هل تتجه السعودية للطلاق من فكرها الوهابي؟

في الأربعاء ١١ - أكتوبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

محمد النجار-الجزيرة نت
 
بتصريحه المثير للجدل حول فصل بلاده آلافا من الأئمة بدعوى دعمهم التطرف، يفتح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الباب على مصراعيه على السؤال إن كانت السعودية قد أعلنت طلاقها من الفكر الوهابي الذي قامت الدولة على مشروعيته.
 
الجبير كان قد أدلى بتصريح مفاجئ لقناة روسيا 24 نقلته عنه وكالة تاس الروسية قبل أيام، حيث أعلن أن بلاده قامت بفصل الآلاف من أئمة المساجد بسبب التطرف، وأنها قامت بتحديث نظامها التعليمي لاستبعاد إمكانية إساءة تفسير النصوص.

وبرر المسؤول السعودي هذه القرارات بأنها جاءت في إطار مكافحة الفكر المتطرف، وقال "لن نسمح لأحد بنشر أيديولوجية الكراهية، أو تمويل مثل هذه الأيديولوجية أو الإرهاب"، وأضاف "نهجنا في التعامل مع هذه المشكلة صارم جدا".
 
وأثار حديث الجبير جدلا واسعا على منصات التواصل، ولا سيما أنه كان أول إعلان من نوعه في هذا الإطار، ولم يسبق للسعودية أن أعلنت عن أي خطط لفصل أئمة بحجج دعوتهم للتطرف والإرهاب.
 
 
 
 
الأتاتوركية السعودية
وفيما رحّب بعض المغردين بهذا القرار باعتباره تصحيحا لأخطاء عقود مضت، ذهب آخرون لوصفه بأنه بمثابة الحرب على الطبع المحافظ للمجتمع السعودي، فيما اختار مغردون مقارنة ما يجري في السعودية بما قام به مؤسس الدولة التركية الحديثة كمال الدين أتاتورك.
 
لكن محللين ربطوا بين هذا القرار السعودي وما أعلنه وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون قبل أسابيع من أن واشنطن وقعت اتفاقا سريا مع السعودية لمراجعة المناهج التي تبرر "الفكر الإرهابي".
 
كما أنه جاء بعد أشهر من تعطيل دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحد من دور المؤسسة الدينية في البلاد عبر الانقلاب على العديد من الفتاوى التي دافعت عنها السلطات السعودية لعقود خلت، وأشهرها على الإطلاق فتوى منع المرأة من قيادة السيارة.
 

كما تأتي في خضم تحولات كبيرة يشهدها المجتمع السعودي، تمثلت بتخفيف القيود على الحفلات الغنائية التي كانت تتم في أجواء مغلقة، لتظهر في حفلات عامة يختلط بها الرجال والنساء -على غير العادة- وهو ما ظهر في الاحتفالات بالعيد الوطني السعودي الشهر الماضي، وأثارت وقتها -ولا تزال- الجدل على منصات التواصل.
 
وتزامن الحديث عن عزل الأئمة مع تواصل حملة الاعتقالات التي طالت العشرات من كبار الدعاة الذين يروجون عادة للفكر الوسطي الإصلاحي الرافض للتطرف، لدرجة أن بعض من اعتقلتهم السلطات كانوا عادة ما يواجَهون بهجوم من قبل الدعاة والمشايخ المحسوبين على المؤسسة الرسمية.


صحيفة وول ستريت جورنال تحدثت في أغسطس/آب الماضي عن أن المملكة تنفق سنويا ما يصل إلى أربعة مليارات دولار لنشر المنهج الوهابي في العالم، في إشارة إلى عشرات المراكز المرتبطة بالسفارات السعودية في قارات العالم الخمس
المسؤولية عن التطرف
وفيما أراد الجبير تسويق القرار باعتباره تأكيدا على توجه بلاده الصارم في مكافحة ما وصفه بالإرهاب والتطرف، فإن هناك من اعتبره اعترافا بمسؤولية بلاده عن رعاية "الفكر المتطرف" ونشره ليس في السعودية فقط بل في مختلف أنحاء العالم، عبر المراكز والدعاة الذين تمولهم السعودية.
 

وكانت صحيفة وول ستريت جورنال قد تحدثت في أغسطس/آب الماضي عن أن المملكة تنفق سنويا ما يصل إلى أربعة مليارات دولار لنشر المنهج الوهابي في العالم، في إشارة إلى عشرات المراكز المرتبطة بالسفارات السعودية في قارات العالم الخمس.

من جهته اعتبر الخبير في القانون الدولي أنور مالك أن ما صرح به الجبير يحسب للسعودية بأنها صارمة في مكافحة الفكر المتطرف، واعتبر -في حديث للجزيرة خلال برنامج ما وراء الخبر مساء أمس الثلاثاء- أن حديثه عن فصل الآلاف من الأئمة لا يعتبر رقما كبيرا في بلد يوجد فيه ما يقرب من مئة ألف مسجد، يعمل فيها مئات الآلاف من الوعاظ.

لكن المعارض السعودي يحيى عسيري اعتبر أن ما صرح به رئيس الدبلوماسية السعودية بمثابة اعتراف بمسؤولية بلاده عن التطرف والإرهاب، خاصة أنها تتعلق بأئمة ووعاظ اعتادت السلطات على توزيع خطب الجمعة عليهم.

عسيري في حديثه خلال البرنامج ذاته، اتهم الرياض بالاستمرار فيما وصفها بـ"المتاجرة بالإرهاب"، وقال "المؤلم أننا كشعب الضحية دائما، فعندما تحاول السلطة السعودية أن تروج لنفسها أو تسوق لنفسها فهي تفعل ذلك كراعية للإرهاب وتصم هذا الشعب بأنه إرهابي ومتطرف، علما بأن هذا الإرهاب جاء من نشأة السلطة على القمع والقتل والاعتقال الذي يمارس ضد كل من يقول رأيا مخالفا لرأي السلطة".
حالة تخبط
أما الدكتور أحمد الريسوني نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فاعتبر أن السعودية تمر  "بحالة تخبط شديدة في سياساتها الداخلية والخارجية".

وقال الريسوني للجزيرة أيضا إن التخبط يتجلى في "وجود قرارات وسياسات ومخططات سرية، لأنها لم تشرح أو توضح أو تمهد لها"، وأنها تأتي متوافقة مع ما ذكره السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة من أن دول حصار قطر تعمل على التحول نحو علمنة مجتمعاتها.

كما اعتبر أن عزل "جيش من الأئمة" واتهامهم بأنهم نشروا على مدى سنوات طويلة التطرف والإرهاب، يعد "اعترافا ضمنيا بأن المملكة تضم جيشا من المتطرفين يسيطرون على التعليم، ويشكلون العقليات، ويصدّرون ذلك للعالم الإسلامي"، متسائلا عما إن كانت المملكة ستعتذر للعالم عما جرى من خسائر نتيجة هذا الفكر.

ويُجمِع مراقبون على أن ما بدأته السعودية من تحولات عميقة في توجهاتها الداخلية والخارجية، يرتبط ارتباطا وثيقا بما تتحدث عنه وسائل إعلام غربية من قرب انتقال الحكم من الملك سلمان بن عبد العزيز إلى نجله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
اجمالي القراءات 1233