ماذا بعد اغتيال النائب العام؟

في الإثنين ٢٩ - يونيو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

جاء حادث اغتيال النائب العام هشام بركات صباح اليوم، الاثنين، في عملية هي الأولى من نوعها منذ فترة كبيرة، ليثير العديد من التساؤلات حول الجهة التي تقف وراء مثل هذه العملية، وما هي التداعيات التي ستنتج عنها.

كان بركات قد لقى مصرعه متأثرًا باصابته بنزيف في البطن، جراء استهداف موكبه بعد خروجه من منزله في منطقة مصر الجديدة، وأعلنت وزارة الصحة عن وفاته بعد محاولات طبية لإنقاذه داخل مستشفى النزهة، كما أعلنت إصابة ثمانية آخرين في العملية نفسها، هم خمسة من أفراد الحراسة الخاصة بالنائب العام، وسائقين، ومصاب واحد مدني، وجميعهم حالتهم مستقرة، بحسب بيان الصحة.

حجم الانفجار الذي استهدف موكب النائب العام وأسلوب تنفيذه، أعادا إلى الأذهان مشهد محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم، الذي تم استهداف موكبه بطريقة مشابهة في سبتمبر عام 2013، وهي المحاولة التي نجا منها حينذاك.

كان مسئول أمني قد صرّح إلى وكالة أنباء الشرق الأوسط أن سيارة مفخخة قد تم وضعها في طريق مرور موكب بركات أثناء ذهابه إلى عمله، بعد خروجه من منزله بمنطقة النزهة، وأن القنبلة شديدة الانفجار تم تفجيرها عن بعد. وخلّف الانفجار تلفيات شملت تهشم 35 سيارة وتلف واجهات تسعة منازل ومحال تجارية.

وفضلًا عن كونها أول عملية اغتيال لنائب عام في مصر، تعتبر عملية اغتيال بركات هي أول عملية اغتيال ناجحة تستهدف مسئول مصري رفيع المستوى منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، وما تبعها من بدء استهداف عناصر الجيش والشرطة المصريين على يد مجموعات إرهابية، يأتي على رأسها جماعة "أنصار بيت المقدس" (ولاية سيناء)، التي أعلنت سابقًا مسئوليتها عن محاولة اغتيال إبراهيم، بالإضافة إلى عمليات مسلحة أخرى استهدفت المئات من عناصر الجيش والشرطة في سيناء، بالإضافة إلى مجموعة "أجناد مصر" التي استهدفت في الأغلب عناصر الشرطة بالقاهرة.

كانت أحد المجموعات التي تسمي نفسها "المقاومة الشعبية بالجيزة" قد أعلنت مسئوليتها عن عملية اغتيال بركات في بيان تم نشره على صفحة منسوبة لها على موقع فيسبوك صباح اليوم، إلا أن البيان تم مسحه سريعَا قبل مرور ساعة واحدة على نشره، قبل أن تعود تلك المجموعة لتعلن عبر موقع تويتر أنها لا تملك أي حسابات على فيسبوك وأن حساب تويتر هو المنفذ الوحيد لها.

ونشأت حركة "المقاومة الشعبية" ومجموعات حركية أخرى تنتهج العنف، مثل "العقاب الثوري" و"كتيبة الإعدام" في النصف الثاني من عام 2014، ونشطت منذ ذلك الوقت في عمليات بدأتها "المقاومة الشعبية" باستهداف سلسلة محلات الوجبات السريعة كنتاكي. وفي بيان نشرته الحركة على موقع يوتيوب تزامنًا مع الذكرى الأولى لفض اعتصامي رابعة والنهضة، أكدت أنها تنسق مع مجموعات أخرى لإقامة كيانات لا مركزية متعددة تستهدف قوات الأمن في محاولة لاستعادة الثورة.

إلا أن شريف محيي الدين، الباحث في شئون مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، يقول لـ«مدى مصر» إن عملية اغتيال بهذه الضخامة لا يمكن أن تنفذها مجموعات صغيرة حديثة العهد مثل "المقاومة الشعبية"، وأن مدى الانفجار وشدته وحجمه وتأثيره لا يمكن أن تنفذه مجموعات صغيرة الحجم وقليلة الخبرة.

يشرح محيي: "أرجح أن تكون مجموعة أنصار بيت المقدس هي المسئولة عن مثل هذه العملية، فالأسلوب يشبه تماما أسلوب محاولة اغتيال إبراهيم".

ويرى محيي أن هذه العملية تعني أن "أنصار بيت المقدس" ستعود بقوة لتنفيذ عمليات داخل القاهرة، بعد أن التزمت بشكل ضمني في الفترة الأخيرة بالتركيز على سيناء كمنطقة سيطرة ونفوذ، مضيفًا: "استتب الوضع الأمني في القاهرة خلال الستة الأشهر الأخيرة، ليس بسبب يقظة القوات الأمنية ولكن بسبب ابتعاد أنصار بيت المقدس عن العاصمة، في حين تعني عودتهم إليها بهذه القوة أنه من المتوقع تنفيذ عمليات مماثلة تجاه مسئولين قضائيين وأمنيين أكبر في الدولة". ويتوقع محيي أن يتم التدرج في محاولات استهداف المسئولين، ويؤكد: "تستطيع أنصار بيت المقدس استهداف مسئولين أخطر ولكنهم يفضلون التدريج في عملياتهم".

عملية اغتيال بركات أتت بعد ساعات من إطلاق جماعة أنصار بيت المقدس (ولاية سيناء) فيديو بعنوان "تصفية القضاة"، يظهر عملية اغتيال ثلاثة قضاة وسائق السيارة التي كانت تقلهم في شمال سيناء يوم 16 مايو الماضي، بعد يوم واحد من إحالة أوراق الرئيس الأسبق مرسي وعدد من قيادات الإخوان لمفتي الجمهورية، تمهيدًا للحكم بإعدامهم في قضية اقتحام السجون، وزعم الفيديو الذي أظهر استهداف سيارة ميكروباص بالأسلحة الرشاشة أن المستهدفين كانوا خمسة قضاة.

فيديو "ولاية سيناء" لم يقتصر على عملية اغتيال القضاة، ولكنه احتوى على رسالة انتقدت فيها المجموعة الإرهابية تطبيق قوانين "وضعية" في مصر. قبل أن يستعرض صورًا لعدد من القضاة من أصحاب أحكام الإعدام والسجن ضد قيادات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين مع صور للحظات النطق ببراءة الرئيس الأسبق حسني مبارك من تهمة قتل الثوار. ويشير التسجيل بعدها لرموز القضاء المصري بأنهم "طغمة من الطغاة الذين خانوا عهد الله فحكموا بقوانين الكفر بين الناس وليتهم عدلوا بها، فبرئوا المجرمين وأطلقوا المفسدين وحاكموا المسلمين البريئين"، قبل أن يضيف التسجيل: "وتبعهم في هذا الغي كثير مما كانوا ينادون بتطبيق الشريعة زورا وبهتانا"، في إشارة لفترة حكم الرئيس الأسبق مرسي.

في الأغلب، لن تتوقف تداعيات اغتيال النائب العام اليوم على التصعيد الأمني فحسب، بل قد يمتد أثرها إلى المستوى السياسي أيضًا.

ففي أعقاب إعلان وفاة بركات، الذي تم تكليف نائبه المساعد المستشار زكريا عبد العزيز بمهامه حتى اختيار نائب عام جديد، أكد وزير العدل أحمد الزند في تصريحات صحفية لوكالة أنباء الشرق الأوسط أن الواقعة لن تثني رجال القضاء عن دورهم في تطبيق القانون لمواجهة الإرهاب. وهي التصريحات التي تتزامن مع المراحل النهائية لإعداد قانون الإرهاب، الذي يتوقع إصداره قريبًا، والذي يراه بعض المحللين بمثابة إعلان حالة طوارىء دائمة، هذا بخلاف ظهور ردود أفعال على عملية الاغتيال تتضمن دعوات للجوء إلى إجراءات أمنية وقانونية أخرى، معظمها استثنائي.

فبعد قليل من حدوث الانفجار، اقترح الصحفي مصطفى بكري، عبر حساب منسوب له على موقع تويتر، ما يراه حلولًا لمواجهة تصاعد وتيرة العمليات اﻹرهابية، تأتي في مقدمتها المحاكمات العسكرية، لمواجهة ما يراه بطئًا في منظومة العدالة في مواجهة اﻹرهاب الذي "تحاكم عناصره منذ سنوات" على حد قوله. كما طالب بكري أيضًا بإعلان حالة الطوارئ "حتى تتمكن الشرطة من منع الجريمة قبل وقوعها".

بدوره، يرى الباحث في الشئون اﻷمنية علي الرّجال، أن عملية اغتيال النائب العام تمثل تطورًا خطيرًا في طبيعة الصراع. كما يرى الرّجال أن الحادث قد يمثل انهيارًا للدولة كمؤسسات وتقاليد، وأنها قد تمارس مزيدًا من الانتقام، وهو ما قد يجر دائرة عنف متبادل لا تنتهي. ويضيف الرّجال أن حالة "التشنج الاجتماعي" التي قد يفرضها الحادث لن تنتج إلا وضعًا كارثيا بالنسبة للجميع.

وعن تحليله لسبب اختيار النائب العام كهدف لعملية الاغتيال، أشار الرّجال إلى أن عمليات الاغتيال تتجه نحو الحلقات اﻷضعف في جهاز الدولة، وهي مؤسسة القضاء. مضيفًا أن استهداف رجال القضاء سيسبب إنهاكًا شديدًا للأجهزة اﻷمنية. فضلًا عن كونه يرى أن العملية الأخيرة قد تزيد من حالة "الهوس" التي أصابت القضاء في الفترة اﻷخيرة.

  •  
اجمالي القراءات 3433