تفجيرات بغداد

عثمان محمد علي   في الأربعاء ٠٦ - مايو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً


تفجيرات بغداد

نـــــــــــــــــــــــــزار حيدر

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM



عندما يطلق سراح الارهابيين من السجون والمعتقلات، بلا حساب او تدقيق او رقيب.

وعندما يحتمي الارهابيون تحت قبة البرلمان، او تحت اجنحة الكتل الحاكمة، بقاعدة المحاصصة والتوافق.



وعندما يتم تسليم اخطر قادة وزعماء الارهابيين، من تنظيم القاعدة، في العراق الى بلدهم (المملكة العربية السعودية) من دون علم الحكومة العراقية، ومن دون مقابل او حتى تعهد والتزام.

وعندما تتودد القوى السياسية والحكومة العراقية الى القتلة والمجرمين بشكل رخيص، وكانه لم يبق الا ترضيتهم، وباي شكل من الاشكال، لينعم العراق بالديمقراطية والتنمية الحقيقية.

وعندما يرفع بعض (القادة) شعار (عفا الله عما سلف) من دون وعي لحقيقة الامور، كمكسب حزبي وطائفي تافه.

وعندما تتعالى من تحت قبة البرلمان، نداءات تدعو الى الحوار مع (الصداميين) على حد وصف الدستور لهم، على قاعدة (شبيه الشئ منجذب اليه).

وعندما ينشغل الفرقاء السياسيون بالقيل والقال وكثرة السؤال، وبمرتباتهم ومخصصاتهم، وامتيازات التقاعد، والمحاصصات المجة والتوافقات المبتذلة.

وعندما تتراجع الاولويات الوطنية والاهتمامات والمصالح العامة، لتقفز امامها الاهتمامات الحزبية والطائفية والدينية والاثنية والمناطقية.

وعندما تتحول الوزارات الامنية، واحدة على الاقل، الى حزب سياسي، يسعى لكسب تاييد الناخبين بوعود التنسيب والتوظيف.

وعندما يسيس الملف الامني، بكل تفاصيله، فيتحول الى مادة للمزايدات الحزبية والدعاية الانتخابية والتنافس الحكومي غير الشريف.

وعندما يتحدث الجميع بشؤون الملف الامني واسراره، لدرجة ان يتحول العراق الى دولة مكشوفة امنيا، فلم يعد عندها ما يصطلح عليه بالامن القومي.

وعندما يتستر المعنيون، على مصادر تمويل الارهاب، ان بالمال او بالعدة او بالمتطلبات اللوجستية.

وعندما تتحول انهار الدماء وجثث الضحايا ودموع الايتام والارامل، وصرخات ذوي الضحايا، الى مادة للمزايدات بين الفرقاء، وعلى اسس طائفية واثنية وعنصرية ومناطقية وحزبية.

وعندما يعاد الاعتبار للجلادين على حساب الضحايا، من الايتام والارامل وعوائل الشهداء.

وعندما تقتطع الحكومة العراقية، من قوت الضحايا لتقدمه الى الجلادين في اي مكان يقيمون فيه، وعلى حساب جيش العاطلين عن العمل.

وعندما تتقدم اجندات الاخرين على الاجندات الوطنية، فيتحول هم الزعماء من البحث في السبل الكفيلة بتحقيق ما يصبو اليه المواطن العراقي والحالة العامة في داخل العراق، الى البحث عما يرضي هذا الطرف الاقليمي او ذاك الاخر الدولي، لعلنا نحصل منه على لقاء يجمعنا معه، او نظرة عطف او ابتسامة، صفراء حتى.

وعندما....

وعندما....

يكون من المتوقع جدا ان يعاود الارهابيون نشاطهم في العاصمة بغداد تحديدا، ليثبتوا وجودهم مرة اخرى، وليبعثوا برسالة الى العراقيين، والى غيرهم، مفادها ان المبادرة لازالت بيد جماعات العنف والارهاب، وليس بيد الحكومة العراقية، والقوات الامنية.

يكون من الطبيعي جدا ان تنشط الخلايا الارهابية النائمة، مستغلة انشغال اولي الشان بانفسهم، ليشكروا كل من وقف الى جانبهم من دول واجهزة استخبارات وفقاء تكفير، طبعا على طريقتهم الخاصة، والتي توظف الدم كلون بمثابة سر المهنة بينهم.

لقد كشفت تفجيرات بغداد الاخيرة مدى هشاشة الوضع الامني، كما انها بخرت، بسخونتها وحرارتها المرتفعة، حديث الحكومة العراقية عما اسمته ذات مرة بالاحتفاء بالنصر على الارهاب وتنظيم القاعدة الارهابي تحديدا.

والمضحك المبكي في زحمة هذه التفجيرات، ما قراته في بيان (مجلس الرئاسة) الاخير الذي صدر في ختام اجتماع المجلس والذي عقد على اثر التفجيرات الاخيرة، وهو بالمناسبة اسوأ ما قراته لحد الان من بيانات، ان من حيث الصياغة او من حيث المحتوى والمضمون، فلقد حذر البيان من خطورة جر العراق الى اتون حرب اهلية.

صح النوم، يامجلسنا العتيد.

والاسوأ من ذلك، فان البيان حصر خطر عودة مشهد العنف والارهاب، في التهديدات التي قال ان حزبا مشاركا في العملية السياسية يتعرض لها قد تؤدي الى تصفية قادته، وكأن مشهد الدم الذي راح ضحيته العراقيين الابرياء، غير مستهدف لذاته، وانما لغيره، حزب سياسي تحديدا.

ترى، اين كان المجلس الرئاسي الذي يشكل مع الحكومة العراقية، القوة التنفيذية بحسب الدستور، كل هذه السنين التي مضت؟ اين خططه الامنية؟ واين اجراءاته التنفيذية الكفيلة بالامساك في الملف الامني، الذي هو اخطر واهم ملف في العراق الجديد على الاطلاق؟.

هل نفهم بان الارهابيين سبقوه في التخطيط واليوم يسبقوهم في التنفيذ؟.

اين الحديث المعنعن عن جاهزية القوات الامنية لاستلام الملف الامني اذا ما انسحبت القوات متعددة الجنسيات من العراق؟.

اين، اذن، خطط التسليح والتجهيز والرصد؟.

اين جهاز الاستخبارات وخططه؟ اين الوزارات الامنية، التي باتت اليوم يتخبط الناطقون باسمها، كل يغني على ليلاه، من دون ان يطلع احدهم على تصريح زميله، فتاتي التصريحات هي الاخرى، مضحكة مبكية، متناقضة، لها اول وليس لها آخر؟.

اين نتائج الاجتماعات والاجتماعات المشتركة، لعشرات المجالس، والتصريحات التي تعقبها والتي تتحدث في كل مرة عن (قلنا واكدنا وفعلنا وشددنا وطلبنا)؟.

يجب ان تدفع تفجيرات بغداد كل المعنيين، الى ان يفكروا بصوت مرتفع، ويعيدوا النظر في كل شئ.

عليهم ان يتهموا انفسهم قبل ان يتهموا غيرهم.

وان اول ما يجب ان يعيدوا النظر فيه، هو علاقاتهم ببعض، فلقد اثبتت الايام ان الجميع في مركب واحد، اذا خرقه الارهابيون فان الجميع سيغرق، ولا مجال لاحد منهم ان ينجو ابدا.

عليهم ان يعيدوا اللحمة لعلاقاتهم من جديد، فالبلد في خطر، والشعب في خطر، والعملية السياسية في خطر، والمكتسبات في خطر، وان تحدي الارهاب وتهديد الارهابيين، لما يزول عن العراق بعد.

عليهم ان لا ينخدعوا بانجازات هشة تبين، في اول اختبار، انها في مهب الريح.

عليهم ان يعيدوا قراءآتهم للوضع الامني، فيدققوا في وضع الاجهزة الامنية، ومن ينتسب اليها، وخططها وكل شئ يتعلق بها.

انهم مسؤولون جميعا، ولذلك فلا يحاول احدا منهم ان يلقي باللائمة على الاخر.

الامر الثاني الذي يجب ان يعيدوا النظر فيه، هو قضية المصالحة الوطنية التي ترتب عليها اطلاق سراح الارهابيين والقتلة من السجون والمعتقلات، وغض الطرف عن جرائم عدد من السياسيين على قاعدة (العفو) المشار اليها سلفا، واخيرا ما ترتب عليها من اطلاق جدلية الحوار مع (حزب البعث) والتي انتهت الى دعوة احدهم للحوار مع (الدوري).

لابد من اعادة النظر بكل هذه التفاصيل، والا فان امامنا اياما سوداء حالكة.

ان المتطبع على القتل والاجرام لا يمكن ان يتبدل جوهره ابدا، فلقد اجاب ابن ملجم عندما ساله امير المؤمنين عليه السلام عن سبب ضربته له بالسيف في محراب الكوفة، وما اذا لم يكن بالنسبة له خير امام، اجاب {افانت تنقذ من في النار}.

لقد جاءت تفجيرات بغداد كناقوس خطر وجرس انذار يوقظ النائمين من سباتهم، وسكارى الانجازات الهشة من نشوتهم.

الامر الثالث الذي يجب ان يعيدوا النظر فيه، هو العلاقة مع دول الجوار، وتحديدا المملكة العربية السعودية، الراعي الاول للارهاب في العراق على وجه التحديد، فهل من باب الصدفة ان تتزامن تفجيرات بغداد مع قرار تعيين الامير نايف (وزير الداخلية) نائبا ثانيا لرئيس الوزراء، وهو المعروف عنه تشدقه بالانتماء الى الوهابية، ودعمه لجماعات العنف والارهاب، ان بالسلاح من مخازن وزارته، او بتحريضه لفقهاء التكفير ووعاظ السلاطين، لاصدار فتاوى القتل والتحريض على العنف والتدمير والذبح، او من خلال تسهيله مرور الارهابيين الى داخل العراق؟.

يجب ان تدفع تفجيرات بغداد، الجميع، للتعامل بجدية اكبر مع مجموعات العنف والارهاب، ومع من يقف خلفهم من مؤسسات اعلامية واموال تنفق على المغرر بهم، ومدارس (دينية) مهمتها غسل ادمغة الصبية باسم الدين، وفقهاء تكفير ووعاظ سلاطين جاهزون تحت الطلب لاصدار فتاوى القتل والتدمير، وامراء ومؤسسات امنية وسياسية في دول الجوار على وجه التحديد، التي تقدم كل انواع الدعم للارهاب في العراق.

ان على الحكومة العراقية ان تفصح اكثر عن كل هذه المصادر لتفضح المتورطين بالارهاب وبدماء العراقيين من دون خوف او وجل، فبعد موت الشعب وقتل الابرياء، واسالة الدماء في الشوارع والازقة، وتعريض كل المكاسب للخطر، لم يبق هناك من داع للتستر على الارهاب ومصادره.

ليس في الدم مجاملة، ولقد قال رسول الله (ص) بذلك {لا تقية في الدماء} فهل نعي معنى ذلك، لنبدا بالتعامل بصورة صحيحة مع هذا الملف الخطير؟ ام نظل نجامل ونداهن ونتقي منهم تقاة على حساب دماءنا وارواحنا ومصيرنا ومستقبلنا ومستقبل اطفالنا؟.

تعاملوا بمسؤولية، ترفعوا عن الحزبية الضيقة، ولتتسع صدوركم للنقد وللراي الاخر، لتعرفوا مواطن الخلل والخطا، ولا تكتفوا بالحديث الى انفسكم، والاصغاء اليها فقط، كمن ينظر الى نفسه في المرآة او يستمع الى حديثه في آلة تسجيل على حد قول احد الظرفاء.

7 نيسان 2009

عودة الماضي..قراءات في الخفايا

اعداد وتنظيم، مركز الاعلام العراقي في واشنطن



مقدمة

من جديد اشتدت الضغوط وتنوعت، على العراق، لاعادة (حزب البعث) الى الحياة العامة.

وقبل ان نتحدث في الاسباب، دعونا، اولا، نطلع على بعض خفايا قصة محاولات (الاعادة) هذه، وكيف بدات؟ ومن الذي بداها؟ لنعرف، كنتيجة طبيعية لكل هذه المقدمات، لماذا؟.

مركز الاعلام العراقي في واشنطن، اعد ونظم هذه القراءة، لاطلاع الراي العام، خاصة العراقي، على خفايا الامور، ليكون على علم وحذر في آن.



معلومات واحصائيات

عندما سقط الصنم في بغداد في التاسع من نيسان عام 2003، قدر مراقبون، عدد المنتمين للحزب الحاكم في زمن النظام الشمولي البائد بحدود (1200000) منهم (32000) عضو قيادة فرقة و (6000) عضو قيادة شعبة، وما يقارب من (250) عضو قيادة قطرية، وبعد التمحيص والتدقيق في هوية المنتمين، امكن رسم الخارطة التالية:

فحسب الاحصائيات اعلاه، يظهر ان نسبة المنتمين العاملين لا تتجاوز (3%) فقط من مجموع اعدادهم الكلية، اما الباقون، وهم الاغلبية التي انتمت بالاكراه او بسبب ضغط الظروف القاهرة، بعد ان كان النظام الشمولي قد كبس على انفاس الشعب، وحبس لقمة العيش عنه عندما ربطها بالانتماء، او خيار الموت، فيعيشون حاليا بشكل طبيعي ولم تطبق عليهم قوانين الاجتثاث، كما ان قسم كبير منهم اندمج بالعملية السياسية واشترك في جميع مراحلها وشارك في العمليات الانتخابية، مرشحا كان ام ناخبا.

القسم الثاني، هم المنتمون الذين شملتهم قوانين الاجتثاث، طبقا لقوانين الهيئة الوطنية العليا، فقد تم اقصاء ما يقارب (30) الف منتمي بدرجة عضو فرقة فما فوق من مزاولة الخدمة المدنية والعسكرية والعمل السياسي، من دون ان يلحقهم اي اذى من اي نوع، وان غالبية هؤلاء يزاولون حياتهم الاخرى بشكل طبيعي ما لم توجد بحقهم قضايا واحكام جزائية مخالفة للقانون.

القسم الثالث، هم المنتمون الذين يخالفون العملية السياسية بالاساس، فقرروا حمل السلاح ضدها، وبادروا الى تشكيل مجموعات مسلحة قدرت عددها بحدود (22) فصيل مسلح.

وبمرور الايام انقسم هؤلاء على انفسهم، فمنهم من ظل الى الان يحمل السلاح بوجه التحول الذي شهده العراق منذ سقوط الصنم، كالمجموعة المسلحة التي تطلق على نفسها اسم (الجيش الاسلامي) وهذا القسم معروف عنه بتورطه بدماء العراقيين، سواء في زمن النظام البائد، او بعد التغيير وايام الحرب الطائفية التي كانت مجموعات العنف والارهاب قد شنتها ضد العراقيين، فيما اعلن القسم الاخر عن انضمامه الى العملية السياسية، اما من خلال الاندماج بقوات الصحوة حال الاعلان عن تشكيلاتها في عدد من المناطق التي كانت تسمى بالساخنة، وعلى وجه التحديد في العاصمة بغداد والرمادي وتكريت وديالى، او من خلال الانخراط في بعض الاحزاب والكتل السياسية التي رات نفسها انها قريبة منها، ان طائفيا او فكريا او حتى سياسيا.

القسم الرابع، هم المنتمون المعادون للعملية السياسية، ممن هرب الى دول الجوار واستقر فيها، كدول سوريا والاردن واليمن ومصر، وتتميز عناصر هذا القسم، كونها من القيادات الحزبية والامنية والعسكرية في النظام البائد.

وينتمي هذا القسم الى عدة اجنحة، منها:

جناح عزت الدوري، الذي يعتبر نفسه الوريث (الشرعي) لقيادة قطر العراق، وان من ابرز المتحدثين فيه هو المدعو (ابو محمد) الناطق الرسمي باسمه، ويطالب هذا الجناح بالغاء النظام الديمقراطي الذي شيد صرحه العراقيون بعد سقوط الصنم، وكذلك كل نتائج العملية الانتخابية، كما انه يصر على عودة (حزب البعث) الى الحياة السياسية والغاء قرارت حظره واجتثاثه، فهو، بكلمة مختصرة، يسعى لاعادة عقارب الساعة في العراق الى الوراء، وبكل تفاصيلها.

جناح يونس الاحمد، وهو عضو قيادة قطرية ونائب أمير سر المكتب العسكري للحزب في فترة حكم الطاغية الذليل صدام حسين، وكان مديرا لدائرة التوجيه السياسي في الجيش العراقي آنذاك، وشغل، لفترة من الزمن، منصب محافظ الموصل، ويعتبر البعض ان هذا الجناح يقف الى يسار الجناح الاول، ولقد اشترك في عدة جولات تفاوضية، سواء مع القيادات العسكرية الاميركية او مع جهات سياسية عراقية مشاركة في العملية السياسية الجديدة.

جناح مزهر مطني عواد، عضو القيادة القطرية في الزمن البائد، فيما كان ابنه سكرتير شخصي لعدي صدام حسين، وبعد سقوط الصنم، اصبح مساعداً ليونس الاحمد، الا انه انشق عليه فيما بعد.

بقيت هناك عناصر منتمية متفرقة، تتردد اسماءها بين تيار الدوري ويونس الاحمد، امثال عبد الباقي السعدون وعلي عبد الجليل وصلاح المختار، وغيرهم، وهذه العناصر تتولى ادارة ماكينة الدعاية (البعثية) فمنذ منتصف شهر اكتوبر/ تشرين الاول 2004 بدات بالظهور بيانات سياسية على شبكة الانترنت، تحمل توقيع قيادة قطر العراق، والتي زادت من وتائرها خلال الايام والاسابيع الاخيرة الماضية، ربما بمناسبة ذكرى سقوط الصنم.

ولا ننسى ان نذكر الجناح الذي يديره مدير مخابرات الطاغية صدام، المدعو طاهر جليل الحبوش، والذي يقود عملاً مسلحاً ضد العراق الجديد، انطلاقا من دول الجوار.

اما جناح ابنة الطاغية صدام، المدعوة رغد، والتي كانت قد هربت باموال الدولة العراقية الى الاردن الذي تستقر فيه لحد الان، فهو الاخر يقود عملا مسلحا ضد العراق، وهو يتشكل من الكوادر (البعثية) ويستقر باغلبيته في منطقة تكريت، وان كان هذا الجناح يفتقر الى اي نفوذ سياسي.

وهناك جمهرة من (القيادات البعثية) التي آثرت السكوت فلم يعرف عنها اي تحرك لا سياسي ولا غيره، فيما اظهرت في عدة مناسبات رغبتها في الانخراط بالعملية السياسية ومن دون شروط، منها على سبيل المثال لا الحصر، نعيم حداد وآخرون.

اما القادة العسكريون في زمن النظام البائد، فيوجد منهم العشرات موزعون في عدد من دول الجوار، وهم يرغبون بالعودة الى العراق من دون شروط، مع ضمان حقوقهم الوظيفية السابقة.

تبقى شريحة اخرى من (البعثيين) وهم الذين عارضوا نظام الطاغية صدام حسين، ممن كان يطلق عليهم اسم (حزب البعث الجناح السوري) او (حزب البعث اليساري) ومن ابرز قادة هذا التيار محمد رشاد الشيخ راضي ممثل تنظيم قيادة قطر العراق في حزب البعث في سوريا، ويتميز هذا الجناح بتاريخه المعارض للنظام الديكتاتوري البائد وبمساهماته السياسية الفاعلة مع بقية قوى حركة المعارضة العراقية ايام النضال ضد النظام الشمولي البائد، فقد اشترك هذا الجناح وحضر العديد من مؤتمرات المعارضة منها مؤتمر بيروت عام 1992، والذي انبثقت عنه (لجنة العمل المشترك لقوى المعارضة العراقية) كما انه شارك في مؤتمر الزعامات السياسية الذي عقد في العاصمة السورية دمشق عام 1996 الى جانب الشهيد السيد محمد باقر الحكيم والسيد محمد تقي المدرسي والشيخ محمد مهدي الاصفي والسيد جلال الطالباني وآخرون مثلوا بمجموعهم (11) تنظيما سياسيا تنتمي الى تيارات حركة المعارضة العراقية الاربعة، التي كان قد سماها مؤتمر بيروت، وهي (الاسلامي والديمقراطي والكردي والقومي).

ويرغب هذا الجناح بالعودة الى الحياة العامة في العراق الجديد، والمشاركة في العملية الديمقراطية، وهذا ما يفسر، ربما، الزيارة التي قام بها ممثله مؤخرا الى بغداد ولقائه بعدد من المسؤولية العراقيين، منهم السيد عادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية.

ويشترط هذا الجناح للعودة الى الحياة السياسية، بالعمل بهيكلية وفكر (حزب البعث) وان كان بقيادة جديدة.

كيف تم التعامل مع هذا الملف بعد التغيير؟

لقد مر هذا الملف بمراحل متعددة، ربما لخطورته وصعوبته، من جانب، ولحساسيته ودقته، من جانب آخر، فهو من اكثر الملفات التي اختلف عليها القادة والزعماء والسياسيون، منذ سقوط الصنم ولحد الان.

وبمرور سريع على مراحل تطور طريقة التعامل مع هذا الملف، يمكننا ان نرصد المحطات التالية:

اولا: اجراءات الاجتثاث القانونية، والتي من اهمها صدور قوانين الحل والاجتثاث التي صدرت بحقه بعد سقوط النظام الديكتاتوري، وهي كالتالي:

القرار الاميركي الذي قضى بحل الحزب وتفكيك مؤسساته، رافقه قرار بحل مؤسسات الجيش ووزراة الاعلام.

الاعلان عن تشكيل (الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث) للتعامل مع مخافات الحزب، وقد قدر عدد منتسبيه ممن شملهم قانون الاجتثاث بحدود (38000) هم عناصره الذين يتمتعون بعضوية فرقة حزبية فما فوق.

ولقد اقدمت الهيئة على اقصاء (30) ألف (منتمي فاعل) من وظائفهم، مع صرف الحقوق التقاعدية لهم وضمان جميع حقوق المواطنة، مع ملاحظة أن (80%) من هذا العدد منحوا حق الاستئناف.

بعد ذلك، شرع مجلس النواب قانون (المساءلة والعدالة) كمرجع قانوني بدلا عن الهيئة.

وقد وردت في القانون حزمة من الامتيازات المهمة للمنتمين، لعل من اهمها ما يلي:

يحال الى التقاعد كل من كان بدرجة عضو فرع فما فوق.

يشمل قرار الاجتثاث من كان بدرجة عضو شعبة فما فوق وثبت عليه او عليها تهمة ارتكاب جرائم بحق الشعب العراقي مع توصيف تلك الجرائم.

يحال الى التقاعد كل من وصل سن التقاعد، وكذلك كل من لم يثبت بحقه ارتكاب الجرائم من المنتسبين الى الاجهزة الامنية من رتبة عقيد فما فوق.

ينقل العاملون في الاجهزة الامنية (الامن العام، جهاز الامن الخاص، الامن القومي، فدائيو صدام، الامن العسكري) الى مناصب موازية لدرجاتهم في الجيش والشرطة والقطاع المدني العام.

ثانيا: اجراءات الدمج والتأهيل، التي باشرت بتنفيذها مؤسسات الدولة العراقية، كالهيئة ورئاسة الوزراء وهيئات المصالحة الوطنية، وذلك عبرتشريع مجموعة من القوانين التي استثنت العدد الكبير من المنتمين الذين تم اجتثاثهم وتمت اعادتهم الى الخدمة المدنية.

وجاءت قرارات الاستثناء كما يلي:

اعادة (8000) من وزارتي الداخلية والدفاع الى وظائفهم، بالاضافة الى (1800) من وزارة الاعلام.

اعادة العشرات من قادة ضباط الجيش والمنتمين سابقا، الى مناصب قيادية في وزارة الدفاع والداخلية.

استثناء (8034) عضو فرقة في المحافظات، فوفقا للقرارات السابقة جرى استثناء أعضاء الفرق التالية أعدادهم في المحافظات التالية:

بغداد (2292) الأنبار (1237) ديالى (944) صلاح الدين (1037) نينوى (686) بابل (275) المثنى (222) الديوانية (278) كربلاء (140) البصرة (109) النجف (75) كركوك (576) ذي قار (61) واسط (63) ميسان (39) المجموع في 15 محافظة (8034) وهؤلاء تمت اعادتهم الى مناصبهم في دوائر محافظاتهم.

كما تم استثناء (7784) عضو فرقة وحسب الوزارات التالية:

الدفاع( 49) الخارجية (3) الداخلية (855) التعليم العالي (1232) التربية (4525) الصحة (99) الزراعة (152) النفط (93) الصناعة (130) الاعمار والاسكان (13) العمل والشؤون الاجتماعية (33) المالية (88) العدل (30) النقل (60) الموارد المائية (52) التجارة (61) الثقافة (10) الكهرباء (62) الاتصالات (23) البيئة (1) الاشغال والبلديات (106) العلوم والتكنولوجيا (33) التخطيط (17) الشباب والرياضة (15) مجلس الأمن القومي (1) ديوان الوقف الشيعي (1) بيت الحكمة (1) مجلس القضاء (9) أمانة بغداد (24) ديوان الرقابة المالية (2) ديوان الوقف السني (4) شؤون المحافظات (1) فيكون المجموع: (7784) قيادي تم اعادتهم الى مناصب مهمة في دوائر الدولة.

وحسب تقديرات الهيئة، فان 40 عضوا (سابقا) يعمل داخل قبة البرلمان.

مرحلة المفاوضات

لقد اجرت الحكومة العراقية والقوى السياسية المنظوية في العملية السياسية، بالاضافة الى القوات الاميركية، عدة مفاوضات مع مختلف الاجنحة، فقد تحدثت التقارير الخاصة والعامة، عن عدد من المفاوضات من اهمها كالتالي:

اولا: مفاوضات الجانب الامريكي، والذي اجرى عدة جولات، كان من اهمها:

مفاوضات بعد معركة الفلوجة، عام (2004) قامت بها القوات الامريكية مع عدة اجنحة من اجل وقف تداعيات احداث الفلوجة، وكشفت تقارير (حزب البعث) ان (بريمر) فوض قادته العسكريين لاجراء محادثات مع اجنحة (البعث) فتم اجراء عدة جولات في سويسرا واماكن اخرى من اوربا. وتذكر التقارير ان تلك المفاوضات قادها (عبد الامير الانباري) مندوب العراق السابق لدى منظمة اليونسكو في باريس، واشترط (البعثيون) في تلك المفاوضات اعادتهم الى السلطة ووقف الدعم لحكومة علاوي آنذاك، والغاء جميع قرارات بريمر، والافراج عن صدام والبعثيين الاخرين في السجون الاميركية.

مفاوضات السفير الامريكي زلماي خليلزاد مع جناح يونس الاحمد، فلقد ذكرت السفارة الامريكية في عام (2005) أنها اجرت عدة مفاوضات مع هذا الجناح، الذي اشترط في مفاوضاته اطلاق سراح المعتقلين، واشراك البعثيين في العملية السياسية والسماح لهم بالعمل في البرلمان والحكومة.

وقد كشف السفيرخليلزاد في مقابلة تلفزيونية، انه اجرى مفاوضات من هذا النوع قبل احداث سامراء وبعدها .

مفاوضات الجانب الامريكي مع جناح الدوري، في عام (2007) وذلك في العاصمة الاردنية عمان وبوساطة من الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، ربما للتدليل على وجود الدوري في اليمن، وقد قاد المفاوضات السفير الاميركي في صنعاء (ستيفن سيش) وكان شرط جناح الدوري في هذه المفاوضات، هو الاعتراف بـ (حزب البعث) كجهة شرعية لحكم في العراق، بالاضافة الى الاعتراف بالمجموعات المسلحة، والغاء قرارات الاجتثاث.

ثانيا: مفاوضات اطراف الحكومة العراقية، فمنذ حكومة علاوي ولحد الان، اجرت عدد من القوى السياسية الحكومية، مفاوضات مختلفة مع الاجنحة، منها:

اجرى وزير في حكومة علاوي مفاوضات مع فاضل المشهداني عضو القيادة القطرية الذي يرتبط معه بعلاقات قديمة، ولقد استهدفت المفاوشات اقناع المشهداني لتولي قيادة (البعثيين) ولكن باسم جديد، الا انه رفض العرض وانتهى الاجتماع من دون نتائج محددة.

وكان علاوي قد كشف في مقابلة اجرتها معه قناة (العربية) انه نظم، بناء على طلب من واشنطن، لقاءات بين مسؤولين اميركيين كبار ومندوبين عن (حزب البعث) من اجل اشراكهم في العملية السياسية في العراق، وكان هدف الاجتماعات ايجاد فهم مشترك بينهم وبين والادارة الاميركية، والتي كانت ممثلة على مستويات عالية، على حد قول علاوي، الذي لم يشر الى تواريخ هذه الاجتماعات، ولكنه اضاف بان ممثلين عن جناح الدوري حضروا الجلسات.

اما في زمن الجعفري، فقد تبنى مستشاريون في حكومته، عدة مفاوضات مع (البعثيين) ففي عام (2007) قام احد المستشارين بمفاوضات مع ضباط بعثيين سابقين من ابرزهم الفريق علي اللهيبي رئيس اركان فدائيي صدام و اللواء رياض عبد التكريتي و اللواء شبيب سليمان المجيد ورعد حماد شهاب واللواء الركن غزوان الكبيسي حيث غادر الاخير سوريا الى الاردن لهذا الغرض اكثر من مرة، والذي اصبح عضوا في القيادة القطرية التي تعمل تحت زعامة محمد يونس الاحمد.

حقائق ومواقف

بسبب تحول هذا الملف الى ازمة، تارة، والى سيف مسلط على رقاب العراقيين، للتلويح به كلما (عصوا) اوامر هذا الطرف او ذاك، اختلفت مواقف الفرقاء السياسيين منه، بل انه تحول عند البعض الى مادة دسمة للدعاية الانتخابية، تارة، والى مادة اعلامية للمزايدات من اجل التقرب من هذا الطرف الاقليمي او ذاك الدولي، تارة اخرى.

ومن اجل التمييز بين المواقفن ارتاينا تحديد قراءات مواقف الاطراف العراقية من اجل ان لا تختلط الاوراق ويعمم التقييمن فان في ذلك ظلم لاي طرف لم تات على لسانه مثل هذه المواقف، كما حصل في الاونة الاخيرة، عندما حمل الاعلام المعادي للعراق الجديد، كلام رئيس الوزراء السيد نوري المالكي، فوق ما يطيق، عندما حرف الكلام وغير المعاني وتلاعب بالالفاظ.

أولا: الحكومة العراقية التي اعلنت عن شروط متعددة للحوار مع (البعثيين) منها:

لا حوار مع البعثيين الملطخة ايديهم بدماء العراقيين.

لاحوار مع القاعدة وهيئة علماء حارث الضاري.

لا يمكن عودة (حزب البعث) الى الحياة السياسية لانها مخالفة دستورية.

الحوار مع (البعثيين) بشكل منفرد وشخصي.

التنديد بجرائم النظام البائد والاعتراف بالعملية الديمقراطية كشروط لعودة البعثيين الى الحياة المدنية.

ثانيا: موقف قوى جبهة التوافق وكتلة صالح المطلك، والذي اشترط ما يلي:

الغاء قرارات الهيئة والقوانين الاخرى المتعلقة بـ (حزب البعث) مثل قانون المساءلة.

العفو العام عن جميع المعتقلين، ومن دون شروط.

تعديل الفقرة السابعة من الدستور، والتي تعتبر (حزب البعث) حزبا فاشيا يحضر عليه العودة الى الحياة السياسية.

ثالثا: موقف الحزب الشيوعي، ويتلخص بالمحاور التالية:

ضرورة اعتبار حزب البعث حزب فاشي وعدم تعديل الفقرة السابعة من الدستور.

الغاء الهيئة، ورفض تعميم تجريم جميع البعثيين وتفعيل القضاء بشأن البعثيين الذين تلطخت ايديهم بدماء العراقيين.

لا مانع من عودة البعثيين للحياة السياسية وللخدمة المدنية ولكن بشكل منفرد وليس ضمن واجهة بعثية، واهمية اعطاء فرصة جديدة لهم.

رابعا: موقف الائتلاف الكردستاني، والذي تميزبالمحاور التالية:

عودة البعثيين للحياة السياسية مخالفة دستورية.

حصر تجريم البعثيين بالاشخاص الذين تلطخت ايديهم بدماء العراقيين.

الغاء قرارات الهيئة، ولامانع من عودة البعثيين للحياة السياسية بشكل منفرد.

خامسا: موقف المجلس الاعلى، والذي تميز بما يلي:

دعم مشروع الحكومة في المصالحة الوطنية ويعتبره مقدمة للتحسن الامني والاستقرار السياسي واعادة الاعمار.

رفض عودة (حزب البعث) للحياة العامة، لانها مخالفة دستورية صريحة.

رفض الحوار مع البعثيين الملطخة ايديهم بدماء العراقيين ويجب احالتهم الى القضاء ومحاكمتهم على الجرائم البشعة التي ارتكبوها بحق الشعب العراقي.

انصاف المظلومين من ضحايا النظام البائد وتفعيل المؤسسات التي تعنى بشؤونهم مثل مؤسستي الشهداء والسجناء السياسيين.

التعاطي الانساني مع الاشخاص المجبرين على الانتماء لـ (حزب البعث).

تفعيل القوانين والمؤسسات الدستورية التي شرعت بالتعامل مع الملف مثل قانون المساءلة والعدالة.

البعثيون المعارضون لنظام صدام، يجب التعاطي معهم كضحايا للنظام الديكتاتوري، الا انه من الصعوبة أن يكون وجودهم وتحركهم بأسم (حزب البعث) لمخالفة ذلك للدستور.

النتائج

من خلال ما تقدم، يبدو جليا ان جل (البعثيين) ممن ثبت للهيئة عدم تورطهم بدم العراقيين، اعيدت لهم حقوقهم، ان من خلال اعادتهم الى الخدمة العامة او من خلال احالتهم على التقاعد، مع حفظ كامل حقوق المواطنة للجميع.

ولم يبق منهم الا المتورطون بدم، سواء في زمن النظام البائد او في مرحلة ما بعد التغيير، وان اكثر هؤلاء لا زالوا يرفضون الاعتراف بالواقع الجديد، ويصرون على التشبث بعقلية الماضي المظلم، فلماذا، يا ترى، تصر بعض الاطراف المحلية والاقليمية والدولية، على اعادة تاهيلهم في الحياة العامة، كبعثيين، تحديدا؟.

ان لهذا الاصرار تفسير واحد فقط لا غير، وهو، ان من يصر على ذلك، انما يسعى بكل جهده لاعادة عقارب الساعة في العراق الى الوراء، والا، ماذا ينفع العراقيون عودة القتلة والمجرمين؟ وماذا يستفيد العراق من عناصر جبلت على القتل والتدمير والولوغ بدماء الابرياء؟.

لقد ظل العراق اسيرا بيد هؤلاء القتلة قرابة نصف قرن، لم ير منهم العراقيون الا التدمير والدماء والسجون والذبح ومطاردة الشرفاء وحلبجة والانفال والمقابر الجماعية والحروب العبثية، فلماذا الاصرار على اعادتهم للسلطة؟.

انها محاولات ابتزاز يمارسها من يكره العراق ولا يريد الخير للعراقيين، ولذلك يجب ان يتكاتف العراقيون ويرصوا صفوفهم حتى لا يتسلل مثل هؤلاء الى العملية السياسية، فيدمروا العراق واهله

اجمالي القراءات 8402
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق