نقص الدواء في ليبيا: أطفال بنغازي يموتون والعلاج في مصر ممنوع

في الإثنين ٠٢ - يناير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

تعيش ليبيا نقصًا حادًا في الأطقم الطبية والأدوية، والمستلزمات التشغيلية الأساسية، إضافة إلى أن عددًا كبيرًا من المرافق الصحية أغلقت أبوابها بشكل كامل، بعد تعرضها للاستهداف أو لوجودها في مناطق حرب ونزاع بين التنظيمات المسلحة المتمركزة بالمدن الليبية.

نقص الدواء في ليبيا فتح أبواب التهريب من دول الجوار، لأدوية مغشوشة خاصًة في ظل رخص أثمانها، فضلًا عن كون هذا النقص قد انتهى بعشرات الحالات للوفاة.

يرصد التقرير بعدًا للأزمة يتمثل في عجز الليبين السفر لمصر للعلاج بسبب تراكم الديون الليبية لصالح عشرات المراكز الطبية، والتي كانت متعاقدة مع وزارة الصحة الليبية.

نقص الأدوية في مستشفيات ليبيا: انتكاسات المرضى تتفاقم.. والمرافق الصحية تغلق أبوابها

ظل يوسف عبدالرازق، 57 عامًا، أحد سكان مدينة بنغازي الليبية، عاجزًا على مدار العامين الماضيين، عن توفير دواء لمرض ابنه النادر، حتى انتهى الأمر بوفاة ابنه في ظل غياب الرعاية الطبية، ورفض المرافق الطبية علاج نجله نظرًا لصعوبة الحالة، وعدم توفر مستلزمات وأدوية تخصصية تلائم حالته الصحية.

نجل يوسف لم يكن الحالة الوحيدة التي تعرضت لانتكاسات طبية علي خلفية نقص المستلزمات والأدوية بمستشفيات ليبيا، إذ شهد قسم الأورام بمستشفى طب وجراحة الأطفال ببنغازي، خلال هذا العام فقط تسع حالات توفيت بسبب نقص الأدوية.

وتعاني المستشفيات الليبية، من نقص حاد في الأطقم الطبية والأدوية، والمستلزمات التشغيلية الأساسية، إضافًة إلى أن عددًا كبيرًا من المرافق الصحية أغلقت أبوابها بشكل كامل، بعد تعرضها للاستهداف، أو وجودها في مناطق حرب ونزاع بين التنظيمات المسلحة المتمركزة بالمدن الليبية.

تجلى النقص الشديد في الأدوية بالمستشفيات الليبة، في إطلاق أكثر من حملة من جانب مواطنين ليبيين مثل: «ابدأ بنفسك»، والتي يدعون فيها للتبرع بالمجهودات الذاتية وبالتعاون مع بعض الجهات الخيرية، لتزويد الأطفال بالدواء، وشراء كافة المستلزمات الطبية الناقصة.

وحسب تصريح صحافي سابق، لخالد اشتيوي رئيس جهاز الإمداد الطبي المكلف من حكومة الإنقاذ الوطني بطرابلس فإن: «النقص الشديد في الأدوية والمستلزمات الطبية سببه عدم اعتماد مخصصات جهاز الإمداد لميزانية سنة 2014، الأمر الذي أخر بحث الاعتمادات المالية خاصًة في بعض الأدوية التخصصية كأدوية التخدير، وأدوية الأورام، وأدوية أمراض الكلى، ومشغلات الغسيل الكلوي».

وكان ديوان المحاسبة قد ذكر في تقريره السنوي خلال العام الماضي، أن ليبيا صرفت خلال ثلاث سنوات مضت 2.3 مليار دينار (1.67 مليار دولار) على الأدوية والمستلزمات الطبية.

وأشار إلى أن المبالغ المنفقة على دعم الأدوية لا تقابلها خدمات تعادل هذا الإنفاق، بفعل ضعف كفاءة وإدارة السياسة الدوائية، مما ساهم في وجود عمليات فساد في الإنفاق.

ولفت إلى أن وزارة الصحة عجزت، منذ عام 2012، عن إعداد عطاء عام لتوريد الأدوية والمعدات الطبية، يشمل كل احتياجات الدولة، وذلك بسبب تنازع السلطات والاختصاصات بين أطراف داخل وزارة الصحة.

ازدهار سوق الأدوية المغشوشة في المدن الليبية

أدى النقص الشديد في الأدوية والمستلزمات الطبية بالمستشفيات الليبية لازدهار تجارة الأدوية المغشوشة، والمُهربة من الخارج، حيث راجت عملية تداولها بين المواطنين الليبين، خصوصًا مع انخفاض أسعارها، وتوافرها بكميات كبيرة، جنبًا لكون الأوضاع الأمنية المتردية في مختلف أنحاء البلاد تمنع المفتشين من القيام بجولات ميدانية للصيدليات ومخازن الأدوية ومعاقبة المخالفين.

«سوق الحي الإسلامي» بوسط العاصمة الليبية طرابلس، والمتخصص في بيع جميع الأدوية بالرواد، تحول لمركز لبيع الأدوية المغشوشة والمُهربة من الخارج للمواطنين الليبيين، الذين يجدون بدورهم في هذه المنتجات الطبية المغشوشة ضالتهم في ظل عجزهم المالي، وتجاهل الحكومة لهذا الأمر.

وتنتشر كذلك الأدوية الصينية مجهولة المصدر في مختلف الصيدليات، التي ليس لها نشرات بالعربية أوالإنجليزية، ومكتوب عليها فقط باللغة الصينية، وهي متعددة الاستعمالات، فيما تشير البيانات الرسمية إلى أن ما بين 50% و70% من الأدوية المتداولة في البلاد مهربة من الخارج، لغياب المنظومة الإلكترونية الموحدة بمختلف أنحاء البلاد، والتي يُتاح لها معرفة الأدوية الداخلة والكميات التي تحتاجها المستشفيات والقطاع الخاص، لتقنين عملية دخول الدواء.

يقول محمد القلال، مدير إدارة الأدوية في مركز الرقابة على الأغذية والأدوية، أنه لاتوجد لديهم أي عمليات تفتيش على المعامل والصيدليات منذ أربع سنوات، لذا لا يمكن إعطاء أرقام نهائية حاليًا حول سوق الأدوية المقلّدة.

موضحًا أن الأوضاع الأمنية المتردية في مختلف أنحاء البلاد تمنع المفتشين من القيام بجولات ميدانية للصيدليات ومخازن الأدوية، ومعاقبة المخالفين.

العلاج في مصر ممنوع.. والكوادر الطيبية الأجنبية تغادر

كانت مصر الواجهة المُفضلة لمئات الليبيين، لإجراء الفحوصات الطبية وإجراء العمليات الجراحية الكُبرى طيلة عهد الرئيس الراحل مُعمر القذافي. انتقال الليبيين لمصر للعلاج كان مرتبطًا بالتعاقدات بين وزارة الصحة الليبية ونظيرتها المصرية، فضلًا عن سهولة السفر لمصر وانخفاض تكلفته.

لم تعد مصر تستقبل مرضى من ليبيا في سنوات ما بعد سقوط القذافي، لتراكم الديون على الدولة الليبية لصالح مركز الاسكندرية لعلاج الأورام، الذي كان متعاقدًا مع الوزارة لاستقبال الحالات الموفدة للعلاج، فضلًا عن العجز المالي الذي يعيشه المواطن الليبي، وانخفاض دخله.

ويؤدي عدم توافر العلاج وعدم قدرة المريض على شرائه، نتيجة التكلفة الباهظة إلى تأخير العلاج، وفي بعض الأحيان إلى إيقافه، مما يجعل حالته ميؤوسًا منها.

وفي الواقع، فشلت جميع الجهات ذات العلاقة برئاسة الوزراء، ولجنة الصحة بالبرلمان، في محاولات حل مشكلة الديون المتراكمة لدى المراكز الطبية بمصر.

يعيش قطاع الصحة في ليبيا أزمة أخرى، تتمثل في مغادرة الكوادر الطبية الأجنبية للمستشفيات مع بروز الانقسام السياسي في ليبيا منذ عام 2014، وما تبعه من أزمات أمنية واقتصادية، فلم تعد هذه الكوادر قادرة على الحصول على مرتباتها أو تحويلها إلى الخارج بعد توقف الحوالات المصرفية، نتيجة امتناع مصرف ليبيا المركزي عن إجراء عمليات التحويلات للعناصر الطبية الأجنبية، وهو ما اضطرها إلى المغادرة.

ولجأت مستشفيات كمستشفى مصراتة ومستشفى غريان، لافتتاح معاهد تمريض متوسطة لتدريب كوادر وطنية تخفف بها أزمة مغادرة الكثير من الكوادر الأجنبية، وقد رفعت وزارة الصحة بحكومة الوفاق الوطني، في أغسطس (آب) الماضي، علاوة الأطباء الأجانب إلى 75% والممرضين إلى 40%، لاستقطاب العناصر الطبية من الخارج، وتحفيز العناصر الموجودة في ليبيا على البقاء.

وانخفض عدد العناصر الطبية الأجنبية المتخصصة التي تعمل بمركز بنغازي الطبي من 780 عنصرًا طبيًا متخصصًا إلى 30 فقط.

اجمالي القراءات 1934