البقدونس.. له رموزه عند الإغريق والرومان

عثمان محمد علي   في السبت ١٣ - فبراير - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً


البقدونس.. له رموزه عند الإغريق والرومان

2/11/2010 7:33:00 PM

البقدونس.. له رموزه عند الإغريق والرومان

مقالات متعلقة :

 

البقدونس أو «المعدونس» كما يسميه أهل المغرب العربي من النباتات والأعشاب الهامة والتاريخية التي دأب الناس على استخدمها منذ زمن طويل، ولا تزال من أهم النباتات المستهلكة حول العالم حتى الآن بسبب فوائدها الغذائية والطبية وطعمها المتميز والمفضل في الطعام.

ويصعب تخيل بعض المطابخ العالمية، وخصوصا المشرقية والأوروبية الجنوبية من دون البقدونس، إذ يوجد البقدونس في كل دكان ومنزل ويستخدم بكثرة في كل مكان، طازجا في السلطات، ومخرطا لتزيين الطعام، ومطبوخا ومخلوطا باللحم لتطييبه. ولذا يرتبط اسمه أيضا بالكثير من الأطباق والمآكل التي يصعب التعامل معها أو أكلها من دون البقدونس.

فمثلا لا يمكن تخيل ساندويتش الفلافل وغيره من الساندويتشات من دون البقدونس، وينطبق الأمر ذاته على التبولة التي ذاع صيتها في لبنان وغيره حول العالم بسبب البقدونس، وعلى الكباب أيضا، على أنواعه، والكفتة التركية والعربية التي لا يمكن تخيلها من دون البقدونس بالطبع.

بكلام آخر يعتبر البقدونس في بعض الدول، ومنها الدول العربية المشرقية وتركيا وإيران وإيطاليا واليونان، من المواد والنباتات الأساسية وجزءا لا يتجزأ من المطبخ المحلي منذ سنوات طويلة، إلى جانب الكزبرة والنعناع والبندورة والليمون والفلفل الحار والثوم والبصل وزيت الزيتون.

وهذه النبتة البسيطة والصغيرة من ناحية الحجم، من أكثر النباتات مناعة وقوة، إذ رغم هشاشتها أثناء عملية النمو، تبقى لسنوات طويلة وتعمر في نفس الموقع إذا ما استقرت واستطابت لها الأحوال الجوية والتربة والمياه.

ففيما يمكن تحصيلها لعدة مواسم في السنة لأن بذورها لا تستغرق أكثر من ثلاثة أسابيع للنمو والتكاثر، ويمكن أيضا تحصيل النبتة نفسها لسنوات طويلة، كما هو الحال مع الكرافس الذي يكفي أن تملك نبتة واحدة منه لإطعامك لعدة سنوات، بدلا من زراعته كل سنة أو كل موسم.

تشير بعض المصادر إلى أن البقدونس، تاريخيا، جاء من منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، ومنها مناطق جنوب القارة الأوروبية وشمال أفريقيا ولبنان وسورية وفلسطين وتركيا، وأن زراعته وعمليات استغلاله بدأت على نطاق واسع قبل ألفي عام.

وقبل استخداماته الغذائية أو استخدامه في الطعام درج الناس على استخدامه كعشبة طيبة لمعالجة شتى الأمراض، ولم يأكله أهل اليونان قديما، حيث كانت نبتة البقدونس الخضراء من النباتات المقدسة التي كان استخدامها أحيانا حكرا على الأبطال الرياضيين.

كما كان الإغريق ينثرون البقدونس على قبور الموتى.

وكما يبدو من المصادر التاريخية أنه لم يبدأ استخدام البقدونس لتزيين الطعام إلا أيام الرومان، ولم يبدأ استغلاله موسميا أيضا إلا في العصور الوسطى في أوروبا، والبعض يرجع الفضل في انتشاره وتزايد شعبيته في أوروبا إلى الملك شارلمان الذي كان من محبيه ومن زارعيه في حديقته الخاصة.

وفيما تقول بعض المصادر إن أصول البقدونس من جزيرة سريدينيا في إيطاليا تقول مصادر أخرى إنه من دي كوندول في تركيا والجزائر ولبنان. وقد تمت إضافته إلى المائدة البريطانية في بداية القرن السادس عشر حيث انتشرت زراعته في إنجلترا ومقاطعة ويلز وحتى في جبال اسكوتلندا الباردة.

إن الاسم الإنجليزي «بارسلي» (Parsley) اشتق من الاسم الأصلي للنبتة الذي استخدمه العالم النباتي والمؤرخ الطبيعي اليوناني المعروف أيام الإمبراطور نيرون في روما بادانيوس ديسقوريدس، «بيتروالينوم» (Petroelinum).

وهذا الاسم هو مزيج من كلمتين «بيتروس» (petros) التي تعني «الصخرة» و«سيلينون» (selinon) التي تعني «الكرفس».

أما الاسم العلمي المعتمد فهو «بيتروسيلينوم كريسبوم» (Petroselinum crispum).

على أي حال فإن الاسم تحول لاحقا إلى «بيتروسيليوم» (Petrocilium) الذي تجلنز إلى «بيترسيلينغ» (Petersylinge) و«بيرسيل» (Persele)، ثم «بيرسيلي» (Persely)، وأخيرا «بارسلي» (Parsley).

ويبدو أن الإغريق أطلقوا الاسم على النبتة تيمنا بشخصية «بيرسفوني» (Persephone) الخرافية في الميثولوجيا القديمة، التي كانت تعتبرها إلهة الخصب والأرض والعالم السفلي الذي كان يسيطر عليه أخارون أو شارون.

ومن هنا تأتي العلاقة القديمة والرمزية بين الموت والنسيان والبقدونس، وخصوصا عند أهل اليونان الذين لا يزالون يتشاءمون من وضعه أمام كبار السن ويحرمونه.

ويعتمد العرب عادة اسم البقدونس منذ زمن طويل، على الرغم من أن بعض الدول، مثل العراق وتونس والجزائر والمغرب، تطلق عليه اسم معدونس.

ويقول البعض في هذا الإطار إن أصل كلمة بقدونس من كلمة «مقدونيا» التي كانت تعتبر الموطن الأصلي له. وقد أطلق عليه الفراعنة قديما أيضا اسم «ماتت».

ويبدو أنه كان أيضا من النباتات الهامة التي أعطاها الفراعنة مكانة خاصة ووضعوها في قبورهم واستخدموها للعلاج بشكل مذهل.

وتشير المعلومات في هذا الصدد إلى أن الفراعنة استخدموا بذور البقدونس لعلاج الإمساك واستخدموا النبتة لتخفيض حرارة الجسم والتقليل من آلام الدورة الشهرية عند المرأة. وهناك خرافات كثيرة بالطبع حول البقدونس نفسه وأصوله.

ومنها ما يقول بسبب صعوبة نمو بذوره وتفتحها وإنتاجه أحيانا (بسبب القشرة). إنه يستغرق وقتا طويلا للنمو لأن على البذور أن تصعد إلى النار وتعود إلى الأرض أكثر من 7 مرات قبل أن تتمكن من النمو.

ومنها ما يقول أيضا ـ وهي خرافة إغريقية ـ إن البقدونس بزغ من دم أرخيموروس، أحد الأبطال الرياضيين في اليونان القديم.

وعوضا عن زراعته في كل مكان وحدائق الأغنياء والفقراء، تذكر المصادر التاريخية أن هوميروس في «الإلياذة» ذكر أن البقدونس كان يطعم لجياد عربات الفرسان القتالية.

ولطالما اعتبر القدماء، وخصوصا الإغريق والرومان، البقدونس رمزا للتكاثر، ولا يزال اليهود يستخدمونه حتى الآن في مناسباتهم واحتفالاتهم الهامة.

وربطه المسيحيون وأهل اليونان منذ زمن بالقديس بطرس لأنه حارس باب الجنة.

وذكر أبقراط الذي ولد عام 460 قبل الميلاد في جزيرة كوس البقدونس واستخداماته الطبية في أحد كتبه.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الرومان كالإغريق لم يدأبوا على أكله في البدايات، وكانت استخداماتها فقط احتفالية وسحرية وطبية فقط.

وكانوا يتقلدونه مثلا أيام الاحتفالات والعزائم وكانوا يبعدونه عن الأمهات خوفا من أن يصاب الطفل بالصرع.

وبشكل عام كان الرومان يستخدمونه لطرد الأرواح الشريرة، وربما ورثوا ذلك عن الإغريق.

وقد تم التمييز منذ القدم بين الكرفس والبقدونس اللذين يصعب التمييز بينهما أحيانا إلا من ناحية الحجم.

وعلى الرغم من أن هناك ما لا يقل عن 37 نوعا من أنواع البقدونس في العالم، فإن الأوروبيين استحدثوا نوعا جديدا مكثفا منذ 200 عام يدعى «بقدونس هامبورغ» ((hamburg root parsley وقد ذكر العالم ميلر هذا النوع عام 1771 في «قاموس الحديقة».

وكان الناس يستخدمون جذوره الثخينة مثل اللفت.

وقد تم نقل زراعته من هولندا في ذلك الوقت إلى إنجلترا التي أحبته كثيرا.

ويكثر استخدام جذور هذا النوع من البقدونس في الولايات المتحدة وبريطانيا، وخصوصا إنجلترا ودول شرق أوروبا، في صناعة شتى أنواع الحساء واليخنات والصلصات، وأحينا تقلى الجذور كما تقلى البطاطا في السمن.

طبيعيا، من مكونات البقدونس الأساسية هي الحديد والفولات وفيتامنيات «إيه، وبي، وبي2، وبي3، وبي6، وكي، وسي» (بكميات أكبر من البرتقال).

والكثير من المواد المفيدة أيضا مثل «ميريستيسين» (myristicin)، و«الليمونين» (limonene)، و«اليوجينول» (eugenol)، و«ألفا ـ ثيوجين» (alpha ـ thujene)، و«الأبيين» (apiin)، و«أبيجينين» (apigenin)، و«كريسيوريول» (crisoeriol)، و«ليتولين» (luteolin).

كما تحتوي جذور البقدونس كالأوراق، وإن بنسبة أقل، على الزيوت الطيارة، والكالسيوم والفوسفات.

ويبدو أن فرم البقدونس يؤدي إلى خسارته الكثير من منافعه وخصوصا الزيوت المفيدة إذا لم يستخدم على الفور بعد التقطيع أو الفرم.

ومن المعروف أن فيتامين «إيه» من الفيتامينات التي تقوي النظر والشهوة الجنسية، كما أن مادة أو مركب «الأبيول» (Apiole) التي يحتوي عليها البقدونس الزيتية تستخدم في صنع علاجات لمرض الملاريا الذي تعاني منه الكثير من دول العالم الفقير ويقضي على عشرات الملايين من الأطفال سنويا.

كما أن هذه هي المادة التي كان يبحث عنها القدماء لأنها مسؤولة عن فتح الشهية ومحاربة المغص وتحسين الهضم عبر تليين المعدة في الجسم والتخلص من النفخة، والأهم من هذا تنشيط الرحم وتنظيم عملية الطمث.

وهذه الفوائد تأتي أيضا من مادة «المرستسين»، وهناك أدوية خاصة في بعض الدول لهذا الغرض مصنوعة من البقدونس مباشرة.

ويقول موقع «طبيب دوت كوم» على الإنترنت، إن البقدونس من النباتات التي تستخدم لتهدئة الأعصاب كالنعناع والكثير من أنواع الأعشاب البرية.

وإنه يستخدم أيضا ـ لتوفره على كميات كبيرة من الحديد ـ لمحاربة فقر الدم، وهو أيضا يساعد على امتصاص الحديد من الخضار والمواد الأخرى أكثر من غيره.

إضافة إلى كل تلك الفوائد، يحارب البقدونس أمراض السرطان، ويدر البول، ويخلص الفم من الروائح الكريهة، ويحارب تساقط الشعر والآم والتهابات المفاصل ويقوي العظام ويحارب ضيق التنفس والربو والطحال والكبد.

ويبدو من الأبحاث الطبية الأخيرة أن هذه النبتة، التي تعتبر من أشهر النباتات في العالم، مفيدة لمحاربة البكتيريا الضارة، والفيروسات على أنواعها، والسمنة أو التخلص من الكولسترول.

ومن استخدامات البقدونس المفيدة، هي استخدامات التجميل والحفاظ على البشرة والتخلص من عيوبها ونمشها وجفافها، عبر غلي البقدونس واستخدام مائه، وأحيانا أوراقه أيضا للتخلص من انتفاخ بطن العيون أو تورم العيون.

بأي حال فإن استخدامات البقدونس وفوائده وأنواعه كثيرة، لا تعد ولا تحصى، لكن هذه النبتة يعتمد عليها حاليا، عوضا عن الغايات الصناعية والتجارية، في مسألتي التزيين وتطوير الطعم.

ولذا قلما تطبخ فعلا، بل تضاف إلى الطبق أو القدر في المراحل الأخيرة من عملية الطبخ للمحافظة على الطزاجة والطعم والاستفادة منها إلى الحد الأقصى.

فهي في النهاية على مناعتها ـ وعلينا أن نتذكر ذلك ـ نبتة بسيطة رقيقة ورقية وخضراء الطبع.

اجمالي القراءات 12438
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق