مع القرآن «كل نفس ذائقة الموت

عثمان محمد علي   في الجمعة ٢٧ - مارس - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً


مع القرآن
«كل نفس ذائقة الموت»
د. صلاح الخالدي
قال الله عز وجل: «كل نفس ذائقة الموت، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة، فمن زحزح عن النار، وأدخل الجنة فقد فاز، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور» (آل عمران: 185).
تقدم لنا هذه الآية مجموعة من الحقائق القرآنية القاطعة، ومعلوم أن حقائق القرآن يقينية صادقة مطردة، لا شك فيها ولا ريب، وهي مطردة غير مقيدة بزمان أو مكان، ومجالها واسع رحيب ممتد إلى قيام الساعة.
ولننظر مع ثلاث حقائق لهذه الآية، قد حوتها جملها وعباراتها، نظرة سريعة موجزة:
«كل نفس ذائقة الموت»: هذه بدهية متفق عليها، لا يناقش فيها ولا ينكرها إنسان مسلماً كان أو كافراً، متعلماً أو أمياً.. كل إنسان سيموت، مهما بلغ من العمر، ومهما اتخذ من احتياطات، ومهما فر من الموت. كما قال تعالى: «قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم، ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة» (الجمعة:8).
وكما قال ذلك الشاعر:
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره      تعددت الأسباب والموت واحد
وإذا كان الموت حقيقة متفقاً عليها، فلا يجوز أن نخاف منه، ولا أن يسيطر الخوف منه على أفكارنا ومشاعرنا وهواجسنا وتصوراتنا! بحيث نعطل حياتنا، ونهمل أعمالنا، بحجة الخوف من مجيئه، وبعض الناس - ومعظمهم من النساء - يتحول الخوف من الموت عندها إلى «حالة من الرهاب النفسي» بحيث يكون «كوابيس» في المنام تحرمها م لذة النوم، وإلى «أحلام يقظة» لا تفارق خيالها، فتتوقف وتتعطل!! اتصلت بي إحداهن وهي محطمة في نفسيتها ومشاعرها، ومعطلة لعملها وأسرتها وبيتها، وهي تشكو ما تعانيه من «الرهاب الموتي»!!.
أنا سأموت، وأن ستموت، وأنت ستموتين، وكل نفس ستموت، فلماذا الخوف منه؟ علينا أن «نتكيف» مع هذا الموعود القادم، وأن لا ندع التفكير فيه يعوقنا ويعطل أعمالنا.
ولكن عدم الخوف من الموت لا يعني نسيانه أو تناسيه، فالواجب على كل منا أن يبقى دائم الذكر له والتفكير فيه، وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك عندما دعانا إلى الإكثار من ذكره: «أكثروا من ذكر هادم اللذات ومفرق الجماعات». وقيل: يا رسول الله: من هو أكيس الناس؟ قال: من كان أكثرهم ذكراً للموت.
والذكر والتذكير الدائم للموت، يدفع المسلم إلى الإكثار من العمل الصالح، والتفاعل معه، وإحسانه وإجادته واتقانه، وحسن التخطيط المبرمج له، كما أوصانا أحد العلماء السابقين عندما قال: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً!
ولكن التخطيط الصحيح للعمل في الدنيا لا يعني أن نركن إليه، ولا أن ننشغل به عما سواه، فلا بد أن نضع في مخططنا وبرنامجنا «احتمال» انتزاعنا منه، ومجيء ملك الموت «المفاجئ» وهذا الاحتمال الدائم يدفعنا إلى «الاستعداد» الدائم لهذا الموعد الغيبي المحجوب عنا، فإذا دهمنا بقدومه لم نفاجأ به، ونكون مستعدين للارتحال معه، مغادرين أعمالنا وممتلكاتنا، برضى وتسليم!!
«وإنما توفون أجوركم يوم القيامة»: يخبر الله أن الدنيا ليست دار جزاء، فالجزاء في الآخرة، والموت ليس نهاية كل شيء، وإنما هو باب نمر به عندما نغادر دنيانا، ونعبره إلى العالم الباقي الدائم، إلى الدار الآخرة، حيث الخلود الأبدي، وإنها للجنة أبداً، أو النار أبداً.
هناك البعث، ثم الحشر والسوق، ثم الإيقاف في ساحة العرض والموقف، وفيها توضع الموازين، ويحاسب كل منا على كل ما عمل، ويحسب له مثقال ذرة الخير، ويحسب عليه مثقال ذرة الشر، وبعد الحساب العادل النتائج الصحيحة، فإما أن يأخذ كتابه بيمينه ويتوجه سعيداً إلى الجنة، وإما أن يأخذ كتابه بشماله ويساق ذليلاً إلى النار.
3- «فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز»: تبين هذه الجملة المعجزة أنهما في الآخرة «داران» اثنتان، لا ثالث لهما، فمن لم يكن منعماً في الجنة، فهو معذب في النار، وليس هناك احتمال ثالث، ولا يرد هنا أصحاب الأعراف لأن مآلهم إلى الجنة..
والرائع في صياغة هذه الحقيقة القرآنية أنها عبرت عن النجاة  من النار بالفعل الماضي: «زحزح» المبني للمجهول، وهذا الفعل يقدم لنا مشهداً قرآنياً مصوراً حياً عجيباً!!
إن «الزحزحة» عملية شاقة مجهدة فيها من الجهد والمشقة ما فيها.. وعندما تريد أن تحرك جسماً ثقيلاً على وشك السقوط الهاوي السحيق، فتأتي بأعوان يساعدونك على تحريكه و: «زحزحته» بضعة سنتمرات، حتى لا يفلت من أيديكم، ويقع في الهاوية.
وعندما أتخيل المشهد الحي الذي تصوره الجملة الفعلية: «زحزح عن النار» أرى رجلاً ضخم الجثة، ثقيل الوزن، جالساً على حافة بئر واسعة عميقة، مشتعلة ناراً، وتدلى معظم جسمه في البئر، ولم يبق منه إلا القليل من طرف الحافة، وما هي إلا لحظة حتى يهوي فيها.. وقبل أن يتم السقوط يسرع إليه مجموعة من الرجال الأشداء المنقذين، ويمسكون به.. ويعانون ما يعانون في تحريكه، وإبعاده عن الحافة.. ويستمرون في «زحزحته» بمشقة.. وأخيراُ ينجحون في إبعاده عدة سنتيميرات عن الحافة وتكتب له النجاة.ز يتنفسون الصعداء.
والآية حكيمة صادقة في التعبير عن النجاة من النار بالزحزحة، ويشير الفعل «زحزح عن النار» إلى «بُعد نفسي» عظيم فالزحزحة لا تكون إلا حركة مجهدة بطيئة، لأنه يواجهها «جذب» شديد أنت تزحزحه، وفي مقابلك «مغناطيس» جذاب يشده إليه أنت تشده إليه، وذلك الجاذب يشده إليه.. ونفس ذلك الشخص متعاونة مع ذلك الجاذب وليس معك!! ونجاحك محفوف بالمخاطر!! فما هو ذلك المغناطيس الذي يجذب الإنسان إليه؟؟ إنه «الشهوات» التي لها جاذبية قوية، لا يتخلص منها إلا المجاهدون لأنفسهم وأهوائهم وأعدائهم.. شهوة الجنس والنساء، وشهوة الملك والسلطان، وشهوة المال والجاه، وغيرها من الشهوات، تجذب الإنسان جذباً إليها، وتغريه بالاستمتاع بها وأنت تزحزحه لتبعده عنها.. وهو يتفلت منك إليها!!
إن من زحزح عن الشهوات المحرمة في الدنيا سيزحزح عن النار في الآخرة، وهذا يحكم له بأنه قد فاز!! ومن استسلم لإغراء الشهوات المحرمة، وسحبته جاذبيتها، فسوف تسحبه النار إليها، وبذلك يكون من الخاسرين!!

السبيل

اجمالي القراءات 11412
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   نعمة علم الدين     في   الجمعة ٠٣ - أبريل - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[36482]

الموت آت لا محالةولكن ...

"وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ..آل عمران145"


ليس المهم أن نفكر فى الموت وما سوف يحدث فيه ولكن المهم أن نستعد للموت بما يؤهلنا لنيل الثواب فى الآخرة ،فالموت آت لا محالة ، ولكن الفوز بالحياة الدنيا والآخرة لن يأتى إلا بالعمل والجهد والتعب ومراعاة حدود الله فى كل شيء، فلا ينبغي أن يكون الهدف من الحياة هو انتظار الموت والتفكير فيه ، ولكن الهدف الأسمى هو  رضى الله فى الدنيا والآخرة .


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق