حجية السنة النبوية و سيوف حجاجها

عثمان محمد علي   في الثلاثاء ١٧ - مارس - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً


علي ديوب
ali_day59@yahoo.com
الحوار المتمدن - العدد: 2587 - 2009 / 3 / 16


هو ممن يسيرون على أربع، و لا يستحق أن يكون إنسانا.. كانت هذه العبارة كافية لأن أتوقف عن التجوال بين قنوات عربية متناسخة.. تحت قمر يضحك على الجميع. و لكن لا شيء يستوقف المشاهد الملول أكثر من عبارة نافرة أو كلمة لاذعة أو خطاب حارق، في طور الاشتعال. كان المنبر هو قناة الجزيرة مباشر، في برنامج مسجل لندوة بعنوان" حجية السنة النبوية"، و الجزيرة هي من هي في لفت النظر. و لهذا حق لها- و صار هذا مألوفا- أن تستوقفك مقولاتها، التي لا تعرف تهدئة و لا هدنة. و أظن أن مستقبلها غني، بما تبشرنا به منطقتنا المحروسة بالاستبداد، و المحكومة بالثبات و السبات؛ فالساحة العربية تنتظر التوحد خلف راية طالبانية واحدة. هذا ما يقرئني إياه الانقسام الثقافي الحاد، الشديد، و المتنافي، بين الخطابين الطالباني الفتي و الآخر العلماني المريض و المتهالك.
عودة للندوة موضوعنا كان الخطيب حاسر الرأس، بلحية غزاها الشيب دون الشاربين. خلا نقاط لم تنل من السواد إلا لتزيد في سطوة علامة الشرف المثبتة، بين الأنف المتحدي بشموخ و إقدام و بين محبس اللسان الذي فكت قيوده، تحت قبة تلتمع في قمتها، و تدكن في جانبيها، و تشتد دكنة- حد التفحم- في موضع دائري صغير في الجبهة، يفترض أن يكون من أثر السجود.
علمت بعد فاصلته الجهادية بأنه دكتور- للأسف فاتني اسمه- يدافع عن الإسلام، في وجه دعواة تطالب بإلغاء السنّة، كليا أو جزئيا.
بدت فجاجة الشيخ أنها انعكاسٌ لإيمان مشكوك فيه، ذاتيا أولا. و قد تكون وليدة أثقال مضنية لإيمان أعمى و أعمه، حالت بينه و بين قابليته للاعتراف بمجرد وجود الآخر( الخصوم- الذين أعلن أنه لا يراهم). وارثا للعقلية البدائية، التي كانت تكسب الشخص اعتقادا بفاعلية مادية محايثة للفكرة(= التعزيمة ضد الشياطين)، فيتعامل مع الوجود بالكلمة: إنكارا، إلغاء، أو تحققا. و يختم الشيخ- الدكتور وصلته الجهادية بحديث عن شيخه يقول: لو أن كل كلب عوى ألقمته حجرا، لأصبح ثمن الحجر دولارا.
و ذلك بعد خطاب لاهب( أصالة عن نفسه و نيابة عن الأمة- بلغة دعاة الحسبة)، متجرد من لغة العقل، في أدنى مستوياتها. خطاب مزج فيه الهزء و السباب بالإنكار و التبرؤ. و التجريم و التحريم، بالتكفير و التحقير. و الشتم و التشهير بالوعيد و التهديد، محاولا أن يدب الرعب في قلوب الخصوم، و يدفعهم للاختباء و التراجع؛ بغية احتكار اللعبة، و الاحتفاظ بساحة المعركة خالية إلا من صولاته و جولاته و قوله الحق الفصل.
كان الشيخ- الدكتور يدير معركته بهمة و جدية و خطورة جانب، يمسخ أولئك الذين يقولون بنفي السنة النبوية الشريفة كليا إلى درك ما دون البشر" ممن يسيرون على أربع"، و بعد قليل يمحقهم تماما، بالحكم عليهم أنهم لا يستحقون أن يكونوا بشرا. و أما من ينفي السنة جزئيا فيكتفي المناضل المؤمن- أو المؤمن المناضل- بأسره، و الحجر عليه؛ إذ يحكم عليه أنه لا يملك ذرة عقل في رأسه. و لكن ماذا في رأسه؟ لعله سؤال يشغل بال الذين في قلوبهم خشية و في عقولهم فضول للمعرفة. ينقل الشيخ الدكتور عن شيخ آخر اكتشافه( اكتشاف شيخ الشيخ) العلمي الراجح بأن في رؤوسهم تراب. نعم تراب: لا مزاح. و حين يستحم أحدهم يدخل الماء من مسامات رأسه فماذا يحدث؟ يتشرب التراب الماء، فيتحول إلى طين. و بعد حين يتجاوز هذه النكته العلمية متقدما خطوة أخرى،و مرة ثانية بالاعتماد على شيخه، حين يتابع وضع الطين في رؤوس هؤلاء، بعد تجفافها( لانقطاع الماء عنها ربما)، فتتحول إلى رؤوس متحجرة. طبعا هي ليست من خامة المادة النضرة الحية الخضراء دوما، و التي يمتاز بها عقل الشيخ الدكتور، ربما لأنه من شعب الله المختار. و ليته اكتفى بهذه الحظوة التي اختصه الله و إخوانه بها، بل راح يشتم و يحقر و يبخس و ينجس من حرمه الهل من هذه المكرمة؛ بدلا من أن يشفق عليهم، و يتحسر على حرمان بني جلدته من نعمة الله، بل و يدعو لهم بأن يرأف الله الرحمن الرحيم بهم.
يا له من ضنين على الخلق بالنعمة التي وهبه الله! فلو كان بها جديرا، و لها مستحقا، و عليها أمينا؛ ألم يكن من واجبات العقيدة الدينية السمحة عليه أن يلفت نظر المخطئ لخطئه، و يدعوه للتفكر و التراجع، و أن يفدي خطيئته بإطعام عدد من المساكين، أو صيام أيام معدودات.. الخ؟ أم ان الشيخ- الدكتور غير معني بالمساكين، أو سواهم من الذين قام دينه في أصله على أكتافهم، و لا هو معني بالفروض التي يقتلنا بدعوى الدفاع عنها؟ و تحميلنا العدد اللامحدود و اللا معلوم و اللامتفق عليه منها( شهد العام الماضي لوحده عددا من التاوى و الحاديث، من نمرة حديث الإرضاع). موزعة بين عشرات آلاف الأحاديث المنسوبة للنبي العربي. و التي قر البحث العلمي على كذب آلاف منها. بل النسبة الأعظم. و أما النسبة الضئيلة المتبقية فلم يبت بتأكيدها، و تركت للترجيح. الأمر الذي قامت عليه دعوة من سموا أنفسهم بطائفة القرآنيين- و التي كانت مبرر عقد ندوة حجية السنة النبوية هذه.
لقد أجمع مقاتلو الندوة على أمر، كفروا من يخالفه، و هو أن السنة حق، و هي حق بكاملها. و هي و الدين سواء. فلا يصح القرآن من غيرها. و لا تؤخذ هي من دونه. و لقد وقفوا دفاعاتهم طيلة الندوة على السنّة، موضوع الندوة، باعتبار القرآن لا حتاج لمثل هذه الدفاعات؛ و مطابقين بين الاثنين، استشهادا بالآية" إنا نزلنا الذكر، و إنا له لحافظون". فهي لم تقل نزلنا القرآن. و هذا يعني أن كلا من القرآن و السنة في منزلة واحدة و معنى واحد، هو الذكر. و دار الإصرار عند نقطة مركزية تقول بأن إنكار جزء من السنة هو إنكار لها كلها. و هذه قاعدة ثبتها الشيوخ المتسامحون الرحماء فيما بينهم، الأشداء على الكافرين من المشاهدين. و الحاضر يعلم الغائب.
و لكن هم القرآنين؟ سؤال لا بد أن نحاول الإجابة عليه باختصار، مولجين بالقارئ المهتم للبحث و التزود بالمزيد حولهم، فقد يكون هذا ملحا، بناء على سرعة انتشار دعوتهم، و شدة الوطأة التي شكلوها على الفكر التكفيري- كما كشفت الندوة موضوعنا هنا.
بحسب ما هو منشور على الشبكة العنكبوتية، "القرآنيون" في مصر هم مجموعة يتزعمها الدكتور أحمد صبحي منصور المدرس السابق بجامعة الأزهر قبل أن يتم فصله ويهاجر إلى الولايات المتحدة. و هم قوم ينتسبون إلى القرآن الكريم
و لذلك سموا بالقرآنيين. وتقوم مبادئهم، التي يروجون لها عبر موقعهم الإلكتروني "أهل القرآن" ومركز أبحاث "القرآنيين العالمي"، على أن القرآن الكريم هو المصدر الوحيد للتشريع، و رفض الاستدلال بالأحاديث النبوية والقدسية، نظرا لوجود الكثير من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وهو ما يعني إنكار السنة.
لكن أيا من المعلومات التي مررت عليها لا تقول بأنهم متشددين في دعوتهم، و لا يعمدون إلى أساليب ترويعية لنشر حجتهم، كما هو مألوف لدى حراس العقيدة. ترى هل هبطت ثقة الحراس بما يحرسون؟ أم أنها أخلاق السلطة التي لا شريك لها في ديارالشرق- في الدين أم في السياسة و الحكم؟

اجمالي القراءات 7709
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق