فتنة الخنازير

عثمان محمد علي   في الأربعاء ١٣ - مايو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً


فتنة الخنازير

بقلم كمال زاخر موسى

أجدنى مضطراً للمرة الثانية لقطع التواصل مع سلسلة المقالات التى اطرحها حول واحد من الموضوعات التى سرت فيها تحت ضغط حدث آنى فرض نفسه علينا ، حدث هذا مع مقالات " الحراك القبطى " وتكرر ثانية مع مقالات " صديقنا المطران " بعد أن تهددنا فيروس [H1N1] والمعروف إعلامياً وعالمياً بـ " فيروس إنفلونزا الخنازير " .



واتوقف عند التناول المصرى للحدث الكارثى وكيف أسقطنا عليه كل تناقضاتنا فكان حدثاً كاشفاً لها ومنبئاً بما هو أقسى والمختبئ خلف ردود الفعل ، وأحسبه أخطر من الفيروس نفسه. بدءاً من الحملات التى راحت تطالب بإبادة قطعان الخنازير رافضة نقلها إلى أماكن أكثر أمنا وملائمة لطبيعتها لا لشئ إلا لأنها " نجسة " ومحرمة بنصوص قاطعة ، متناسية عمداً أو جهلاً ـ أو ربما لكليهما معاً ـ أنها تمثل بحسب الخبراء والمختصين 15 % أو يزيد من الثروة الحيوانية ، وأنها تغطى احتياجات ما لا يقل عن ثلاثة ملايين مستهلك من الفقراء الذين لا يقربون البدائل من اللحوم الحمراء والبيضاء للهوة الشاسعة بين اسعارها الملتهبة وجيوبهم الخاوية ، ولم يأبهوا بمليونى مشتغل فى تربيتها وذبحها وبيعها أو تصنيع لحومها وفى الصناعات المرتبطة بها خاصة تدوير القمامة وما يتفرع عنها حتى إلى دائرة التصدير .

وفى ظنى لم تكن حمية الغيرة الدينية هى الدافع بل كانت الغطاء لتحرك سياسى ميكيافللى يبنى ويؤسس للدولة الدينية كدأبهم فى الضغط على الإعصاب الطائفية الملتهبة ، ولعل هذا يفسر لنا على الضفة الأخرى من النهر تلك الدعوات الزاعقة التى رأت فى هذا مخطط للتضييق على فقراء الأقباط كخطوة على طريق طويل يستهدف إجلاء الأقباط ودفعهم للهجرة أو اعادتهم الى مربع الذميين، افتئاتاً على نسق المواطنة، فى تضخيم مخل للحدث وتداعياته، متناسين أن النتائج وفق الرؤية العلمية الدولية كارثية إذا لم نتحسب للوباء ونجفف منابعه حتى لو بتسارع لم نعتده فى مواجهة الأزمات، وفاتهم أننا لا نملك منظومة لإدارة الأزمات، وننطلق من لحظة رد الفعل بكل ضغطها وهيوليتها وضبابيتها .

وكنت أظنهم ـ وقد اكتسبوا خبرة الغرب ومنهج تفكيرهم العلمى ـ يملكون تقديم البديل العلمى والعملى لمواجهة هذه الأزمة ، تتجاوز اللحظة ، وتتجاوز حصرها فى إطار الأقباط ، كأن نبحث فى كيفية الإنتقال بحظائر الخنازير حضارياً إلى الصحراء فى مناطق تخصص لهم يسند تخطيطها وتنفيذها إلى شركات مصرية متخصصة توفر الأبعاد الفنية والصحية للبشر وللحيوان فى تواز وتكامل، ومعها منظومة متكاملة من الصناعات المرتبطة بها مباشرة للسوق المحلى وللتصدير، والمرتبطة بشكل غير مباشر بها ، فيما يتعلق بالمخلفات العضوية فى صناعات تحويلية تسد فجوة السماد العضوى، البديل الآمن للمسمدات الكيماوية بكل ما تحمل من اخطار على الأرض والزرع والإنسان، وفيما يتعلق بالمخلفات الصلبة فى صناعات إعادة انتاج خامات البلاستيك والورق والزجاج وغيرها، والتى يمكن أن تسد حاجة السوق المحلى وتتجاوزه الى التصدير، فى تطوير ملح لتجارب ذاتية لبعض شباب " الزبالين " والتى كشف عنها حوار هام مع بعضهم فى برنامج " العاشرة مساءً " وهم يملكون الخبرة والعلم والتجربة وإن بقيت مرهونة بإمكانياتهم المحدودة.

وفى يقينى أنه عندما تختفى اللغة الطائفية على ضفتى النهر ستنفتح أعيننا على إمكانيات نملكها وقدرات تدفعنا لحل أحد أهم المشاكل الضاغطة وهى مشكلة النظافة بل تحولها الى قيمة مضافة للدخل القومى ، بدلاً من اسنادها الى شركات أجنبية تستنزف مواردنا وتضيفها الى اقتصاد بلادهم خصماً منا ، ولا يجب اسنادها إلى كبار المستثمرين لتلحق بسابقتها من مشاريعهم التى تغفل البعد القومى ولا يلمس نتائجها رجل الشارع .

وهنا نتوقف عند المعالجة الحكومية للأزمة والتى وقعت تحت ضغط الهلع من النتائج بحسب الهوس الإعلامى العالمى ـ المنبت الصلة بالبراءة ـ وإن كان لم تنصاع لمطلب الإعدام بحسب هوى البعض واستبدلته بالذبح ، وإن شابه عدم التخطيط والعشوائية ، وفاتها أن القضاء على تلك الثروة فيه من التسرع ما يترك آثاره السلبية على الإقتصاد القومى ليس فقط فيما يتعلق بالثروة الحيوانية بل وأيضاً فى زيادة البطالة وما يترتب عليها من تزايد العنف المجتمعى وتفاقم مشكلة " القمامة " وما تجلبه من أوبئة منتظرة ، والقضاء على صناعات مرتبطة بتدويرها ، وزيادة استشراء الاحياء العشوائية ، فهل نتدارك الأمر بتشكيل لجنة عليا تتبع رئاسة الجمهورية تضم كل الجهات ذات الصلة ويمثل فيها أصحاب المشكلة ولديهم كوادر تملك رؤية متكاملة للمشكلة وبدائل التعامل معها ، استطاعوا خلال دقائق معدودات على الفضائيات أن يقدموا طرفا منها فى ثقة وموضوعية تؤكد أن مصر أم ولود ، وهذه اللجنة تمنح صلاحيات تتناسب وحجم الأزمة لتصبح قادرة على تجاوز قيود البيروقراطية العجوز المتهالكة والمعوقة، فما نحن فيه يجعلنا فى حالة مواجهة حياتية وتمثل فرصة ذهبية لضبط مسيرة الوطن باتجاه تنمية حقيقية تستثمر قدرات شبابنا وتوظفها لتدفع بنا فى ثقة الى الخروج من مأزق اللحظة نحو تصنيع جاد وحقيقى ، ونقضى عملياً على " فتنة الخنازير " .



اجمالي القراءات 7245
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق