الفقر.. المارد الذي يطارد المواطن العربي..!!

صلاح الصيفي   في الخميس ١٤ - أغسطس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً



"لو كان الفقر رجلا لقتلته" .. هكذا قال سيدنا على بن أبي طالب عن الفقر الذي أصبح من أخطر أمراض العصر التي تطارد الملايين من المواطنين العرب، وذلك على الرغم من أن الوطن العربي في مجموعه تتوافر له موارد هائلة من النفط والغاز الطبيعي والثروات المعدنية وثروات المحاجر التي تعج بها الصحاري العربية، ومن الأراضي القابلة للزراعة والثروات الحيوانية والسمكية، والأهم من كل ذلك من البشر، بما يؤكد أن الفقر المنتشر في ربوع الوطن العربي الكبير هو نتاج النظم السياسية ـ الاقتصادية ـ الاجتماعية ـ غير العادلة وغير المعنية حتى بمكافحة الفقر أو بتمكين الفقراء من مساعدة أنفسهم، وهو نتاج حكومات جائرة تنفق على الأمن ومكافحة الشغب والجريمة أكثر مما تنفق على التنمية ولا تجد من يحاسبها على فقر مواطنيها الذي يعتبر، من وجهة نظري، أكبر جريمة يمكن أن يرتكبها الإنسان في حق إنسان آخر. مصر وطوابير الخبز




ونماذج الفقر في الدول العربية عديدة، فإذا بدأنا بأكبر دولة عربية من حيث عدد السكان وهي مصر، نجد أن الحال يوما بعد يوم يزداد سوءاً وأن الطبقة الفقيرة في مصر تزداد يوما بعد يوم وربما حادثة وفاة أحد المواطنين في طوابير الخبز التي تشبه الخناقات في احدي حواري مصر فجرت هذه الأزمة وجعلت الجميع يشعر بالخوف أكثر علي مستقبل مصر وبدأت في تحريك جميع الوحدات الوطنية والشعبية في مصر مطالبة الحكومة بتوفير الغذاء والحياة الكريمة لهم بعد أن فشلو على مدار السنين السابقة في عيش حياة بالكاد تسمي البسيطة.


والكثير منا لا يعلم أن عدد المصريين الذين وقعوا تحت خط الفقر من حيث الإنفاق قد بلغ قرابة ال 15 مليون مواطن، وإذا أضيف عليهم فئة الفقراء المعتدلين فسوف يرتفع العدد ليصل إلي 48% من إجمالي سكان مصر.. أما عن عدد الفقراء من حيث الدخل فقد بلغ نحو 64% من السكان منهم 36% تحت خط الفقر... ولقد سجلت محافظات الوجه القبلي أعلي نسبة من حيث عدد الفقراء فوصلوا إلي 34.95% من سكان تلك المنطقة.. وبرغم تحقيق مصر لمعدل نمو وصل إلي 4.4% خلال الفترة من 1980-1999، إلا أنه قد ارتفع عدد الفقراء بها حتي أصبح أكثر من نصف سكان مصر يقعون تحت خط الفقر.


البحرين والصلع المعيشي
أما في البحرين فللصورة وجه آخر، إذ يقر مركز الدراسات والبحوث (الحكومي) بأن كل مواطن يحصل على راتب أقل من 300 دينار فهو تحت خط الفقر، ومع ذلك تصر الدولة على تحديد الحد الأدنى للرواتب بـ 200 دينار لمواطنيها؟! في البحرين تتحدث الدولة عن (تحسين) ظروف المواطنين المعيشية ثم تصر وزارة الإسكان على حرمان قطاع عريض من الشعب من مكرمة ملكية جاءت شاملة ولم تستثن أحدا، مدّعية أنهم لا يستحقونها ماداموا يتقاضون رواتب تزيد على 500 دينار، وكأنها تتحدث عن (ثروة) يتسلمها المواطن أول كل شهر؟!!


وكل التصريحات الحكومية في البحرين تتضمن عبارة (تحسين) معيشة المواطنين، رغم أن معظم المواطنين يعانون من (الصلع) المعيشي الذي لا ينفع فيه (التحسين)، ولذلك نجد أن المواطن البحريني غالبا ما يتساءل متى ستتبنى الدولة إجراء عمليات لتحسين مستوى معيشة المواطن ؟ خاصة إذا علمنا أن البحرين تعتبر أول دولة خليجية اكتشف في أراضيها النفط، وأقل دولة خليجية من حيث السكان، وأول دولة خليجية نفطية يعيش مواطنوها على الكفاف .


اليمن وتزايد الفقر
وفي اليمن تعتبر مشكلة الفقر من المشكلات الرئيسية والخطيرة في الوقت ذاته بل والمتصاعدة أو المتنامية بصورة مستمرة، إذ نجد انه في عام 1992م قدر نسبة الفقر المطلق أو الأعلى في اليمن ب19.1% من إجمالي عدد السكان وبلغت نسبة فقر الغذاء 9% من إجمالي عدد السكان، ومن الملاحظ أن هذه النسب قد أخذت بالتصاعد السريع، حيث بلغت نسبة السكان الذين يعانون من الفقر المطلق حوالي 27% بحسب مسح ميزانية الأسرة لعام 1998م وارتفعت نسبة السكان الذين يعانون من الفقر الحاد أو فقر الغذاء إلي 19%، ثم استمرت نسب الفقر بالارتفاع فبلغت نسبة السكان الذين يعانون من فقر الغذاء حوالي 27.1 من إجمالي عدد السكان بحسب المسح الوطني لظاهرة الفقر لعام 1999م، وبلغت نسبة السكان الذين يعانون من الفقر المطلق حوالي 34.9% من إجمالي عدد السكان بحسب نفس المسح السابق، وتعكس هذه النسب خطورة أوضاع المعيشة لحوالي 6.9 مليون مواطن يعانون من الفقر وأبعاده المختلفة، ناهيك عن الأعداد الأخرى التي تعيش حول خط الفقر والمهددة بالوقوع في مصيدته.


نصف الجزائريين فقراء
وقد نشر تقرير في أحد الصحف الوطنية بالجزائر، محددا نسبة الفقر بالجزائر بـ40 بالمئة، وذلك في غياب دراسات جادة تصدر من جهات حكومية، حول واقع الفقر في الجزائر علي غرار ما هو مسجل في أغلب الدول العربية والإسلامية.


وقد أكدت بعض الدراسات والأبحاث التي كشفت أن أكثر من 45 بالمئة من الأجراء يعيشون تحت الخط الأدني للفقر بالجزائر، فيما توصلت دراسات أخري إلى تأكيد أن نصف المجتمع الجزائري فقير باعتبار أن ملف الخوصصة وغلق أكثر من 40 ألف مؤسسة ترتب عنه تسريح حوالي 500 ألف عامل، انضمت عائلاتهم إلي دائرة الفقر. حيث يكشف آخر تصريح لوزير التضامن الجزائري أن نسبة الفقر لا تتعدي 8 بالمئة.


وصرح الدكتور فارس مسدورد أحد رجال الأعمال بالجزائر في نفس التقرير أن الخبراء الدوليون لا يزالون يرفضون المعيار العالمي للفقر، الذي يحدد الدخل اليومي لغير الفقراء بما يتجاوز 2 دولار، أي ما قيمته 140 دينار جزائري، التي يبدو جليا أنها لا تغطي الاحتياجات اليومية الأساسية من غذاء وكذا الحد الأدني من الاحتياجات الأخري للعائلة، وهنا يذهب الدكتور إلي التمسك بالتعريف الإسلامي للفقير وهو الشخص الذي لا يملك قوت يومه وفي حالة ترجمة هذا التعريف بالأرقام، حسب الدكتور مسدور، فينبغي علي رب العائلة أن يتقاضي مالا يقل عن 500 دينار في اليوم، فإذا تم تطبيق هذا المعيار علي الأجراء في الجزائر نجد أن أغلب العائلات في الجزائر فقيرة.


أسباب الفقر
إن أمثلة الفقر في الدول العربية عديدة وربما تحتاج كتيبات لرصدها وكذلك النسب مرتفعة وتزداد يوما بعد يوم، ولكن التساؤل الذي يطرح نفسه هنا هو، ما هي أسباب انتشار الفقر في الدول العربية على الرغم من الثروات الهائلة التي أنعم الله بها على تلك الدول؟ هناك أسباب عديدة نذكر منها على سبيل المثال:


- غياب الفكر الرشيد: حيث اعتبر محمد البرادعي رئيس منظمة الطاقة الدولية أن غياب الفكر الرشيد يعتبر السبب الرئيسي لانتشار الفقر الشديد بالدول العربية الأمر الذي قد يؤدي إلى ظهور الإرهاب وممارسة العنف، مضيفا أن الإنسان المقهور مادياً ومعنوياً يلجأ إلى العنف للتنفيس عن سخطه وفقدانه للأمل، مطالبا بتطبيق نظام سياسي يستظل الجميع بمظلته يحمي الأقلية قبل الأغلبية، ويحقق السلام الاجتماعي، مشيرا إلى أن الفقر يعتبر أحد الأسباب الرئيسية للإرهاب.


- والسبب الثاني هو التخلف التقني الذي حال دون استثمار الموارد الكبيرة في الوطن العربي، أي عدم القدرة على استصلاح الأراضي، وعلى سبيل المثال فإن أراضي السودان تكفي لإطعام العرب كلهم من الحبوب والفواكه.



- من أهم الأسباب المؤدية للفقر في البلدان العربية هي السياسات التي تطبقها الحكومات العربية، والتي في غالبيتها تقاعست عن القيام بخطط تنمية حقيقية، واكتفت بما يمكن تسميته بـ"تنمية شكلية"، هدرت فيها القدرات والإمكانات والفرص، وبعض تلك الحكومات مارست عملية نهب منظمة لإمكانيات الدولة والمجتمع، وراكم مسؤولون فيها ثروات، تم إيداعها في بنوك واستثمارات في الخارج، كما في مثال بلد يبلغ عدد سكانه أقل من عشرين مليون نسمة، ويعيش نحو نصف سكانه تحت خط الفقر العالمي في حين يبلغ حجم أموال أغنيائه ومعظمهم من المسؤولين والمسؤولين السابقين في الخارج ما بين مئة ومئة وخمسة وعشرين مليار دولار حسب تصريح أحد وزرائه.


- الفساد: لاشك أن الفساد يُعدّ السبب الرئيسي في انتشار ظاهرة الفقر في الوطن العربي، خاصة أن قضايا الفساد عالمياً تصل إلى القمة، لكن في الوطن العربي فإنها مغطّاة وغير شفافة، هذا بالإضافة إلى ظاهرة العسكرة في العالم العربي، فمتوسط إنفاق الفرد على الدفاع عالمياً (141) دولاراً، وفي الدول النامية (34) دولاراً، وفي الكويت (2019) دولاراً، وفي سلطنة عمان (1149) دولاراً للفرد.


- غياب الديمقراطية وانعدام الشفافية يعتبران من أهم أسباب انتشار الفقر في الوطن العربي ، فكثير من الحكام العرب يعيشون في أبراج عاجية منعزلة عن الشعوب ، غير مباليين بما يعاني منه المواطن العربي، بل أصبح الحفاظ على الكرسي وسرقة أموال الشعوب العربية أهم أهداف الحكم السلطوي في الوطن العربي ، لدرجة أننا دائما ما نسمع عن أرقام فلكية لثروات الحكام العرب في بنوك الغرب.


- ومن أسباب الظاهرة أيضا تركيب المؤسسات، وعلاقات الناس بها حتى في الدول العربية التي فيها ثروات كبيرة، إذ نجد أن الثروات تتجمع لدى شريحة معينة من المجتمع، وكذلك طبيعة المشاركة في عملية الإنتاج، لأن مجرد عملية النمو الاقتصادي وتراكم الثروة بدون مشاركة أكبر قطاع من الناس سوف يحرم العديد من الناس، والخلل في الإدارة ونتائجه له دور أيضاً.


محاربة الفقر
بناءا على ما سبق ، فلابد على الحكومات العربية أن تفيق من نومها العميق وأن تخرج من أبراجها العاجية لمحاربة ظاهرة الفقر التي تفتك بالملايين من الشعوب العربية، خاصة إذا علمنا أن الهوة بين الفقراء والأغنياء تتزايد يوميا.


إن خفض الفقر واللامساواة في الوطن العربي يتطلب من البلدان العربية وضع برامج إنمائية خاصة تنسجم مع البيئة الاقتصادية والثقافية المحلية، والتمسك بدولة الرعاية الاجتماعية، وهذا الشرط ضروري في مرحلة الانتقال من الاقتصاد التجاري المتخلف الذي يسود في معظم الاقتصاديات العربية، والاقتصاد المتقدم المعتمد على الصناعة والمعرفة، وعند تبني ذلك الاختيار نرى انه من الأفضل أن يصار الى تحسين مناخ الاستثمار سواء المحلي منه أو الأجنبي، ولتحقيق ذلك كله على الشعوب العربية أن تفرض سيادة القانون والحكم الصالح الذي بدونه تبقى كافة السياسات والبرامج بلا فائدة تذكر.


إن الوطن العربي يذخر بخبراء الإقتصاد المميزين والذين يضعون دائما حلول عملية للحكومات للخروج من بوتقة الفقر المدقع الذي يعاني منه الملايين في الوطن العربي، ولكن غياب الديمقراطية والشفافية وتفشي الفساد وانعدام برامج الإصلاح السياسي .. تؤدي جميعها إلى انعزال الحكام عن الشعوب وزيادة معدلات الفقر، بمعنى أن الفقير يزداد فقرا، والغني يزداد غني، لذلك فلابد من إرادة عربية موحدة على مستوى الشعوب للمطالبة بالتغيير والإصلاح الكلي لكافة المؤسسات الحكومية.

اجمالي القراءات 8580
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق