الرفاهية المفرطة في الإمارات تؤدي إلى انتشار ظواهر خطيرة في المجتمع

في الإثنين ١٦ - أبريل - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

جرائم الخدم تصل إلى نقطة اللاعودة.. ولا بد من سن تشريعات جديدة
الرفاهية المفرطة في الإمارات تؤدي إلى انتشار ظواهر خطيرة في المجتمع


أحمد قنديل

GMT 5:00:00 2012 الإثنين 16 أبريل


تبرز على السطح بين حين وآخر جرائم غريبة وخطيرة ارتكبتها خادمات في دولة الإمارات، وتهز تلك الجرائم في بعض الأحيان بسبب بشاعتها الثوابت المجتمعية ويتساءل المرء لماذا تحدث تلك الجرائم غير المنطقية؟!. هذا التساؤل يحمل في طياته الكثير من الأسئلة الشائكة في مجتمعات باتت تعتمد اعتمادًا كليًا على الخادمات في إنجاز الكثير من المهام بعضها هامشي وبعضها أساسي، كما يرتبط ذلك أيضًا بالتربية والتنشئة والمشاركة الفاعلة في الكيان الأسري.


خادمة

دبي: الأمر اللافت حاليًا أن كثيرًا من المواطنين الإماراتيين والمقيمين في الدولة يخشون أن يقعوا فريسة لمكائد خادمة مجهولة الشخصية وغامضة بالنسبة لهم، وفي المقابل تخشى الخادمة كذلك من أن تقع في أيدي غير أمينة ومن ثم تتعرض للاغتصاب أو لمعاملة غير إنسانية.

وسجلت شرطة دبي ارتفاعًا في جرائم الخدم خلال العام الماضي 2011، تضمنت سرقات كبرى وجرائم هتك العرض وخيانة الأمانة بنسبة تصل إلى 17.1%، وذلك بواقع 1010 بلاغات مقابل 862 جريمة خلال العام 2010.

ويعزو علماء الاجتماع هذه الطفرات في ما يعرف بجرائم الخدم إلى مسيئات كثيرة منها ما هو مرتبط برب العمل أو بالأحرى ربة العمل وطريقة تعاملها مع هذا الكائن البشري "الخادمة" وما يورثه هذا التعامل من إحساس بالغبن أو الحنق أو إهدار الكرامة الإنسانية، وتلك هي المصطلحات التي تنشأ في ضمير الخادمة وتولد لديها فكرة الانتقام، وهذا الانتقام قد يكون في صورته المصغرة سطوًا على بعض الممتلكات الصغيرة كالمجوهرات والأموال أو الانتقام من الأطفال الصغار.

هذا وتحوي ملفات الشرطة قصصًا مرعبة عن انتقام الخادمات من مخدوميها، هذا الانتقام الذي ربما قد ينشأ بسبب عدم وجود توازن بين الجهد المبذول من قبل الخادمة وما تتقاضاه من أجر أو بسبب هدر حقوقها الانسانية أو الاعتداء عليها جنسيًا أو لطمعها في رب الأسرة والرغبة في الاستحواذ عليه.

الهروب من العوز والبطالة والجوع

ومن جهته، أكد الأستاذ الدكتور علي قاسم الشعيبي، الخبير الإعلامي والتربوي وأستاذ الإعلام المساعد في جامعة عجمان، لـ"إيلاف"، أن الخادمة قبل وصولها إلى دول الخليج تعيش حلمًا جميلاً يترسخ في مخيلتها وهو السعي إلى الوصول إلى دولة خليجية أو عربية للتخلص من واقعها المزري هربًا من العوز والبطالة والجوع والحروب الدائرة، ولكن هذا الحلم الجميل قد ينكسر في لحظة على صخرة الواقع الاجتماعي عندما تتفاجأ هذه الخادمة بأنها قد تحولت إلى مجرد قطعة شطرنج على رقعة الاستعباد والعبودية.

موضحًا أن قوانين العمل الموجودة حاليًا غير كافية لضمان حرية الخادمة كإنسانة، ولا بد من إيجاد تشريعات جديدة تحمي الطرفين الخادم والمخدوم وتنظم وتحكم العلاقة بينهما.
وأشار الشعيبي إلى أنه عندما يتعلق الأمر بإهدار كرامة الخادمة أو الاعتداء عليها سواء كان لفظيًا أو جسديًا أو اغتيالاً جنسيًا من قبل أفراد الأسرة التي تعيش معها، فإن كل هذه المؤثرات تولد في داخلها رغبة جادة بالانتقام من تلك الأسرة.

مبينًا أنه لا يمكننا أن نعمم حدوث ذلك مع كل الخادمات لأن هناك الملايين من الخادمات يعشن في كنف أسر كريمة توفر لهن العيش الكريم والحياة الآدمية والتعامل وفقًا للمبادئ الإنسانية.

وتساءل الشعيبي: "هل يمكن استغلال قيمة العمل مقابل المال لغرض إهدار كرامة الإنسان؟: وأجاب أن هذا السؤال يبدو مفتوحًا على كل الاحتمالات وأن الباحث المتأني يمكنه أن يستخلص من مجمل الحوادث التي ارتكبت من قبل الخادمات في الإمارات واستخدم فيها السحر والسلاح الأبيض والسم وغيرها من أشكال محاولات الدفاع عن النفس أو الحصول على مهرب، أن هناك خللاً في طرفي المعادلة "الخادم والمخدوم" وكلاهما في اعتقاده يجب أن يكون في قفص الاتهام.

لافتًا إلى أنه ليس مبررًا استغلال حاجة هذه الخادمة الضعيفة إلى المال لتكون هدفًا سهلاً لإفراغ شحنات الغضب أو ممارسة نوع من الفوقية والاستعلاء والاسترقاق في بعض الأحيان، وأنه ليس مبررًا كذلك أن تقوم الخادمة بالاعتداء على مخدومها نتيجة لتجذر فكرة الحقد الطبقي في ضميرها من خلال ما تشاهده من ممارسات تعتقد أنها لا إنسانية.

مظاهر البذخ.. والحاجة إلى سن تشريعات جديدة

الاسر قد تدفع الثمن غالياً

وأوضح أن مظاهر البذخ في الأسرة الخليجية هي شرارة يمكن أن تنطلق منها حرائق هذا الحقد، وأن محاولات بعض الرجال في بعض الأسر للاعتداء على الخادمة وإسكاتها إما بالمال أو بالتهديد والطرد تعد انتهاكًا خطيرًا لحرمة هذه الإنسانة التي تبحث عن مصدر للرزق لإطعام أسرة وأفواه جياع.

وشدد الشعيبي على أن تنظيم العلاقة بين الخادم والمخدوم يحتاج كذلك إلى أكثر من قوانين فهو يحتاج إلى زرع الوعي الإنساني في ضمير الطرفين معًا الخادم والمخدوم، وإشعار صاحب اليد الطولى "المخدوم" بأنه لا يمتلك هذا الكائن البشري بقدر ما هو مخول باستثمار طاقاته مقابل مبلغ مالي محدد، وتنتهي العلاقة بانسحاب أحد الطرفين عن الآخر. مبينًا أن هذا التقييم الاجتماعي للعلاقة سوف يقود إلى علاقة سوية بين الطرفين.

ورأى الشعيبي أنه طالما أن مجتمعات دول الخليج والدول العربية مازالت بحاجة إلى هذه العمالة الطرفية، وفي المقابل تجد تلك العمالة في هذه الدول متنفسًا لها للحصول على بعض المال لتسيير شؤون حياتها، وحتى لا يكون البعض عرضة للمساءلة القانونية على مستوى التشريعات المحلية وحتى لا تكون الدول مساءلة وفقًا للتشريعات الدولية، فإن وضع الضوابط لتحديد العلاقة الشائكة بين الطرفين "الخادم والمخدوم" يحتاج إلى مجموعة من الحلول من خلال قيام الدولة بشرح هذه العلاقة وتحديد واجبات وإلتزامات كل طرف.

وعمل توعية بما يمكن أن يترتب على سوء التصرف في طبيعة تلك العلاقة عبر توعية الأسر بضرورة احترام آدمية البشر، فضلاً عن سن تشريعات جديدة مثل تحديد عدد ساعات العمل، لأنه لا توجد هناك ساعات محددة لعمل الخادمة فهن يعملن في الأعياد وأيام الإجازات الرسمية، كما أن بعضهن لا تتاح لهن الفرصة لممارسة المعتقد.

وقال: "إن موضوع التشريع مهم جدًا، لأن المشكلة الكبرى أن كثيراً من الناس يعتقدون أنهم قد قاموا بشراء تلك الخادمة، ومن ثم يتعاملون معها من دون ضوابط أو معايير، الأمر الذي قد يولّد لديها حب الانتقام نتيجة سوء معاملة مخدوميها لها، إضافة إلى نظرة الحقد التي تعيشها لأنها على سبيل المثال تحصل على راتب شهري يقدر مثلا بـ1000 درهم أو أقل، وفي المقابل ترى إبنة مخدومتها تقوم بشراء حذاء أو قطعة ملابس واحدة بـ2000 درهم".

جرائم مفزعة للخدم.. وعنف المخدومين

وأفاد الشعيبي أن هناك أمثلة واقعية عديدة لا حصر لها تبين سوء معاملة بعض الأسر للخادمة ومنها قيام سيدة منزل بطلب كأس ماء من الخادمة وتنتقي الخادمة أجمل الأكواب وتحضره للسيدة فإذا بالسيدة تقوم بإلقاء الكأس المليء بالمياه في وجه خادمتها ثم تقوم بضربها لأنها أحضرت لها كأسًا (لا ترغب فيه)، وهي حالة مزاجية غريبة وكبرياء من قبل بعض الاشخاص. فالتفاعل الفوقي عجيب جدًا، وللأسف تعودنا على الرفاهية المفرطة".

ولفت إلى أن معظم الخادمات ينتمين إلى الطبقات الفقيرة في مجتمعاتهن، وهي فئات تعرف باتقان السحر والشعوذة وإستخدام الأمور التي تكسب الخادمة حب مخدومتها أو مخدومها. وتنتشر هذه الأفكار خاصة مع الخادمات القادمات من منطقة جنوب شرق آسيا المشهورة بالسحر.

حيث يتم تلقين الخادمة التي تأتي من هناك بأنها لو وضعت قطرات من دم الحيض في الأطعمة المطبوخة، فإن هذا سوف يؤدي إلى حدوث نوع من القبول والرضى عنها لدى الأسرة التي تعمل لديها أو أن تغض الطرف عن أخطائها مهما فعلت.

وأنه على الخادمة أن تعمل كل ما في وسعها للوصول إلى قلب رب الأسرة أو أحد أبنائه الكبار لغرض إقامة علاقة جنسية معه من أجل الحصول على قدر من الاحترام وزيادة مدة البقاء في هذه الأسرة. وأضاف أنه في بعض الدول الإسلامية في جنوب شرق آسيا يقوم عدد من الأئمة بالمرور في القرى ويجمعون الفتيات اللواتي سيأتين للعمل في الخليج لحثهن على إقامة علاقة جنسية مع رب الأسرة لأنهن يعدن بمثابة "ما ملكت أيمانهم" حسب قوله.

وذكر الشعيبي أن من صور الانتقام المفزعة التي حفلت بها بعض محاضر الشرطة ما قامت به خادمة آسيوية من زرع دبابيس صغيرة في جمجمة طفل رضيع لغرض إسكاته. علاوة على العديد من القضايا التي تتعلق بصناعة الشاي والقهوة والعصائر من الزجاج المطحون أو من سم الفئران أو من البول لغرض الانتقام، وهو انتقام بشع بكل صوره.

موضحًا أن "إهمالنا أو تفريضنا في مراقبة ما يجري في مساكننا قد أدى إلى حدوث كوارث كثيرة منها كوارث أخلاقية عندما تقوم الخادمة القائمة على تربية طفل في عمر السابعة بمواعدته لغرض إثارته جنسيًا.. أو عندما تقوم الأسرة مثلاً بتسليم كل أمورها للسائق الذي حلّ محل رب الأسرة بشكل كامل في إنجاز المعاملات وإيصال الأبناء من وإلى مدارسهم، إضافة إلى لعب دور ولي الأمر في المدرسة والاعتداء جنسيًا كذلك على الأسرة بأكملها الأم والأب والأبناء والبنات، كما حدث في إحدى القضايا الخطيرة.

الحياة الاستهلاكية.. وثقافة المجتمع

وبيّن الشعيبي أن تأثير الحياة الاستهلاكية واللهاث المستمر وراء الأمور المادية، هما سبب عدم اهتمام الوالدين بأبنائهما، حيث أن الأم تكون مشغولة عادة في حفلات الميلاد وحفلات الأفراح والأب يلهث وراء المادة من خلال عمل رسمي في الصباح وعمل غير رسمي تجاري في المساء، ومن ثم ترك الأبناء وديعة لدى الخادمة لتتحول ثقافة الأبناء من ثقافة الأم إلى ثقافة الخادمة، وأصبحت لغة الأطفال هي لغة الخادمة.

وبالتالي أصبح الطفل أسير الخادمة من ناحية، وأسير ثقافة الصندوق السحري الموجود داخل الغرفة من ناحية أخرى (التلفزيون)، إضافة إلى اللغة الغريبة التي تتبادلها الخادمات في المنزل أو عبر حديثهن في الهاتف، الأمر الذي يحدث انفصاماً كبيراً في لغة وشخصية الطفل. والنتيجة أن الطفل يدخل مرحلة الروضة وهو يجيد عشرات الكلمات من اللغة الفلبينية أو الإندونيسية أو السيلانية وفي المقابل لا يجيد 10 كلمات من اللغة العربية.

وفي مثال واقعي آخر على تأثر الأطفال سلبًا بالخادمات، أشار الشعيبي إلى أن هناك طفلاً يبلغ من العمر 4 سنوات كان قد عانى من حالة اكتئاب شديدة صاحبها عدم قيامه بتناول أي مأكولات أو مشروبات، وعند محاولة علاجه اكتشف الطبيب أن خادمة الطفل قد سافرت إلى موطنها الأصلي من دون أي أمل في العودة وقد تعلق الطفل بالخادمة تعلقاً مصيرياً لأنها كانت تمثل له كل شيء في حياته وكانت تمثل الأم الحنون بالنسبة له بدلاً من أمه الحقيقية التي انشغلت عنه بدرجة كبيرة. وأضاف أنه حتى يشفى الطفل كان لزامًا على الوالد البحث عن الخادمة مرة أخرى وإعادتها لتكون ملازمة للطفل من جديد.

وبيّن الشعيبي أن الخادمة قد لا تبحث عن الراتب الشهري فقط إنما هي بحاجة أيضًا إلى استيعاب من قبل مخدوميها وأن تعامل كبشر وليس كماكينة أو آلة تعمل من دون توقف، كما لا يجب أن يشعرها الجميع دائمًا بأنها خادمة، لافتًا إلى أنه إذا تحقق ذلك ستشعر الخادمة بالولاء للأسرة التي تعيش في كنفها.

اجمالي القراءات 7703