الدوحة عميل مزدوج في الحرب على الإرهاب
-
يجتمع التحالف الدولي الأربعاء المقبل بكامل أعضائه الـ72 في واشنطن للبحث في كيفية تسريع جهود التحالف لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في المناطق المتبقية تحت سيطرته بالعراق وسوريا ومضاعفة الضغوط العالمية على فروعه وأتباعه وشبكاته؛ وسيكون هناك أيضا طرح ستتقدم به الدول المقاطعة لقطر قصد مراجعة مشاركة الدوحة في التحالف الدولي على ضوء براهين وأدلة تكشف تورطها في دعم المتشددين.
قطر تدعم الإرهاب وتحتمي بقاعدة العديد
القاهرة - في الوقت الذي تبشر فيه قوات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية بقرب حسم المعارك العسكرية لصالحها ضد هذا التنظيم، في العراق وسوريا أساسا، تتصاعد الأسئلة حول هذا “الانتصار” وأهميته فيما لم يتم التعامل بعدُ مع مسببات ظهور هذا التنظيم، بل واعتبار بعض الدول الراعية للمتشددين حليفة في الحرب ضدّ الإرهاب.
تطرح هذه الأسئلة لتشكل الحديث الأبرز لاجتماعات التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، التي تعقد في واشنطن في الفترة من 11 إلى 13 يوليو، وتشارك فيها مصر بملف رئيسي ستكون نقاطه الأساسية رفض بقاء قطر في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، ضمن سياق شامل يهدف إلى تصويب فكرة الحرب على الإرهاب وإعادة هيكلة ومنهجة التحالف بالشكل الذي يجعله قادرا على تحقيق أهدافه، ولا يقتصر فقط على الضربات العسكرية الموجهة ضد تنظيم داعش، بل أيضا الجهات التي تغذي الإرهاب وأذرعه.
وكانت وزارة الخارجية المصرية قد أصدرت بيانا هاجم استمرار عضوية قطر في التحالف.
وقال المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد أبوزيد إن الوفد المصري في اجتماعات واشنطن يعتزم أن يطرح الرؤية المصرية الشاملة في محاربة الإرهاب بكل وضوح، ودون أي مواربة، كما سيقدم المزيد من الأدلة التي تبرهن على دعم دول بعينها للتنظيمات الإرهابية وضرورة بلورة موقف حازم تجاهها، والتوقف عن سياسة المهادنة أو إنكار الواقع.
ويتوقع عدد من الخبراء أن تشمل الأدلة الموثقة التي ستقدمها مصر خلال الاجتماع ما ارتكبه الإخوان المسلمون طوال السنوات الماضية من تفجيرات واغتيالات لسياسيين وقضاة ورجال جيش وشرطة واعتداء وتخريب لمرافق الدولة، وهي مخططات نُفذت بتمويل وتنسيق مع قيادات الجماعة المقيمين بقطر وتركيا.
وألمح خالد عكاشة، الخبير في الإرهاب الدولي، إلى أهمية تلك الوثائق والأدلة للخروج من مرحلة التراشق الإعلامي والاتهامات المرسلة حيث سهل على قطر سابقا الطعن فيها، والدخول في مرحلة التوثيق الذي يستدعي إجراءات قانونية وتحركات بمظلة دولية.
وشدد في تصريحات لـ”العرب” على أهمية استغلال التحالف الدولي من قبل دول المقاطعة العربية لقطر (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) لتحميل المجتمع الدولي مسؤولياته تجاه الدول الداعمة للإرهاب، فلا يكفي طردها من التحالف، إنما محاكمة المتورطين في الجرائم كذلك.
النهج الذي ستطرحه دول المقاطعة خلال اجتماع التحالف يتأسس على ضرورة تصويب مسار الحرب ضد الإرهاب
يتأسس النهج العربي الذي ستطرحه دول المقاطعة على ضرورة تقويم وتصويب مسار الحرب ضد الإرهاب، وتشمل الإرهاب السني والشيعي معا، والتدخل والدعم التركي والقطري والإيراني، ومواجهة تمدد إيران من جهة وتمدد الدول الداعمة لجماعة الإخوان، وأن لا تقتصر المواجهة على بلد دون الآخر، فأينما وجد إرهاب يجب أن تكون هناك مواجهة.
وتسعى مصر ودول الخليج التي اعتمدت على نفسها في مواجهة الإرهاب، مع المتغيرات في المشهد الدولي والإقليمي وتلك التي طرأت على الاستراتيجية الأميركية، إلى تحقيق نقلة نوعية في الحرب ضد الإرهاب بدفع المجتمع الدولي لتبني رؤية شاملة.
وكشف خبراء عن ملامح وأهداف التحركات التي تقودها الدول العربية الأربع في المرحلة المقبلة لضمان العودة لامتلاك زمام المبادرة في الحرب على الإرهاب، والحيلولة دون احتكار دول غير عربية -بدعم من قطر- الهيمنة والتأثير على ساحة المنطقة، وتوسيع المجال أمام شراكة دولية من شأنها تقوية تكتل دول الاعتدال العربي.
استمرار عدم الجدية
تأسس التحالف الدولي سنة 2014. وانضمت إليه عشر دول عربية، هي السعودية والبحرين والإمارات والكويت وعمان وقطر ومصر والعراق والأردن ولبنان.
وشاركت تركيا في الاجتماع الأول له في جدة دون أن توقع على الإعلان النهائي كما لم توافق حينئذ على استخدام قواعدها لضرب تنظيم الدولة الإسلامية، بينما تم استبعاد روسيا وإيران منه.
ونظرا إلى أن جميع الأطراف المشاركة في التحالف كانت تستهدف بالأساس تغيير التوازنات لصالحها هي أكثر من سعيها إلى محاربة تنظيم الدولة الإسلامية -كما أعلن- فإن داعش نجح في التمدد بالعراق واحتل الموصل كما دعم انتشاره في سوريا.
وبدأ يتضح أن عدم جدية التحالف في محاربة داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية يعود إلى مصالح العديد من أعضائه المرتبطة بالتمدد الأيديولوجي والمذهبي والمؤسسة على أبعاد قومية متآلفة مع تيار الإسلام السياسي ضمن مشروع استهدف مدّ النفوذ بالمنطقة العربية.
وظلت الرؤية الأميركية طوال عهد إدارة باراك أوباما متناقضة مع الرؤية المصرية، فالولايات المتحدة حرصت فقط على إبعاد خطر الإرهاب عنها وعن المجتمعات الغربية، بالتالي فتحت قنوات الاتصال مع الإسلام السياسي ظنا بأن هناك جماعات معتدلة قادرة على احتواء التطرف.
مصر عانت من إرهاب جماعة الإخوان وفروعها
وكان واضحا أن هذا التحالف قصر أهدافه على مقاومة تنظيم داعش فقط وليس عموم الإرهاب بمختلف صوره ومكوناته وتنظيماته ومموليه، من إخوان وقاعدة ومختلف ألوان الطيف المتشدد الذي يجنح نحو العمل السري والسلوكيات العنيفة.
وكشف الرفض الأميركي لدعوة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لاستصدار قرار من مجلس الأمن بتشكيل تحالف دولي للتدخل في ليبيا والتحفظ على إنشاء قوة عربية مشتركة لدرء الإرهاب أن سياسة واشنطن آنذاك تحصر محاربة الإرهاب في مناطق دون أخرى وتركز على تنظيمات دون سواها. ونجحت تركيا وقطر في عرقلة الجهود العربية لمعالجة الأزمة الليبية عبر محاربة ناجحة لداعش والتنظيمات الإرهابية عقب استيلائها على عدد من المدن، بالتحالف والشراكة العسكرية الشاملة مع جماعة الإخوان والتنظيمات التكفيرية المنتشرة بليبيا.
وتكشف التقارير أن التفجيرات التي نفذت في ليبيا خلال السنوات الماضية تمت بتنسيق قطري تركي مع بعض الجماعات المتشددة هناك لإعاقة المسار الإقليمي الدولي لتقويض الإرهاب والتقليل من نفوذه وسيطرته على الأرض، علاوة على الدعم السياسي الذي قدمته الدولتان إلى الحكومة التي تسيطر على طرابلس والمرتبطة بجماعات متطرفة وميليشيات مسلحة.
أوهام واشنطن
توهمت واشنطن، والبعض من العواصم الغربية، أن جماعة الإخوان من الممكن أن تلعب دورا في الملفات الإقليمية.
وأغفلت واشنطن أن تلك التنظيمات عبارة عن مشاريع معادية للديمقراطية والتعددية وأن جماعة الإخوان المسلمين بمثابة الأصل لمختلف جماعات التكفير والإرهاب تنظيما وفكرا.
لذلك مثّل اقتصار نشاط التحالف على العراق فقط عامل ضعف استراتيجيا استغله تنظيم داعش جيدا عندما عوض خسائره في العراق بالتمدد في بلاد أخرى أهمها مصر وليبيا وسوريا، وكذلك تمكن من نقل معركته إلى ميادين أخرى حتى وصل إلى قلب أوروبا.
وخشيت بعض الدول بالتحالف من توسيع مفهوم الإرهاب ورقعة مواجهته على طول خارطة توزيع منظماته لأسباب مختلفة، ووجدت أن هذا التوسع يضر بمصالحها، وتم التغاضي عن ممارسات دول ثرية معروفة وداعمة للإرهاب وتنظيماته، واقتصر منهج العمل على تحقيق مكاسب ونقاط محددة ظرفية وليس انتصارا ساحقا على الإرهاب، وظل تعامل الدول في التحالف في إطار مصالحها الاستراتيجية الخاصة وليس من منطلق تحقيق مصالح مشتركة.
ورأى خبراء أمن أن السبب الرئيسي في تعثر التحالف الدولي ضد داعش يكمن في تداخل ملف محاربة الإرهاب مع ملفات أخرى، منها المفاوضات التي اعتبرتها واشنطن في حينها استراتيجية بشأن برنامج إيران النووي، ولهذا لم يحدث تغيير يذكر في موازين القوى على الأرض، ولم يتأثر موقف داعش ووضعيته القتالية إلا مع تغير تلك المعادلات مؤخرا.
ووظف البعض الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية لإنعاش الحالة الميليشياوية، ولم تشمل أهداف التحالف الدولي أعدادا كبيرة من ميليشيات شيعية عابرة للدول وغير معترفة بالحدود السياسية، وظل عمل التحالف لثلاث سنوات كمن يحرث في البحر، حيث لم ينطلق من رؤية مؤسسة على النظر في الواقع الطائفي السياسي للإرهاب كدافع وجودي لتناميه وتمدده.
دفع هذا الانحراف في نهج التحالف ضد الإرهاب في المنطقة العربية والعالم، الذي انطوى في مرحلة سابقة على انتهازية وقصر نظر بشأن الكثير من الإشكاليات، الدول العربية للإمساك بمصيرها عبر توحيد صفوفها وجهودها في سياق تحالفات أخرى لتثبيت مواقفها نحو أهداف واضحة ومحددة.
وبدأ هذا التحرك العربي في يونيو عام 2013، وتبلور في عام 2015، ثم جذب إليه العديد ممن راجعوا أخطاءهم وتصوراتهم المحدودة بشأن الحرب ضد الإرهاب في عام 2017 مع انطلاق قمة الرياض، وبالتالي إعلان الموقف من إيران وقطر.