المتابع لأحوال الاقتصاد المصري حالياً سوف يصاب حتما بالدهشة - ولا نقول بالصدمة - من هذا الكم الكبير من المحتكرين الذين تربعوا في السوق وحصدوا من وراء ذلك ثروات طائلة. بعد بدء عمليات الخصخصة في بداية التسعينيات بدأت الاحتكارات الخاصة تظهر علي إستحياء ثم بدأت تبرز في النصف الثاني من التسعينيات وأخيراً تبلورت بالكامل مع بداية الألفية الجديدة.. في البداية تركز هؤلاء المحتكرون في جمعيات رجال الأعمال التي بدأت من القاهرة ثم تفرعت وانتشرت في باقي المحافظات وخصوصاً محافظات بورسعيد والإسكندرية والجيزة. ثم بدأوا يقفزون علي مقاعد رئاسة جمعيات المستثمرين في المدن الصناعية الجديدة. إلا أن أكبر المحتكرين تركزوا بالتحديد في جمعية رجال الأعمال المصريين التي أسسها ورأسها لفترة طويلة سعيد الطويل وفي الغرفة التجارية الأمريكية بالقاهرة التي ضمت عدداً كبيراً من حيتان توكيلات الشركات الأمريكية والأجنبية في مصر. بعد ذلك تكون في 1994 ما يسمي بمجلس الأعمال الرئاسي المصري الأمريكي الذي ضم عشرة رجال أعمال من الجانب المصري وكان أغلبهم من كبار المحتكرين في الاقتصاد المصري. إلا أن القفزة الكبري في عالم الإحتكارات جاءت مع ظهور جمال مبارك وبروزه علي الساحة السياسية من خلال ما يسمي بالمجلس الأعلي للسياسات أو المعروف علي النطاق الإعلامي باسم أمانة السياسات. ويكفي إلقاء نظرة علي رجال الأعمال الملتفين حول جمال مبارك في أمانة السياسات لكي ندرك أنهم أكبر المحتكرين الآن للسوق المصرية من حديد إلي سيراميك ومن بيزنس مع إسرائيل إلي سمسرة في الأوراق المالية ومن تصنيع وتجارة الأسمدة إلي التلاعب بالأسمنت وغير ذلك من الأنشطة التي لم نستطع حصرها من توكيلات للسيارات وإنتاج الدواء إلي احتكار المقاولات ونشاط العقارات. باختصار يمكن القول إن أمانة سياسات جمال مبارك تحولت إلي «وليمة لمحتكري مصر». وقد قررنا اختيار أهم عشرة محتكرين من هذه الوليمة الدسمة ولكن يلاحظ أن بعض هؤلاء المحتكرين من خارج أمانة سياسات جمال مبارك وان كانوا مرتبطين بالحزب الوطني بصورة أو بأخري. وقد وضعنا في اعتبارنا عند اختيار هؤلاء المحتكرين القدرة التي تمكنوا بها من إختراق العمل السياسي سواء من خلال دخول مجلس الشعب أو الشوري واحتلالهم - الذي وصل لحد الاحتكار - لبعض المناصب المؤثرة في هذين المجلسين.
كما وضعنا في اعتبارنا اقتراب بعض من الشخصيات المؤثرة داخل الحزب الوطني ولا يوجد من هو أبرز من حسين سالم في هذا الصدد فالرجل كما هو معروف - وكما اعترف بنفسه - يعرف الرئيس مبارك منذ أكثر من 28 عاماً ولذلك استحق أن يكون أول المحتكرين علي قائمة المحتكرين العشرة الذين اخترناهم. والغريب أن مجلس الشوري بدأ هذا الأسبوع مناقشة تعديلات قانون الاحتكار ولايبدو في الأفق أن هذه التعديلات سوف تطول أيا من المحتكرين في الحزب الوطني.
يحتكر حسين سالم واحداً من أكثر الأنشطة الحساسة في هذا البلد وهو بيزنس نشاط البترول والغاز مع إسرائيل. فبعد توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1978 كان من أهم بنودها ضرورة التطبيع بين البلدين وإعطاء إسرائيل أولوية في صادرات البترول المصري. في البداية لم يكن هناك قطاع خاص مصري يمكنه القيام بمثل هذا النشاط مع إسرائيل ولكن البيزنس بين حسين سالم والإسرائيليين في مجال البترول والغاز الطبيعي لم يبدأ إلا مع ظهور فكرة السوق الشرق أوسطية التي أطلقها شيمون بيريز رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت وأصبح الآن رئيساً لإسرائيل. وفي منتصف التسعينيات تعرف حسين سالم علي «جوزيف ميمان» وهو رجل أعمال إسرائيلي من جذور أمريكية لاتينية وبدأت الشراكة بينهما بعد أن أدرك «ميمان» مدي تأثير ونفوذ حسين سالم الذي كان ينتمي في السابق لمؤسسة المخابرات ثم أصبح قريباً من الرئيس مبارك. في 1997 دخل حسين سالم مجال البيزنس المشترك مع «جوزيف ميمان» من خلال مشروع شركة الشرق الأوسط لتكرير البترول «ميدور» ولنلاحظ أن أغلب البيزنس الذي يقوم به حسين سالم مع الإسرائيليين توجد به كلمة الشرق الأوسط أو الشرق فقط تأكيداً علي فكرة السوق الشرق أوسطية التي نادي بها شيمون بيريز. وقد دخل «جوزيف ميمان» مع حسين سالم من خلال شركة «برهاف» الإسرائيلية وقد تكلف مشروع «ميدور» ما لا يقل عن 5.3 مليار دولار وتحتكر شركة «ميدور» تقريباً معامل تكرير في البترول وتنتج البنزين أوكتين 92 و95 وقد قامت الشركة أيضاً بإنشاء خط أنابيب سوميد أو السويس البحر المتوسط» ويتم تصدير البترول المكرر من معامل ميدور إلي إسرائيل وإلي بلاد أخري شرق أوسطية وخليجية مثل قطر. إلا أن أكبر بيزنس شارك فيه حسين سالم مع الإسرائيليين هو تصدير الغاز الطبيعي المصري وهو المحتكر الوحيد لهذا البيزنس في مصر بعد أن حصل علي امتياز بذلك من الهيئة العامة للبترول من خلال شركة غاز شرق المتوسط التي يمتلك فيها حسين سالم 65% وامتلك جوزيف ميمان 25% من خلال شركتين: «ميرهاف» و«آمبال - أمريكان - إسرائيل كوربوريشان». وقد بدأت شركة حسين سالم تصدير الغاز الطبيعي لإسرائيل في أول مايو الماضي إلا أن المفاجأة الكبري أن حسين سالم قام ببيع جزء كبير من أسهمه التي تبلغ 65% أو ربما باع كل الأسهم التي يمتلكها. ويعترف حسين سالم ببيع أسهمه في حديث مع جريدة «العالم اليوم» بتاريخ 17/9/2007 حيث يقول «هل هو عيب أن أبيع أسهم»، أنا حر أبيع وقتما أريد ولم أجامل أحداً ولم يجاملني أحد في هذه الشراكة.. ثم يقول «خلاص أنا قمت بتنفيذ الشركة فلماذا أستمر بها». ولعل لهذا السبب أطلق النائب طلعت السادات علي حسين سالم وصف الجوكر الذي يخطف الخطفة ثم يختفي بعد ذلك.
وإذا كانت خلفية حسين سالم المخابراتية وصداقته بالرئيس مبارك تقف علي ما يبدو وراء احتكار بيزنس البترول والغاز الطبيعي مع إسرائيل فإن صداقة ملياردير الحديد أحمد عز بنجل الرئيس جمال مبارك قد ساعدته علي ما وصل إليه الآن من احتكار لصناعة الحديد «وخصوصاً خام البلليت» علاوة علي احتكار منصب رئيس لجنة الخطة والموازنة ويبدو أنه سيحتكر أيضاً منصب أمين تنظيم الحزب الوطني. وإذا كان احتكار حسين سالم لبيزنس البترول والغاز الطبيعي مع إسرائيل بنسبة 100% فإن احتكار أحمد عز لسوق الحديد يصل إلي حوالي 65%. وإذا كان الجوكر «حسين سالم - علي حد قول طلعت السادات - هو تأسيس الشركات ثم بيع أسهمها بعد ذلك بأضعاف مضاعفة فإن أسلوب أحمد عز في الاحتكار يختلف فهو يخطف الخطفة ولا يتركها أبداً. وقد فهم «عز» مبكراً جداً أن احتكاره لسوق الحديد من المستحيل أن يدوم بدون الاعتماد علي ظهير سياسي في السلطة وعلي أعلي المستويات ولذلك عندما جاء جمال مبارك نجح أحمد عز في الإحاطة به أو أحاط الاثنان ببعضهما البعض ومن بعدها قطع عز مشوار الاحتكار بكل ثبات. في 1996 تعرف أحمد عز علي جمال مبارك من خلال مؤتمرات الشرق أوسطية أو مؤتمرات مينا «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» فإذا كانت السوق الشرق أوسطية قد فتحت مغارة علي بابا أمام حسين سالم فإن مؤتمرات «مينا» كانت وش السعد ومجال التعارف بين عز وجمال مبارك رغم أن هناك من يقول إن الاثنين يعرفان بعضهما البعض من أيام الدراسة. وبسرعة أصبح أحمد عز عضواً في مجلس إدارة جمعية المستقبل التي أسسها جمال مبارك وكان في نفس الوقت رئيس جمعية مستثمري مدينة السادات وفي فبراير 2000 دخل هو وجمال مبارك أمانة الحزب الوطني وبعدها بشهر واحد نجح في الاستحواذ علي شركة الإسكندرية للحديد والصلب «الدخيلة» ويحتكر من بعدها خام البلليت ويصبح محتكراً تقريباً لـ 65% من سوق الحديد المسلح. وبعد أن ساعدته صداقته بجمال مبارك من الاستحواذ علي الدخيلة والاقتراض من البنوك جاء الدور علي دخول مجلس الشعب وهو ما تحقق في نوفمبر 2000 حيث أصبح نائباً لدائرة منوف التي تقع فيها مصانعه ومن بعدها يصبح رئيساً للجنة الخطة والموازنة ومحتكراً لها. وتصوروا الآن محتكر الحديد هو الذي يحتكر المشاركة في القرارات المالية التي تمس الشعب المصري من ضرائب وأجور ودعم وأسعار. أصبح أحمد عز بسبب صداقته لجمال مبارك هو المحتكر تقريباً لاختيار مرشحي الحزب للانتخابات ومحتكراً لتقييم أداء النواب تحت قبة مجلس الشعب ومحتكرا لآرائهم تحت القبة من خلال أساليب الترغيب التي برع فيها وبدلاً من أساليب الترهيب التي كان يتبعها كمال الشاذلي. هناك من يقول - وهو علي حق في ذلك - أن أحمد عز اصبح محتكراً لمسار المناقشات في مجلس الشعب خصوصاً في السيناريوهات الخاصة بالقرارات الكبري مثل قرار رفع الأسعار الذي تم يوم الاثنين 5 مايو الماضي وقرار تمرير التعديلات الدستورية العام الماضي وقرار تمرير المد لحالة الطوارئ منذ عامين. ويستعد أحمد عز الآن لسيناريو إخراج قانون الإرهاب الجديد أو مد جديد لحالة الطوارئ. نحن أمام نموذج جديد الآن لاحتكار البيزنس والسياسة معاً. محتكر الحديد الرئيسي في البلد هو الذي يحتكر رئاسة لجنة الخطة والموازنة في البرلمان وهو الذي يحتكر القرار تحت قبة مجلس الشعب. وإذا كانت ثروة حسين سالم تقدر بحوالي من 3 إلي 5 مليارات دولار، أي حوالي 30 مليار جنيه فإن ثروة أحمد عز تصل إلي حوالي 20 مليار جنيه.
جلال الزوربا ليس عضواً في مجلس الشعب أو مجلس الشوري ولكنه عضو أمانة السياسات التي يرأسها جمال مبارك ويحتكر جلال الزوربا من خلال شركة «النيل للملابس» نشاط تصدير المنسوجات للولايات المتحدة من خلال اتفاق الكويز الموقع بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة. واتفاق الكويز لمن لا يعرف تم توقيعه في ديسمبر 2005 وبموجبه أصبحت المنسوجات المصرية تدخل الولايات المتحدة بدون جمارك بشرط أن تشمل 7،11% من مكوناتها من غلات إسرائيلية، وقد قلت الآن لحوالي 5،10% فقط في أكتوبر 2007، ويعتبر جلال الزوربا هو قوة الدفع الرئيسية وراء هذا الاتفاق، حيث حذر من خلال موقعه في اتحاد الصناعات من خطورة انهيار صناعة النسيج والملابس الجاهزة المصرية وانهيار صادراتها ما لم يتم توقيع الأردن اتفاق تجارة حرة معها قد زاد من صادراته من المنسوجات للسوق الأمريكية بأعداد فلكية تجاوزت الـ 2 مليار دولار في العام. وهكذا ضغط «الزوربا» من أجل اتفاق التجارة الحرة مع أمريكا وعندما فشلت جهوده قام بحشد الجهود وراء توقيع اتفاق «الكويز» وهو أضعف الإيمان. ولتحقيق هذا الهدف قام بعدة زيارات سرية لإسرائيل مع عدد من رجال الأعمال المصريين المستفيدين من هذه الاتفاقية إما أن تم توقيعها بالفعل ورغم أن الزوربا قد لا يكون هو المحتكر بدرجة 100% لصادرات القطاع الخاص من المنسوجات والملابس من خلال الكويز حيث يشاركه آخرون مثل «علاء عرفة» ولكن «الزوربا» يحتكر ما لا يقل عن 70% من صادرات القطاع الخاص من المنسوجات والملابس الجاهزة من خلال الكويز ويحدث ذلك من خلال ثلاث شركات هي: المصرية العالمية للتجارة والنيل للملابس و90% من إنتاج هذه الشركة يصدر لأمريكا من خلال اتفاق الكويز وشركة «مصر للملابس» وإنتاجها كله بالكامل يصدر من خلال الكويز ولا يتوجه إنتاجها للسوق المحلية ولها مصنعان أولهما بالبدرشين في الجيزة والآخر في حلوان. وقد قام وزير الصناعة رشيد محمد رشيد بتعيين جلال الزوربا رئيساً لاتحاد الصناعات في شهر سبتمبر 2007 وحتي 2010.
بعكس المحتكرين السابقين لم يدخل صلاح دياب صاحب شركة «بيكو» الحزب الوطني ولم ينضم بالتالي إلي أمانة سياسات جمال مبارك. ولكن هذا لا يعني أن هذا المحتكر يقف علي أرض رخوة بدون نفوذ أو تأثير. ويتمثل نفوذ صلاح دياب في أن عائلته هي المهيمنة تقريباً والمحتكرة بدرجة 70% لتوكيلات الشركات الأمريكية في مصر. وحسب دليل «الأنشطة التجارية الأمريكية في مصر» والصادر عن السفارة الأمريكية في القاهرة فإن عائلة دياب تستحوذ علي 43 توكيلاً لشركة أمريكية وهو أكبر عدد من التوكيلات تستحوذ عليه عائلة بيزنس في مصر. ولا يتمثل هذا الاحتكار والاستحواذ علي التوكيلات الأمريكية في الحكم فقط ولكن في الكيف أيضاً، حيث تتنوع بتوكيلات الأمريكية التي «تلعب» فيها عائلة دياب ما بين توكيلات لشركات بترول مثل «هاليبرتون»، التي كان يرأسها في وقت ما نائب الرئيس الأمريكي «ديك تشيني» وهي نفسها الشركة صاحبة الفضائح والعمولات المالية في توريد البترول للجيش الأمريكي المحتل في الطرق.. وحتي توكيلات لمعدات البناء ومضخات المياه والصرف الصحي ومعدات أجهزة الغطس وحفر آبار البترول وقطع غيار الطائرات.. إلخ. وتعتبر عائلة دياب من أكبر العائلات النشطة في الغرفة التجارية الأمريكية وهو الأمر الذي مكنها من الاستحواذ علي كل هذا الكم من التوكيلات للشركات الأمريكية. ويعتبر كامل دياب هو عميد العائلة وهو متخصص أساساً في الاقتصاد الزراعي مما دعاه لتأسيس شركة بيكو وهي بالإنجليزية Pico وتمثل اختصاراً لاسم «شركة المشاريع واستشارات الاستثمارات» وتعود جذور عائلة دياب إلي مركز أبو حمص بمحافظة البحيرة ولذلك كان النشاط الأساسي والجوهري للشركة هو النشاط الزراعي، ولكن امتد ذلك فيما بعد إلي التوكيلات الأمريكية حتي أصبحت هي اللاعب الرئيسي في هذا المجال. صحيح هناك شركات أخري تنافسها في التوكيلات الأمريكية مثل «آل ساويرس» و«آل منصور» التي ينتمي لها محمد منصور وزير النقل.
ويدير احتكارات بيكو صلاح وعلاء دياب. صلاح هو آخو كامل دياب وعلاء هو ابن كامل دياب ويشارك معهما في الإدارة كامل ابن علاء دياب وكامل آخر ولكن ابن صلاح دياب. ويضم النشاط الزراعي لشركة «بيكو» دياب جانباً آخر من احتكارات المجموعة، حيث تعتبر هذه الشركة محتكرة تقريباً لنشاط البيزنس الزراعي مع إسرائيل حيث تستورد من هناك أدوات الري الإسرائيلية علاوة علي بذر وتقاوي الموز والتفاح والبطيخ وأشهر ما استوردته من إسرائيل التفاح الويليامز. ويتولي علاء دياب إدارة النشاط الزراعي بما في ذلك احتكار التطبيع الزراعي مع إسرائيل علاوة علي ذلك يتولي علاء دياب نشاطاً احتكارياً آخر لنفس المجموعة وهو استيراد الذهب. أي باختصار نحن أمام أكبر مجموعة شركات في مصر تمارس أكثر من نشاط احتكاري: احتكار توكيلات الشركات الأمريكية خصوصاً شركات معدات البترول واحتكار البيزنس الزراعي مع إسرائيل واحتكار استيراد الذهب. وقد دخلت مجموعة «دياب - بيكو» في أنشطة أخري مثل السياحة والإعلام ومؤخراً قاموا بتمويل صحيفة «المصري اليوم» التي ينتقدها البعض ويسميها بـ «الأمريكاني اليوم» نظراً لثروة مؤسسها صلاح دياب والتي تحققت بصورة رئيسية من احتكار التوكيلات الأمريكية.
مرة أخري نعود لأمانة سياسات جمال مبارك بحثاً عن المحتكرين ونكتشف هذه المرة «شريف الجبلي» الذي ينتمي لعائلة كبري من عائلات البيزنس المصرية وهي عائلة «الجبلي» العريقة التي تقف علي قدم وساق مع عائلات «دياب» و«ساويرس» و«طلعت مصطفي» وخلافه.. وتنتمي هذه العائلة لمحافظة الدقهلية وعميدها مصطفي الجبلي آخر وزير زراعة قبل يوسف غالي. ويعتبر شريف الجبلي هو إمبراطور القطاع الخاص في سوق الأسمدة حيث تستحوذ مجموعة شركاته «بولي سيرف» علي حوالي 65% من سوق تصدير واستيراد وتصنيع الأسمدة ويبلغ حجم هذه التجارة في العام حوالي 5،2 مليار جنيه. وهذه الهيمنة من شركات شريف الجبلي جعلته رئيس جمعية تجار وموزعي الأسمدة. ورغم أن بداية شريف الجبلي لم تكن في الزراعة وإنما الإلكترونيات إلا أنه عاد لجذور عائلته في المجال الزراعي «والدته استاذة بزراعة القاهرة» فاختار نشاط الأسمدة وما يسمي بالزراعة الحيوية. وكان شريف الجبلي أكبر المقتحمين لسوق الأسمدة منذ حوالي عام 1988 وذلك بعد أن سمحت سياسة يوسف والي بتحرير القطاع الزراعي وتفكيك احتكار البنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي لتجارة الأسمدة وكانت النتيجة أن تحول احتكار الأسمدة من يد بنك التنمية إلي يد حفنة من تجار الأسمدة يتقدمهم شريف الجبلي. وساعد علي انتشار هذا الاحتكار المربح انتشار عمليات استصلاح الأراضي خصوصاً في مشاريع العوينات حيث يمارس الجبلي أيضاً نشاط استصلاح الأراضي.
وقد جاءت قرارات أمين أباظة وزير الزراعة الأخيرة بتمرير أسعار الأسمدة لصالح محتكري نشاط الأسمدة من القطاع الخاص وعلي رأسهم مجموعة شركات شريف الجبلي. وفي نفس الوقت يرأس «الجبلي» مجلس الأعمال المصري الكوري.
مرة أخري مضطرون أن نترك أمانة السياسة ونتخلي عن المحتكرين المنتشرين فيها والمحتكر هذه المرة ينتمي لـ «آل ساويرس» التي فرضت نفسها علي البيزنس في مصر وما وراء مصر في الـ 15 عاماً الماضية. في شهر يناير الماضي قرر النائب العام تحويل عدد من المسئولين القائمين علي تجارة وصناعة الأسمنت في مصر إلي المحاكمة الجنائية وقد جاء من بين أسماء هؤلاء «ناصف أنسي ساويرس» العضو المنتدب للشركة المصرية للأسمنت. وكانت الاتهامات التي وجهها النائب العام د. ناصف ساويرس وآخرون هي احتكار سوق الأسمنت والتلاعب به. ورغم أنه لا يمكن بالضبط تحديد ما هي النسبة التي تستحوذ عليها شركة «ناصف ساويرس» من سوق الأسمنت المصرية إلا أن الحقيقة تبقي أن هذه الشركة هي الشركة الوحيدة «قطاع عائلي خاص» من بين الشركات المحتكرة التي حولها النائب العام للمحاكمة الجنائية. وتعتبر شركة ناصف ساويرس من أوائل الشركات العائلية الخاصة التي تقتحم سوق صناعة الأسمنت وكان ذلك منذ نحو 8 سنوات وذلك من خلال شركة «اوراسكوم للإنشاءات» وكان ذلك بعد نظر كبيراً من «آل ساويرس» حيث إن هذه الصناعة تكالب عليها المستثمرون بعد ذلك لربحيتها العالية.
وهنا من يقول إن شركة ناصيف ساويرس تسيطر علي حوالي 12% من سوق الأسمنت المحلية ورغم أن هذه النسبة لا تشكل نسبة احتكارية إلا أنها تشمل أكبر نسبة تحصل عليها شركة قطاع خاص عائلية. ولعل لهذا السبب هو الذي جعل شركة.. لا خارج «الفرنسية تستحوذ علي نشاط الأسمنت بالكامل في شركة «أوراسكوم للإنشاءات» والتي يديرها ناصف ساويرس مقابل 9،12 مليار دولار مرة واحدة علاوة علي 2 مليار دولار أخري هي قيمة ديون تتحملها الشركة الفرنسية عن أوراسكوم.
عندما تم تعيين محمد منصور وزيراً للنقل في حكومة أحمد نظيف في نوفمبر 2006 تولي أخوه «ياسين» نشاط تجارة التجزئة في مجموعة شركات «منصور» وذلك من خلال سلسلة متاجر أو «سوبر ماركتس مترو» والتي أصبحت أكبر سلسلة متاجر تجزئة في مصر كلها وتستحوذ تقريباً علي حوالي 55% من تجارة التجزئة في مصر. ورغم أن هناك لاعبين آخرين من الأسماء العالمية في مجال تجارة التجزئة «سوبر ماركت» مثل كارفور و«سبينس» إلا أن سلسلة سوبر ماركت «مترو» اكتسحت وانتشرت وغطت أماكن كثيرة من مصر. وعلي أية حال فإن مجموعة «منصور» التي أسسها لطفي منصور تشبه كثيراً عائلة دياب ليس فقط من ناحية تنوع أنشطتها ولكن من ناحية ارتباطها بالأمريكان حيث كان محمد منصور وزير النقل رئيساً لغرف التجارة الأمريكية. ورغم أن مجموعة التوكيلات الأمريكية التي تستحوذ عليها عائلة منصور صغيرة بالمقارنة بعائلة دياب «بيكو» إلا أنها تمثل مجموعة من أهم التوكيلات فهي مثلاً تمكن عائلة منصور من احتكار سوق السجائر «مارلبورو» حيث إنهم وكلاء لشركة «فيليب موريس» الأمريكية المنتجة لهذه الماركة من السجائر. وبخلاف ذلك تحتكر مجموعة منصور رافعات وأوناش «كاتربيللر» الأمريكية التي تستخدم علي نطاق واسع في أعمال المقاولات علاوة علي إطارات كاوتيش «ميشلان».
إلا أن الملعب الكبير لاحتكارات عائلة منصور هو الإنتاج المشترك مع شركة «جنرال موتورز» الأمريكية ويستحوذان من خلالها علي حوالي 35% من سوق السيارات المصرية. وطبعاً لن ننسي توكيل «فرانشايز» مطاعم «ماكدونالدز» الأمريكية في مصر. وقد قدرت مجلة فوربس ثروة عائلة منصور من نشاط الاحتكارات الأمريكية بـ 500 مليون دولار ولكن ذلك كان في عام 1997 حيث ارتفعت هذه الثروة الآن لما لا يقل عن 5 مليارات دولار. الخلاصة تلعب عائلة «منصور» في ثلاثة احتكارات رئيسية: قطاع تجارة التجزئة «مترو» وقطاع الوجبات الأمريكية السريعة «ماكدونالدز» وقطاع تصنيع وتجارة السيارات الأمريكية «جنرال موتورز» ولا يعرف عن أي فرد من عائلة منصور: محمد ويوسف وياسين الانضمام للحزب الوطني ولكن الوزير محمد منصور كان قريباً من جمال مبارك وكانت شركته تتبرع لجمعية المستقبل التي يرأسها جمال مبارك بانتظام.
يعتبر القبطان أسامة الشريف هو مؤسس ومنشئ ميناء العين السخنة وهو ميناء قطاع خاص والمحتكر الرئيسي لخدمات «اللوجستيات» استطاع أسامة الشريف في عهد حكومة كمال الجنزوري وعندما تم اصدار قانون إنشاء موانئ قطاع خاص بنظام الامتياز B.O.T أن يتقدم لمناقصة ميناء السخنة كما قام بإنشاء خط للحاويات في ميناء الأدبية غرب السويس. وفي فترة بسيطة أصبح أسامة الشريف النجم الأكبر والأوحد في عالم موانئ القطاع الخاص وقد لفت احتكار أسامة الشريف لميناء السويس انتباه أعضاء مجلس الشعب، حيث تقدم النائب هشام مصطفي خليل بسؤال لرئيس الوزراء ووزير النقل محمد منصور حول عقد الاحتكار الذي عقدته الحكومة مع أسامة الشريف لميناء العين السخنة لمدة 25 عاماً ثم كانت المفاجأة قيام الأخير بالاقتراض من البنوك عقب قيامه بتكوين الشركة ثم قام ببيع 90% من أسهم الشركة لصالح شركة موانئ دبي العالمية بمبلغ 650 مليون دولار وتم ذلك بمباركة الحكومة دون أن تستفيد مليماً واحداً رغم أنها أنفقت 850 مليون جنيه علي البنية الأساسية لميناء العين السخنة.