دور التنظيم العالمي للإخوان في تسييس المؤسسات الإسلامية بأوروبا

في الجمعة ٠١ - يوليو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

دور التنظيم العالمي للإخوان في تسييس المؤسسات الإسلامية بأوروبا

 
  • المقولة التي وضعها الإخوان المسلمون نصب أعينهم في أوروبا، ولم يحيدوا عنها في توحيد نشاطاتهم وتنسيق تحركاتهم هي: كل شيء ممكن في سبيل الاستمرار ومن ثمّ الانقضاض على السلطة في العالم العربي والإسلامي، ومهما كلّف ذلك من تنازلات وتلوّنات، شرط ألا يمسّ جوهر العقيدة السياسية التي تأسست عليها هذه الجماعة.
العرب  [نُشر في 01/07/2016، العدد: 10323، ص(13)]
 
إصرار الإخوان على تمثيل المسلمين، يعجل بنهاياتهم
 
لندن- أُطلق المجلس الإسلامي للإفتاء والبحوث، الذي يوجد مقرّه في المركز الإسلامي الأيرلندي في دبلن، في مارس 1997 بمبادرة من اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، قادها كل من يوسف القرضاوي وفيصل مولوي.

القرضاوي أكّد بنفسه العلاقة بين اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، وشبكة المعاهد الإسلامية للعلوم الإنسانية، والمجلس الإسلامي للإفتاء والبحوث، ومن أعضاء المجلس الأوروبي:

* يوسف القرضاوي (مصر، قطر)، رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

* علي القرة داغي (العراق، قطر)، نائب الرئيس والأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

* عبدالله بن يوسف الجديع (المملكة المتحدة)، نائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث.

* حسين محمد حلاوة (أيرلندا)، الأمين العام للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، ورئيس المركز الثقافي الإسلامي في أيرلندا الذي يستضيف المؤسسة.

* عبدالمجيد النجار (تونس)، نائب الأمين العام للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

* أحمد جاب الله (فرنسا)، عضو المجلس التنفيذي للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورئيس المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية في باريس، ورئيس سابق لاتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا. وتؤكّد القائمة المذكورة أعلاه وجود رابط قوي بين المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث من جهة، وبين الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين من جهة ثانية، ممّا يعني أنهما يتشاركان في نفس التفسير للشريعة والأيديولوجيا نفسها على مستويات مختلفة، فلا مجال للفصل أو حتى التحفظ بين المنظمتين في الخطوط العريضة والنهج الأيديولوجي للمنظمتين.

منظمات الإخوان المسلمين وأفرادها يحمون أنفسهم من المراقبة العامّة عبر إخفاء روابطهم بالحركة

 

وثمة طبقة أخرى لتنظيم الإخوان المسلمين في أوروبا لا يمكن تجاهلها، ويمكن اعتبارها صلة الوصل بين الإخوان المسلمين الخلّص وفروعهم الأوروبية ويمثّلها عدد من المنظمات التي تعمل ضدّ حكومة السيسي في مصر أو من أجل حقوق الإنسان. فعلى سبيل المثال، أحيا المنتمون إلى الإخوان المسلمين الذكرى الثانية لمظاهرات ميدان رابعة بسلسلة من الفعاليات (مهرجانات، واحتجاجات، وندوات نقاش) أجريت في مختلف البلدان الأوروبية في عطلة نهاية الأسبوع في 14 أغسطس 2015.

الإخوان المسلمون في أوروبا ليسوا حركة تراتبية رسمية أحادية البنية، وذات خطوط مستقيمة للسيطرة بين من يتخذ القرارات ومن ينفّذها، بل هم نسيج معقّد من المؤسسات والجماعات والأفراد والمنتسبين المرتبطين بعلاقات غير رسمية، لتشكيل “نظام مميّز″ تربطه أيديولوجيا مشتركة، وتمنح هذه اللامركزية الإخوان المسلمين المرونة والقدرة على التكيّف والتماسك والتعافي. كذلك فإنّ ما خدم جماعة الإخوان المسلمين ودعّم حضورها وعزّز ثقتها بنفسها، هو وجود شبكة محكمة من المهنيين اللامعين والمتعلّمين والناجحين (الكثير منهم مهندسون أو أطباء، أو محامون أو رجال أعمال) لديهم القدرة على إدارة المؤسسات بنجاح والتواصل بأريحية مع صنّاع السياسات والتحدّث بطلاقة في وسائل الإعلام.

وتحمي منظمات الإخوان المسلمين وأفرادها أنفسهم من المراقبة العامّة عبر إخفاء روابطهم بالحركة، ولا يعترف بالانتماء إلى الإخوان المسلمين إلا القليل من المنظمات فحسب، وذلك يجعل من الصعب رسم خارطة قاطعة لعمق شبكتهم. ويرى الكثير من المهتمين بشؤون هذه الجماعة أنّ الإخوان قد أظهروا انتهازية ملحوظة في تشكيل أجندتهم، وروايتهم وطريقة عملهم في البيئة الغربية، وبالتالي كشفوا عن فهم عميق للثقافة الغربية / الأوروبية ونظام قيمها، وقد كيّفوا -إلى حدّ ما- أيديولوجيتهم لاستيعاب وضع المسلمين باعتبارهم أقلية مع المبادئ المتبعة والسلوكيات السائدة في أوروبا، ونمط الحياة الغربية بوجه عام.

أظهر الإخوان المسلمون في الغرب مرونة ملحوظة، أيديولوجيا وتكتيكيا، فقد تمكّنوا من الناحية الأيديولوجية من تكييف إطار وُضع في ثلاثينات القرن العشرين، في سياق مختلف اختلافا تاما لتلبية احتياجات المجتمعات الإسلامية المقيمة في أوروبا والغرب، لكنّ المسألة التي تلقى نقاشا حاميا هي: هل تمثّل هذه التغيّرات تطويرا أيديولوجيا، أي في جسم عقيدتهم ومنطلقاتهم النظرية التي رسمها المؤسسون بشيء يقترب من التقديس ويجرّم بل ويكفّر من حاول الاقتراب منها أو التلاعب بها وفق الخطوط الحمراء التي وضعها التنظيم لنفسه ولمنتسبيه؟

العديد من فروع الإخوان المسلمين في أوروبا يعانون من معضلة التركيز بين الحين والآخر
وقد اكتسبت منظمات الإخوان المسلمين في أوروبا تأثيرا سياسيا بتنصيب نفسها ممثّلة للمجتمع المسلم وتهميش التيارات أو المؤسسات الأخرى التي لا تقاسمها أيديولوجيتها، وعلى الرغم من أن المسلمين لا يتمسّكون جميعا برؤية الإخوان المسلمين وعلى الرغم من وجود مؤسسات أخرى أيضا، فإن الإخوان المسلمين يسعون إلى تهميش هذه المؤسسات ويتجاهلونها مقدمين أنفسهم ناطقين رسميين ووحيدين باسم المسلمين في أوروبا، قاطعين الطريق على كل من يرونه منافسا أو مهدّدا أو مضعفا لحضورهم من المنظمات الإسلامية الأخرى.

ومن ناحية أخرى أظهرت شبكة الإخوان المسلمين في أوروبا مواطن ضعف، يتمثل أهمها في كون الإخوان المسلمين في الغرب هم نتاج التطوّر الأيديولوجي للحركة، ففي البداية شرع الإخوان المسلمون في إقامة دولة إسلامية تحكمها الشريعة، ومع الوقت وفي إطار سياقات مختلفة أملتها أحداث ومجريات وتبدّلات سياسية، تطوّرت أيديولوجيا الإخوان المسلمين وقُدّمت تنازلات للعلمانية الغربية ومفهوم الحرّيات الفردية، وذلك رغم إرادتها، وكضمان لبقائها واستمراريتها.

وتعاني العديد من فروع الإخوان المسلمين في أوروبا من معضلة التركيز بين الحين والآخر، حيث تعمل المنظمات المختلفة على تحقيق أهدافها بغض النظر عن حسن تلاؤمها مع الأجندة العامة لحركة الإخوان المسلمين في أحيان كثيرة، وذلك رغبة في التأقلم وإظهار روح المواكبة وحسن التصرف مع الأحداث، بصرف النظر عن قيمة وموقع هذه الأحداث في سلّم أولويات تنظيم الإخوان المسلمين. والأمثلة في هذا الشأن كثيرة، ففي المملكة المتحدة، وعلى سبيل المثال، وبسبب النفوذ القوي لفروع الإخوان المسلمين الشرق أوسطية (مصر والعراق على وجه الخصوص) وقيادة بعض الأفراد، تميل المنظمات المرتبطة بالإخوان المسلمين إلى التركيز على القضايا الدولية مثل الوضع في فلسطين.

اجمالي القراءات 3668