الكنيسة وفكر الخرافة

عثمان محمد علي   في الأربعاء ٠٣ - يونيو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً


تمهيد
قاعدة منطقية، حين يزداد الجهل تزداد الخرافة. وحين تزداد الخرافة، يزيد تسلط مسوقي ومروجي الخرافة على تابعيهم.
والجهل، يا سادة، أنواع. هناك جهل بالقراءة، وهناك جهل فكري، وهناك جهل بالمعرفة الصحيحة وقبول فكر الآخر، وهناك جهل حقوقي، وهناك جهل بقيمة رقي الإنسان في أن يعيش كونه إنسان.



في كثير مِن كنائسنا المسيحية المصرية ـ والحال كذلك في كثير مِن المساجد الإسلامية ـ تجد كثير مِن رجال الدين على اختلاف مللهم ومذاهبهم مجتمعين على الانتفاع مِن أشكال مختلفة لفكر الخرافة المتمثل في معالجة، ما يطلقون عليه آثار هذه الخرافات، أو نشر هذه الخرافات ذاتها.
أي أن هؤلاء المنتفعين عبارة عن فريقين:ـ
1. فريق ينشر ويوافق على هذه الخرافات.
2. فريق يوافق مِن خلال معالجة آثار هذه الخرافات.
يجمع جميع هؤلاء المنتفعين على الاستفادة المادية وتغييب التابعين لهم.

مقدمة
الخرافة هي عدم التفكير العلمي. لا تُبنى الخرافة على مبادئ منطقية يقبلها العقل البشري ولا تخضع للقياس العلمي. الخرافة يستسهلها الجهلة والكافرون بالبحث العلمي والتجارب المعملية.
تنتشر الخرافة بين كثير مِن المتدينين لسهولة الترابط بين تعاليم ينسبوها لآلهة مصنوعة مِِن أجل تسديد احتياجاتهم المادية، ومتوافقة مع خيالهم المادي الطفولي.

مِن هذه الخرافات التي تجد صدى لدى الغالبية العظمى مِن شعوبنا العربية، مسيحيين ومسلمين: السحر، والحسد، وتلبيس الإبليس، والمس الشيطاني، وقراءة الطالع، وعمل الأحجبة، والرقية، والأعمال السفلية، وغيرها مِن المسميات المنتشرة في أغلب الأوساط المسيحية والإسلامية.

الخرافة والمرجعية الدينية
أغلبية شعوبنا العربية شعوب متدينة، يسهل قيادتها حين تستخدم وتوظف نصاً مقدساً مِن الكتاب المقدس الذي يستخدمه أتباع هذا الدين.
فما أسهل أن يقول لك المخدوع بالسحر أو الحسد: لقد ذكر هذا أو ذاك في القرآن، لو كان مسلماً، أو لقد ذُكر في التوراة والإنجيل، لو كان المخدوع مسيحياً. وهكذا استند كلاً مِن المخدوع وخادعه إلى نص مقدس يتم تأويله وليّه مِن أجل توظيفه في نشر فكر الخرافة هذا.

لصوص الإنسانية
العامل المشترك بين معظم رجال الدين القائمين على معالجة هذا التفكير الخرافي المتمثل في هذه الآثار هو التربح المالي مِن هؤلاء التابعين المُغيبين. ولمزيد مِن ادرار الأموال يجري خداع المزيد مِن البسطاء المُغيبين، فبدلاً مِن الذهاب إلى الأطباء كلاً في مجاله يتم استخدام "الزيت المقدس"، أو "التراب المقدس"، أو "الماء المقدس"، أو أي شيء يتم تقديسه.

طبعاً سيقوم عليّ الشتّامين ويشتمونني بسبب وصفي لهذه الفئة مِن رجال الدين بأنهم لصوص الإنسانية، لكنني على وزن ما يفعلونه مِن استخدامهم وتوظيفهم لنصوص مقدسة مِن أجل خداع المُغيبين، فإنني أيضاً استخدم لهم قول السيد المسيح حين طرد تجار الدين ومروجي فكر الخرافة، أمثالهم، مِن مكان العبادة وقال لهم قوله المتجدد: "بيتي بيت الصلاة وأنتم جعلتموه مغارة لصوص".
أي لصوصية تتم الآن بانتشار تفكير الخرافة في كثير مِن المساجد والكنائس؟

أي لصوصية تتم الآن على كثير مِن المسيحيين والمسلمين الذين يرسلونهم إلى كنائس معروفة، لأن الشياطين التي تتلبس أجسادهم هي شياطين مسيحية تتطلب رجل دين مسيحي لإخراجها من أجسادهم؟؟؟

قراءة في كتاب جديد
صدر حديثاً كتاب لرجل دين مختلف، يسير ضد تيار الفكر الخرافي، بعنوان: "سيكولوجية الخرافة، السحر والحسد". الكاتب هو الدكتور القس صموئيل رزفي إبراهيم، وله أكثر مِن دراسة سابقة في نفس هذا المجال.
يتناول الكاتب في الجزء الأول مِن الكتاب تاريخ السحر منذ الفراعنة وحتى التاريخ الأوروبي في عصر الظلام. وفي الجزء الثاني يشرح بطريقة علمية وعقلانية ويفضح السحر والوسائل السحرية المستخدمة في عصرنا الحالي بين شعب يعيش في أحط عصور الظلام الإنسانية. يتناول الجزء الثالث مِن الكتاب وجهة نظر الكتاب المقدس والقراءة المعاصرة لآيات ورد فيها تناول لموضوع السحر والأرواح.

يدور الكتاب في جو مِن دراسة شخصية الساحر والواقع عليه السحر، وبين السطور يفضح آلاعيب بعض رجال الدين الذين يستغلوا البسطاء والسذج مِن المُغيبين.

ما هو دور الكنيسة أمام فكر الخرافة؟
يقول الدكتور القس صموئيل رزفي في خاتمة كتابه:
"نحتاج إلى تعليم أجيال في الكنيسة لديهم القدرة على التفكير السليم. فلا نهضة للفكر إلا بوجود العقل المفكر فإن تنمية العقل يجب أن تعني لا مجرد الحصول على المعلومات فحسب وإنما الحصول على العادات العقلية والفكرية الصحيحة. وواضح أن مثل هذا الحصول لا يتم إلا على أساس مِن إيماننا بالعلم، إيماننا بالحقيقة، إيماننا بالإنسان وقدرته على أن يتقدم ونتقدم معه نحو ما هو أفضل. فعقل الإنسان صنعه الله قوة جبارة، لكن هذه القوة تحتاج إلى التدريب على التفكير".
ويضيف قائلاً: "وتقع المسئولية على الكنيسة في تنمية القدرة على التفكير النقدي في التعامل مع هذه الخرافات".

المشكلة والحل
آه يا دكتور صموئيل رزفي، آه يا عزيزي القارئ، إن مشكلة الفكر الخرافي في الكنيسة المصرية تكمن في بعض رجال الدين الذين يبتذون أموال المُغيبين. هؤلاء الذين ينشرون الفكر الخرافي مِن أجل مزيد مِن التابعين "المسطولين" المحتاجين دائماً لحلال المشاكل الذي يجرون وراءه دافعين كل ما هو ثمين ونفيس مِن عقولهم وحياتهم وأرزاقهم، لتزداد ثروة هؤلاء الدجالين النصابين.


أيمن رمزي نخلة

اجمالي القراءات 6575
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق

اخبار متعلقة