بعد منع القافلة الجزائرية من دخول غزة.. هل ستنفجر العلاقات الجزائرية المصرية؟

في الأربعاء ٢٣ - أغسطس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

من بين دول عربية كثيرة، ربما قد وجد الفلسطينيون في الجزائر الدولة الأقرب إلى قلوبهم مؤخرًا، حتى صار العلم الجزائري ربما هو الوحيد الذي يرفع إلى جانب العلم الفلسطيني في الكثير من  الفعاليات والمواجهات مع الاحتلال، وما أحداث الأقصى الأخيرة إلا كبير الشاهدين على هذا التقارب، مع تدهور الوضع الإنساني  في  قطاع غزة، وبلوغه ذروة الانفجار، سارع  الجزائريون إلى مد يد العون، فكان لزامًا تنظيم قافلة مساعدات تجوب البحر المتوسط للوصول إلى غزة.

 

في  يونيو (حزيران) الماضي انطلقت من الجزائر قافلة مساعدات رسمية  لجمعية العلماء المسلمين إلى قطاع غزة، تتضمَّن مساعدات إنسانية فاقت قيمتها ثلاثة ملايين يورو، وتضم القافلة 14 شاحنة محملة بالأدوية والأجهزة الطبية ومولدات كهربائية لدعم مستشفيات قطاع غزة، بداية طريق القافلة كان بالتوجه نحو ميناء إسبانيا، ومن هناك أبحرت نحو ميناء بورسعيد المصري، قبل أن تصل إلى معبر رفح لينتهي بها الطريق  أمام المعبر المقفل منذ سنوات.

العلاقات الجزائرية المصرية

وقد عادت قافلة المساعدات الجزائرية أدراجها بعد وصولها معبر رفح ومنعها من طرف الأمن المصري دخول القطاع، رغم امتلاكها جميع التراخيص، وموافقة السلطات المصرية على دخولها، وقد ناشد كريم رزقي مسؤول العلاقات في لجنة الإغاثة التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين،الرئاسة المصرية بالتدخل للسماح للقافلة الجزائرية التي تحمل مساعدات لقطاع غزة بالعبور عبر معبر رفح، وأكد رزقي أن القافلة حصلت على التصريحات اللازمة من السلطات المصرية في القاهرة والسفارة المصرية في الجزائر والسفارة الجزائرية في مصر، مضيفًا: «لكن السلطات المصرية تقول إنه لا يوجد تنسيق بين الجهات الأمنية والخارجية المصرية».

أكدت لجنة الإغاثة في جمعية العلماء المسلمين الجزائرية أن هدف القافلة هو التخفيف من آثار الحصار المفروض على غزة، وكسر الحصار  المفروض  على القطاع منذ أكثر من 10 سنوات، والمساهمة في توفير الاحتياجات الأساسية لمستشفيات القطاع التي تعاني أزمة كبيرة ونقصًا حادًا في الأدوية والمستلزمات الطبية، كما طالب منظمو القافلة من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة التدخل ومطالبة السلطات المصرية السماح للقافلة بالعبور إلى غزة، يذكر أن السلطات المصرية فعلت نفس الشيء مع قافلة جزائرية قبل عامين، ما استدعى تدخل بوتفليقة شخصيًّا للسماح لتلك القافلة بالمرور إلى القطاع.

وعبرت «هيئة الحراك الوطني لكسر الحصار عن غزة» عن أسفها لمنع السلطات المصرية دخول قافلة المساعدات الإنسانية لغزة عبر معبر رفح البري، وحيت الهيئة في بيان جهود الجزائر في دعم قطاع غزة.

اقرأ أيضًا: بعد منع أسطول الحرية «3»، تعرف إلى أبرز محاولات «فك الحصار» البحرية إلى غزة

مطالبات بالضغط على النظام المصري لتخفيف الحصار على غزة

تصاعد الغضب الشعبي في الجزائر بعد قرار السلطات المصرية منع قافلة المساعدات الجزائرية من العبور  إلى غزة، مطالبين السلطات الرسمية بالتدخل والضغط على النظام المصري لوقف  ممارساته ضدّ القوافل الجزائرية، و في  هذا الصدد قال الشيخ «محمد شنق» عضو الاتحاد العالمي  لعلماء المسلمين لـ«ساسة بوست» أنّ منع السلطات المصرية للقافلة الجزائرية يأتي ضمن محاولات النظام المصري  ثني عزم الجزائريين مستقبلًا في تنظيم قوافل كهذه.

وأضاف أن النظام المصري بمنعه للقافلة الجزائرية يريد مشاركة الجميع في  حصاره للقطاع، بدورها أعربت القيادية الطلابية في نقابة الاتحاد الطلابي الحر «مروة داهش»  عن أسفها من قرار المنع، معتبرة أن القرار أصدر من طرف سلطات الاحتلال والتطبيق كان من طرف السلطات المصرية، ودعت بدورها الحكومة الجزائرية التدخل لمنع تكرار مثل هذه الإساءات، كما شددت على موقف الطلبة الجزائريين الرافضين لحصار غزة، من جهته قال الدكتور «عبد الرزاق  مقري» الرئيس  السابق لحركة مجتمع السلم الجزائرية أنّ «النظام المصري برهن على عمالته للصهاينة بمنعه للقافلة الجزائرية». لكنّ حادثة القافلة الممنوعة لم تكن الوحيدة على طاولة العلاقات بين البلدين، فقد كان هناك ملفات أخرى عالقة.

اقرأ أيضًا: 10 سنوات من الحصار.. حرمت غزة من الحياة

مصر.. طريق الغاز الجزائري إلى إسرائيل

في  نهاية سنة 2014 أبرمت مصر مع الجزائر اتفاقية لاستيراد الغاز الطبيعي المسال من الجزائر، وذلك في إطار سعي مصر للتخفيف من حدة النقص المزمن في الطاقة لديها، وتم توقيع عقد استيراد ست شحنات جزائرية تتضمن كل منها 850 ألف متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال، أثناء زيارة وزير البترول المصري «شريف إسماعيل» للعاصمة الجزائرية، وما ميّز العقد المُبرم هو أسعار الغاز الذي ستبيع به الجزائر إلى مصر إذ وصل إلى نصف سعره الحقيقي، وهو ما اعتبره بعض الجزائريون صدقة من الجزائر إلى نظام السيسي.

 

تعليقات بعض الجزائريين على عقد الغاز

ومع هذا السعر لاحت في الأفق شائعات في بعض وسائل الإعلام الجزائري تفيد أن السيسي استغل تصدير الجزائر الغاز  لبلاده بسعرٍ متدن ليحوله إلى إسرائيل ، وفي هذا السياق وجهت البرلمانية الجزائرية  «خربوش نورة» سؤالًا شفويًّا لوزير الطاقة الجزائري «يوسف يوسفي» حول وجهة الغاز الجزائري المصدّر إلى مصر، بعد شكوك أثارتها وسائل الإعلام بشأن إمكانية وصول شحنات من هذا الغاز إلى إسرائيل عبر الأراضي المصرية، وكانت تقارير إعلامية تناقلت معلومات تفيد بتحويل مصر للفائض من الغاز الجزائري إلى إسرائيل بعد أن رفعت كمية الغاز المستورد من الجزائر من 400 مليون متر مكعب إلى 500 مليون متر مكعب، في وقت تقدر فيه حاجة مصر بـ400 مليون متر مكعب يوميًا فقط.

وفجرت هذه الحادثة غضبًا شعبيًّا جزائريًّا  كبيرًا  ومطالبات لوقف تصدير الغاز الجزائري إلى مصر، ومن جهتها نفت القاهرة  تصديرها للغاز الجزائري  إلى تل أبيب إذ  قال السفير المصري بالجزائر  أن إسرائيل لا تحتاج لا إلى الجزائر ولا إلى مصر لتلبية حاجاتها الطاقوية.

اقرأ أيضًا: حصار غزة.. القصة التي لم تنتهِ فصولها بعد

الجزائر تفتح أحضانها لحماس

مع زيادة الضغط الذي  تتعرض  له «حركة المقاومة الإسلامية – حماس» في  القطاع وخارجه أعلنت الجزائر أنها في صدد الترتيب لاستقبال وفد رفيع من قيادة حماس، إذ ينتظر أن يصل وفد من الحركة إلى الجزائر للمشاركة في أنشطة سياسية للأحزاب الجزائرية، وسيعقد لقاءات إثرها مع قيادة الحزب الحاكم  في  البلاد،الجزائر بدورها أعلنت  فتح مكتب تمثيليّ لحركة «حماس» في سبتمبر(أيلول) 2016، يديره القيادي في الحركة «محمد عثمان»، على الرغم من كل الضغوطات المتأتية وراء قرار الفتح ذاك، تأتي  هذه التطورات مع تصنيف مصر لحماس منظمة إرهابية بتهم تتعلق بضلوع الحركة  في «أعمال إرهابية» داخل الأراضي المصرية، مطالبة العرب بإدراج اسمها ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، هذه المطالبات استقبلتها حركة مجتمع السلم الجزائرية بالتنديد معتبرة إياها تمهيدًا مفضوحًا لتنفيذ مخطط صهيوني سابق، ومطالبة الحكومة الجزائرية بالرد على القرار المصري.

ورفضت الجزائر بعد إعلان مجلس الوزراء المصري  يوم 25 ديسمبر(كانون الأول) 2013  اعتبار الإخوان المسلمين «منظمة إرهابية» وتصنيف هذه الجماعة في خانة الإرهاب.

خلافات مصرية – جزائرية شديدة حول الأزمة الليبية

لم تكن القضية الفلسطينية موقف الخلاف الوحيد بين الجزائر ومصر، إذ امتدت الخلافات لتصل إلى ليبيا جار  البلدين، فبينما تفضل مصر طرح رؤيتها في  حل الأزمة الليبية المعتمدة على دعم الجنرال خليفة حفتر تارة، ودعم التدخل الأجنبي  تارة أخرى وهو ما دعا إليه الرئيس المصري  عبد الفتاح السيسي له باعتباره حلًّا نهائيًّا لها.

تفضل الجزائر الحل  السياسي المبني على اتفاق  الصخيرات الذي  جمع الفرقاء الليبيين، وتم توقيعه في المغرب، في 17 ديسمبر(كانون الأول) 2015، وتمخض عنه مجلس رئاسي لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا، ومجلس الدولة في طرابلس (غرفة نيابية استشارية)، بالإضافة إلى تمديد عهدة مجلس النواب في طبرق (شرق) باعتباره هيئة تشريعية، وترفض  الجزائر بشدة الحل  العسكري أو التدخل الأجنبي لحلّ الأزمة في  ليبيا، إذ عكفت على بذل جهود دبلوماسية كبيرة لأكثر من سنتين لأجل حلّ الأزمة دبلوماسيًا .

في مايو( أيار) الماضي  أغارت الطائرات المصرية على درنة الليبية ردًا على الهجوم الذي استهدف حافلة تقل أقباطًا في المنيا، آثار هذا القصف غضب الجزائر، التي هاجمت القصف، معتبرة أن التدخل العسكري سيزيد من تأزم الوضع، وأن الانحياز لأي طرف على حساب الآخر سوف يزيد الأمر سوءًا، قال مصدر مسؤول بالخارجية الجزائرية، أن «الجزائر قلقة بشأن الدعم المصري العسكري المكثف للمشير خليفة حفتر، نظرًاا لأن الجزائر ترى أن هذا الرجل غير جدير بالثقة، كما أنه يمكن أن يتسبب في تعميق الأزمة الليبية مما يؤثر سلبًا على كامل المنطقة».

من جهتها طالبت أحزاب الإخوان المسلمين في ليبيا بتدخل الجزائر لمنع القصف المصري للأراضي الليبية،  إذ دعا رئيس حزب العدالة والبناء «محمد صوان» الجزائر إلى لعب دور أقوى في رفض ومنع التدخل العسكري المصري والأجنبي في ليبيا، مثمنًا الدور الجزائري إزاء الأزمة في ليبيا.

واستقبلت الجزائر خلال الأشهر الماضية رئيس البرلمان عقيلة صالح، وقائد الجيش خليفة حفتر، وكذا فايز السراج لتثبت أنها على نفس  المسافة مع جميع الأطراف الليبية ، فيما اقتصرت مصر على تقديم الدعم العسكري لحفتر واستقباله.

حياد الجزائر في الأزمة الخليجية

في يونيو الماضي خرجت للافق أزمة جديدة لتفجِّر ما تبقى من علاقات عربية – عربية، مصر ومعها ثلاث دول خليجية  تعلن عن قطع علاقاتها مع قطر، العلاقات الجزائرية المصرية حينها كانت مستقرة، وهذا ما جعل القاهرة تستبشر بانضمام الجزائر إلى معسكر الحصار، لكن الجزائر صدمت مصر ومعها دول الحصار بتبني خيار الحياد ودعوة الفرقاء  إلى حلّ الأزمة بالحوار، ولعبت الجزائر دورًا في منع مصر من إقناع الدول  الأفريقية في تأييد حصار  قطر خلال اجتماعٍ للاتحاد الأفريقي شهر يوليو تموز الماضي ، هذا الموقف الجزائري ربط بالموقف المصري الإماراتي في ليبيا الذي  ترى فيه الجزائر  اقترابًا من حدودها، وتهديدًا لأمنها القومي، ما جعلها تبتعد عن دول الحصار  وتختار الحياد.

اجمالي القراءات 1177