دراسة بجامعة ويلز: العالم العربي يسير نحو الطائفية

في الخميس ٣٠ - أغسطس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

دراسة بجامعة ويلز: العالم العربي يسير نحو الطائفية

في أطروحته للدكتوراه فنّد طالب كنعان فعالية الخطاب العربي وتأثيره على الهوية

 
 
 
الإعلامي طالب كنعان أثناء نيله شهادة الدكتوراه من جامعة ويلز البريطانية
 
العربية.نت

ناقشت الأطروحة التي أعدها الإعلامي الدكتور طالب كنعان المذيع بقناة "العربية"، ونال على إثرها شهادة الدكتوراه من جامعة ويلز البريطانية، أثر الخطاب العربي المعاصر على الهوية العربية، والمسارات التي مرّ بها هذا الخطاب وانعكاساته على موضوع شديد الحساسية كموضوع الهوية، بدءاً من عام 1979 حتى عام 2003.

سؤال الهوية في البلدان العربية يمثل - بحسب كنعان - موضوعاً شديد الحساسية نظراً لما شهدته وتشهده المنطقة العربية من أحداث سياسية وأمنية جسيمة، كان لها أثر مباشر على هوية سكان هذه المنطقة المترامية الأطراف والموزعين على 22 دولة.

كما أن موضوع الهوية يحتل مكانة مركزية في الفكر العربي المعاصر خصوصاً في هذه المرحلة كونه يُطرح وسط فورة من المفاهيم التي تتحدث عن صدام الحضارات ونهاية التاريخ، والفوضى الخلاقة، وسيطرة النسق الواحد، والعولمة المتوحشة التي تذيب جميع الهويات.

ويمكن اختصار إشكالية بحثه هذا في دراسة العلاقة ما بين الخطاب العربي وعوامل تشكيله من ناحية، وإدراك وتبلور شكل الهوية العربية من ناحية أخرى. أي بتعبير آخر دراسة مدى قدرة الخطاب العربي المعاصر على تشكيل الهوية مع الأخذ بعين الاعتبار أن الخطاب العربي ذاته يتأثر بعوامل شتى (سياسية، أمنية واجتماعية).

 

الإعلامي طالب كنعان مذيع قناة العربية
الإعلامي طالب كنعان مذيع قناة العربية

أما عن سبب اختيار تلك الحقبة بالذات، فيشدد كنعان في حديثه لـ"العربية.نت" على أهمية وجذرية الأحداث التي وقعت خلال تلك الفترة، سواء من توقيع اتفاقية كامب ديفيد التي كان لها وقع هائل على الخطاب السياسي العربي وبالتالي على الهوية العربية، بالإضافة إلى الثورة الإيرانية عام 1979 والحرب التي دارت على إثرها بين العراق وإيران، مروراً باحتلال إسرائيل لبيروت عام 1982, إضافة الى الانتفاضة الفلسطينية الأولى, ومن ثم فاجعة اجتياح العراق الكويت، وصولاً إلى احتلال العراق وسقوط بغداد عام 2003 الذي شكّل نقطة انعطاف في الخطاب العربي الذي هيمنت عليه المصطلحات الطائفية والمذهبية، الأمر الذي عكس مزيداً من التشظّي والتمزّق على مستوى الهوية.

ويرسم كنعان إطاراً مرحلياً لدراسة الخطاب وأثره على الهوية على الشكل التالي:
أ- اتفاقية السلام الإسرائيلية المصرية عام 1979 (إثارة مسألة الهوية القومية العربية في مقابل الهوية القُطرية), بعد أن كان أي اتصال مع الإسرائيليين يُعد خيانة عظمى, في ضوء" لاآت" قمة الخرطوم الثلاثة", وشعار "ثورة من البحر الى النهر". وقد تبين له بعد دراسة الخطاب العربي في تلك الفترة أن جزءاً من هذا الخطاب راح يبرر للرئيس أنور السادات ولمصر خيارها المستجد بإقامة سلام مع اسرائيل, وقد تلمّس في ثنايا هذا الخطاب وجود مصطلحات جديدة بالمقارنة مع الخطاب السابق, كسلام الضرورة, ومصر الفرعونية, والشرق الاوسط يتسع للجميع. ورفضاً لفلسفة القومية العربية من أساسها. فيما كان خطاب آخر مازال يصرّ على حتمية المواجهة, معتبراً أن هوية العرب الحقيقية لا تتأكد الا باستعادة فلسطين, وقد دعا هذا الخطاب الى عزل مصر باعتبار أن ما قام به السادات خيانة عظمى للأمة العربية. كل ذلك سيكون له أثر كبير على الهوية العربية.

ب- قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 (بروز خطاب يتحدث عن الهوية الفارسية الشيعية في مقابل الهوية العربية السنية) واشتعال حرب الخليج الاولى بين إيران والعراق ما أحدث اهتزازات عنيفة في الخطاب العربي, وطرح إشكالية الصراع الفارسي العربي واستطراداً الإسلامي العربي.

ج- احتلال إسرائيل لبيروت عام 1982 والضربة العنيفة التي وجهها هذا الحدث لمقولات الأمن القومي العربي, وعودة الحديث عن الفينيقية في لبنان. إضافة الى طرح إشكالية فجّة في خطاب الهوية عنوانها: من هو الصديق ومن هو العدو؟

د- الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 وما فجّرته من قضايا فكرية في الخطاب العربي (الهوية الفلسطينية يدافع عنها أهلها وشعبها, والهوية تتجسد بفعل شعبي بعيداً عن طروحات الانظمة الرسمية).

ه- احتلال دولة عربية هي العراق لدولة عربية مجاورة هي الكويت عام 1990, وما أفرزته من إرهاصات على الخطاب العربي. (انقسام عربي بين مؤيدٍ ومشارك للتحالف الدولي لضرب العراق, وبين معارض.. الخطر بات يأتي من دولة عربية كانت تُعِد نفسها رائدة في مجال القومية).

و- مؤتمر مدريد للسلام عام 1991, وتفجر قضية التطبيع والتنازل عن ما كان يُعرف بالمسلمات العربية في التعاطي مع دولة إسرائيل, خصوصاً بعد نهاية الحرب الباردة.

ز- سقوط بغداد عام 2003, وما أفرزه هذا الحدث الجلل من تغيرات في الخطاب المعاصر. خطاب طائفي (سني–شيعي), عرقي (عربي–كردي). وقد كان هذا التاريخ مفصلاً مهماً في تاريخ المنطقة إذ يمكن تلمس بداية هيكلة المنطقة طبقاً لمشاريع خارجية انطلاقاً من هذا التاريخ, وبداية تآكل مفهوم السيادة في العالم العربي, وبروز نزعات انفصالية على أساس طائفي وعرقي: البربر والامازيغ في دول المغرب العربي, الفرعونية والقبطية في مصر, السنية والشيعية وكذلك الكردية والتركمانية في العراق, السنية والعلوية في سوريا, الافريقية في السودان.

غلبة الهوية الطائفية

الإعلامي الدكتور طالب كنعان
الإعلامي الدكتور طالب كنعان

فمن خلال الأبحاث التي أجراها كنعان واستند إليها على مدى 4 سنوات، أثبت فعالية الخطاب العربي وتأثيره في تشكيل وبلورة الهوية وليس العكس، متبعاً منهجية ثلاثية الركائز. فقد انطلق من عناصر الهوية الثلاث اللغة والدين وما اصطلح على تسميته الأمن القومي الذي يجمع بين العادات والتاريخ، ليفند بعد ذلك تأثير الخطاب على كل عنصرٍ منها.

وهكذا يرسم كنعان خطاً بيانياً لتنقل الخطاب من مرحلة الى أخرى تبعاً للوقائع السياسية التي كانت تعصف بالمنطقة ومن ثم يحاول قياس الأثر على الهوية. هذه الهوية التي تبِعت الخطاب بشكل طردي - كما يعتبر كنعان - وتبدلت وتلونت على النحو التالي:

- من الهوية العربية الواحدة في فترة المد القومي, إلى الهوية الاقليمية والوطنية الضيقة في فترة كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر بعد زيارة السادات للقدس.

- من الهوية العربية ذات المحتوى الإسلامي, الى الهوية العربية المتصادمة مع محيطها الإسلامي بعد الثورة الإسلامية في إيران وحرب الخليج الاولى.

- من الهوية العربية المنفتحة على دائرتها المسيحية, الى الهوية العربية المتصارعة مع دائرتها المسيحية بعد الاحتلال الإسرائيلي للبنان.

- من الهوية العربية التي تُحدد ماهية الصديق والعدو, إلى الهوية المنقسمة على دائرتها العربية بعد احتلال العراق للكويت.

- من الهوية الرافضة لقبول إسرائيل كجزء طبيعي من العالم العربي, الى الهوية القابلة للاختراق اسرائيلياً بعد مؤتمر مدريد للسلام وتوابعه.

- من هوية التآخي والتعاضد السني الشيعي, إلى الهوية المذهبية المتشظية دموياً بعد سقوط بغداد عام 2003، حيث استعر عنف دموي ذو طابع مذهبي سُني شيعي لا سابق له في تاريخ العراق والعالم العربي, عنفٌ مازال مستمراً حتى الساعة وحصد وفق تقديرات مئات الآلاف من القتلى في حمام دم عبثي لحسم موضوع الهوية الطائفية لبلد كان يُضرب به المثل على أنه بلد الوحدة والانصهار الوطني.

ويخلص كنعان إلى القول إن الهوية العربية تفتّت نتيجة هذا الخطاب الذي لم يعِ مصالح العرب، حاصدة آثاره الهدامة، حتى باتت المنطقة العربية ساحة لمجموعة من الهويات المتصارعة المتقاتلة. ويضيف أن مفهوم الأمة العربية أصبحت مفهوماً مائعاً يتماهى إلى حد بعيد مع الأمم المهزومة والمأزومة التي لم تحسم هويتها بعد, أو تلك التي ضيعت هويتها الى غير رجعة.

ومع أن الإعلامي "اللبناني العربي"، كما يحلو للدكتور كنعان وصف هويته, بدا متمسكاً بصورة كبيرة بهويته العربية، لكنه ختم حديثه بنظرة فيها الكثير من التشاؤم، لاسيما أن الهوية الرائجة اليوم هي الهوية الطائفية والتي ستكون - حسب رأيه - مهلكة لكل مقومات الهوية العربية الجامعة، لا بل إن كنعان يتوقع مرحلة من "التيهان الهويتي" تتخللها جولات وجولات من العنف ذي الطابع المذهبي.

اجمالي القراءات 7267