انسحاب العلويين الى الجبال لتأسيس دولة بمساعدة الروس في طرطوس

في الإثنين ٣٠ - يوليو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

الإثنين 30 يوليو الحربش: تشابه بين مؤسس الدولة الطائفية في سوريا ومؤسس الإسماعيلية في إيران

انسحاب العلويين الى الجبال لتأسيس دولة بمساعدة الروس في طرطوس

عدنان أبو زيد

 على قمة تلة في أقصى غرب سورية تقع قلعة الحصن المذهلة، أفضل قلاع الصليبيين حالاً في عالمنا اليوم. استُخدم هذا الحصن منذ القرن الحادي عشر كقاعدة شن منها الصليبيون الأوروبيون الغارات على سورية، وهكذا صارت موضعاً لإطلاق الهجمات وحماية ساحل البحر الأبيض المتوسط من الإمبراطوريات العربية التي سعت إلى استعادته.

إيلاف: كتب جاسر عبدالله الحربش أن الدولة العلوية في سورية على وشك الانهيار، وهناك فئران هربت من السفينة الغارقة، بعضها بكَّر قليلاً في الهرب وبعضها وصل متأخراً جداً. ويرى الحربش في مقاله في جريدة الجزيرة السعودية أن الوقت الحاضر " يشهد الشروع بتلميع لسلالات من تلك العوائل العميلة التي شاركت طيلة أربعين سنة في الترهيب والنهب والتعذيب والاغتصاب والقتل، بدءاً من مذبحة حماة حتى الإبادة الجماعية الحالية". ويضيف: "من الواضح أن هناك الآن جهات دولية وإقليمية تريد أن تجهز ثوباً مرقعاً من بقايا دولة الأسد لتلبسه سورية الجديدة بعد خلاصها الكامل من قبضة الحكم الطائفي".

وعلى الصعيد ذاته كتب فيصل اليافي في جريدة ( ذه ناشونال) وترجمته صحيفة الجريدة الكويتية أن ثمة أسباباً قوية "تدفعنا إلى الاعتقاد أن المواطنين العلويين العاديين لن يرحبوا بدولة علوية، وأنها لن تنجح في مطلق الأحوال، صحيح أن نظام الأسد يتألف بمعظمه من العلويين، بيد أنه لا يقتصر على طائفة واحدة، بل عائلة واحدة، إذ ظل علويون كثر فقراء، مع أنهم حظوا بمعاملة استثنائية في القوات المسلحة."
فيصل اليافي :عائلة الأسد تعيق قيام دولة علوية
ثمة أسباب قوية تدفعنا إلى الاعتقاد أن المواطنين العلويين العاديين لن يرحبوا بدولة علوية، وأنها لن تنجح في مطلق الأحوال، صحيح أن نظام الأسد يتألف بمعظمه من العلويين، بيد أنه لا يقتصر على طائفة واحدة، بل عائلة واحدة، إذ ظل علويون كثر فقراء، مع أنهم حظوا بمعاملة استثنائية في القوات المسلحة.
على قمة تلة في أقصى غرب سورية تقع قلعة الحصن المذهلة، أفضل قلاع الصليبيين حالاً في عالمنا اليوم. استُخدم هذا الحصن منذ القرن الحادي عشر كقاعدة شن منها الصليبيون الأوروبيون الغارات على سورية، وهكذا صارت موضعاً لإطلاق الهجمات وحماية ساحل البحر الأبيض المتوسط من الإمبراطوريات العربية التي سعت إلى استعادته.
أيُعقل أن يحدث أمر مماثل في غرب سورية قريباً؟ مع دخول الانتفاضة السورية مرحلة حاسمة، تُناقَش اليوم خطة بديلة في حال لم يستطع الأسد القضاء على الثوار: انسحاب العلويين إلى معقل لهم في مناطق أقصى الغرب الجبلية المتمحورة حول مدينة اللاذقية الساحلية، حيث يمكن تأسيس دولة علوية، فبفضل القاعدة الروسية في طرطوس والملايين المكدسة في المصارف الأجنبية، بإمكان آل الأسد نظرياً الصمود فترة كافية لبناء دولة. هل هذا ممكن حقاً؟ لربما بدأ تنفيذ هذه الخطة اليوم، فتبدو الاعتداءات الأخيرة، مثل مجزرة قرية التريمسة في 12 يوليو، متعمَّدة لدفع السنة في غرب سورية إلى مغادرة منازلهم والانتقال شرقاً بعيداً عن معاقل العلويين المحتملة. وتشير هذه النظرية أيضاً إلى أن نظام الأسد يخطط لإخراج السنة الخائفين من مناطق غرب حمص وحماة، مدينتان لا تزالان ذات أغلبية سنية. لا شك أنه مع سقوط الرئيس بشار الأسد، سيتعرض العلويون، الذين يشكلون أقلية تنتمي إلى الشيعة في سورية ذات الأغلبية السنية، لأعمال انتقامية. لا تتفشى مشكلة الطائفية في سورية، ولكن بغض النظر عما يقوله قادة الثوار اليوم، من شبه المؤكد أن الشبيحة، مجرمي النظام الذين نفذوا بعض أسوأ المجازر وعمليات الاغتصاب والذين ينتمون بمعظمهم إلى الطائفة العلوية، سيُطاردون ويُقتلون.
نظراً إلى هذا الواقع، من الطبيعي أن يخاف علويون كثر على سلامتهم بعد سقوط الأسد، وخصوصاً أن الأقلية العلوية حكمت هذا البلد السني طوال أربعة عقود. لكنّ ثمة أسباباً قوية تدفعنا إلى الاعتقاد أن المواطنين العلويين العاديين لن يرحبوا بدولة علوية، وأنها لن تنجح في مطلق الأحوال. صحيح أن نظام الأسد يتألف بمعظمه من العلويين، بيد أنه لا يقتصر على طائفة واحدة، بل عائلة واحدة. ظل علويون كثر فقراء، مع أنهم حظوا بمعاملة استثنائية في القوات المسلحة، وإن أُقنعوا بأن تولي السنّة السلطة في دمشق لا يشكل أي تهديد لهم، فمن المستبعد أن يقفوا إلى جانب هذا النظام الوحشي، الذي سيواصل بالتأكيد قمعه المنظَّم ما إن يشعر بالأمان في دولته الخاصة في الغرب. علاوة على ذلك، ستكون حالة العلويين العاديين في هذه الدولة مزرية، فقد كدّس نظام الأسد ثروات طائلة، ويقدّر تقرير صدر أخيراً عن “ألاكو”، شركة للمعلومات الاستخباراتية مقرها في لندن، أن الأسد ورجال نظامه الأبرز يملكون على الأرجح 70% من أصول البلد وأراضيه والتراخيص والشركات فيه، فما المبررات التي قد تجعل العلويين العاديين يظنون أن عائلة الأسد ستكون أكثر استعداداً لتشاطر ثرواتها معهم في تلك الدولة الجديدة، حيث سيعتمدون كاملاً على حماية آل الأسد؟ صحيح أن العلويين يخشون كثيراً أعمال الانتقام التي قد يتعرضون لها بعد سقوط نظام الأسد، لكنّ ثمة إقراراً عاماً بأن مستقبل العلويين يبقى في سورية، فقد نُظمت تظاهرات مناهضة للنظام حتى في اللاذقية، كذلك انشق جنود علويون وانضموا إلى الجيش السوري الحر، حتى إن أحدهم اتهم الأسد بنشر الحرب الطائفية للبقاء في السلطة.
 
وحاول الثوار السوريون من جهتهم تطمين العلويين، معلنين أنهم مستعدون لحماية المناطق العلوية من أي عمليات انتقام. من المرجح أن يقف معظم العلويين إلى جانب سورية الجديدة، إن اقتنعوا بألا خطر يهدد سلامتهم. وسيعتمد قرارهم هذا على عامل آخر: إن انسحب آل الأسد إلى الجبال الساحلية، فلن يصمدوا طويلاً. صحيح أن قيادة الجيش السوري تتألف بمعظمها من العلويين، إلا أن الجنود الأدنى مرتبة ليسوا كذلك. يشكل العلويون 10% فقط من الجيش، ويتركز الجزء الأكبر من هذه النسبة في الحرس الجمهوري، ولم تستطع قوة النظام بأكملها سحق ثورة لا تملك سوى القليل من السلاح. إذاً، لن تتمكن تلك الـ10% من الجيش في الصمود طويلاً في وجه قوات المعارضة المسلحة، التي ستسيطر على سائر المناطق السورية.
 
يشير البروفسور الأميركي ومحلل الشؤون السورية، جوشوا لانديس، إلى نقطة مهمة في نظرية إقامة دولة علوية، ألا وهي غياب البنى التحتية الضرورية لدعم دولة على الساحل. يقول لانديس: “ما من مطار دولي أو محطات لتوليد الطاقة أو مصانع وشركات”، وسرعان ما ستكتشف “الدولة” العلوية أنها عاجزة عن دفع رواتب جنودها. يبقى كل هذا راهناً مجرد تكهنات، فلا يزال الأسد مسيطراً على دمشق، ولا يزال جنوده يسعون إلى إخماد الانتفاضة. إذاً، ما فكرة إقامة موطن للعلويين في الجبال سوى وهم سياسي يعود إلى أيام الإمبريالية الغربية. لم يكن الصليبيون الذين تحصنوا في قلعة الحصن سوريين، بل كانوا يسعون إلى السيطرة على سورية، وكانت الأراضي المحيطة بالحصن مليئة بقرى رفضت الوجود الصليبي، بيد أنها كانت مرغمة على دفع الإتاوة. لا ينطبق هذا الوضع على العلويين اليوم، فهم سوريون وعليهم إيجاد مكانهم في دولة سورية ديمقراطية، وإن تمكن قادة الانتفاضة (إن كان من قادة لها) من إقناع العلويين العاديين بأن مستقبلهم آمن، فسرعان ما يتبين لنا أن معظمهم لا يريدون دولة لآل الأسد في الجبال، أو بالأحرى لا يريدون دولة لآل الأسد في أي مكان .
 
جاسر عبدالله الحربش: لن يقبل السوريون بثوب مرقع
درجات التشابه بين مؤسس الدولة الطائفية في سورية حافظ الأسد ومؤسس الحركة الإسماعيلية النزارية في إيران (وتسمى حركة الحشاشين) كبيرة وكثيرة لمن يقارن بين الرجلين. الحسن الصباح زعيم الطائفة الإسماعيلية النزارية أسس ما بين نهايات القرن الخامس وبدايات السادس الهجري حركة سياسية عقائدية طائفية شديدة المراس في منطقة جبلية وعرة التضاريس في إيران.
 
كان الحسن الصباح يدير أمور أتباعه من قلعة ضاربة في السماء على رأس جبل شاهق تسمى عين النسر، استولى عليها من أحد زعماء المنطقة بعد أن استأمنه ونادمه، لكن حسن الصباح انقلب عليه وطرده من القلعة ويقال قتله. المؤرخون يطلقون على القلعة اسم آلاموت ومعناها عند أهل المنطقة عش النسر ونقلها المؤرخون الروم والعرب بهذا الاسم، وربما كان اسمها قلعة العمود لأن الحسن الصباح نفسه ينتمي إلى أصول عربية حميرية، والقلعة قائمة على جبل شاهق وشاخصة في السماء كالعمود.
 
وجوه الشبه الرئيسية بين حافظ الأسد والحسن الصباح هي أن تجمعت في الرجلين أربع خصال: الدهاء الرهيب والإخلاص المطلق للطائفة والشجاعة المسيطرة على الخصوم والأتباع والمهارة الفائقة في تخطيط الاغتيالات. بهذه الخصال استطاع حافظ الأسد تحييد كل منافسيه وكون نواة علوية صلبة لحكمه واصطنع دمى من الأخلاط العرقية والمذهبية في سورية، عربية سنية وكردية وتركمانية، واتخذها واجهات إعلامية أمام الداخل والخارج. متحصناً بهذه المواصفات استطاع حافظ الأسد المشاركة في كل الأحداث السياسية الكبرى كلاعب رئيسي. استطاع أن يحارب في صف إيران ضد العرب، ومع قوات التحالف ضد العراق، ومع خاملة الذكر جبهة الصمود والتحدي ضد مصر السادات، ومع الكرد ضد تركيا والعراق، ولاحقاً مع تركيا ضد الكرد.
 
لكن الأهم من ذلك كله أنه استطاع إخضاع كل المعارضات الوطنية السورية بتعاون واجهات من الدمى البشرية المنتمية أصولاً لتلك التكوينات المعارضة، وبصمت وقبول المحيط العربي والقوى الدولية. عندما هلك حافظ الأسد كان قد أعد جيداً لسيطرة طائفته الكاملة على سورية، بحيث تم تعديل الدستور السوري وتوريث ابنه بشار بالإجماع خلال ساعات قليلة. كان أول المصفقين والمروجين لذلك التوريث الطائفي هي الواجهات العربية السنية والكردية والتركمانية والأقليات المسيحية. تلك الواجهات الدمى كانت تعيش (بمعزل عن انتماءاتها) حياة بذخ أسطورية فوق ظهر الشعب السوري المقهور مثلما تعيش عائلة الأسد.
 
منذ عام ونصف انخرط الشعب السوري بإجماع شبه كامل في ثورة تضحيات لا مثيل لها ضد حكم الطائفة العلوية وأزلامها، وقدم من القتلى والجرحى وضحايا التعذيب والاغتصاب ما لم يتحمله شعب آخر في ذاكرة التاريخ الحديث.
 
اليوم أصبحت الدولة العلوية في سورية على وشك الانهيار، وهناك فئران هربت من السفينة الغارقة، بعضها بكَّر قليلاً في الهرب وبعضها وصل متأخراً جداً. الآن كما يبدو، بدأ التلميع لسلالات من تلك العوائل العميلة التي شاركت طيلة أربعين سنة في الترهيب والنهب والتعذيب والاغتصاب والقتل، بدءاً من مذبحة حماة حتى الإبادة الجماعية الحالية. من الواضح أن هناك الآن جهات دولية وإقليمية تريد أن تجهز ثوباً مرقعاً من بقايا دولة الأسد لتلبسه سورية الجديدة بعد خلاصها الكامل من قبضة الحكم الطائفي.
 
لابد أولاً من التأكيد على أن الذين استطاعوا الانغماس في خدمة آل الأسد وآل مخلوف وآل شوكت من العملاء العرب السنة والكرد والتركمان والمسيحيين يستطيعون أيضاً بكل سهولة أن يصبحوا مرة أخرى عملاء لأي طرف آخر على حساب سورية. كل طرف في السياسة الدولية والعربية يهمه أن يحكم سورية القادمة نظام يميل إليه ويسير في ركابه. لذلك تحاول تركيا وأميركا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا وبعض الدول العربية، المشاركة في ترقيع الثوب الذي سوف تلبسه سورية الجديدة. يعيش في سورية الملايين من المواطنين العرب السنة، يشكلون ثلاثة أرباع السكان ولهم الاستحقاق الأكبر في تشكيل حكومة ائتلافية وطنية جديدة وبناء دولة تتناغم فيها وتتعايش كل الطوائف والمذاهب والعرقيات. الموضوع يجب أن يحدده صندوق انتخابات نزيه تحت سمع وبصر العالم.
لكن ثمة ثلاث شخصيات عربية سنية يعرفها الجميع اصطنعها حافظ الأسد كواجهات خدماتية، وكانت تدير لعشرات السنين الملف السوري الإيراني والشؤون الخارجية ووزارة الدفاع. الثلاثة الكبار هؤلاء شاركوا الحكم العلوي الطائفي بإخلاص وتفانٍ في كل ما فعله وألحقه بالشعب السوري. اثنان من هؤلاء الكبار يعيشان حالياً في قصور فخمة في باريس، والثالث لا يدرى بالضبط أين هو. ابن أحد هؤلاء المسؤولين السابقين الثلاثة كان من آخر الهاربين من السفينة الغارقة، وهو ابن وزير الدفاع السابق، وكان الصديق المقرب لباسل الأسد حتى مات، ثم لأخيه بشار حتى قبل أسابيع، وكان عميداً كبيراً في الجيش السوري.
الآن أصبح هذا العميد يظهر كل يوم في قناة فضائية عالمية أو عربية مختلفة، وتتم المقابلات معه في كل واحدة بطريقة تشي بأن الرجل يتم مسح الدماء والآثام عنه وتلميعه وإعداده لمنصب مهم في سورية الجديدة.
السوريون بنضالهم المستعصي على الأمثلة يستحقون مستقبلاً أفضل مما يخطط لهم خلف الكواليس الدولية والإقليمية. أقول هذا على الرغم من قناعتي بأن الشعب السوري المناضل لن يقبل بعد كل هذه التضحيات بارتداء ثوب مرقع.
اجمالي القراءات 4930