في حين ينشغل الجميع بما تفعله في لبنان.. ما الذي تجَهزه السعودية لفلسطين الآن؟

في الخميس ١٦ - نوفمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

بالرغم من ارتفاع وتيرة التحدّي السعودي ضد إيران على الساحة اللبنانية، إلا أنها لن تستطع تجاهل ملعبًا آخر مهمًا، هو الملعب الفلسطيني، فبالتزامن مع الأزمة اللبنانية تحركت السعودية نحو هذا الملعب، فدعت الرئيس الفلسطيني لأراضيها.

تقف وراء هذه الزيارة أسباب عدة، منها الضغط على الفلسطينيين بقبول صفقة أمريكية للسلام مع الإسرائيليين، وكذلك سحب «حركة المقاومة الإسلامية (حماس)» من محور إيران، مع تحقيق مصلحة إسرائيلية أخرى متمثلة في الضغط من أجل نزع سلاح حماس في غزة، لكن هل ينصاع «عباس» لخيارات السعودية؟

بعد تيران وصنافير.. السعودية تريد تمرير المشروع الأمريكي الكبير

في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، اخترقت أخبار الأزمة اللبنانية التي نجمت عن استقالة رئيس الحكومة، سعد الحريري، معلومات تفيد بوصول الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الرياض، استجابة لدعوة تلقاها من العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، ونجله ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان.

الملك السعودي، والرئيس الفلسطيني

السبب الأكثر بروزًا لهذه الزيارة هو اطلاع عباس على مستجدات لقاء السعوديين بالمبعوث الأمريكي الخاص بعملية السلام، جيسون غرينبلات صهر ترامب وكبير مستشاريه «غاريد كوشنر»، وقد سبق هذه الزيارة حديث أمريكي عن اقتراب الإعلان عن مشروع لـ«ترامب» حول صفقة سلام كبرى بين الفلسطينيين وإسرائيل.

وتنقل صحيفة «القدس» الفلسطينية عن مصدر مطلع القول: إن «فريق ترامب يقترب من وضع صيغة من ثماني أو تسع نقاط حول رؤية الرئيس ترامب لحل مرحلي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي»، وكذلك أكد تقرير صحيفة «نيويورك تايمز»أن «إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدأت بصياغة الخطوط العريضة لاتفاق سلام إسرائيلي – فلسطيني، وربما تقدمه مطلع العام المقبل، وأن البيت الأبيض يدرس حاليًا أوراق موقف بشأن مختلف القضايا الجوهرية».

وتنقل الصحيفة عن كبير مفاوضي البيت الأبيض، جيسون دي غرينبلات، قوله «لقد قضينا الكثير من الوقت للاستماع إلى الإسرائيليين والفلسطينيين والقادة الإقليميين خلال الأشهر القليلة الماضية، اشتركنا معهم للمساعدة في التوصل إلى اتفاق سلام دائم، لتحسين العلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولضمان نشر الأمن في جميع أنحاء المنطقة».

ترمب وصهره «كوشنير» (المصدر:نيويورك تايمز)

تأتي هذه التحركات في وقت أصبحت الدول العربية أكثر استعدادًا لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي في إطار سعيها لتحجيم النفوذ الإيراني، وينشر موقع «i24NEWS» العبري؛ ما يفيد بأن واشنطن تريد من السعودية المساهمة بالضغط على الجانب الفلسطيني لقبول الصفقة الأمريكية، خاصة بعد حصولها على جزيرتَي «تيران وصنافير» المصريتين، والتي عدتا عربونًا للسعودية في سياق مشروع تبادل الأراضي الضخم، ومن ثم تمكن السعودية من التدخل بخط تقديم أرض لتمثل شريكًا في أية مفاوضات مع الإسرائيليين.

اقرأ أيضًا:

يقول الكاتب والمحلل السياسي، عصام شاور لموقع «عربي 21»: أن «شرط المبادرة العربية للسلام، أن تنسحب إسرائيل من المناطق التي احتلتها عام 1967، أما الآن، فالشرط الخليجي أن تعلن تل أبيب نيتها عن الانسحاب، ومن ثم يأتي التطبيع معها، وهذا يعني البدء بالتطبيع قبل الانسحاب الإسرائيلي».

«الهدف الأهم».. ضرب التقارب بين حماس وطهران

تعمل الآن السعودية على ضرب إيران في الجبهة اللبنانية، لكن هناك جبهة أخرى كما أسلفنا هي الملف الفلسطيني، فبدءً بما أشيع عن رغبة السعودية في إدخال المخيمات الفلسطينية في لبنان ضمن معركتها ضد إيران في لبنان، كشفت مصادر فلسطينية أن الرياض طلبت من عباس إصدار أوامر للفصائل الفلسطينية داخل المخيمات بإنهاء أي تحالفات مع «حزب الله اللبناني».

وفد حماس خلال حضور مراسم تنصيب الرئيس الإيراني حسن روحاني (المصدر:مواقع التواصل)

لكن الهدف الأهم من تجنيد تلك المخيمات في أي صراع مستقبلي مع الحزب، هو ضرب العلاقة بين حماس وإيران داخل قطاع غزة، فبينما كانت السعودية تخوض معركتها مع إيران على أرض لبنان، كانت حماس التي تركت وراء ظهرها قطاع غزة لسلطة الفلسطينية بعد توقيع اتفاق المصالحة، تهرول إلى إيران و«حزب الله» للحفاظ على وضعها العسكري.

ارتأت السعودية الضغط على عباس ليضغط بدوره على حماس لتخفيف العلاقات مع طهران، ويذكر تقرير صحيفة «التايمز» البريطانية أن «ابن سلمان طالب عباس بالضغط على حماس من أجل الابتعاد عن إيران، وهو شرط يجب أن يكون حاضرًا لإتمام اتفاق المصالحة الفلسطينية، وإلا فإن السلطة الفلسطينية سوف تُتهم بأنها تتعاون مع منظمة إرهابية»، بحسب الصحيفة.

زعيم حزب الله اللبناني، حسن نصر الله يلتقى بالقيادي في حماس، صالح العاروري (المصدر: موقع قناة المنار)
 

وقدمت لتحقيق ما سبق عرضًا ماليًا وصف بـ«السخي» لخزينة السلطة الفلسطينية، وهي أموال تمكن حكومة عباس من أداء مهامها في القطاع، وتحسين الأوضاع الإنسانية بشكل ملموس، وقد أكدت مصادر إسرائيلية على هذا العرض، فذكر موقع «i24NEWS» العبري: أن «السعودية تبدي استعدادها لزيادة المساهمة المالية للسلطة الفلسطينية في حال أن حركة حماس، استغنت عن الدعم الذي تتلقاه من إيران وحزب الله، وانضمت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية إلى حكومة وحدة وطنية، بينما تعهد الأمير محمد بن سلمان بتمويل مشروعات عملاقة في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، إذا مضى الرئيس الفلسطيني عباس بهذه الخطة للسلام الإقليمي».

ويقول الموقع: إن «القاهرة ستواصل الاهتمام وبكبح حركة حماس، في المقابل تبدي السعودية استعدادها لزيادة المساهمة المالية للسلطة الوطنية الفلسطينية في حال أن حركة حماس استغنت عن الدعم الذي تتلقاه من إيران وحزب الله وانضمت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية إلى حكومة وحدة وطنية».

فبالرغم من سهولة تحقيق الهدف السعودي بضم عباس إلى تحالف التصدي لإيران وحزب الله، إلا أن عباس الذي يمثل الشرعية الفلسطينية قد يصدم بموقف حركة حماس، وبذلك يظهر أن الوسيلة التي حددت أو فرضت لتحقيق الهدف السابق هو تهديد اتفاق المصالحة الذي وقعته حماس مع فتح في 12 أكتوبر (تشرين الأول) التي تملك القاهرة – حليف السعودية – رعايته الأساسية، وبموجبه يفترض أن تستعيد السلطة الفلسطينية السيطرة على قطاع غزة بحلول الأول من ديسمبر (كانون الأول)، بينما تلقي حماس عن كاهلها المسؤولية عن الوضع الإنساني والسياسي للقطاع.

مقاوم من عناصر كتائب عز الدين القسام

ولذلك نقلت «القدس العربي» عن مصدر فلسطيني تأكيده أن السعودية تدعم موقف عباس الذي يطالب بإخضاع كل الأسلحة في القطاع والضفة للسلطة الفلسطينية، فبالرغم من قبول الرجل خلال المفاوضات بعدم المساس بسلاح المقاومة، إلا أنه كان أول رجال السلطة الفلسطينية الذين رفضوا بقاء هذا السلاح بجوار سلاح السلطة، فقال إنه «يجب أن يكون هناك سلاح شرعي واحد.. لن أستنتسخ تجربة حزب الله في لبنان».

ولم يقف الإسرائيليون مكتوفي الأيدي، إذ نقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية تأكيدات بأن «الرياض تدعم موقف عباس بإخضاع كل الأسلحة في قطاع غزة والضفة الغربية للسلطة الفلسطينية»، وتشير الصحيفة إلى أن «الحاجة لتنسيق المواقف مع السعوديين حيوية للغاية، إذ إن تنسيقًا كهذا معناه تنسيق مع معظم دول الخليج التي يمكنها أيضًا أن توفر شبكة أمان اقتصادية للسلطة».

خطة إسرائيل لنزع سلاح المقاومة

يفسر بشكل واضح إصرار حماس على تطوير العلاقة السياسية والعسكرية مع إيران، بأنه يعود لخشيتها بعد تنازلها عن الحكم بغزة من استهداف رأس حماس، وهو السلاح الذي يملكه جناحها العسكري «كتائب عز الدين القسام».

تدمير منازل الفلسطينيين خلال عدوان إسرائيلي على غزة في العام 2014

تحركات عدة تبعت اتفاق المصالحة تظهر حقيقة السعي لتصفية مقدرات المقاومة في غزة، ولا يخفى أن هناك خصمًا معروفًا، هو إسرائيل، يحاول تحريك أطراف داخلية، وأخرى إقليمية، لاستهداف سلاح المقاومة؛ لكونه يمثل أداة نفوذ لإيران، ما دام الأخيرة تغدق بالأموال على حماس.

يتضح ذلك خلال متابعة تفاصيل زيارة صهر ترامب «كوشنر» العلنية لـ«تل أبيب»، وتفاصيل زيارته السرية للرياض، فخلال هذه الزيارة وضعت إسرائيل الرجل في رؤيتها حول آليات توظيف مشاريع إعادة إعمار قطاع غزة مقابل الضغط على حماس للتخلي عن سلاحها، الأمر الذي كشفته دراسة صدرت عن «مركز أبحاث الأمن القومي» الإسرائيلي، حيث جاء في الدراسة أن إسرائيل: «تقترح أن تتم مقايضة مشاريع إعادة الإعمار في القطاع، التي ترى أن تتولى الدول الخليجية تمويلها، بموافقة حركة حماس على التخلي عن قوتها العسكرية».

عجوز فلسطينية تتفقد منزلها بعد قصف إسرائيلي

وحسب تقرير موقع «العربي الجديد»: «فثمة احتمال أن يكون المصريون والسعوديون قد نصحوه – عباس – بأن يحاول احتواء حماس من خلال المبادرة باتخاذ إجراءات تفضي إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في قطاع غزة بشكل فوري، حتى يتم إيصال الغزيين إلى قناعة بأن هناك الكثير سيخسرونه في حال رفضت حماس التخلي عن قوتها العسكرية»، لكن التقرير السابق يتوقع أن يتسبب استخدام العصا في التعامل مع حماس، نحو خلط الأوراق من قبل حماس وقلب الطاولة على الجميع، وذلك «من خلال المبادرة بشن مواجهة ضد إسرائيل تزيد الأمور تعقيدًا بما لا يخدم الرؤية السعودية الأمريكية للمنطقة، وهذا ما يدركه الجانب المصري الذي يبدي تحفظًا على سلوك عباس الأخير تجاه غزة».

هل ينصاع «عباس» لخيارات السعودية؟

تحاول السعودية التي تقود المحور السني في المنطقة، كسب كل الأطراف السنية معها في مواجهة المد الإيراني، ويعد الملعب الفلسطيني قضية محورية وذات أبعاد سياسية ودينية، وملعب تحاول إيران أيضًا كسبه، كما يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة السلطان قابوس «هاني البسوس».

الرئيس الفلسطيني، محمود عباس

ويوضح «البسوس»: «الآن أصبحت عملية الاستقطاب واضحة وقوية، السعودية استدعت الرئيس عباس لمسألتين، أولها يتعلق بالمصالحة والعلاقة مع حماس التي فتحت علاقات مع إيران، والمسألة الثانية تتعلق بالتسوية السياسية مع إسرائيل».

ويعتقد أستاذ العلوم السياسية «البسوس» أن الرئيس عباس تحت الضغط السعودي قد يراوغ ويناور في حدود معينة في مسألة التسوية السياسية مع إسرائيل، فيتذرع أن إسرائيل ليست جاهزة، لكن عباس يريد إتمام التسوية بشكل مقبول بالحد الأدنى الفلسطيني، مستدركًا لـ«ساسة بوست»: «لكن لا أعتقد أن عباس من الممكن أن يستقيل؛ لأن أحد أهم الأسباب أن السعودية ستأتي بالقيادي محمد دحلان بديلًا عن عباس، وهذه المسألة ستجعل عباس يقبل بأي شيء، إلا أن يكون دحلان البديل له».

تحدثت «ساسة بوست» أيضًا للباحث الأول في مركز الشرق للسياسات، جلال سلمي، للوقوف على خيارات «عباس»، فأكد على أنه لا خيارات محورية أمام الرئيس الفلسطيني، سوى المحور السعودي الإماراتي الأردني الذي يقبله مضطرًا، لا سيما أن «ابن سلمان» الذي يسعى لتثبيت ذاته بالحكم عبر كسب الدعم الأمريكي مقابل تقديم بعض الإنجازات الإقليمية، تقف على رأسها  القضية الفلسطينية.

الرئيس الأمريكي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي (المصدر: فرانس برس)

ويوضح «سلمي» أن «ابن سلمان لا يتورع عن استخدام الأسلوب الميكيافيلي النفعي في تحقيق ذلك، فالسعودية بقيادة ابن سلمان تحاول إسدال إنجازات لإسرائيل؛ كدولة حلقة وصل ضاغطة على القرار الأمريكي في ملاعب عدة على رأسها لبنان وفلسطين».

ويشير الباحث الأول في مركز الشرق للسياسات إلى أن هذا الوضع دفع حماس نحو إيران لتأمين جبهتها من أي غدر محوري قد يطال بها، حسب «سلمي»، الذي يرى أن موقف حماس هو عمل بالإستراتيجية التي اتبعتها دمشق إبان مؤتمر مدريد الذي أسفر عن عملية سلام إسرائيلية فلسطينية صبت في نهاية المطاف لصالح إسرائيل، ويبين «سلمي»: «حماس اليوم تحاول إيجاد ظهير يساندها مقابل ما يذاع عنه من خطط تطبيعية كصفقة القرن وغيرها، وهو ما يأتي منسجمًا مع رغبة المملكة في إظهار جانب إيجابي نحو المصالحة يحول دون ميل حماس بالكامل نحو القطب الإيراني».

اجمالي القراءات 1870