الأقباط ونهاية مرحلة : المطالب الدينية والمطالب المدنية

في الثلاثاء ١١ - مايو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

الأقباط ونهاية مرحلة : المطالب الدينية والمطالب المدنية2 / 3

          

 محمود الزهيري

 mahmoudelzohery@yahoo.com                                                            

 

 

 

الأقباط هم وباقي الأقليات الدينية قد أصابتهم عدوي التظاهر مثلهم في ذلك مثل باقي الأقليات المثقفة والكاريزمات المقهورة , حتي أن الهتافات التي أصبح يحملها الأقباط ويرددوها في هتافاتهم وكأنها مكررة بتعديلات بسيطة لتعبر عن الهم القبطي بشأن خاص , وعن القضايا الداخلية بشأن عام , وعلت الهتافات لتطال رموز الحزب الوطني الحاكم في مصر , وكأن كمال خليل , وكمال أبو عيطة هما من يهتفا , ويردد ورائهم الأقباط الهتافات  التي تطال الحزب الحاكم نفسه في حالات من الرفض وبالصوت العالي , ولكن هذه المرة داخل الكاتدرائية بالعباسية وأمام المقر البابوي مباشرة , بل وأثناء العظة الأسبوعية لرأس الكنيسة المصرية البابا شنودة , ولكن الكمالين كانا من الأقباط  .

 

واللافت للنظر أن هذه الوقفة الإحتجاجية حضر إليها من صعيد مصر بعض الشباب والشابات وأذكر منهم فيرونيكا وأبانوب من قنا وهما أبناء هالة المصري المغضوب عليها من النظام الحاكم , والمنظور إليها من الكنيسة المصرية علي أنها من الضالين سياسياً , لما تقوم به من أعمال نضالية من أجل القضية القبطية تخالف في الرأي والتوجه بعض القيادات الكنسية .

الغريب في الأمر أن يتم التعتيم الإعلامي علي هذه الوقفة الإحتجاجية ويتم منع وسائل الإعلام والفضائيات عن تغطية هذه الوقفة الإحتجاجية التي تحولت لتظاهرة , وهذا لأنها ضد الحزب الحاكم ورموزه .

وما كان من رجال الكنيسة المصرية إلا أن توافقت إرادتهم مع إرادة أمن الكاتدرائية في السعي لفض هذه التظاهرة , في مشاركة غير نزيهة , لدرجة أن سكرتارية البابا شنودة تعلن عن :" عدم جواز الهتاف ضد الحزب الوطني " وكأن الكنيسة المصرية قد تحولت بإرادة فاعلة وناجزة لتكون بديلاً موازياً لدار الإفتاء المصرية , أو لجنة الفتوي بالأزهر, بل وتمت ممارسة التهديدات للمتظاهرين بالإنصراف وفض هذه التظاهرة الموجهة ضد الحزب الحاكم , بما أرتكبته أيادي المنتمين إليه من جرائم ضد الأقباط , واعتراضاً علي مذبحة نجع حمادي ليلة عيد الميلاد .

 

إن شكوي الأقباط من التعتيم الإعلامي علي أزماتهم ومصائبهم من قبل الدولة والكنيسة تمثل تحالف خفي غير شريف تنبئ عنه ممارسات كنسية في العلن , منها ماحدث في هذه الوقفة الإحتجاجية يوم الأربعاء أمام المقر البابوي بالكاتدرائية بالعباسية .

 

وتهديد الكنيسة للشباب بالإنصراف وفض الوقفة الموجهة ضد الحزب الحاكم الذي خرج منه أحد المحرضين المجرمين يعتبر تدخل سافر من الكنيسة في السياسة رغم تصريحات الكنيسة بعدم التدخل في السياسة وأنهم روحانيين فقط , و هذا يعتبر مؤشر خطير علي تواطوء الكنيسة مع النظام الحاكم , وإلا ماذا يعني أن ثلاثة أساقفة هم من يمثلوا الزراع الأيمن للبابا شنودة هم من هددوا الشباب بإبلاغ الأمن عنهم لفض الوقفة الموجهة ضد الحزب الوطني لما اقترفت يداه بحق الأقباط بمذبحة نجع حمادي ليلة عيد الميلاد , واعتبر الشباب زيارة أحمد عز للغول رسالة صريحة للأقباط ان الحزب الوطني يبارك ويحمي قتلة الأقباط

.

 أهتزت كراسي الأساقفة حينما سمعوا هتافاً ضد الحزب الوطني ( موش هنرشح حزب وطني , نوابه بيقتلوا القبطي ) وهرولوا إلي أسفل تاركين المقر البابوي الي حيث الوقفة علي سلالم المقر البابوي وطالبوا الشباب الذين أتوا خصيصاً من نجع حمادي ومعهم بعض أهالي الشهداء , وطالبوهم بالإنصراف فوراً وعدم الهتاف ضد الحزب الوطني , ولكن تصميم الشباب القبطي علي توجيه الرسالة كان حازماً مما أزعج الأساقفة , ووضعهم في موقف مخجل , وقالوا لأحد المشاركين والذين حاولوا التفاوض معهم : إنت كدا بتصغرنا !!

فهل يعقل هتاف شباب غاضب أن يصغر من هامات أساقفة لهم كينونة دينية موقرة !

وهل يعقل أن  أمن الكاتدرائية بدعمه من ثلاثة أساقفة هم الأنبا إرميا والأنبا يؤانس والأنبا بطرس من سكرتارية البابا، وهم من يطالبوا الأمن بالتوجه إلى المتظاهرين ويطالبوهم بوقف المظاهرة، مؤكدين أنهم ينقلون تعليمات من البابا بالامتناع عن الهتاف ضد الحزب الوطنى داخل الكاتدرائية.

 



.

 

 فهل قداسة البابا شنودة  هو من أصدر الأمر للثلاث أساقفة المقربين من قداسته , أم أن هذا تصرف شخصي تم زج إسم البابا شنودة فيه لإرضاء السيادة الأمنية , والقداسة السياسية ؟  وهل يرضي بهذا التصرف , وهل يرضيه منع وسائل الإعلام من تغطية العظة الأسبوعية بسبب الوقفة الإحتجاجية , وهو الرجل الصحافي المعروف وعضو نقابة الصحافيين إلي الآن .

مدير أمن الكاتدرائية وقف يصرخ في الشباب مهددا تارة , ومتوعداً تارة أخري , ومحاولاً الوقيعة بين الشباب ومنظمي الوقفة الإحتجاجية مستخدماً لغة العمالة وقبض الأموال وأن هذا العمل من أجل حفنة من أصحاب المصالح فقط !!

ماحدث في الكاتدرائية من وقفة إحتجاجية تحولت إلي تظاهرة أمر يمثل تقدم في المطالب السياسية للأقباط , ويعتبر تحول في التوجه من المطالب الدينية المهدورة إلي المطالب السياسية المغدورة , بل ويضع القيادات الدينية في الموضع الذي يتوجب عليها أن تكون فيه , وهو الأعمال الدينية والسمو بالروح عن الدنايا والخطايا , وماحدث في هذا اليوم أعاد للكثير من الأقباط بعض من الروح المفقودة والعزلة المبتغاة , لتكون بداية تحرر للأقباط ليقولوا علي الدوام أننا لسنا أرانب يتم تربيتنا في بطاريات , وإنما ستكون بداية لمرحلة الأرانب البرية التي تمتلك حريتها الكاملة وتصنع بدائل للحفاظ علي أمنها وسلامتها من السباع والضباع الضارية في غابة الوطن .

أعتقد أن الأقباط بصفة خاصة , والمصريين بصفة عامة بات رفضهم لأن يكونوا أرانب بطاريات أو حيوانات داجنة كما يريد لهم الطغيان السلطوي والفساد والإستبداد السياسي ــ  وهذا الرفض والتحول قد بات وشيكاً لأن يكونوا مواطنين كاملي المواطنة , شريطة تخلي السلطات الدينية والروحية عن توجهاتها السياسية الخادمة للطغيان والإستبداد بجملة المطالب الدينية علي حساب المطالب الإجتماعية والإفتصادية  .

 

محمود الزهيري

اجمالي القراءات 3034