الرز للجميع».. كيف تستغل أبوظبي المال لدعم أحلامها في السيطرة؟

في الأحد ١٧ - ديسمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

مليارات الدولارات تصرفها الإمارات على التسليح ودعم حلفائها في الشرق الأوسط، هذا الدعم يتنوع بين السلاح تارة، وبين المال تارة أخرى، إضافة إلى مليارات تصرف على مراكز البحوث والدراسات وشراء وسائل إعلام أجنبية من أجل حصد المزيد من النفوذ.

التمويل الإماراتي لدول حليفة

العلاقات المصرية – الإماراتية شابها الكثير من التوتر والقطيعة بعد عام 2011، لكنها أخذت في التحسُّن بعد تحرك الجيش المصري في يوليو (تموز) 2013 وعزل الرئيس محمد مرسي؛ ما دفع الإمارات إلى ضخ أموال طائلة في مصر، وكان ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد آل نهيان، قد أمر بتقديم مبلغ 4 مليارات دولار دعمًا لمصر. ملياران منها للاستثمار في عدد من المجالات التنموية في مصر، وملياران كوديعة في البنك المركزي المصري لدعم الاحتياطي النقدي المصري.

تنوع الدعم الإماراتي لمصر بين دعم مالي مباشر، وبين أموال صرفت لشركات علاقات عامة دولية تصب نتائجها في صالح الحكومة المصرية، حيث أظهرت رسائل البريد الإلكتروني المسربة من السفير الإماراتي لدى واشنطن، يوسف العتيبة، أن الإمارات أنفقت 2.7 مليون دولار لتحسين صورة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وحكومته في الولايات المتحدة، ووفقًا لرسائل البريد الإلكتروني المسرّبة ذاتها، قررت الإمارات العربية المتحدة تمويل جماعات الضغط في واشنطن لتعزيز حكومة السيسي.

 

 

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي

ريتشارد مينتز من مجموعة هاربور، وهي شركة عملت مجموعة ضغط لدولة الإمارات العربية المتحدة لسنوات عديدة،أرسل عبر البريد الإلكتروني مقترحًا للعقد المصري بقيمة 2.7 مليون دولار، وقال مينتز للعتيبة: إن مجموعة غلوفر بارك «ترغب في الحصول على رواتب مباشرة من دولة الإمارات العربية المتحدة، لكنهم ما زالوا ينتظرون الرأي النهائي من محامي قانون تسجيل الوكلاء الأجانب لمعرفة ما إذا كان ذلك ممكنا»، بعد ستة أشهر من ذلك أرسل العتيبة رسالة إلى المدير العام لمجموعة «جلوفر بارك» جويل جونسون مبلغًا إياه بأن الإمارات العربية المتحدة حولت مبلغ 2.7 مليون دولار إلى القاهرة، وهو نصيب الأسد من مبلغ 3 ملايين دولار الذي دفعته مصر في وقت لاحق للشركة.

 

 

متظاهرون في الجيزة يحملون صور محمد مرسي

آخر ما تسرّب من قصص التمويل الإماراتي كان في فرنسا، حيث تقدمت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، والرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان، بالتنسيق مع منظمة حقوقية مصرية بدعوى قضائية ضد شركة فرنسية تدعى «نيكسا تكنولوجي» بعد أن أثبت تحقيق استقصائي في صحيفة «تيلي راما» تزويد النظام المصري بوسائل تجسس متطورة بتمويل إماراتي، ويتيح برنامج التجسس الذي حصلت عليه مصر التنصت على ملايين المواطنين، وسهولة التعرف عليهم واعتقالهم، كما أنه يتيح لأجهزة الأمن المصرية اعتراض المكالمات الهاتفية والرسائل النصية، فضلًا عن قرصنة البريد الإلكتروني.

الصحافي «أوليفييه تيسكيه» قال للجزيرة نت: إن الإمارات منحت النظام المصري في مارس (آذار) 2014 نظامًا متطورًا للمراقبة أطلق عليه اسم «تولبيرون»، وكشف تيسكيه أن الإمارات دفعت مبلغ 12 مليون دولار ثمنًا لبرنامج تجسس من شركة «نيكسا تكنولوجي» الفرنسية عبر شركتين، إحداهما في دبي.

اقرأ أيضًا: ما وراء المنح الإماراتية في مصر.. سيطرة على كبرى القطاعات الاقتصادية

الدور الإماراتي المحتمل في محاولة الانقلاب في تركيا

محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، والتي كانت في 15 يوليو 2015، أثارت جدلًا كبيرًا عن ممولي هذه المحاولة، ومن الراعي المالي لها، يقول محمد أسيت، وهو كاتب عمود في صحيفة «ييني شفق» اليومية: أن وزير الخارجية مولود شاويش أشار إلى أن بلدًا مسلمًا ينفق 3 مليارات دولار للإطاحة بأردوغان والحكومة في تركيا، مع تقديم الدعم لـ«الانقلابيين»، واتهم الكاتب في حديث له مع وسائل الإعلام التركية دولة الإمارات العربية المتحدة بأنها أنفقت 3 مليارات دولار للإطاحة بالرئيس رجب طيب أردوغان والحكومة التركية.

 

 

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

يقول الصحافي ديفيد هيرست في صحيفة ميدل ايست آي: إن «الامارات العربية المتحدة تعاونت مع متآمرين انقلابيين» في تركيا قبل أن تبدأ المحاولة الفاشلة، وكان ذلك من خلال استخدام زعيم فتح المنفي محمد دحلان، والزعيم الديني التركي الحاصل على الجنسية الأمريكية «فتح الله غولن» الذي اتهمته تركيا بتنظيم المؤامرة. ويُزعَمُ أن دحلان نقل الأموال إلى المتآمرين في تركيا في الأسابيع التي سبقت محاولة الانقلاب، وأن يكون قد اتصل مع فتح الله غولن، عن طريق رجل أعمال فلسطيني مقيم في الولايات المتحدة.

اقرأ أيضًا: خلف الأسوار.. 8 دول يُشتبه بتورطها في محاولة انقلاب تركيا

حفتر.. عنوان الدعم الإماراتي في ليبيا

شكوك دولية وإقليمية واتهامات من أطراف ليبية ما لبثت أن تحولت إلى حقائق ثابتة مع كشف الأمم المتحدة أنّ دولة الإمارات العربية المتحدة انتهكت حظر توريد الأسلحة المفروض على الأطراف المتنافسة في ليبيا. واتهم تقرير، صادر عن لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة، الإمارات العربية المتحدة بتقديم مساعدات عسكرية للقوات التي يقودها الجنرال خليفة حفتر. وأشارت اللجنة أيضًا إلى أن الأسلحة التي قدمتها دولة الإمارات زادت من عدد ضحايا العنف في ليبيا، بحسب التقرير، وجاء في تقرير سابق للأمم المتحدة أن دولة الإمارات أنشأت قاعدة عسكرية متقدمة في مدينة المرج على بعد 100 كيلومتر شرق مدينة بنغازي، وأن طائرات إماراتية هجومية من طراز AT-802  وطائرات بلا طيار تقلع من القاعدة دعمًا لحفتر.

كما كتبت دورية «إنتلجنس أون لاين» الاستخباراتية الفرنسية في 2016، تقريرًا نقلته جريدة الأخبار اللبنانية أن الإمارات تموّل الأنشطة والعمليات الفرنسية في شرق ليبيا. وأضافت أيضًا  أن المخابرات الفرنسية تنسق بشكل مباشر ووثيق مع الإمارات، وأن اجتماعات عدة عقدت في أبوظبي، كما أشارت «إنتلجنس أون لاين» إلى أن الشخص المكلف بالتواصل بين الجانبين الفرنسي والإماراتي هو السفير الليبي في أبوظبي، عارف علي النايض.

لم ينحصر الدور الإماراتي في محاولة الدعم المالي أو بالسلاح، بل امتد ليشمل أيضًا التأثير في المسار الدبلوماسي الذي ترعاه الأمم المتحدة، ونقلت صحيفة الجارديان عن رسالة بريد الكتروني من المبعوث الأممي إلى ليبيا «برناردينو ليون» إلى وزير الخارجية الإماراتي، قال فيها: إن لديه استراتيجية تهدف إلى «نزع الشرعية تمامًا» عن الحكومة المدعومة من الإسلاميين في العاصمة الليبية طرابلس. وكانت رسالة البريد الإلكتروني صادرة من الحساب الشخصي لليون بعد خمسة أشهر من تعيينه كمبعوث للأمم المتحدة إلى ليبيا.

 

 

خليفة حفتر وفايز السراج يتوسطهما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

كما بين البريد الالكتروني أن الإمارات عرضت على ليون دور المدير العام لأكاديمية «فكر الإمارات» في يونيو (حزيران) 2015، وهي مؤسسة دبلوماسية تدعمها الدولة تأسست عام 2014 لتعزيز السياسة الخارجية والعلاقات الاستراتيجية لدولة الإمارات وتدريب دبلوماسييها، وفي أغسطس (آب) من ذات العام، وقال ليون: إنه سيسافر مع عائلته للاستقرار في أبوظبي، بعد أن أتم التفاوض مع الجانب الإماراتي، وتفيد مصادر بأن الراتب الشهري الذي اتفق عليه ليون مع الإمارات يصل إلى 35 ألف جنيه استرليني أو 50 ألف دولار شهريًا، بحسب صحيفة الـ«نيويورك تايمز».

اليمن.. بين المُعلن والمخفي

«إعادة الشرعية»، عنوان عريض، كان التحالف العربي الذي تقوده السعودية، وتشارك فيه الإمارات والبحرين وغيرهما من الدول تردده دائمًا، نتج عنه حملة عسكرية في اليمن سميت بـ«عاصفة الحزم» في مارس (آذار) 2015، لكن وبعد عامين على التدخل العسكري في اليمن، تدور تساؤلات عن الأهداف الإماراتية من هذا التدخل، خاصة بعد سيطرة الإمارات على بعض الموانئ اليمنية فضلًا عن إنشاء قواعد عسكرية في البلاد، ليطرح تساؤلًا هنا عن الهدف الاقتصادي والعسكري من هذا التحرك.

 

 

الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي

حرب الإمارات للسيطرة على موانئ القرن الإفريقي

سعي الإمارات للسيطرة على موانئ اليمن ليس وليد الصدفة أو الانتفاضة اليمنية، في عام 2008 منح الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح شركة موانئ دبي العالمية حق إدارة ميناء عدن، وموانئ أخرى لمدة تصل إلى مائة عام، لكن وبعد الانتفاضة اليمنية عام 2011 اليمنية، وتنحي صالح عن السلطة، قرر مجلس إدارة شركة خليج عدن إلغاء اتفاقية تأجير ميناء عدن لشركة موانئ دبي. وكانت حجة إلغاء الاتفاقية تتضمن تساؤلات عن كيفية قيام الإمارات بتطوير وإدارة ميناء يعد أكثر الموانئ المنافسة لموانىء الإمارات.

قواعد عسكرية وسيطرة على الموانئ، تعزز من النفوذ الاقتصادي والسياسي الإماراتي في المنطقة والعالم، مصدر في جهاز «الأمن القومي اليمني» قال لصحيفة القدس العربي: «إن الإمارات أقامت قواعد عسكرية في كل من عدن وحضرموت، فضلًا عن قاعدة عسكرية في جزيرة ميون اليمنية يجري العمل على إكمالها، وستتحكم في مدخل باب المندب»، وأكد المصدر أن الإمارات تجهز خططًا لإنشاء ميناء عالمي في جزيرة سقطرى اليمنية يربط آسيا بإفريقيا، وتكون تابعة لشركة موانئ دبي العالمية، فضلًا عن ميناء عدن الذي وضعت أبوظبي يدها عليه من قبل، بحسب القدس العربي.

تسعى الإمارات للسيطرة على البوابة الجنوبية للبحر الأحمر المتمثلة بباب المندب، ويعد هذا المضيق في الوقت الراهن أحد أهم المعابر البحرية التي تمر من خلالها حاملات النفط التي تنقل ما لا يقل عن 4.7 مليون برميل يوميًا عبر هذا المضيق الذي لا يتجاوز عرضه 29 كيلومترًا فقط في أضيق نقطة منه بين اليمن وجيبوتي.

ولأجل التحكم بهذا المضيق الاستراتيجي لا بد من السيطرة على ضفتيه الشرقية في اليمن والغربية في القرن الإفريقي، في 12 فبراير (شباط) 2017، أقامت الإمارات قاعدة عسكرية على بعد 278 كيلومترا جنوب مضيق باب المندب في مدينة بربرة بتكلفة تصل إلى 442 مليون دولار، وتحديدًا في إقليم أرض الصومال «صوماليلاند» والذي يتمتع بالحكم الذاتي شمال الصومال.

وكانت الإمارات قد بدأت عام 2015 بإنشاء قاعدة عسكرية في ميناء عصب بإريتريا، على بعد 106 كيلومترات شمال باب المندب بتكلفة لم تعرف قيمتها.

اقرأ أيضًا: وجه آخر للصراع الإماراتي التركي: الصومال باب جديد لحرب النفوذ

شراء الذمم.. والسيطرة على وسائل الإعلام

لأجل مزيد من النفوذ، تبرز القوة الناعمة من خلال وسائل الإعلام ومراكز البحوث، حيث اتجهت الإمارات إلى التعاقد مع شركات علاقات دولية وشراء مؤسسات إعلامية وصحف، ومنها صحيفة «العرب» اللندنية التي كان يمولها الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، وموقع «ميدل إيست أونلاين» وغيرها من المواقع والصحف الإلكترونية.

كما كشفت وثائق مسربة حصلت عليها صحيفة » صنداي» البريطانية، عن تعاقد الإمارات مع شركة «كويلر الاستشارية» للعلاقات العامة، بهدف حث الصحافيين البريطانيين على إنتاج مواد صحافية وإعلامية تستهدف الهجوم على قطر وجماعة الإخوان. وتدفع أبوظبي للشركة 93 ألف دولار شهريًا لعقد يمتد لست سنوات، وتقدم الشركة تقارير تلخيصية عن قطر والإخوان تتسق مع الأهداف الدبلوماسية للإمارات، لخلق تأثير إماراتي بالداخل البريطاني.

ليس هذا فحسب، فالصحافي محمد فهمي الذي كان يعمل في قناة الجزيرة، والذي اعتقل في مصر مع زميلين آخرين له في ديسمبر (كانون الأول) 2013 بتهمة التآمر مع جماعة الإخوان المسلمين لبث تقارير كاذبة عن الاضطرابات في مصر، قد ورد اسمه في تحقيق لصحيفة الـ«نيويورك تايمز» الأمريكية، حيث كشف تحقيق الصحيفة أن محمد فهمي تلقى أموالًا تقدر بربع مليون دولار من السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة لرفع دعوى قضائية ضد الجزيرة، وليس ضد النظام الذي اعتقله قرابة العامين، وبحسب النيويورك تايمز، يضيف التحقيق أن فهمي أقر بأنه تلقى أموالًا، لكنها كانت قرضً،ا وليست منحة إماراتية.

وبحسب التحقيق ذاته، يقول سجناء سابقون رافقوا فهمي في السجن،  إنه بدأ يتحدث «بشغف» عن مقاضاة قناة الجزيرة فور اعتقاله تقريبًا، وسرعان ما ردد فهمي ادعاءات الحكومة المصرية بأن قناة الجزيرة كانت تتآمر مع جماعة الإخوان وتعزز التطرف في مصر.

اجمالي القراءات 1304