المقاومة القذرة بين سقوطين

عثمان محمد علي   في الأحد ٢٩ - مارس - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً


المقاومة القذرة بين سقوطين

سهيل أحمد بهجت

كان يوم 11 آذار 1917 يوما هز المجتمع العراقي من الأعماق، فقد كان إيذانا بانتهاء الحكم العثماني الفاسد الذي لم يهتم بتاتا بتطوير العراق و إخراجه من طور البداوة و العشائرية سواء في الصحراء أو السهول أو تلك العشائرية التي استفحلت في المناطق الجبلية، و لكن هل استفاد العراقيون من الوجود البريطاني في العراق على غرار تجارب مماثلة مثل هونغ كونغ أو ماكاو؟ الحقيقة أن ذلك لم يحصل، فقد ارتكبت المرجعية الشيعية "الشيرازي" آنذاك أحد أكبر أخطائها حينما أوعزت إلى شيوخ العشائر و الوجهاء بالقيام بحركة أو "ثورة"!! ضد الوجود البريطاني، و كان ذلك في عام 1920 أي أن نواة دولة حديثة لم تكن قد نبتت بعد، كما أن سرعة إنجاز حكومة عراقية في ذلك الوقت هيأ العراق للدخول في صراع طائفي و قومي على السلطة، و كان هذا الصراع يتمظهر بمظهر "الشعارات الوطنية"، بينما كان في الواقع انقلابات و صراعات طائفية حادة.

للأسف، كانت المرجعية الشيعية، حالها حال المؤمنين بها، تتعامل مع شعارات الوطن و الانتماء إلى العراق بمقاييس متناقضة و مشوشة مدفوعة بالعاطفة أكثر من كونها ((تحركات عقلانية))، و بالإضافة إلى ما سبق فإن المرجعيات الشيعية أخطأت ثانية حينما انسحبت من بناء الدولة العراقية، و لسوء حظ العراقيين، فإن الشيرازي كان المرجع الأعلى و هو الذي كان يختلف كلّيّا عن آية الله كاظم اليزدي الذي لم يكن يرى أي مشكلة في التعامل مع البريطانيين، و كان أن فتح أية الله اليزدي أبواب المرجعية للمبعوث البريطاني ستورز الذي أعجب ببساطة هذا العالم البسيط و ذو السلطة الروحية، و هكذا ضيعت قرارات مستعجلة و خاطئة لكونها مبنية على العاطفة الدّينية و القومية فرصة مشاركة أغلبية العراقيين في بناء دولتهم (لاحظوا معي كيف أن حارث الضاري أثر سلبا على العرب السنة في إقناعهم بعدم المشاركة في الانتخابات و تبين مدى فداحة الخطأ في اتباع هكذا فتوى).

و حينما تم تهميش القطاع الأكبر من العراقيين في بناء البلد، أصبحت السلطة لقمة سائغة في أفواه القوميين و من شتى ألوانهم إضافة إلى الشيوعيين، و كانت النتيجة كارثية، فرغم مساويء العهد الملكي إلا أنه بدا بالمقارنة مع العهد الجمهوري الذي جاء بانقلاب دموي و كأنه حكم الملائكة و الأتقياء، فقد جلب عبد الكريم قاسم و اليساريون و القوميون عهود الدم و المشانق إلى العراق و ما جره البعثيون القتلة المنحطّون على البلاد كان أكبر من أن يتصوره حتى أكبر العقول الفكرية.

من المؤسف حقا، أن المرجعية الشيعية و الطبقة المثقفة في الوسط الشيعي (و التي كانت تكاد تكون المعارضة العراقية الأقوى للبعث) تبنت الخطاب الديني العاطفي و الذي لم يتضمن أي حديث عن الديمقراطية إلا في عراق ما بعد البعث و صدام و الذي أطاح به التحالف الغربي الديمقراطي عام 2003 و نحن هنا إذ ننتقد الخطاب الإسلامي لا ننتقده إلا من حيث كونه افتقر إلى البرنامج الوطني الذي يستطيع لم شمل المعارضة العراقية و توحيد كلمتها في وجه الفاشية و الطائفية البعثية.

مؤخرا و من خلال التجربة تبين لكتلة الائتلاف العراقي أن الإسلام السياسي ـ بالإضافة إلى كل خطابه الضعيف ـ لا يناسب العراق، بل و يضر بمستقبل الشعب و البلد و بالتالي لا بد من تغيير جذري فكري في تنظيم التحالفات السياسية على أُسس وطنية، و الإسلام السياسي هنا لا يختلف عن المناهج القومية في فشله كمشروع سياسي، إلا أن الدور السلبي لرجال الدين "الشيعة و السنة" هو الذي كشف للمواطن العراقي عن مدى خطورة الطائفية السياسية، فقد تبنى رجال الدين في كلا الطائفتين ـ مع استثناءات هنا و هناك ـ خطابات "المقاومة" و "مقارعة المحتلين"!! و "مواجهة الاستعمار"!! الأمر الذي جلب للبلاد الهلاك و الخراب و التخلف و الطبقية و قبل كل شيء قتل النفس الإنسانية المحترمة، فلا توجد مقاومة شريفة، بل كلها "مقاومة إرهابية إجرامية ملوثة" كان من واجب الأمريكيين و العراقيين أن يسحقوها بكل القوة، من هنا نجد أن "المـــــــقاومة القذرة" هي التي دمرت العراق من الشيرازي و حتى "الضاري".



Website: www.sohel-writer.i8.com





اجمالي القراءات 7760
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق