ما الذي ينهار اليوم في أميركا؟:
ما الذي ينهار اليوم في أميركا؟

محرر الموقع   في السبت ٠٤ - أكتوبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً


ما الذي ينهار اليوم في أميركا؟

 

مقالات متعلقة :

GMT 10:30:00 2008 السبت 4 أكتوبر

 

فـؤاد النمري


كنت أعدّ للكتابة حول الأزمة المالية الراهنة في الولايات المتحدة بصورة رئيسية عندما أرسل إلي بعض الأخوة الشيوعيين يطلبون مني أن أكتب في الإنهيار المالي والإقتصادي في الولايات المتحدة وعلاقته بما وصفوه ب " نظريتي " حول انهيار الرأسمالية .

كنت في كتابي " أزمة الإشتراكية وانهيار الرأسمالية " الصادر قبل خمسة عشر عاماً قد أكدت انهيار الرأسمالية في السبعينيات وشرحت ذلك بتفصيل أكثر في كتابي " جديد الإقتصاد السياسي " الموجود في موقعي على الشبكة،  كما في مقالة خاصة في أكثر من صحيفة ألكترونية تؤكد أن النظام الرأسمالي كان قد انهار أساساً في سبعينيات القرن الماضي وصدر نعيه بصورة رسمية في " إعلان رامبوييه " الصادر عن أول مؤتمر للدول الصناعية الغنية الخمسة (G 5) في قلعة رامبوييه في باريس في نوفمبر 1975 . إن لم يدرس السياسيون والاقتصاديون آنذاك واقع الإنهيار في النظام الرأسمالي ولم يعترفوا به فذلك لن يغيّر في الأمر شيئاً . ما أطلق عليه الأخوة اسم " النظرية " ليس فيه من سمات النظرية أي سمة إنما كان وصفاً حيّاً للواقع، واقع استبدال نظام الإنتاج الرأسمالي في العالم الرأسمالي نفسه بما يسمى تعسفاً بالإقتصاد الإستهلاكي (consumerism)، وهو اقتصاد الطبقة الوسطى التي حلّت محل الطبقة الرأسمالية في الحكم وفي قيادة المجتمع، الطبقة الوسطى التي لا تنتج سوى الخدمات بالأسلوب الفردي .

ما زال الكثيرون يستغنون عن دراسة الإقتصاد الجديد في البلدان الرأسمالية سابقاً ويتحدثون حديث ماركس قبل ما يزيد على قرن ونصف القرن، يتحدثون عن أزمة كساد تعطل السوق الرأسمالية وتهدد نظام الإنتاج الرأسمالي بالانهيار وهي الأزمة الدورية التي تحدث عنها ماركس في نقده للإقتصاد الرأسمالي في العام 1845 . مثل هؤلاء لم يمتلكوا من النقد الماركسي للإقتصاد الرأسمالي حرفاً بالرغم من أن بينهم من يحمل درجة الدكتوراه في الإقتصاد . منذ عشرات السنين لم يعد في البلدان الرأسمالية سابقاً أي نظام رأسمالي للإنتاج ينظّم الإنتاج فيها ولم يعد فيها سوق بالمعنى العلمي للكلمة وفق القواعد الرأسمالية التي أولها قانون القيمة الرأسمالية . ما ينهار اليوم هو ما سمي تعسفاً بالإقتصاد الإستهلاكي أو بالتعبير الأدق (consumerism) وهو نمط الإقتصاد النافي جذرياً للإقتصاد الرأسمالي حيث تنحو الكونسيومارزم إلى زيادة الإستهلاك إلى ما يزيد عن الإنتاج، بالعكس تماماً من الإقتصاد الرأسمالي الذي فحواه توفير جزء من الإنتاج، وينعكس ذلك في نمو رؤوس الأموال وفي التمدد الرأسمالي على الدوام . بدل التمدد الرأسمالي لدينا اليوم إنكماش في الإنتاج الرأسمالي وتمدد في الإنتاج الفردي غير الرأسمالي، وتقلص في أعداد البروليتاريا يصل إلى 30% في بريطانيا وأكثر من ذلك في الولايات المتحدة، يقابله تمدد متزايد للطبقة الوسطى التي تعتمد في إنتاجها على الوسيلة الفردية . ما ينهار اليوم هو النظام الإستهلاكي الذي تحولت إليه مجموعة الخمسة الأغنياء (G 5) قبل أكثر من ثلاثة عقود، ولذلك رأينا الأزمة ذات طبيعة مالية وتنشب في المؤسسات المالية، البنوك وشركات التأمين وأمثالها، وليس في المؤسسات الصناعية التي تراجعت منذ عشرات السنين إلى الصفوف الخلفية في الدول الرأسمالية سابقاً .

لنعد إلى البند الحادي عشر من إعلان رامبوييه الذي يقول .. " ستبذل السلطات النقدية ـ في الدول الخمسة المشتركة بالإضافة إلى إيطاليا التي انضمت في نهاية المؤتمر ـ كل جهودها لمقاومة كل تغيرات غير متوقعة في أسعار الصرف في أسواق العملات " . قد يناسب البعض أن يفسر القرار بحماية أسواق الصرف من المضاربات الكبيرة، لكن مثل هذا التفسير لا ينفي تثبيت عملات الدول الخمسة (stabilization) وأهمها الدولار حول أسعار متفق عليها بين هذه الأطراف الخمسة . لقد فتح ذلك القرار الخطير الباب عريضاً لتهرب الولايات المتحدة من مسئوليتها، وهي مسئولية سيادية، في توفير غطاء حقيقي لعملتها، الدولار . كانت ألمانيا الهتلرية قد عبثت بقواعد النقد العالمية وأنفقت على حربها ماركات بلا رصيد أو غطاء . وردا على مثل هذا الاستهتار بقواعد النقد العالمية انعقد مؤتمر عالمي في بريتونوود في الولايات المتحدة عام 1944 تقرر فيه نظام الغطاء الذهبي لعملة أي دولة بنسبة لا تقل عن 20% . مؤتمر رامبوييه أعفى الولايات المتحدة من الغطاء الذهبي ومكنها من العبث بقواعد النقد العالمية واقتفاء أثر ألمانيا الهتلرية في إصدار عملتها بلا أي رصيد ودون أي غطاء . لا أدري فيما إذا كان زعماء الدول الصناعية الكبرى الخمسة بالإضافة إلى رئيس إيطاليا على علم تام بأن مثل هذا القرار الخطير من شأنه أن يفصل هذه الدول فصلاً قاطعاً عن نظام الإنتاج الرأسمالي الذي ينتظم فقط من خلال تحويل النقد إلى ما يعادله من بضاعة ثم تحويل البضاعة إلى ما يعادلها من نقد . أما أن تتدخل قوى من خارج دورة الإنتاج الرأسمالي لتثبيت قدرة النقد من حيث قيمته الذهبية وقطع العلاقة المتحركة ما بين النقد والبضاعة، وهو ما فعلته قرارات رامبوييه، فلا بدّ أن ينجم عن ذلك سد مجرى الدائرة الحيوية للنظام الرأسمالي (نقد ـ بضاعة ـ نقد) . لدى النظر في هذه المسألة لا بد من الأخذ في الحسبان الأزمة الطاحنة التي كانت تعاني منها أميركا وقد أصيب دولارها بعدة نكسات خطيرة بسبب النفقات الباهظة في حرب فيتنام اضطرت إدارة نكسون إلى الخروج من معاهدة الغطاء الذهبي (بريتونوود) عام 1971 مما زاد من زعزعة الثقة بالدولار فكان أن خفضت قيمة الدولار  (devaluation)ثلاث مرات في سنتين متواليتين 1972و 1973 دون جدوى مما دفع بوزير المالية إلى استدعاء نظرائه في الدول الأربعة الغنية الأخرى لعقد محادثات في واشنطن في نوفمبر 1974، سميت بمحادثات المكتبة، وفيها حذّر الوزير الأميركي نظراءه من أنه إذا ما انهار الإقتصاد الأميركي فإن إقتصاداتهم لن يتأخر انهيارها بحكم ترابط النظام الرأسمالي العالمي، ولن يكون باستطاعتهم مقاومة المد الشيوعي بدون الولايات المتحدة . لذلك اتفق وزراء المالية الخمسة على عقد مؤتمر قمة خماسي يعلن قرارات إعلان رامبوييه .

الكفالة الدولية لعملات الدول الخمسة بالإضافة إلى إيطاليا ليست ذات قيمة اعتمادية فعلية، فالولايات المتحدة لم يعد لديها الذهب الكافي لغطاء عملتها وكانت قد انسحبت من معاهدة بريتونوود، التي تستوجب من كافة الدول الموقعة عليها غطاء ذهبياً لنسبة 20% من كتلتها النقدية، وهو ما زاد من تدهور الدولار فاضطرت إلى خفض قيمته ثلاث مرات متوالية في السنتين التاليتين لأن إنتاجها الصناعي لم يقوَ أيضاً على حمل كتلتها النقدية الضخمة . تلك الكفالة الجوفاء المستندة إلى القوة وليس إلى الذهب أو الإنتاج سمحت لتلك الدول " الغنية " أن تسرق العالم من خلال إصدار أوراق مالية دون حساب . لكن ما هو أخطر من هذا كان إلغاء القيمة الرأسمالية لعملات تلك الدول، وبذلك انقطعت تلك العلاقة الجوهرية بين النقد من جهة والبضاعة من جهة أخرى فغدا الدولار هو الثابت بحكم الكفالة الدولية، والذهب أو البضاعة هو الطرف المتحرك وهذه الحقيقة الفاعلة منذ العام 1975 هي التي نسفت النظام الرأسمالي من أساسه . منذ ذلك الحين أخذت الدول السبعة الكبرى (G 7) دوراً أشبه بدور المرابي، بل أسوأ منه، تتاجر بالعملات، تطبع وتبيع سندات مالية كاذبة دون أن تنتج ما يسدد قيمتها أو أي جزء من قيمتها . هؤلاء اللصوص يسرقون العالم ويفترسون عمال العالم بصورة وحشية في عصر الكونسيومارزم.

البند رقم 12 من إعلان رامبوييه ليس أقل سوءاً من سابقه ؛ وهو ينص على أنه .. " ستقوم الدول الصناعية الغنية بتغطية العجوزات في الموازين التجارية للدول النامية " . ظاهر القرار يبدو كما لو أنه كرم وإحسان لا مثيل لهما من جانب الدول الخمسة الغنية، أما حقيقته فهي شيطانية وجهنمية . إثر النجاحات الكبرى التي حققتها حركة التحرر الوطني وشروع كافة الدول التي فكت الروابط مع المراكز الرأسمالية ببناء اقتصاد وطني مستقل بمساعدة الدول الإشتراكية ما بين 1946 ـ 1972 أمسكت أزمة قاتلة في العام 1971 بخناق النظام الرأسمالي في العالم تمثلت بكساد مطبق بعد أن فقدت المراكز الرأسمالية أسواقها . القرار بتغطية العجوزات في الموازين التجارية للدول النامية استهدف أولاً التخلص من البضائع الكاسدة في أسواق المراكز الرأسمالية خاصة وأن مثل هذه البضائع الكاسدة هي بضاعة استهلاكية ولا تساعد بحال من الأحوال في تدعيم أو بناء إقتصاد وطني مستقل ؛ كما استهدف أيضاً تهديم كل ما تم إنجازه في بناء إقتصاد وطني مستقل . في العام 1975 عند إعلان رامبوييه كان مجموع الديون الخارجية في العالم حوالي 70 مليارا من الدولارات فقط ؛ بعد خمس سنوات فقط وصل مجموع الديون الخارجية إلى أكثر من 2000 ملياراً أي أنها تضاعفت ثلاثين ضعفاً ! لقد فتحت الدول الرأسمالية الغنيه خزائنها على مصاريعها لتغرف منها الدول النامية ما لا تحتاج من الأموال شرط أن تستورد بها بضائع استهلاكية . ما لم يستطع أن يراه جيرالد فورد، الرئيس الأميركي، وهارولد ويلسون، رئيس وزراء بريطانيا، وفاليري جيسكار دستان، الرئيس الفرنسي، وهيلموت شميدت، مستشار ألمانيا، وتاكيو ميكي، رئيس وزراء اليابان، المجتمعون في قلعة رامبوييه في باريس في السادس عشر من نوفمبر 1975 هو أن قرارهم بإغراق الدول النامية بفيض من الدولارات كان من شأنه أن يقضي تماماً على نظامهم الرأسمالي الذي اجتمعوا لإنقاذه وأن ينقل العالم من النظام الرأسمالي إلى النظام الإستهلاكي (consumerism) . ما يستوجب التأكيد عليه في هذا السياق هو أن كل مفاعيل قرارات رامبوييه وتداعياتها المختلفة ما كانت لتكون لولا أن الثورة الإشتراكية كانت قد دخلت منذ العام 1954 في جزر متواصل بفعل القيادة البورجوازية الوضيعة في الحزب الشيوعي السوفياتي .

منذ أن دخلت أميركا الحرب في فيتنام عام 1959 ظل الإنفاق العام فيها يتجاوز مجمل الإنتاج . خروجها مهزومة من الحرب عام 1974 لم يوقف هذا التجاوز حيث دخلت في العام التالي في مرحلة " الإقتصاد " الإستهلاكي . منذ ثلاثين عاماً أو أكثر والولايات المتحدة تستدين كل يوم من الدول الخارجية ملياري دولار لتغطي نفقاتها . ديونها الخارجية المعلنة تزيد اليوم على 16 تريليون دولار وهو ما يساوي 150% من مجمل إنتاجها القومي . أما ديونها الداخلية غير المعلنة فيتوقع أهل الاختصاص أن تصل إلى ضعف دينها الخارجي، أي ما يزيد على 32 تريليون دولار، وبذلك يكون مجموع ديونها أكثر من 48 تريليون دولار وهو ما يساوي زهاء خمسة أضعاف مجمل إنتاجها القومي وهو بالأسعار الأميركية الخاصة يصل إلى 11 تريليون بينما هو في الحقيقة أقل من ذلك بكثير . والحقيقة الأخرى، وهي الأهم، هي أن الكتلة النقدية للولايات المتحدة اليوم هي ما يقارب برأي بعض الخبراء مائتي تريليون دولار وهو ما يتجاوز بكثير حدود كل الثروات الأميركية بمختلف أشكالها .  أمام مثل هذه الحقائق الصارخة لا يمكن لأي باحث يحترم علمه أن يوافق على أن نظام الإنتاج في الولايات المتحدة ما زال رأسمالياً . الحقيقة الأولى في علم الإقتصاد تقول أن نظام الإنتاج هو ما يحدد حدود الإستهلاك والاستهلاك الأميركي تجاوز كل الحدود الرأسمالية منذ خمسين عاماً . الكونسيومارزم هي المجهول الذي قفز إليه دهاقنة النظام الرأسمالي الإمبريالي في العام 1975 هرباً من الشيوعية بالرغم من أن مشروعها اللينيني كان في طور الاحتضار.

السؤال الفيصل في هذا السياق والذي لا بد أن يسأله الكثيرون، هو .. طالما أن الإقتصاد الأميركي هو بمثل هذه الرثاثة والاهتراء فلماذا لم تنهر الولايات المتحدة حتى اليوم ؟؟

الإقتصاد الأميركي في النهاية ليس مستقلاً بذاته . الدول الغنية الأخرى هي من يكفل العملة الأميركية وبناء على هذا السند القوي (غير المادي) تنفق الولايات المتحدة دون حساب، تنفق حقيقةً على حساب كل الدول والشعوب التي تشتري الدولار وأولها اليوم هو الصين الشعبية (الشيوعية) . كنت أثناء كتابتي " أزمة الإشتراكية وانهيار الرأسمالية " في العام 92 قد توقعت ألا يعمّر الاقتصاد الاستهلاكي أكثر من خمسة عشر عاماً  على أبعد تقدير، تنهار بعدها الولايات المتحدة فالعالم لن يتحمل تغطية الإنفاق الأميركي أكثر من ذلك بالرغم من أن الولايات المتحدة تلجأ لإطلاق مدافعها بين الحين والآخر من أجل أن تعزز ثقة العالم بالدولار .  وها هو العالم قد تحمّل بعد الحرب الأولى على العراق ثم الحرب على أفغانستان وبعدها الحرب مرة أخرى على العراق حتى هذا العام 2008، فهل يتحمل أكثر وهي تنفق 700 مليار دولار أخرى على شراء مساكن المفلسين من مواطنيها دفعة واحدة ؟

المعروف عن النظام الرأسمالي أنه لا يبني شققاً لعماله الذين يسكنون عادة في أكواخ الصفيح، وأن الرأسماليين لا يتاجرون في بناء المساكن، وهي تجارة لا تنتمي لأسلوب الإنتاج الرأسمالي . أزمة الرهن العقاري ناجمة عن تجارة البنوك في بناء المساكن وبيعها بالدين مرهونة حتى تسديد كامل قيمتها بالإضافة إلى الفوائد وهي تجارة خطرة اضطرت إلى ممارستها البنوك نظراً لانكماش الإنتاج الرأسمالي بدلا من التوسع الطبيعي المتواصل . عادة الإستهلاك المتفاقم لدى الشعب الأميركي حملت الطبقة الوسطى إلى شراء المساكن متجاوزة قدرتها على تسديد  قيمتها . عندما توقف التسديد نهائياً لم يكن من خيار أمام البنوك سوى استعادة المساكن المرهونة وإعلان الإفلاس المالي .

امتلاك المساكن الجديدة هو نمط واسع من أنماط الإستهلاك، وعندما وصل التباين أو التناقض بين الإنتاج والاستهلاك النقطة الحرجة انفجر هذا التناقض ليعلن الإفلاس العام للبنوك والمؤسسات المالية المرتبطة بها . إذا لم تكن هذه الأزمة من العمق والقوة بحيث تعصف بالنظام الأميركي الإستهلاكي بداية ثم بكل الإقتصاد الإستهلاكي في العالم كله فإن المجتمع الأميركي سيصل إلى أزمة أخرى أعمق وأقوى من الأزمة الحالية قريباً جداً، ويرجح أن تكون بسبب عجز الحاملين لبطاقات الائتمان عن تسديد مستحقاتها، البطاقات التي هي التعبير الأمثل لحمى الإستهلاك في الكونسيومارزم، وسيعز كل علاج لها ولن يكون حينذاك سوى الإنهيار الإقتصادي الشامل في العالم كله الذي جرّاءه سيعاني العالم من كارثة تاريخية كبرى ويدخل في نفق مظلم ليس في نهايته إي نقطة ضوء وذلك بسبب انحسار قوى الإشتراكية في العالم الذي كان قد بدأ بقيادة خروشتشوف للثورة الإشتراكية في العام 1954، وكنت قد كتبت عن كارثة الإنهيار في أكتوبر من العام المنصرم تحت عنوان "ماذا لو انهارت الولايات المتحدة الأميركية؟".

الإدارة الأميركية تقترح الآن معالجة الأزمة بشراء أصول الإفلاس من البنوك بمبلغ إجمالي يصل إلى 700 مليار دولار . من المرجح أن المدافع [IN GUN WE TRUST]، التي تطلق النار في حروب دورية لتعيد الثقة بالدولار ويقبل العالم على شرائه من جديد، لن تعود قادرة على إستعادة الثقة مهما أطلقت من قنابل وأشعلت من حروب بعد أن غمرها طوفان آخر، طوفان الرهن العقاري قبل أن يجف طوفان الحرب العراقية . بعد إسعاف الإفلاس يرجح أن يتوقف الصينيون عن مبادلة صادراتهم بالدولار، وأن يتوقف العرب وسائر الدول المنتجة للنفط أيضاً عن بيع النفط بالدولار وسينهار النظام الأميركي إذّاك من أساساته الضعيفة المصطنعة ويجر معه كل الإقتصادات الإستهلاكية في العالم . مئات المليارات التي ستضخها الإدارة إلى خزائن البنوك الأميركية المفلسة لن تكون على حساب دافعي الضرائب الأمريكان فقط بل أيضاً على حساب كل من يختزن الدولار في العالم كله، على حساب الصين واليابان والسعودية وعرب الخليج وروسيا والإتحاد الأوروبي والآخرين . الاستغناء عن مثل هذه المعالجة الغبية ربما يكون أقل خطراً على النظام الاستهلاكي الأميركي ويطيل عمره لوقت قصير آخر . فليفلس عدد من البنوك الأميركية لصالح دولار ما زال يجتذب بعض الثقة من الذين يضطرون إلى المحافظة على ثقة متكلَّفة وهم مالكو الأوراق الخضراء.

الكونسيومارزم التي انطلقت الطبقة الوسطى تبنيها منذ العام 1975 عمّرت لأطول من عمرها القصير . الطبقة الرأسمالية تقيم نظاماً اقتصاديا راسخاً يستطيع أن يوفر للمجتمع أسباب الحياة، ومثلها تستطيع البروليتاريا أن تبني نظام إنتاج يوفر الرفاه للمجتمع، أما الطبقة الوسطى فليس لديها أي مشروع يسند المجتمع بأي شكل من الأشكال . إنها لا تنتج إلا الخدمات والخدمات لا تصنع ثروة . تدّعي كذباً أنها تنتج معرفة وأن المعرفة هي العامل الحدّي في تحديد القيمة ولذلك أخذت تبادل خدماتها بأضعاف قيمتها وهو ما يعني أنها تنفق على حساب البروليتاريا ؛ والبروليتاريا وبالرغم من فقدانها روح المبادرة والحس الثوري إلا أنها لا تستطيع أن توفر الإنفاق المتزايد للطبقة الوسطى وإدمانها على الإستهلاك . انكسرت السكة التي يسير عليها قطار الكونسيومارزم الذي يحمل الطبقة الوسطى في عرباته وها هي ورشة الإدارة الأميركية تسارع لإصلاح السكة بنفقات تصل إلى 700 مليار دولار لكن الكسر أكبر من قدرة الورشة على الإصلاح . عداك عن سرقة العالم عن طريق السندات المالية الفالصو، فإن البروليتاريا الأميركية لم يعد عندها ما تقدمه للطبقة الوسطى كيما تتمادى في الإستهلاك ولم تعد قادرة على شراء خدمات الطبقة الوسطى بأضعاف قيمتها من السلع ؛ لذلك حان موعد رحيل نظام الطبقة الوسطى، الكونسيومارزم، وها نحن نرى إنتاجها من الخدمات يتراجع بقوة فيفقد الآلاف وظائفهم الخدمية يومياً . حان رحيل نظام الطبقة الوسطى حتى وإن لم يكن هناك بديل جاهز وفي هذا أكبر خطر على مصير البشرية .

فـؤاد النمـريwww.geocities.com/fuadnimri01

 
اجمالي القراءات 8450
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق