بين الجيش وعناصر «ولاية سيناء».. هكذا أصبحت «الكمائن» جحيم أهالي سيناء

في السبت ١١ - مارس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

لا تتوقف معاناة أهالي شمال سيناء عند القتل العشوائي والقصف الجوي والمدفعي والتهجير القسري، وهدم البيوت وتجريف الأراضي؛ إذ تشكل الكمائن الثابتة والمتحركة في مدن الشيخ زويد ورفح والعريش وحدها بؤرة معاناة كبيرة.

على هذه الكمائن ينال المدنيين من نساء وأطفال وشيوخ شتى أنواع الانتهاكات من قتل بسبب الرصاص العشوائي أو الاعتقال بحسب مكان الإقامة، أو التحرش بالنساء بحجة التفتيش، حتى أصبح المواطنون طرفًا ثالثًا ينال منه كل من مسلحي تنظيم «ولاية سيناء» الذين أخذوا في نصب الكمائن بشكل مُستمر، وكذا قوات الأمن المصرية.

ما الذي يحدث عند كمائن مدن شمال سيناء؟

تحدث الكثير من الأمور على الكمائن المنتشرة في أرجاء مدن شمال سيناء، حين يضطر الناس للخروج بهدف قضاء مصالحهم الأساسية والعاجلة، فبينما ترى من بعيد ازدحامًا على اتجاهي المكان، تكمن تفاصيل أكثر معاناة حيث تنتهك الأعراض والأرزاق والحق في الحياة.

تبدأ هذه الانتهاكات بالكشف الجنائي عبر الحاسب الآلي عن جميع العابرين وتفتيش وحقائبهم والسيارات التي تقلهم مرورًا نحو الانتهاكات الخطرة كإطلاق الرصاص عشوائيًا أو الاختفاء القسري و المساس بالنساء خلال عمليات التفتيش، أو الاعتقال الذي قد يحدث لمجرد قراءة محل الإقامة في البطاقة بأنه من الشيخ زويد أو رفح تلك المدن التي تتمركز فيها الجماعات المسلحة.

علي سبيل المثال، يمنع على كمين الريسة الذي يسميه أهالي سيناء بـ«معبر الريسة البري» الواقع شرقي مدينة العريش في محافظة شمال سيناء مرور الأطعمة والخضراوات، وتحجز سيارات البضائع من الأغذية والأدوية والمواد الزراعية دون سبب، وقد دفع تعطيل دخول البضائع وحجزها تحت أشعة الشمس بشكل متعمد لعزوف التجار عن التوريد لشمال سيناء واستخدام هذه الطرق في نقل البضائع.

يقول ناشط سيناوي رفض ذكر اسمه: إن «كمين الريسة الذي يعتبر هو المدخل الأوحد للشيخ زويد ورفح، هو كمين خانق جدًا، يحجز عليه الناس والبضائع بطريقة مهينة للغاية»، مُوضحًا أنّه قبل يومين بدأ الجيش بـ«أمر غريب»، طلبوا من أي مار على الكمين، سواء طفل أو امرأة أو رجل، النزول من السيارة ووضع البطاقة بجانب وجهه والتصور بها، ويشير الناشط خلال حديثه لـ«ساسة بوست» إلى معاناة أهالي سيناء من الكمائن المتنقلة على طريق قنطرة العريش، فهي تنصب خصيصًا لتنزيل أي شخص بطاقته من الشيخ زويد أو رفح، وقد وصل الأمر لاعتقال معزين ذهبوا لدفن ميت، يوضح لنا «اعتقلوا 50 شخص من عائلة واحدة بعد عودتهم من دفن ميت لهم، وذات مرة اعتقلوا رجلًا في السبعين من العمر، ومريضًا؛ مما أدى لمضاعفات له من مرض السكر«.

ويعاني أهالي سيناء ما بين مطرقة الأمن وسندان المسلحين، فبالنظر إلى الكمائن التي يُقيمها قوات الأمن نجدها كمائن ثابتة في أغلبها وتكون داخلية في المناطق السكنية؛ مما يمثل خطرًا على حياة السكان في حال استهداف الكمين من المسلحين. كما أن الأهالي مُعرضون للاعتقال أو التصفية لمجرد الاشتباه في تصرفاتهم، أو نتيجة الرصاص العشوائي من قوة الكمين لأسباب مختلفة.

ويرى الباحث أحمد زغلول أن الكمائن أصبحت من أكثر ما يكرهه أهالي سيناء، وذلك لأسباب منها تعرضهم للتضييق عليهم خلال المرور منها، فضلًا عن التأخير المستمر نتيجة أوقات الانتظار الطويلة في التفتيش، إضافة إلى ما يتعرض له النساء من تضييقات جراء التفتيش الذاتي، والذي كان مبررًا قدمته «ولاية سيناء» في أعقاب تفجيرها لكمين «الصفا» في مارس (آذار) 2016، جنوبي العريش بعد ما نُشر عن تفتيش ذاتي للنساء في كمين الريسة وغيرها من الكمائن.

أماكن للتعذيب والتحرش بالنساء

«علشان نروح من العريش لشغلنا، بنعدي على أكتر من كمين، وبنتعامل معاملة الكلاب على كمين الريسة، والعساكر بتوصل بيهم إنهم يطلبوا من الواحدة مننا تطبّل على بطنها، لو ما اتطمنش بيطلب من اللي جنبك تخبّط على بطنك»، تُجمِل هذه الرواية لمعلمة من سيناء معاناة النسوة على الكمائن، فهن يتعرضن لتفتيش أقرب ما يكون إلى التحرش الجنسي، فنساء مجتمع قبلي محافظ كسيناء عليهن إذا أردن المرور على الكمائن الضرب على بطونهن وصدورهن للتأكد من عدم وجود أسلحة أو ممنوعات بحوزتهم، فبينما يُجبر راكبي السيارات من الرجال على النزول منها وتثبيتهم بالسلاح، تجبر النسوة بشكل عام على كشف وجوههن و«رجرجة» ملابسهن أمام الجنود؛ ما يعني أن كشف أجزاء من أجسادهن أمر وارد، كما أنهن يهددن في حالة عدم الانصياع بإطلاق النار أو الاعتقال التعسفي.

لم يكن الحظ السيئ للمعلمة السيناوية ليقتصر فقط على ما تلقيه من عناصر الجيش المصري، فإحدى الحكايات التي يمكن الاستشهاد بها تعود إلى يومي 22 و26 فبراير (شباط) الماضي، إذ تعرضت المعلمات في هذه الأيام لما يشبه حملة منظمة قادها مسلحون تحت ما يُسمى «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، كان بعض المسلحين يوقفون حافلات المعلمات، ثم يصعد إليها رجل وصف بـ«جهادي»، ويأخذ بإلقاء ما يشبه الخطبة الدينية، يطالبهن بـ «ارتداء النقاب، والخروج بصحبة مِحرِم» ويحذرهن من أن مخالفة ذلك سيؤدي جلدهن، ورش ماء النار عليهن، تقول إحدى المعلمات وتدعى نادية: «واحنا ماشيين في الطريق، عربية فيرنا رمادي وقفت الأتوبيس، ونزل منها ثلاثة جهاديون، اثنان منهم طلعولنا واحد بيصور، والتاني بيقول وعظ عن الزي الإسلامي، وأهمية الاقتداء ببنات الرسول، وعرّفوا نفسهم لنا بإنهم جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بولاية سيناء«.

ويقول تقرير المرصد المصري للحقوق والحريات التابع للجنة العدالة في جنيف: إنّ «الكمائن الثابتة على الطرق الرئيسة الرابطة ما بين المدن في مدينة شمال سيناء تعتبر في حد ذاتها بمثابة أماكن تعذيب وتحرش فعلي بالنساء في شمال سيناء». وجاءت إحدى الشهادات التي عرضها المرصد بأن «القوات التابعة للشرطة على هذا الكمين تتعمد إلحاق الأذى البدني والنفسي بالنساء اللاتي يمرون على هذا الكمين بطريقة التفتيش المهينة، حيث يتم إجبارهن على ضرب أجسادهن في منطقتي البطن والصدر، حتى يتأكد الضابط أنهن لا يحملن متفجرات في أجسادهن، كما يقعن تحت أمر الضباط والجنود الموجودين على الكمين في تكرار هذا الموضوع؛ الأمر الذي يلحق الأذى النفسي بهن، ويخرج من دائرة حفظ الأمن إلى دائرة التلذذ بإلحاق الأذى ضدهن».

القتل كالرصاص.. «عشوائي»

قبل بضعة أيام، كان سائق مديرية التربية والتعليم في شمال سيناء عمر سامي أبو هندية يقصد توصيل معلمات لمركز «الحسنة» بوسط سيناء، وعندما اقترب الشاب ذو الثلاثين عامًا من كمين بئر لحفن الواقع جنوبي العريش أطلق أفراد الأمن المصري من الكمين النيران عليه؛ مما أدى لمقتله، فقد أصابت رصاصة واحدة رأسه بشكل مباشر.

لم يكن أبو هندية الوحيد الذي قُتل عند كمين؛ إذ تعددت حوادث القتل بكمائن شمال سيناء، وبخاصة على كمين الريسة حيث من المعتاد أن يأخذ الجيش بإطلاق النيران بكثافة شديدة عشوائيًا، فإذا ما أردنا الاستشهاد بحادثة وقعت قبل أيام أيضًا، نذكر أنه في السابع من فبراير (شباط) الماضي، فجع أهالي الشيخ زويد بمقتل الشاب عبد اللطيف عبد الكريم النصايرة برصاص قوات الأمن المتمركزة عند كمين الريسة حال مروره بشكل طبيعي بعد الإفراج عنه عقب اعتقاله 12 يومًا، يقول صديقه «تم إطلاق سراحه بعد حجزه بقسم الرمانة بمدينة بئر العبد غرب العريش للتحري، وبينما كان ينتظر داخل سيارة بصحبة صديقه عزمي سينجر خرج من السيارة لإحضار طعام الإفطار تم قنصه بطلقة في الرأس أودت بحياته على الفور»، قتل أيضًا السبت الماضي شيخ قبيلة الأرميلات «نصر برهم سلام الرقيبة» بطلق ناري مجهول، وذلك خلال تواجده بمحيط كمين أبو سنجر في مدينة رفح، وهو شيخ في الثمانين من العمر.

الكمائن في جعبة «ولاية سيناء» أيضًا

قبل أربع أيام، وبينما تعمد بعض سكان مدينة العريش الالتفات عن الكمائن المعروفة التي يقيمها الجيش، اعترض طريق هؤلاء مسلحون كانوا يقودون ثلاث سيارات قاموا بنصب كمين في ميدان الفالح وسط المدينة، قاموا أيضًا بتفتيش السيارات وإيقاف المارة والتحقق من بطاقتهم، وذلك في ظل غياب الأمن المصري كما قال شهود العيان.

وأصبح مشهد إقامة المسلحين المنتمين لـ«ولاية سيناء» كمائنَ، مشهدًا متكررًا في الآونة الأخيرة في رفح والشيخ زويد والعريش، يفعلون ذلك بغية تأمين المناطق التي يتحركون فيها، ولذلك لم يقتصر استهدافهم للكمائن على ضرب عناصر الجيش المصري بإطلاق النيران وقذائف آر بي جي والأسلحة الآلية، ووصل الأمر لحد قول أحد سائقي سيارات الأجرة: «نمر على كمائن المسلحين بمختلف الأماكن جنوب رفح والشيخ زويد، ولا نخاف منهم؛ لأنهم لن يعتقلوننا عشوائيًا، بخلاف المرور على كمائن الجيش التي تعتقل لمجرد الشك دون تحقيق أو التحري أو لمجرد الضغط على المارة«.

حتى أن هؤلاء أدخلوا الكمائن في لعبة الرد على ما يحدث من الجيش المصري على الكمائن، كما حدث في تفجير كمين «الصفا» جنوب العريش، والذي أعلن تنظيم «ولاية سيناء» أنه جاء ردًا على تفتيش النساء على كمين الريسة، فحسب بيان التنظيم الذي تنبي فيه العملية «هذه العملية تأتي ضمن سلسلة عمليات ردًا على تفتيش نساء المسلمين وإهانتهن على الحواجز«.

نصيب من القهر للفلسطينيين

«القوات العسكرية تعاملت مع الفلسطينيين خلال مرورهم على الكمين بصورة مشددة أكثر من تلك التي يلاقيها المصري»، هكذا وصف شيخ قبيلة من سيناء ما يتعرض له الفلسطينيين على كمين الريسة، فبينما يسارع المواطنون المصريون القاطنون بمنطقة الريسة بتوفير بعض الاحتياجات للمسافرين في محاولة للتخفيف من معاناتهم ومؤازرتهم، كان الجيش المصري يستمر بحجزهم لساعات وسط إطلاق نار عشوائي كثيف.

علاقة الفلسطينيين غير القاطنين بسيناء بالكمائن تقتصر فقط على أيام فتح معبر رفح البري، ففي طريق الإياب والذهاب عليهم المرور عبر كمين الريسة وغيره من كمائن الجيش المصري المنتشرة على طول الخط الدولي الممتد من مدن القناة حتى رفح في أقصى شمال سيناء والتي قدر عددها لقاصد معبر رفح القادم من القاهرة بـ 15 كمين، وتجمع الشهادات التي نقلتها وسائل الإعلام الفلسطينية على تعرض المسافرين لشتى أشكال التنكيل من سرقة الأمتعة والمتعلقات الخاصة، والمبيت في العراء، ولذلك قالت سيدة فلسطينية عن كمين الريسة أنه «كمين مخصص لعقاب الناس وإذلالهم»، وتضيف «عندما وصلنا لكمين الريسة كانت مئات السيارات المتكدسة المتجهة لمعبر رفح تتعرض للتفتيش الدقيق من قبل عناصر الحاجز، وتفاجأت باستيلاء العناصر على أغراضنا الشخصية كزجاجات العطر، والملابس والهواتف أمام أعين الجميع، دون أن يتمكن أحد من التفوه أو الحديث مع أفراد الكمين خشية البطش والتنكيل»، بينما يقول فلسطيني آخر
»تعرضت للتفتيش على كمين الريسة، وتم العبث بالأمتعة والحقائب، لنتفاجأ فيما بعد بسرقة مصاغ زوجتي، بالإضافة إلى بعض الأغراض والأدوية التي أحضرتها لأحد المرضى«.

هل يمكن الاستغناء عن الكمائن؟

تقوم فلسفة الكمائن على العمل من أجل صد أي تهديد محتمل قبل تنفيذه، أي أن دورها استباقي، لكن ما يؤكده الباحث المصري في شئون سيناء «أحمد زغلول» هو أن هذه الكمائن في حال كونها ثابتة هي أسهل في الاستهداف حيث تكون كافة ما يتعلق بالكمين من تسليح وأفراد ومواعيد الورديات معروفة وسهلة الرصد للمسلحين وأهالي معرضة للاستهداف.

ويقول الباحث المصري في شئون سيناء «أحمد زغلول» لـ«ساسة بوست» أنه يمكن التغلب علي هذه السياسة باستخدام الكمائن «المتحركة»، والخروج بالكمائن من الكتل السكنية إلى أطراف المدن، مشيرًا إلى أن
الجانب الفني المتعلق بطبيعة تدريب قوة الكمائن عامة حيث يفتقر المجندين – وهم القوة الأساسية في الكمين – إلى التدريبات القتالية اللازمة للتصدي لأي هجوم وهذا يعود إلى طبيعة الخبرة القتالية التي تتوفر للمجند، مُوضحًا «المجند يقضي أشهر خدمته بحصيلة تدريبية متواضعة، ثم يغادر ليأتي آخر ليس لديه خبرة قتالية ولا دراسة جيدة للموقع الذي يخدم فيه وهكذا».

من جانبه، يؤكد الناشط السيناوي «أحمد سالم» على أن هناك فرق بين مكافحة الإرهاب وبين سياسة العقاب الجماعي التي ينتجها الجيش المصري ضد المدنيين في سيناء، ويقول «بروتوكول مكافحة التمرد المسلح، يتحدث عن أن الحلول الأمنية بمفردها لا تستطع القضاء على الإرهاب، ويتحدث أيضًا على أن أي برنامج لمكافحة التمرد المسلح لا يعمم على الجميع، فأية سياسة لمكافحة التمرد المسلح لا تعتمد على تجنب تحويل المدنيين لأعداء هي سياسة خاطئة وستؤدي إلى تعقيد الصراع على الأرض، وبالتالي ما يقوم به الجيش على الكمائن خسارة للمدنين، ولعناصر الجيش أيضًا»، ويتابع لـ«ساسة بوست» «لقد أصبحت الكمائن وسيلة لتكدير حياة المواطنين، يحتجزون ست ساعات على الكمائن ويتعرضون لمعاملة سيئة جدًا، يجب تغير التعامل عليها مع المدينين وعدم التضييق عليهم، حتى لا يؤدي ذلك للحنق شعبي يفقد الجيش حاضنته الشعبية في المنطقة»، ويقترح سالم أن تلجأ الدولة للحلول الشاملة من خلال إيجاد حل اقتصادي تنموي سياسي اجتماعي، بالإضافة للحل الأمني.

اجمالي القراءات 2152