هكذا قد يُساهم مال غزة المحاصر في إنعاش الاقتصاد المصري المتدهور

في السبت ٠٧ - يناير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

هناك أكثر من مليوني نسمة يعيشون في قطاع غزة المحاصر، وهم بحاجة إلى تحسين أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية، في الوقت الذي يحتاج فيه اقتصاد الجارة مصر إلى دفعة إلى الأمام، قد تتمثل في الانفتاح على سوق غزة.

وبالرغم من عدم وضوح الموقف السياسي لمصر من الانفتاح الاقتصادي على غزة، إلا أنّ الأيّام القليلة الماضية شهدت إدخال مصر 40 مركبة حديثة إلى غزة، وكميات من الإسمنت والخشب، بل إنها استقبلت على أراضيها رجال أعمال فلسطينيين، تحدثوا عن انفراجة في العلاقات الاقتصادية بين الطرفين.

الكنز الغزّي

يمثل قطاع غزة سوقًا بكرًا وهامًا بالنسبة لمصر؛ لضمه مليوني نسمة، بالإضافة إلى فقدانه أية قدرات تصنيعية أو تجارية، في الوقت الذي يمتلك القطاع فيه ودائع بنكية بتسع مليارات دولار، وقدرة تجارية سنوية تقدر بعشر مليارات دولار، وهو ما يعني ـ اقتصاديًا ـ امتلاك غزة سيولة مالية جديرة بتعاون اقتصادي ناجح مع مصر التي تعاني أزمة في الاحتياطي النقدي الأجنبي.

ويُشير اقتصاديون إلى إمكانية أن يكون قطاع غزة مصدر مصر السادس لتوفير النقد الأجنبي. وتظهر أرقام حول رؤية وزارة الاقتصاد الوطني الفلسطينية أن يصل حجم التبادل التجاري بين مصر وغزة في عام 2017 إلى أكثر من مليار دولار أمريكي، وأن يصل في عام 2018 إلى ملياري دولار أمريكي، وفي عام 2020 إلى حوالي أربع مليارات دولار أمريكي؛ الأمر الذي يصب في مصلحة الاقتصاد المصري والفلسطيني، بحسب ما قاله وكيل الوزارة، «أيمن عابد».

وعلى وجه التحديد، تمثل غزة أهم رافد تجاري لسيناء، فقد كانت سببًا رئيسًا في إعمارها خلال السنوات الأخيرة التي تزامنت مع الحصار الإسرائيلي لغزة؛ إذ شكلت المنطقة نقطة تدفق للبضائع والأفراد، لذلك يكفل أي تعاون اقتصادي بين مصر وقطاع غزة تنشيط السوق المحلية والعربية والدولية بين الطرفين من خلال الاستيراد المباشر.

ويوضح الوكيل المساعد في وزارة المالية بغزة «عوني الباشا» أن «إيرادات غزة ستفوق ثلاثة مليار دولار على مصر؛ وذلك كون القطاع يعد أكبر سوق استهلاكي لعدم وجود مصانع داخله»، مُضيفًا في حديث لصحيفة «الرسالة» الفلسطينية «طن الإسمنت الذي يدخله الجانب المصري خلال فتح معبر رفح سعره مع الربح يصل لـ100 دولار، ويتم شراؤه من تجار غزة بـ175 دولار، بزيادة 75 دولار على سعر الطن الذي يباع في السوق، فقطاع الإنشاءات لوحده سيشكل رافدًا هامًا جدًا للجانب المصري».

من جهة أُخرى، وصفت صحيفة «الأهرام» المصرية الرسمية، قطاع غزة، بـ«الكنز الاقتصادي والاستراتيجي لمصر». وقالت الصحيفة في تقرير لها: إن المكاسب التي ستجنيها مصر حال أنشأت منطقة حرة مع قطاع غزة هي «2.5 مليار دولار تجارة، واستثمار ٩.٥ مليار دولار ودائع»، مُضيفة أن ذلك يعني ـ أيضًا ـ توفير آلاف فرص العمل للمصريين، فضلًا عن «الاستفادة من معدل الإنفاق الشهري للأسر الغزاوية الذي بلغ عام ٢٠١١ نحو 729.3 دينار أردني تعادل حاليًا نحو ١٨ ألف جنيه مصري«، بحسب الصحيفة المصرية.

من جانبه توقع الخبير الاقتصادي «ماهر الطبّاع»، في حديث لـ«ساسة بوست»، أنّه في حال فُتح معبر رفح التجاري لإدخال السلع والبضائع من مصر إلى غزة، وعلى رأس تلك البضائع مواد البناء؛ أن يتجاوز حجم الواردات للعام الأول مليار دولار، وهو ما يزيد عن 18 مليار جنيه مصر.

وقال الطباع: إن ذلك «كفيل بإنعاش قطاع غزة وشمال سيناء وخفض معدلات البطالة في الطرفين؛ نتيجة توليد فرص عمل جديدة في مواد البناء فقط»، مُضيفًا «إضافة إلى توريد الأجهزة الكهربائية والرخام والجرانيت والسيراميك، والسيارات، كما أن حركة المسافرين وتحصيل الرسوم لها أثرها المباشر والإيجابي على قطاع النقل».

المنطقة التجارية في سيناء

بينما أخذت وسائل الإعلام الفلسطينية تكشف بالوثائق عن مئات الأصناف من البضائع التي يتوقع إدخالها من مصر لقطاع غزة، والتي قدرت بما يزيد عن 50 قطاعًا تجاريًا وصناعيًا، كان احتمال إنشاء المنطقة التجارية الحرة بين مصر وغزة هي المحطة الأهم.

ويهدف إنشاء هذه المنطقة، إلى زيادة حجم التبادل التجاري بين مصر وفلسطين، والذي يعتبر في الوقت الحالي ضئيلًا، بالرغم من وجود اتفاقية تجارية بين مصر وفلسطين منذ عام 1998.

ومن المتوقع أن تساهم هذه المنطقة حال إنشائها، في إحداث طفرة في النمو الاقتصادي، وفي عملية التنمية والإنتاج بين الطرفين، وهو ما أشار إليه الطبّاع بقوله: إنه «من شأن هذه المنطقة أن تحدث حالة انتعاش كبيرة في بعض الصناعات المركزية، عدا فتح عديد من المصانع الصغيرة، سيحدث سهولة في تدفق البضائع في الاتجاهين، وتطوير المناطق المهمشة على الحدود، وتشغيل عدد كبير من العاطلين على العمل في مصر وقطاع غزة، إضافة إلى رفع مستوى التبادل التجاري المصري الفلسطيني على حساب التبادل التجاري بين فلسطين وإسرائيل».

وتظهر دراسة أعدها «المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية» أن «المنطقة التجارية الحرة حل للعديد من المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها أهل سيناء، عدا أنها قد توفر دخلًا لمصر يقدر بنحو 2.5 مليار دولار في العام؛ الأمر الذي سيضاعف من حالة الضمان والأمان الاقتصادي بمصر«.

وتبين الدراسة أن «مصر يمكنها أن تستفيد من مصادر التمويل في غزة في ضوء الوضع الاقتصادي الراهن، خاصة في ظل وجود نحو 9.6 مليار دولار ودائع للعملاء بالبنوك الفلسطينية بغزة، كما يوجد نحو 10 مليار دولار تدخل سنويًا كسيولة للتجارة في القطاع.«

وجدير بالذكر أن مؤتمر «عين السخنة 2» الاقتصادي، والذي عقد نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ناقش آليات تسهيل الحركة التجارية بين مصر وقطاع غزة، مطالبة بدراسة إمكانية الاستفادة من ميناء العريش لاستقبال البضائع الفلسطينية الواردة للقطاع، وشكلت خلاله لجنة اقتصادية مصرية فلسطينية مشتركة، لتقديم تصور للتبادل التجاري والاستثمار بين البلدين.

السلطة تفقد كنز غزة

إذا ما نعم قطاع غزة بالانفتاح الاقتصادي على مصر وتوفير احتياجاته من أربع سلع رئيسة، هي: الحديد والوقود والإسمنت، والسيارات، فإن هناك خسارة كبيرة للخزينة المالية للسلطة الفلسطينية في رام الله، قدرت بتجاوز مليار ومائتي مليون شيكل. (الدولار يعادل 4 شيكل).

وتفصيلًا، تظهر أرقام لجنة الموازنة والشؤون المالية بالمجلس التشريعي أن إجمالي مبلغ المقاصة الذي يتم تحصيله من غزة يبلغ 965 مليون دولار سنويًا، بواقع 80.42 مليون دولار شهريًا، وهذا ما يعني أن استيراد قطاع غزة للبضائع من مصر بدلًا من إسرائيل سيزيد من أزمة السلطة المالية، كون غزة تُساهم بنسبة 50% من إيرادات المقاصة التي تتقاضاها السلطة عن توريد كافة السلع التي تصل إلى الأراضي الفلسطينية عبر الموانئ والمعابر الإسرائيلية، فقطاع غزة يشكل أهم الروافد المالية لخزينة السلطة حسب دراسة أعدتها صحفية الاقتصادية في قطاع غزة.

وتوضح الدراسة أن الوقود يأتي في الترتيب الأول لهذه الموارد، كأهم رافد مالي للسلطة الفلسطينية؛ إذ تجبي السلطة ما يزيد عن مليار شيكل سنويًا كضرائب مقابل دخول هذه المواد من الجانب الإسرائيلي، ثم تحتل تجارة السيارات الترتيب الثاني كرافد مالي للسلطة؛ كون استيراد السيارات يساهم سنويًا بما يقارب من 150 مليون شيكل في الإيرادات العامة للسلطة، حسب الدراسة.

أما تجارة الحديد التي تأتي في الترتيب الثالث، فتستورد غزة عبر المعابر الإسرائيلية 150 ألف طن سنويًا، وترفد خزينة السلطة بما يساوي 54 مليون شيكل، وتظهر هذه الأرقام مدى تعميق أزمة السلطة الفلسطينية المالية في حال انقطعت عنها هذه الأموال؛ إذ أنها ملتزمة بتوفير فاتورة الرواتب المُقدرة بـ 2 مليار دولار سنويًا، والتي تُشكل قرابة 60% من الموازنة العامة.

كما ستكون المنطقة التجارية محطة خلاف؛ كونه من المفترض أن تكون الجهة الفلسطينية المشرفة على المنطقة التجارية حال إنشائها هي جهة وطنية متفق عليها، أو هيئة إدارية من القطاع الخاص. يرى المحلل الاقتصادي «محسن أبو رمضان» «هذه المنطقة عادة تكون بين حكومات ذات سيادة ومعترف فيها، وهذا بحاجة إلى معالجة، إما من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية تكون حماس جزء منها، أو من خلال التفكير بطرق أخرى، مثل: تشكيل هيئة إدارية من القطاع الخاص للإشراف علي هذه المنطقة، تكون إيرادات الضريبة المضافة لمشاريع تنموية تعود للمنفعة العامة».

عقبة الاحتلال الإسرائيلي

بالرغم من كل البشائر التي تحمل رؤية ايجابية تجاه العلاقة الاقتصادية لمصر مع قطاع غزة، إلا أن عقبة الاحتلال الإسرائيلي قد تنزع كل التفاؤل تجاه هذا الوضع، فإسرائيل كمستفيد كبير من التوريد لقطاع غزة، يمكنها إعاقة أي تطور بين الجانبين.

 

فخلال العام 2015 تجاوز حجم الصادرات الإسرائيلية للأراضي الفلسطينية حوالي 3 مليارات دولار- وفقًا لبيانات الرسمية الفلسطينية- وهذا يعني أنها المصدر الأول لفلسطين، وهي توفر نحو ٦٠٪ من احتياجات القطاع، بينما تحتل مصر المركز التاسع، لذلك لا يستبعد المحللون الاقتصاديون أن تستجيب مصر للضغوط الإسرائيلية، خاصة في ظل تحسن العلاقات بين النظام المصري والحكومة الإسرائيلية، وذلك على الرغم من عدم وجود سيطرة إسرائيلية على المناطق الاقتصادية بين الطرفين، ولا يوجد ما يمنع إنشاء منطقة تجارية حسب الاتفاقات الدولية أو الثنائية ما بين مصر وإسرائيل.

اجمالي القراءات 1401