يحدث في مصر الآن

  في الثلاثاء ٠٣ - مارس - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً


 

 

قبل عشرين سنة تقريبا، كتبت صحفية بريطانية تقريرا من القاهرة، وكان أفضل ما فيه 'أن أسوأ ما يحدث في مصر أن لا شيء يحدث على الإطلاق'.
كان الزمن بداية التسعينيات من القرن الفائت، وكانت أحزاب المعارضة الرسمية قد انتهت قصتها تقريبا، وبعد 15 سنة من بداية التجربة الحزبية الحالية، والمثقلة بتشوهاتها الخلقية، وكان نظام مبارك قد انتهى تقريبا من تنفيذ روشتة 'التثبيت النقدي' التي نصــــح بها صندوق النقد الدولي، وكان 'نادي باريس' قــد ألغى نصف ديون مصر، وكمكافأة للنظام على مشاركته في حرب الخليج الثانية تحت القيادة الأمريكية، ولم تكن قد بدأت بعد قصة بيع القطاع العام وخلع الركائز الإنتاجية، وكان باب الهـــروب لايزال مفتوحا للمصريين، والذين هربت ملايينهم المأزومة بحثا عن الرزق في جغرافيا العرب وفي جنوب أوروبا، وكانت الصدامات قد بلغت الذروة بين النظام وجماعات العنف الإسلامي، وخيم على البلاد جو من الركود لا يوحي بأن شعبا هناك ولا معارضة ولا مستقبل .
ولأن مصر بلد يشعر بسرعة ويتحرك ببطء، فربما كنا وقتها بحاجة لانتظار إلى عقد ونصف آخر، وحتى تبدأ موجة القلق السارية من أربع سنوات إلى الآن، وقد بدأت بقلق سياسي متمرد عبرت عنه ظاهرة كفاية وأخواتها، ثم قلق اجتماعي أوسع مع نهايات عام 2006، فقد ضاقت منافذ الهروب على المصريين بعد احتلال العراق، وانتهى الاقتصاد إلى خراب شامل بنهب عام غير مسبوق، وتحول النظام إلى حالة تركز عائلي، ومن حولها مماليك ومليارديرات العائلة المباركية، ووصل تضخم قوة الأمن الداخلي ـ والتي زاد ثقلها في مواجهة العنف الإسلامي ـ إلى حدود مخيفة، وصار تعدادها أكبر من حجم الجيش بثلاثة أضعاف تقريبا، بدا كأن المصريين قد أحيط بهم، وبدأت حالة من التربص الذاتي، وبالذات مع انكشاف عورات الاقتصاد، وهو ما بدا أثره ظاهرا في انتفاضة 6 نيسان (ابريل) 2008، فالاقتصاد ريعي الطابع، وأقرب إلى التسول، وغالب موارده ـ بعد تجريف انتاجية الزراعة والصناعة ـ من رسوم المرور في قناة السويس، ومن عوائد السياحة، ومن تحويلات عمل المصريين في الخارج، ومع موجتي أزمة الاقتصاد العالمي، أزمة ارتفاع أسعار الغذاء، وتليها الأزمة المالية، بدا اقتصاد النظام الهش عرضة للخطر الماحق، وبدا أننا بصدد التدهور إلى إشهار حالة الإفلاس، وتلاشى مقدرة النظام على تقديم رشاوى اجتماعية يشتري بها عمرا إضافيا، فوق الانسداد السياسي الذي انتهى إليه من سنين، وانكشاف عورات خدمته المشينة لإسرائيل في حرب غزة الأخيرة، وعلى خلفية المأزق المستحكم بحلقاته الضاغطة، تحول المشهد المصري إلى إضرابات اجتماعية تلاحقت على خريطة العام الجاري، وخلقت بيئة ملائمة ليقظة أشواق التغيير السياسي، وهو ما بدا ظاهرا بشدة في عودة 'كفاية' إلى الشارع، وفي ائتلاف حركي مع 'شباب 6 نيسان (ابريل)' وجماعات التغيير الشبابي والطلابي، وهو الائتلاف الموسع الذي صنع حدث 21 شباط (فبراير) الأخير أمام جامعة القاهرة وتحت قبتها الشهيرة .

ما الذي يحدث بالضبط ؟

ما الذي يحدث بالضبط ؟، باختصار، راجعت كفاية أوراقها، واكتشفت ـ ببساطة ـ أن دورها الأول كنداء للتغيير قد انتهى، وأحدث أثره، وأن مئاتها الأولى التي اقتحمت حاجز الخوف أدت مهمتها، وشجعت مئات الآلاف ـ ربما الملايين ـ من المصريين للتظاهر والإضراب والاعتصام السلمي، وفي موجة عصيان ظاهر لتحكمات وأوامر النظام، وفي سياق تغيير جوهري في قواعد اللعبة، وأن عليها ـ كفاية ـ أن تتصور لنفسها دورا آخر، وأن تستفيد من جاذبية اسمها وسمعتها وتكوينها في لعب دور جوهري في مقام آخر، وهو بناء حركة تغيير بروح التمرد السياسي، وطرحت 'كفاية' خطتها الجديدة إلى العلن منذ أوائل عام 2008، وتزايد الإلحاح عليها بعد انتفاضة 6 نيسان (ابريل) بالذات، كانت الفكرة ـ ببساطة ـ هي بناء ائتلاف واسع لأكثر العناصر تقدما في الحركة السياسية والحركة الاجتماعية وقطاعات المثقفين المنشقين، ومن حول سيناريو تغيير بالغ الوضوح والقطع، ودارت حوارات مجهدة حول 'مشروع بيان تأسيسي' لائتلاف المصريين من أجل التغيير الذي دعت إليه كفاية، وانتظمت الحوارات ـ بعد انقطاع ـ على مدى الشهور الأخيرة، ثم كانت النقلة متواقتة بالضبط مع العودة للشارع في مظاهرة 21 شباط (فبراير) التي شارك بها آلاف الطلبة من كافة التيارات، فقد توصلت الحوارات ـ يوم 22 شباط (فبراير) ـ إلى اتفاق على نص بيان يؤكد أنه 'لا حل لأزمة مصر بغير الانهاء السلمي للنظام القائم، والتحول إلى حكم الشعب عبر فترة انتقالية لمدة سنتين، تدير البلاد خلالها رئاسة محايدة وحكومة ائتلاف وطني، تستعيد هيبة مصر ومكانتها ودورها القيادي عربيا، وتسترد استقلالنا وإرادتنا الوطنية، وتقيم الديمقراطية و حكم القانون والتوزيع العادل للثروة، بإنهاء حالة وقانون الطوارئ، وإيقاف العمل بتعديلات الانقلاب على الدستور، وتصفية تركة الاعتقال السياسي والمحاكمات العسكرية والاستثنائية، وإطلاق حريات الصحافة وتكوين الأحزاب والجمعيات والنقابات وهيئات التدريس واتحادات الطلاب ونقابات العمال والفلاحين، وضمان حقوق العمل والتحصين ضد الفصل التعسفي، وكفالة حريات الاجتماع والتظاهر والاعتصام والإضراب السلمي، وضمان الاستقلال الكامل للقضاء وإدارته التامة للانتخابات والاستفتاءات بكافة أنواعها وفي كافة مراحلها، ووقف تصدير البترول والغاز لإسرائيل، واستفتاء الشعب في إلغاء الالتزام بقيود معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ووقف برنامج الخصخصة ورفض المعونة الأمريكية وحل هيئاتها، والتأكيد على تطوير طابع إنتاجي للاقتصاد، وإعادة توزيع الدخل القومي، وتنمية استثمار عام كثيف العمالة، وتنفيذ خطة عاجلة لمضاعفة نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح، ووقف مسلسل طرد الفلاحين من الأرض، وضمان ايجارات عادلة للأراضي الزراعية والمساكن، ومضاعفة دعم الخبز والخدمات الأساسية، وتقرير الأجر العادل برفع الحد الأدنى للأجور بما يوازن انفلات الأسعار، وصرف إعانة بطالة للعاطلين، والإعداد لدستور ديمقراطي شعبي جديد يجري إقراره ـ في نهاية فترة الانتقال ـ بجمعية تأسيسية منتخبة '.

العصيان المدني

المقتبس الطويل نسبيا من بيان الدعوة لائتلاف التغيير بدا ضروريا لإيضاح المعنى، فنحن بصدد سيناريو محدد الملامح والمهام، وبصدد سيناريو يسبقه لإنهاء النظام غير الشرعي القائم 'بسبل المقاومة السلمية والعصيان المدني' على حد تعبير البيان نفسه، وقد انطلقت في القاهرة حملة لحشد توقيعات الشخصيات والهيئات والجماعات الراديكالية، وهو مالا يستثنى جماعة الإخوان التي بدت كعاتها مترددة إلى الآن، ولا ينتهي الشوط ـ بالطبع ـ عند إصدار بيان مزين بتوقيعات جليلة، بل يمتد إلى مهمة أعقد هي بناء الائتلاف نفسه، وإلى النظر في اقتراحات من نوع توجيه خطاب تنحي لمبارك، وتسليم البلاد لحكم ائتلاف وطني، والاتفاق على شخصية صالحة لرئاسة البلاد في مرحلة الانتقال، وتوفير قيادة سياسية مدنية ترفض حكم العسكر إذا وقع الحريق الاجتماعي، وتشق طريقا سلميا آمنا للخلاص الديمقراطي .
كاتب مصري

اجمالي القراءات 7262
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الجمعة ٠٦ - مارس - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[35412]

أجندة جديرة بالقراءة

 لا شك أن هذا المقال يتضمن أجندة جديرة بالقراءة والمناقشة وخاصة الجزء الذي يحدد  مطالب إصلاحية هي على التوالي وبنص الكاتب : (إطلاق حريات الصحافة وتكوين الأحزاب والجمعيات والنقابات وهيئات التدريس واتحادات الطلاب ونقابات العمال والفلاحين، وضمان حقوق العمل والتحصين ضد الفصل التعسفي، وكفالة حريات الاجتماع والتظاهر والاعتصام والإضراب السلمي، وضمان الاستقلال الكامل للقضاء وإدارته التامة للانتخابات والاستفتاءات بكافة أنواعها وفي كافة مراحلها، ووقف تصدير البترول والغاز لإسرائيل، واستفتاء الشعب في إلغاء الالتزام بقيود معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ووقف برنامج الخصخصة ورفض المعونة الأمريكية وحل هيئاتها، والتأكيد على تطوير طابع إنتاجي للاقتصاد، وإعادة توزيع الدخل القومي، وتنمية استثمار عام كثيف العمالة، وتنفيذ خطة عاجلة لمضاعفة نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح، ووقف مسلسل طرد الفلاحين من الأرض، وضمان ايجارات عادلة للأراضي الزراعية والمساكن، ومضاعفة دعم الخبز والخدمات الأساسية، وتقرير الأجر العادل برفع الحد الأدنى للأجور بما يوازن انفلات الأسعار، وصرف إعانة بطالة للعاطلين، والإعداد لدستور ديمقراطي شعبي جديد يجري إقراره ـ في نهاية فترة الانتقال ـ بجمعية تأسيسية منتخبة '.


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق