كهوف عُمان متاحف طبيعية تأسر الزوار والمغامرين

في الجمعة ٠٣ - فبراير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

كهوف عُمان متاحف طبيعية تأسر الزوار والمغامرين

  • تنتشر الكهوف في أنحاء سلطنة عُمان مشكّلة أسرارا يجري العلماء عليها تجاربهم لكشف طلاسمها وفك رموزها، خاصة أن عددها يبلغ نحو ألفي كهف، وتجتذب هذه الكنوز الطبيعية المخبأة في باطن الأرض كل من يعشق المغامرة واكتشاف المجهول. وقد أعدّت السلطنة هذه المتاحف الجيولوجية وجهزتها باستراحات ومطاعم، من خلال إضافات بسيطة واستغلال الطبيعة الموجودة وتشريك القطاع الخاص، لتصبح أحد المقومات السياحية التي تتمتع بها وتجذب السياح لمشاهدتها من مختلف دول العالم.

أسرار وأساطير تزين إبداع الآلاف من السنين

مسقط - تبرز سلطنة عُمان بكهوفها التاريخية التي تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى قبلة للسياح من محبي المغامرات والإثارة، والتي تمتدّ أعمار بعضها لـ25 ألف سنة.

تلك الكهوف التي تجتذب كل من عشق اكتشاف المجهول، والمتاحف الجيولوجية المخبأة في باطن الأرض، تنفرد بخصائص ومكونات نادرة استغرق تكوينها وتزيينها الآلاف من السنين، واستخدمها الإنسان البدائي للوقاية من قسوة المناخ والحيوانات الضارية.

الباحث العُماني المتخصص في الجيولوجيا والكهوف، محمد الكندي، وصف تلك الكهوف بأنها “تختزن أرشيفا من المعلومات المختلفة التي لا تمكن قراءتها في الكثير من الأحيان من طبقات الصخور الظاهرة على سطح الأرض”.

وتابع أنه “من خلال الترسبات الكهفية نستطيع فهم التغيّرات المناخية التي مرت على المنطقة التي يوجد فيها الكهف خلال الآلاف أو الملايين من السنين الغابرة”.

وأوضح أن “أغلب السلاسل الجبلية في سلطنة عُمان تتكوّن من الصخور الجيرية، وهي من الناحية الجيولوجية تعدّ حاضنة للكهوف إذ أنها تذوب بسهولة بفعل المياه المشبعة بالأحماض، مما يساعد على تكوّن كهوف ضخمة فيها عبر الآلاف من السنين خصوصا في الفترات الممطرة”.

ولهذا السبب تحتوي عُمان على مجموعة من الكهوف الضخمة سواء في الشمال أو الجنوب، بحسب الباحث الكندي.

وأشار الكندي إلى أن العُماني استخدم قديما هذه الكهوف في تخزين المواد الغذائية، ولجأ إليها عندما كانت تقسو عليه الظروف الطبيعية.

واستخدم العُماني القديم أيضا بعض الكهوف المفتوحة نسبيا لبناء بيوت صغيرة يعيش بداخلها في بعض فصول السنة. كما أنه “استخرج من مجموعة منها سمادا لتربته الزراعية خصوصا تلك الكهوف التي تحتوي على فضلات الخفافيش، إذ تعدّ هذه الأخيرة مخصّبات ممتازة للتربة؛ حيث تحتوي الكهوف أحيانا على أعداد من الكائنات النادرة كالحشرات والأسماك التي لا تعيش إلا داخل الكهوف في أجوائها أو مياهها”.

الكهوف القديمة أهمية سياحية بالغة لدى الكثيرين حول العالم

أسرار وحكايات

وتُشكل الكهوف المتناثرة في أنحاء سلطنة عُمان، والتي يصل عددها إلى نحو الألفين، أسرارا يجري العلماء عليها تجاربهم لفك رموزها، وهي بذلك تنضّ إلى دائرة الأسرار العُمانية التي تحتوي أكثر من ألف أثر بين قلاع وحصون يرجع بعضها إلى تاريخ ما قبل الإسلام، والآلاف من الأشجار الضخمة الكثيفة والنباتات الطبيعية النادرة التي تعود إلى الملايين من السنين. وللكهوف في عُمان العشرات من القصص والروايات التي تنسج حولها، منها الخيالية ومنها القريبة من الواقع، خاصة ما هو متعلق بطولها وأعماقها وسعتها وارتباط بعضها بالقصص الأسطورية، يضاف إلى ذلك أيضا العثور على 142 قطعة من النيازك التي تشكل قيمة علمية مهمة على المستويات الإقليمية والدولية، وقد صنفت قطعة واحدة منها تزن 233.4 غراما من بين أهم 18 قطعة تم العثور عليها حتى الآن في العالم.

وفي ثمانينات القرن الماضي عندما كانت الشركات تعمل على شق الطريق الحديث بين مسقط والمنطقة الداخلية كان الكثيرون ممن يؤمنون بحكايات السحرة ينتظرون ظهور “المغايبة” (وهم من تقول الأسطورة أنهم سُحروا وقد استعبدهم السحرة في الكهوف وسط الجبال)، حتى أن صحيفة يومية في سلطنة عُمان نشرت صورة لأناس من دون ملابس يعيشون حياة الكهوف، قالت إنها لـ”المغايبة” في جبال فنجا، قبل أن يؤكد الكثيرون أن الصورة من أحد المتاحف الشمعية في أوروبا.

ويرتبط كهف جرنان الذي يقع على سفح وادي حلفين في محافظة الداخلية ببعض الأساطير القديمة، ومن هذه الأساطير وجود عجل ذهبي كان يُعبد آنذاك، ويعتقد بأن العجل الذهبي محفوظ في نهاية المسار الممتدّ بتعاويذ، لا يفكّ شفرتها إلا من قام بحفظه.

وتوجد أيضا رواية أخرى تقول إن أحد الأهالي حاول الدخول إلى الكهف فواجه في بداية الأمر صعوبة عند دخوله وهو منبطح على بطنه، ومن ثمّ بدأت فتحة الكهف تتّسع تدريجيا حتى أنه استطاع المشي داخل الكهف، إلا أنه لم يستطع إكمال المسير لسماعه أصواتا غريبة مرعبة ثمّ هاجمته مجموعة من الخفافيش، وانسدّ المعبران اللذين كانا أمامه، وبالتالي عاد مسرعا من شدّة الخوف إلى خارج الكهف.

ويعدّ كهف “مجلس الجن” من أغرب كهوف عُمان وهو ثالث أكبر كهف جوفي في العالم، وقدّر بعض الخبراء سعة الكهف بـ12 طائرة بوينغ 747 أو بما يصل إلى سعة 1600 حافلة سياحية، كما يمكن أن يحوي بداخله أكثر من خمسة فنادق كل منها بحجم فندق قصر البستان في مسقط. وسمي الكهف بهذا الاسم لتكوينه المثير، خاصة ذلك التجويف في السقف العلوي حيث ينبعث منه الضوء، فيعكس ظلالا متحركة اعتقد الناس لعقود طويلة أنها أشباح تسكن الكهف.

تقول إحدى الروايات الشعبية، إن امرأة صالحة تدعى سلمى، كانت تعمل من أجل قوت يومها، وترعى خرافها، وحين غفلت عنها، أكلها النمر العربي.. فغضبت، ودعت الله أن ينتقم من الجاني، فأرسلت السماء سبعة نيازك أدّت إلى تكوّن الفتحات في جدرانه، وقيل إنّ عدد النيازك توافق عدد الخراف، فسميت تلك الهضبة بهضبة سلمى، وأطلق على الكهف “مجلس الجن”، وسمي أيضا بـ”كهف سلمى”.

ومن بين الكهوف الغريبة في سلطنة عُمان كهف الهوتة، الذي يقع في ولاية الحمراء شرق العاصمة مسقط، والذي يصلح لتصوير أفلام رعب داخله دون الحاجة إلى ديكورات، فقد تكفلت الطبيعة بصنع نتوءات صخرية تنزل من سقف الكهف على أشكال غريبة يسميها العُمانيون رؤوس الشياطين.

من بين الكهوف الغريبة في سلطنة عُمان كهف الهوتة، الذي يقع في ولاية الحمراء شرق العاصمة مسقط، والذي يصلح لتصوير أفلام رعب داخله دون الحاجة إلى ديكورات

وتبدّدت المخاوف من الكهف عندما أعدته وزارة السياحة ليكون أحد أجمل المنتجعات السياحية، وأنشأت داخله قطارا يحمل الركاب في جولة بانورامية، تحت إضاءة تزيد من جمال الكهف وأناقته.

سياحة مغامرات

وتملك الكهوف القديمة أهمية سياحية بالغة لدى الكثيرين حول العالم، لما تقدمه من لوحات رائعة للمنحوتات الطبيعية البديعة، التي تتباين بين البلورات والكريستالات الكربونية والجبسية، فتحمل تراثا طبيعيا يحكي قصة وتاريخ تلك الكهوف وما عاصرته من أمم وأزمان، كما أنها تعدّ قبلة للمهتمين بعالم الجيولوجيا. والسياحة الطبيعية والجيولوجية أحدثت نقلة نوعية في مفهوم السياحة بعُمان ولا سيّما تلك السياحة التي تعتمد على مفردات البيئة المختلفة التي لم تصل إليها أيادي الحداثة.

ويشير الخبراء إلى أن للكهوف أهمية اقتصادية كبيرة نظرا إلى كثرة مرتاديها واستقطابها لشرائح وأعداد كبيرة من السياح الذين تتنوع هواياتهم بين المغامرة والترفيه والرياضة.

وتساهم مشاريع تطوير الكهوف في تنشيط السياحة البيئية لتلك المواقع المتميزة ببيئتها الطبيعية البكر، والمتمثلة في الغطاء النباتي الكثيف وتواجد الأحياء البرية والطيور واعتدال المناخ، ما ساهم في تدفق السياح طوال العام على تلك المناطق الخلابة.

وفي محافظة ظفار حيث تشكل الكهوف لغزا آخر خاصة “كهف طبق”، وحول مدينة صلالة، قلب ظفار، تتناثر مجموعة من الكهوف مثل “كهف المرنيف” الذي يطل على “شاطئ المغسيل” وتتفجر فيه العيون المائية من تلقاء نفسها في صورة جمالية تستقطب الزائرين الذين يحلو لهم التقاط الصور، وكهف “سحر” الذي يبعد 12 كيلومترا عن صلالة، وكهف “عين حمراء” الذي يقع على بعد 23 كيلومترا من صلالة وتعشش فيه الآلاف من الخفافيش، وكهف “وادي دربات” الذي يصل إليه السائح بعد قطع 40 كيلومترا من صلالة، وكهف “اعتبر” أو “بئر الطيور” ويقع شرق صلالة في جبل سمحان.

وأشار الكندي إلى أن “السلطنة قامت ممثلة في وزارة السياحة بتطوير كهف الهوتة في ما يعرف بسلسلة جبال الحجر الغربي في شمال السلطنة ليصبح مزارا للسائحين، إذ ترتاده سنويا مجموعة كبيرة منهم”.

كما أن الوزارة تسعى إلى تطوير كهوف أخرى مثل كهوف بمحافظة ظفار في سلسلة جبال ظفار جنوبي عُمان وما يعرف بكهف “مجلس الجن” في جبال الحجر الشرقي وهو يعدّ من أكبر كهوف العالم.

ويرتاد السلطنة سنويا عدد كبير من المغامرين العرب والأجانب لزيارة هذه الكهوف واستكشاف خباياها.

مجلس الجن في مسقط استثمار سياحي واعد

وقد أُعلن في 2016 عن عدة اكتشافات لكهوف جديدة بنيابة الجبل الأخضر لترفد السياحة الطبيعية والجيولوجية وسياحة الكهوف في السلطنة ولا سيّما تلك السياحة التي تعتمد على مفردات البيئة المختلفة.

وأعلن فريق جيولوجي عُماني وألماني في مارس 2016 عن اكتشاف كهف

يس بنيابة الجبل الأخضر في محافظة الداخلية أطلق عليه اسم “خسلة الرويس″ نسبة إلى القرية التي تقع بجانبه.

ونجح فريق من الشباب العُمانيين لاستكشاف الكهوف في العثور على كهف جديد بمنطقة الجبول في نيابة الجبل الأخضر بولاية نزوى من محافظة الداخلية في يوليو 2016، أطلق عليه اسم “خسلة الجبول”، كما نجح الفريق العُماني في العثور على كهف جيولوجي جديد بنيابة الجبل الأخضر في محافظة الداخلية في 13 أغسطس 2016 أطلق عليه اسم كهف “السقف”.

وأوضح الكندي أن الكهوف المكتشفة أخيرا تعدّ رصيدا إضافيا إلى جيولوجية السلطنة الثرية، فضلا عن كونها تعتبر مقوما سياحيا وعاملا مهما لجذب المزيد من المغامرين المهتمين بهذا الجانب.

وتعدّ هذه الاستكشافات استمرارا للجهود المبذولة في نطاق الكشف عن الكهوف بجبال السلطنة، وقد حذت السلطنة حذو الدول االرائدة في مجال سياحة الكهوف، فاستفادت من خبراتها في تطوير الكهوف وإنجاز الدراسات المستفيضة قصد توفير الجدوى السياحية والاقتصادية لتأهيل الكهوف.

اجمالي القراءات 2699