محمد عبدالمنعم الصاوى يكتب :من حقك أن تختار دينك

في الخميس ١٢ - مايو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

من حقك أن تختار دينك

  بقلم   محمد عبدالمنعم الصاوى    12/ 5/ 2011

أعلم أن المتعجلين –وهم أغلبية بكل أسف- بدأوا السباب بالفعل. هذا هو الشأن العام فى مصر الآن.. المسلمون والمسيحيون بكل طوائف وأطياف وتيارات وكتل الجانبين تغلب عليهم سرعة الحكم على الأشياء والأشخاص وتوجيه الاتهامات واتخاذ المواقف.

حُسن الظن الذى ينشر المودة والرحمة بين الناس تراجع كثيرًا، وَحَلَّ محله التخوين والتكفير والتشكيك فى المواقف والتصريحات، بل النيات أيضًا. أمر يحيرنى دائمًا عندما أرى أحدًا يصدر الأحكام، ويصف الآخرين اتباعًا للظن، وهو خطأ شائع، لأن الظن –كما ورد نصاً فى القرآن- لا يُغنى من الحق شيئًا، ذلك لأن الظن قد يصل بك إلى نسبة التسعة والتسعين بالمائة من الشك أو اليقين، فى حين أن الحق لا يصبح حقاً إلا إذا بلغ الدرجة النهائية.

أستأذنكم فى تأجيل سَبِّى، أو أخذ المواقف منى حتى تقرأوا ما أطرحه اليوم كاملاً لعلكم تغيرون موقفكم، أو ترون فيما أدعو إليه خيرًا أو نفعًا ما.

أعود إلى موضوع حرية اختيار الدين الذى نعبر عنه فى مصر بالخروج من الملة أو الدين. فعل مشين فى نظر الكثيرين، وهو أمر يُعَرّض صاحبه لمخاطر جسيمة وعواقب وخيمة قد تصل به إلى التعرض للقتل.

شاع فى ثقافة الكثير من المسلمين ما يسمى بحد الردة، وهو حد يهدر دم تارك الإسلام. أعلم أن الكثيرين ستفاجئهم معرفة أن هذا غير صحيح بشهادة علماء دين مشهود لهم بالدقة والتعمق فى فهم الدين وتعاليمه. يقولون بأسانيد عدة إن المسلمين لا يحاربون أو يقتلون من يترك الإسلام، وإنما يقاتلون من يؤذى المسلمين، سواء كان مسلمًا أم غير مسلم بغض النظر عن تاريخه العقائدى.

وحتى لا أطيل عليكم فى هذا التوضيح، أو أحيل الأمر إلى اجتهادات علماء الدين، فإنى أستأذنكم فى تقديم دليل آخر على أنى لم آتِ بجديد، على الرغم من أن ما أسوقه اليوم يتهرب الكثيرون من مجرد الاقتراب منه.

مواثيق الأمم المتحدة، ومن أهمها حقوق الإنسان، تنص فى مقدمتها وفى عدة مواضع منها على حرية العقيدة، أول هذه الصياغات هى المادة رقم 18 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان التى تنص حرفياً على الآتى:

«لكل شخص الحق فى حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سرا أم مع الجماعة».

الطريف أن مصر موقعة على هذا الإعلان وعلى الالتزام به كشرط أساسى لعضويتها فى الأمم المتحدة. وقبل أن ينطلق المتعجلون فى إلصاق التهم وفتح أبواب الريبة والبحث عن الأسرار الخفية، أقول إن عدد الدول الموقعة على هذا الإعلان يبلغ مائة واثنتين وتسعين دولة، منها بلاشك السعودية التى تحتضن أرض الحجاز الطاهرة، وكل الدول الإسلامية والمسيحية التى تتبع أغلبياتها ديانات أخرى، أو تلك التى يُؤْثِر معظم مواطنيها الابتعاد عن الفطرة وعبادة الله الواحد.

التوقيع على إعلان حقوق الإنسان يعنى الموافقة على هذه المادة التى أجد فيها الحل القاطع لكل مشكلاتنا الطائفية.

ماذا ينقصنا؟ لا ينقصنا الآن إلا أن يتفضل رجال الدين الأجلاء فى بلادنا بالتصريح رسمياً وبشكل جماعىّ بأن حرية العقيدة مكفولة للجميع، وأن المسلمين والمسيحيين لن يطاردوا من يخرج عن دينه إلى أى عقيدة أخرى.

قد يكون إسهامى الوحيد فى هذا السياق هو قصر حق التحول من دين إلى آخر على من بلغ السن القانونية للاستقلال الكامل، وهى سن واحد وعشرين عامًا، كما أرى أن يلتزم كل من يود تغيير ديانته بإعلان ذلك وتسجيله فى تحقيق الشخصية بما يحمله كل التبعات التى تترتب عليه فى محيط الأسرة أو أى التزامات أخرى تجاه الغير.

لو حدث هذا.. لن ينجح ألف «فل» من فلول النظام الكارهين لمصر ومن عليها، لن ينجحوا فى بث الفتنة وإشعال الحرائق، وسيسود السلام الذى تهدف إليه كل الأديان السماوية التى أنعم الله بها على عباده.

غفر الله لى إن كنتُ مخطئًا، وأثابنى بفضله إن كنت على صواب، فهو السميع العليم، الرحمن الرحيم.

اجمالي القراءات 6977