الديوان الملكي، وعلى رأسهم رئيس الديوان خالد التويجري، ومحاسبة الفاسدين في الجهاز الدبلوماسي للمملكة، وفي القضاء الشرعي.

اقرأ أيضًا: بعد خبر «حبيب العادلي».. هل أصبح حساب «مجتهد» مصدرًا موثوقًا للمعلومات عن السعودية؟

وتجدر الإشارة إلى أن مطالب الأميرة «باربي»، كما تشتهر في الأوساط السعودية الحاكمة، لم تقف عند هذا الحد؛ فهى تحمل رؤى مخالفة لما تعيشه المملكة من قيود علي حرية الرأي، فضلًا عن رأيها حول أهمية «حرية إنشاء الجمعيات والمؤسسات الحقوقية والخيرية وغيرها من النشاطات المدنية السلمية التي تشكل بمجملها المجتمع المدني التنموي الذي يدل على الرقي والتطور الحضاري في الدول»، كما ذكرت في حوار سابق لجريدة «الأخبار» اللبنانية، المُقربة من حزب الله.

رؤى الأميرة الإصلاحية المُتحررة في ملبسها لا تنفصل عن الأفكار الإصلاحية التى يطرحها فرع العائلة التي تنتمي له؛ إذ توضح ذلك بقولها: «فرع أسرتي كان يختلف دائمًا عن بقية آل سعود؛ لكونه متحررًا ومثيرًا للجدل ومتنوعًا»؛ مما جعل مسؤولين سعوديين يحاولون احتواء غضب حفيدة الملك المؤسس عبر استمالتها عن طريق منحها أموالًا طائلة في حال الكف عن هذه الانتقادات، كما طالبوها بالعودة إلى الرياض؛ لكن قوبلت كُل هذه المحاولات بالرفض، بعدما شددت الأميرة السعودية على تمسكها بموقفها، وهو ما حرمها من ميراثها بتأييد من والدها وأخيها.

وتجدر الإشارة إلى أن الأميرة سارة كانت قد انتقلت للعيش في المملكة المتحدة عام 2007 إثر مشاجرة مع والدها الأمير طلال بن عبد العزيز، ورفضت الأميرة الخوض في تفاصيل خلافها مع والدها، مشيرة إلى أنها «لا تناقش هذا الأمر علنًا». وأكدت الأميرة أن السبب في ذلك اقترافها لأمر ما «لم يستطع هو التغاضي عنه، وبعدها انتقم مني، وأراد أن يسحقني». وقالت الأميرة التي تحولت إلى النزعة التمردية بعد هذا الموقف الصادم مع أبيها: إنها كانت «الأقرب والمفضلة لديه». وكانت السفارة السعودية قد رفضت في 2009 تجديد جواز السفر الخاص بالأميرة بعد انتهائه؛ الأمر الذي عرضها للترحيل؛ لأن صلاحية إقامتها انتهت أيضًا.

وبحسب حديث سابق للأميرة استعرضت خلاله مشاكلها، قالت: «الآن خائفة للغاية. إنهم يعرفون أني لا أستطيع العودة، حاليًا هناك تهديد. هذه صفعة على وجه المملكة». وأض"padding: 0px; margin: 0px 0px 10px; text-align: center;"> Embed from Getty Images

 

دأب الوليد على المُشاركة في صناعة قرارات الحُكم داخل المملكة على حواف قواعده، وخارج نطاقاته الآمنة؛ إذ لم يرسم لنفسه صورة شريك العائلة المالكة، أو خصمها؛ فهو الرجل الذي يحتفظ بقناة اتصال معهم وثيقة، ويناكفهم في بعض الوقت بتصريحات تخرج عن الخط الرسمي، ولا يجد غضاضة في أن يكون واجهة استثمارية، أو شريكًا لهم في بعض الأعمال المالية والتجارية.

وعندما رفض أبوه مبايعة الأميرين محمد بن نايف، ومحمد بن سلمان، وأعلن أنه لا سمع ولا طاعة، كتب الوليد بن طلال على موقع تويتر مؤكدًا مبايعته للأميرين من أجل خدمة الدين والوطن، في موقف مخالف تمامًا لموقف والده، الذي لم يجد آنذاك من يسانده في تمرده على الإطاحة بأخيه مقرن، وترقية ابن نايف وابن سلمان في سلم الوصول للعرش.

 

لكن هذه المعادلة التي انتهجها الوليد، لم تستقم مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان؛ ليُدرج الأمير وليد بن طلال ضمن قائمة معتقلي فندق «الريتز كارلتون»، ويتعرض للسجن لشهرين كاملين على خلاف أمراء خرجوا بعد تسويات مالية.

اقرأ أيضا: الكل يتحدث عن الأمراء المعتقلين.. تعرف إلى الناجين من مذبحة ابن سلمان وكيف نجوا

الأدوار التي مارسها الوليد، من قبل، مثل مخاطبته الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء الحملة الانتخابية على «تويتر»، بأنّه «عار، ليس على الحزب الجمهوري فحسب، بل على أمريكا كلها»، وتحميل السعودية – جزئيًا – المسؤولية عن ظهور «داعش»، في مقابلة مع برنامج «أمانبور» على قناة «سي إن إن» الأمريكية في عام 2014، وإطلاق فضائية «العرب» من قطر، يبدو أن ولي العهد السعودي ومنظومة الحكم الجديد التي يُشكلها لم تنسها.

وفي مقابل ذلك لم يرض الوليد بالتسوية المالية كحال الأمراء السابقين، حسبما أكدت وكالة «بلومبيرج» الأمريكية، وأمعن في العناد والتمرد على ولي العهد السعودى، في إشارة ضمنية إلى رفض الوليد سياسة ليّ الذراع التي ينتهجها ولى العهد السعودي، ورغبته في كسب جولة الصراع أمام ولي العهد السعودي حتى لو طال أمد هذا النزاع.

اجمالي القراءات 2365