السعودية تهدر فرصة أخرى لتجديد نظامها السياسي الشائخ*

عمران سلمان - آفاق   في الجمعة ١٨ - يوليو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً



مع اقتراب انقضاء ثلاثة أعوام على تسلم العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود للحكم في صيف عام 2005، يبدو أن الآمال الكبيرة التي علقت عليه بشأن الإصلاح قد تبددت أو في طريقها للتبدد. ويشعر المزيد من المواطنين والمثقفين السعوديين بخيبة أمل جراء ذلك.

مقالات متعلقة :



وتبين أحداث الأشهر والسنوات الأخيرة أن الجناح المعادي للإصلاح داخل العائلة السعودية المالكة قد نجح في تحقيق مكاسب واضحة.


فقد تم توجيه ضربات مؤلمة للحركة الإصلاحية من كافة التوجهات، عبر اعتقال رموزها وتطويق وغلق منابرها الإعلامية والثقافية. وفي الوقت نفسه جرى تعزيز نفوذ المؤسسة الوهابية والمتشددين، وخاصة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.


فما الذي حدث وأوصل الامور إلى هذه النتيجة؟




بداية مشجعة ولكن ..


في الأول من أغسطس عام 2005، أعلن رسميا وفاة العاهل السعودي السابق الملك فهد بن عبد العزيز. وبموجب النظام الوراثي المعمول به في السعودية وباقي دول الخليج العربية، فقد توج ولي العهد آنذاك الأمير عبدالله بن عبد العزيز آل سعود ملكا للسعودية.


وحتى ذلك الوقت كان ينظر للملك عبد الله في العديد من الدوائر الغربية والسعودية على أنه شخصية إصلاحية، تتميز بالانفتاح وتشجيع التحديث والتطوير في المملكة وإن تسلمه قيادة البلاد من شأنه أن يدفع بالملفات العالقة والخاصة بالإصلاحات السياسية وقضايا الأقليات والمرأة إلى الأمام.


وقد سعى الملك عبد الله نفسه إلى ترسيخ هذا الانطباع. ففي عام 2004 قال للصحفيين ردا على ما أثير بشأن دور المرأة في المملكة "إن مسيرة الإصلاح في السعودية ماضية ولكن خطوة خطوة". (1)


وفي عام 2007 قال الملك عبد الله في مقابلة مع صحيفة فرانكفوتر الجماينه "إن المملكة سوف تواصل إصلاحاتها بما يتماشى مع طبيعة الحياة ومقتضيات زماننا والتي تتطلب الحركة والتغيير والتجديد نحو الأفضل.. إنشاء الله". (2)


ولإعطاء مصدايقة لتوجهاته الإصلاحية بدأ الملك عبد الله عهده بالعفو عن ثلاثة من أبرز دعاة الإصلاح الدستوري والحركة المدنية، وهم الأكاديميان د.متروك الفالح ود. عبدالله الحامد والشاعر على الدوميني، بعد قضائهم 18 شهرا في السجن، من أصل فترة عقوبة تبلغ 10 سنوات، بسبب دعوتهم إلى تحويل السعودية إلى ملكية دستورية ومبادرتهم لكتابة مسودة دستور إسلامي. وقد تم منعهم من السفر عقب الافراج عنهم.


كما رعى الملك عبد الله حينما كان وليا للعهد حوارا وطنيا هو الأول من نوعه بين رجال الدين من الشيعة والسنة والصوفيين في يونيو 2003، وشارك فيها 35 رجل دين من مختلف التوجهات. واعتبر عدة نشطاء من الأقلية الشيعية بالذات أن هذا شكل أول اعتراف رسمي بهم من جانب الدولة السعودية.


وشهدت الصحافة السعودية في عهد العاهل الجديد مساحة أكبر من حرية التعبير عن الرأي وخاصة صحف الوطن والرياض، حيث شهدت تنوعا في الآراء والتعليقات الجريئة، وحضورا لبعض الشخصيات الليبرالية والنسائية.




تلاشي زخم الإصلاح


لكن القضايا الرئيسية المتعلقة بالإصلاح لم يطرأ عليها اي تغيير جوهري. فالحوار الوطني أفرغ من محتواه، ورغم أن جولاته التي بلغت سبع جولات وعقدت في مناطق مختلفة من المملكة، استمرت حتى الآن، إلا أنها لم تحقق أي إنجاز على الأرض وتحولت مع الوقت إلى جلسات لتبادل الأحاديث وإصدار التوصيات التي لم ينفذ أي منها.


كما لم تر توصيات المشاركين في الجولة الأولى من الحوار النور، حيث دعوا في ختام المؤتمر إلى تسريع عملية الإصلاح السياسي في المملكة، وتوسيع المشاركة الشعبية من خلال انتخاب أعضاء مجلس الشورى، ومجالس المناطق وتشجيع تأسيس النقابات والجمعيات التطوعية ومؤسسات المجتمع المدني. وطالبوا بالمزيد من المشاركة السياسية وتوزيع عادل للموارد في البلاد.


ولم تطور القيادة السعودية أية آليات لإشراك الأقلية الشيعية أو الفئات الجديدة من الليبراليين والتكنوقراط في صناعة القرار، كما لم يصدر من الحكومة ما يفيد السعي لتطوير انتخابات المجالس البلدية والتي جرت بصورة جزئية، أو النية لانتخاب أعضاء مجلس الشورى بدلا من التعيين.


ورغم تزايد المطالب من جانب الناشطات النسويات السعوديات، بإعطاء المرأة حقوقها الأساسية مثل الحق في قيادة السيارة، إلا أن القيادة السعودية تمسكت بموقفها الرافض، متعللة بأن المجتمع السعودي محافظ وأنه لا يتقبل فكرة أن تقود امرأة سيارتها بمفردها، رغم أن هذا المجتمع نفسه كان قد تقبل خروج الفتيات للتعليم النظامي عام1955 بفضل إصرار القيادة السعودية وقتها على تعليم المرأة، رغم رفض المجتمع لذلك في البداية.




الحملة ضد الحركة الإصلاحية


بيد أن التطور الأبرز في ميدان التراجع عن الإصلاحات، كان قيام السلطات السعودية وبأوامر مباشرة من وزير الداخلية الأمير نايف بحملة اعتقالات واضطهاد غير مسبوق ضد الشخصيات المطالبة بالإصلاح من كافة الاتجاهات، بلغت ذروتها عام 2007 ولاتزال متواصلة حتى اليوم.


ففي يوم الاثنين الماضي (19/5/2008) اقتحمت قوات من المباحث العامة السعودية جامعة الملك سعود في الرياض واقتادت الإصلاحي المعروف د. متروك الفالح إلى السجن. ولم تقدم السلطات السعودية أي توضيح لخطوتها، كما لم تعلن أية اتهامات محددة للفالح. لكن يعتقد أن الاعتقال جاء عقب زيارته للمحامي والأكاديمي السابق وأحد رموزالإصلاح الدستوري في السعودية عبد الله الحامد الذي يقضي مع شقيقه عيسى فترة السجن في معتقل بريدة.


وعقب الزيارة نشر الفالح يوم الأحد (18/5/2008) بيانا على عدة مواقع على الانترنيت ينتقد فيها النظام القضائي السعودي والظروف السيئة للسجن. (3)


والحامد وهو محامي وأكاديمي سابق، صدر ضده وشقيقه عيسى حكم بالسجن في نوفمبر 2007 لعدة أشهر، بسبب حثهم مجموعة من النساء للتظاهر عند مباني وزارة الداخلية في مدينة بريدة للاحتجاج على اعتقال أزواجهن أو اخوانهم من دون تهمة. وبعد أن فشل الاستئناف الذي تقدما به، ذهبا بنفسيهما إلى السجن في شهر مارس 2008.


وفي 5 مايو/أيار الجاري وجه الإدعاء العام السعودي إلى الناشط الليبرالي البارز رائف بدوي تهمة "إنشاء موقع إلكتروني يسيئ للإسلام" وأحال القضية إلى المحكمة وطالب بمعاقبته بالسجن خمس سنوات وغرامة قدرها 3 ملايين ريال سعودي (حوالي 800 ألف دولار أميركي).


وكان الإدعاء قد احتجز بدوي في مارس 2008 لمدة يوم واحد للتحقيق معه حول موقعه الإلكتروني "الليبراليون السعوديون" الذي يستخدمه لنشر تفاصيل الانتهاكات التي ترتكبها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتشكيك في التفسير السائد للدين الإسلامي، وطلب منه إغلاق الموقع. وبعد تهديده واعتقاله بسبب نشاطاته الإلكترونية اضطر بدوي إلى مغادرة السعودية إلى جهة غير معلومة.


كما اعتقلت السلطات المدون المعروف فؤاد الفرحان في شهر ديسمبر 2007، (الذي يعرف أيضا بأبو البلوغرز السعوديين) لمدة أربعة أشهر. ولم توجه إليه أية تهمة، وإن كان يعتقد أن الاعتقال جاء بسبب فضحه للراوية الرسمية التي سعت لإلصاق تهم الإرهاب ببعض الإصلاحيين المعتقلين.


وفي شهر فبراير/ شباط 2007 داهمت قوات الأمن السعودي فيلا المحامي السعودي عصام بصراوي بجدة واعتقلته هو وخمسة من أبرز الدعاة إلى الإصلاح. ثم ألقي القبض على أربعة آخرين في جدة وفي المدينة المنورة. والعشرة هم محامون وأطباء وأساتذة جامعيون، ومن بينهم قاض سابق.


وباستثناء بصراوي الذي أفرج عنه لأسباب صحية، لا يزال الآخرون في السجن ودون أن توجه لهم رسميا أي تهمة.


كما اعتقلت مباحث أمن الدولة السعودية الناشط الإصلاحي محمد البجادي يوم الأربعاء 9 يناير 2008 في بلدة بريدة بشمال المملكة.


ومن لم يطله الاعتقال تعرض إلى التهديد والملاحقة. فقد شكا أستاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة بجامعة القصيم الإصلاحي المعروف عبد الكريم بن يوسف الخضر من تعرضه للمضايقات والتهديدات من قبل الاجهزة الأمنية. وفي بيان أصدره بتاريخ 28 أبريل 2008، قال الخضر وهو أيضا رئيس فريق الدفاع عن الإصلاحيين المعتقلين عبد الله الحامد وشقيقه عيسى الحامد إن جهات وسيارات مشبوهة عرضت حياته وحياة أسرته للخطر في مدينة بريدة بالقصيم.


كما شملت حملة إسكات الأصوات الإصلاحية بعض الكتاب السعوديين الذين اعتادوا على نقد التوجهات الأصولية.


فقد ذكر الكاتب الليبرالي والأكاديمي السعودي محمد بن علي المحمود في 4/11/ 2007 إن قرارا صدر من مجلس جامعة القصيم تخت ضغط التيار المتشدد يقضي باقصائه من التدريس بقسم اللغة العربية، وتحويله إلى عمل إداري "خشية على عقائد الطلاب مما يعتبرونها أفكارا منحرفة وانعزالية يلقيها عليهم في المحاضرات". (4)




تعزيزنفوذ المؤسسة الوهابية


وبالتوازي مع الحملة الأمنية على الإصلاحيين، جرى تعزيز نفوذ المؤسسة الوهابية وأداتها في السيطرة على المجتمع السعودي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. (5)


ويعتقد أن وقوف الجناح المتشدد في العائلة المالكة السعودية خلف الهيئة قد جنبها الكثير من الضغوط، بما في ذلك الدعوات الصادرة من عدد من المثقفين والكتاب السعوديين لحلها أو وضع ضوابط على نشاطها.


ففي كلمته في اختتام الملتقى التوعوي الأول الذي حمل شعار "خير أمة" ونظمته الهيئة ورعاه بنفسه، قال أمير منطقة الرياض سلمان بن عبد العزيز أن الدولة السعودية أعطت جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الصلاحية في استعمال اليد لتغيير المنكر وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "كاد يكون ركناً من أركان الإسلام". (6)


كما دافع وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبد العزيز عن جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وجه الدعوات المطالبة بحلها قائلا "إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ركن من أركان الإسلام". وأضاف في تصريحات أدلى بها بعد لقائه بمجلس الشورى السعودي يوم 1 يوليو 2007 "إذا كنا مسلمين يجب أن نعرف هذا، وإذا كان غير ذلك فليس هذا وطناً لغير المسلمين". (7)


وفي لقاء مفتوح بالجامعة الإسلامية في المدنية المنورة دافع رئيس مجلس الشورى السعودي الدكتور صالح بن حميد عن رجال الدين المتشددين وقال "إن بعضهم يقصدون التحوط بسد الذرائع وآخرون يريدون التيسير على الناس وكلاهما ينشد إبراء الذمة". كما نفى وجود ما يسمى بالإسلام المتسامح مؤكدا أن الإسلام هو الإسلام. (8)


وبدلا من التخفيف من قبضة المؤسسة الوهابية على المجتمع، قرر الجناح المتشدد فيما يبدو إسناد أدوار جديدة للمؤسسة، في معركته ضد التغيير والإصلاح والتحديث.


فقبل أيام من انعقاد مؤتمر الحوار بين الطوائف الإسلامية الذي دعا إليه وافتتحه العاهل السعودي الملك عبد الله في مكة المكرمة وحضره عدد كبير من رجال الدين السنة والشيعة (5/6/2008)، أصدر 22 من كبار رجال المؤسسة الوهابية يتقدمهم الشيخان البارزان عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين وعبد الرحمن بن ناصر البراك بيانا شديد اللهجة يكفرون فيه الشيعة ويحذرون فيه العالم السني من التقارب من الشيعة. وكان واضحا أن الهدف من البيان هو التشويش على مؤتمر الحوار وإفشاله. (9)


كما اعتادت نفس المجموعة على إصدار بيانات تكفر فيها الطوائف الإسلامية الأخرى وباقي الأديان، بالإضافة إلى التحريض على القتال في العراق ومساندة الحركات الإسلامية المتشددة مثل حركة حماس.


ودشنت المؤسسة الوهابية هذا العام حملة شرسة ضد الكتاب والمثقفين الليبراليين السعوديين، كان أخطرها إصدار رجل الدين الوهابي البارز عبد الرحمن البراك فتوى بالتكفير والتحريض على قتل الكاتبين الليبراليين في صحيفة الرياض اليومية المحلية، يوسف أبا الخيل وعبد الله بن بجاد العتيبي بسبب مقالات نشراها في الصحيفة. (10)


كما شن عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء والبحوث العلمية في السعودية الشيخ صالح بن فوزان الفوزان هجوما شديدا على الليبراليين، حيث نزع عنهم صفة الإسلام واعتبر أن "كل من يقول بأنه مسلم ليبرالي متناقض ويحب عليه ان يتوب إلى الله ليكون مسلماً حقا"ً. (11)


وتسبب انتقاد حاد وجهه بعض المتشددين من رجال المؤسسة الوهابية إلى معرض الرياض الدولي للكتاب (4/3/2008)، في قيام السلطات السعودية بمصادرة العديد من الكتب والروايات السعودية والعربية من المعرض، بزعم الترويج "لليهودية والنصرانية والبوذية والصوفية والإسماعيلية والباطنية والتشيع والأباضية والدرزية". (12)


ولم يقف الامر عند هذا الحد، فقد مدت المؤسسة الوهابية رقابتها وسطوتها إلى المؤسسات الاقتصادية التي توظف النساء ومهاجمة الجامعات والمؤسات التعليمية بدعوى الاختلاط.


ففي دراسة أجرتها مؤسسة (IPSOS) لقياسات الرأي العام لصالح مركز السيدة خديجة بنت خويلد التابع لغرفة جدة جاء فيها أن 58% من المنشآت شكت من معارضة جهات محلية على راسها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعمل المرأة في القطاع الخاص مما جعل بعض هذه المنشآت تتردد في توسيع نطاق توظيف المرأة لديها.


وقالت المديرة التنفيذية للمركز بسمة عمير "اشتكت هذه المنشآت بالتحديد من كثرة توالي أعضاء من الهيئة على المنشأة وزياراتهم مع تخويف الموظفات وإشعارهن بانعدام الأمن والاستقرار الوظيفي". (13)


وفي يوم الخميس 12 يونيو 2008 شنت مجموعة من رجال الدين المتشددين في السعودية يتصدرها رجل الدين المتشدد عبد الرحمن البراك هجوما على جامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية لإقامتها حفلا مختلطا للخريجين والخريجات، كما انتقدوا كلية "عفت" للبنات لتنظيمها بطولة نسائية في كرة السلة. وقال بيان للمجموعة نشر في موقع (شبكة نور الإسلام) "إننا نستنكر هذا العمل وندعوا الذين ارتكبوه إلى التوبة ... وأن لا يعودوا لمثل ذلك". وطالب الموقعون "ولاة الأمر بمعاقبة من يريد جر هذه الأمة إلى هاوية التغريب".




حول حقيقة المشروع الإصلاحي للملك عبد الله


يتساءل العديد من المراقبين داخل السعودية وخارجها عن أسباب عدم تمكن العاهل السعودي الملك عبد الله من المضي قدما في عملية الإصلاح، وفتح النظام السياسي أمام المواطنين السعوديين، ووضع حد للممارسات المشينة التي تقوم بها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.




الفرضية الأولى


إحدى الفرضيات، هي أن العاهل السعودي لم يكن يملك في الواقع أي مشروع إصلاحي منذ البداية، أو أن الإصلاح الذي كان يتحدث عنه الرجل يختلف عما يطالب به الإصلاحيون السعوديون. ففي حين يطالب هؤلاء بإصلاحات سياسية على النمط المعمول به في الدول الديمقراطية من انتخابات حرة وبرلمان منتخب وقضاء مستقل وحكم القانون وفصل للسلطات، مع الاحتفاظ بما يميز الهوية والخصوصية السعودية، فإن الملك عبد الله كان يفهم الإصلاح على أنه تطوير لبعض الأنظمة الإدارية والسياسات وبما لا يغضب المتنفذين في الدولة من آل سعود والمؤسسة الوهابية.


يقول الباحث السعودي فؤاد إبراهيم إن"الرهان على الدور الإصلاحي المفترض للملك عبد الله سقط منذ أن لاذ الأخير بالصمت حيال الاعتقال التعسفي الذي طال رموز التيار الاصلاحي في عام 2004، أما الاجراءات الاصلاحية الشكلية التي أعلن عنها لاحقاً فهي تندرج في سياق إعادة طلاء الصورة السعودية في الخارج".


وأضاف "لقد تم استبدال كلمة (إصلاح) بكلمة (تطوير) من أجل طي مرحلة صبغت بخطاب إصلاحي وطني، وقرر الملك الاستجابة لرغبة الجناح السديري في تطويق النشاط الاصلاحي". (14)


وتشاطر هذا التقييم أيضا الناشطة السعودية مضاوي الرشيد التي تقول "في صيف عام 2005 استبشر الكثير من الناشطين السياسيين في الداخل إذ انهم وجدوا في الملك بدء مرحلة جديدة قد تكون فاصلة في تحول السعودية إلى مملكة دستورية لها مجلس أمة منتخب وجمعيات مدنية مستقلة وقضاء مستقل وكلها مطالب كانت قد تبلورت خلال الفترة السابقة ولكنها قوبلت بالصمت حينا والاعتقال التعسفي حينا آخر .. لكن المرحلة القصيرة لحكم الملك عبد الله برهنت أن من المستبعد بشكل واضح وصريح حدوث النقلة المرجوة. وإن ما يسمى بالدولة السعودية الرابعة لم تولد بعد ولن تولد في المستقبل القريب". (15)




الفرضية الثانية


الفرضية الثانية هي أن الملك عبد الله كان راغبا بالفعل بإجراء الإصلاحات ولكن المعارضة القوية التي واجهها من المعارضين له داخل العائلة الملكة، قد أحبطت مشروعه أو جعلته يتراجع ويعيد حساباته خوفا من تفكك نظام الحكم.


ويشير أصحاب هذا الرأي إلى تلك المعارضة بالجناح السديري الذي يعتقد على نطاق واسع أنه يسيطر اليوم على أغلب مراكز صنع القرار الأمني والسياسي في المملكة، بفضل تغلغله في جميع أجهزة الدولة. وقد سعى حثيثا لعرقلة أي توجه حقيقي نحو التغيير.


ويتألف جناح السديري من ستة أخوة هم: الأمير سلطان (ولي العهد ووزير الدفاع)، والأمير نايف (وزير الداخلية والشخصية النافذة في غالبية أجهزة الدولة)، والأمير سلمان (أمير منطقة الرياض، وهو شخصية مقربة من رجال الدين وله نفوذ واسع في الجهاز الإعلامي العام والخاص)، والأمير أحمد (نائب وزير الداخلية)، والأمير عبد الرحمن (نائب وزير الدفاع)، والأمير تركي (وزير دفاع سابق قبل أن يقرر العيش في مصر).


وكان هذا الجناح قد أعطى إشارات مبكرة على موقفه من الإصلاح، فقد نقل عن ولي العهد الحالي الأمير سلطان قوله إن أعضاء مجلس الشورى لا يجب أن يتم انتخابهم عن طريق المواطنين، وإنما يجب أن يتم تشكيل مجلس الشورى بالتعيين، لأن الانتخاب يعني أن يأتي المجلس بإدارة شعبية ، وهو ما يعني أن الناس قد ينتخبون أميين، لذلك من الأفضل أن نتولى نحن تعيين أعضاء المجلس. وهذا هو نفس موقف وزير الداخليةالأمير نايف والذي جاهر أيضا بعدم قبول آل سعود بكلمة إصلاح، لأنها تعني الإقرار بوجود أخطاء في طريقة الحكم، وطالما أن الحكم في المملكة يستند إلى الشريعة الإسلامية، فإنه لا يجوز القول بأن هناك أخطاء في الحكم. ولذلك لا يسمح باستخدام كلمة إصلاح وإنما تطوير أو تنمية بدلا منها. (16)




الفرضية الثالثة


وإضافة إلى الفرضيتين المذكورتين، هناك أيضا عوامل إقليمية ضاغطة، أثارت مخاوف العائلة المالكة السعودية وجعلتها أكثر تحسسا لأية مطالبات بالتغيير والإصلاح.


فسقوط نظام صدام حسين عام 2003 وصعود الشيعة إلى الحكم في العراق قد وضع السعودية وجها لوجه بصورة مكشوفة أمام إيران. وفاقم من مرارة السعودية الهزيمة التي لحقت بحلفائها في لبنان على يد حزب الله وأنصاره، وبروز جيوب شيعية في عدد من البلدان العربية السنية، ولا سيما القريبة من حدودها مثل جماعة الحوثيين في اليمن.


كما أدت الإجراءات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي اتخذتها الولايات المتحدة في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، إلى أضعاف قدرة السعودية على حشد العالم السني (كما فعلت أثناء الغزو السوفييتي لأفغانستان) واستخدام نفوذها لدى الجماعات الإسلامية لمواجهة المد الإيراني.


لقد أدى الواقع السياسي الجديد في المنطقة، إلى ارتفاع أسهم المتشددين في العائلة السعودية المالكة، وسيادة منطقهم، على حساب المعتدلين، بمن فيهم العاهل السعودي والمحيطين به من الأمراء مثل الأمير مقرن بن عبد العزيز (رئيس الاستخبارات السعودية)، والأمير مشعل بن عبد العزيز (رئيس هيئة البيعة)، والأمير بدر بن عبد العزيز (نائب رئيس الحرس الوطني)، والأمير بندر بن سلطان (رئيس مجلس الأمن القومي)، بالإضافة إلى نجل الملك الأمير متعب (مساعد رئيس الحرس الوطني للشؤون العسكرية).




الخلاصة


بصرف النظر عن الأسباب التي قادت إلى تعثر المشروع الإصلاح للعاهل السعودي، وساء كان الدافع داخليا أو خارجيا، فإن النتيجة هي أنالسعودية قد اضاعت فرصة أخرى لتجديد نظامها السياسي الشائخ، والانفتاح على شعبها الفتي.


ولأنه لا يمكن إنجاز إصلاح من دون إصلاحيين، وبالتأكيد ليس مع وجودهم في السجون ومنعهم من الحركة والسفر، فقد تحولت السياسات السعودية الداخلية إلى محاولات للبقاء وسط محيط متغير وأحداث عصفت بمنطقة الشرق الأوسط طوال الأعوام الثلاثة الماضية.




هوامش


-------------------------------


(1) (صحيفة الشرق الأوسط، العدد 9186، 22 يناير 2004).


(2) (مقابلة مع صحيفة فرانكفورتر الجماينه، برلين، 8 نوفمبر 2007).


(3) (موقع آفاق- السعودية: الحامد وشقيقه يبدآن إضرابا عن الطعام احتجاجا على سوء الأوضاع داخل السجن، 18 مايو 2008)


http://www.aafaq.org/news.aspx?id_news=5467


أنظر أيضا : (موقع آفاق: الحرية للدكتور متروك الفالح وصحبه في السجون السعودية 16 يونيو 2008).


http://www.aafaq.org/malafat.aspx?id_mlf=55


(4) (موقع قناة العربية – العربية نت: الكاتب المحمود يؤكد عزله من التدريس "حماية للطلاب"، 4 / 11 / 2007)


(5) لعبت الدعوة الوهابية (وتعرف أيضا بالدعوة السلفية أو الموحدين) دورا حاسما في توفير الغطاء والشرعية الدينية لحكم عائلة آل سعود منذ إنشاء الدولة السعودية الأولى عام 1747- 1818 (والدولة السعودية الثانية ما بين 1843- 1891، والدولة الثالثة من 1902 وحتى اليوم. وقد ظل التحالف الذي أرساه مؤسس الدعوة محمد بن عبد الوهاب مع مؤسس الدولة السعودية الأولى الأمير محمد بن سعود صامدا طوال كل هذه السنوات بفضل التوزيع الدقيق للصلاحيات والسلطة بين الجانبين، حيث بايع الشيخ عبد الوهاب الأمير محمد على السمع والطاعة، وبايعه الأمير محمد على نشر دعوته إذا استتب الأمر له.


(6) (صحيفة الوطن السعودية، 26 نوفمبر 2007)


(7) (صحيفة الوطن السعودية، 2 يوليو 2007 ).


(8) (موقع آفاق: رئيس مجلس الشورى السعودي يدافع عن رجال الدين المتشددين وينفي وجود إسلام متسامح، 13 مارس 2008 )


http://www.aafaq.org/search_details.aspx?id_arch=11409


(9) (موقع شبكة نور الإسلام: اعرفوهم واحذروهم )


http://www.islamlight.net/index.php?option=content&task=view&id=9770&Itemid=33


(10) موقع آفاق: رجل دين سعودي يكفر كاتبين بصحيفة الرياض ويحرض على قتلهما، 15 مارس 2008).


http://www.aafaq.org/search_details.aspx?id_arch=11456


(11) (الموقع الرسمي للشيخ صالح بن فوزان الفوزان)


http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/Home/tabid/36/Default.aspx


(12) (موقع آفاق- الشيخ السلفي ناصر العمر : معرض الكتاب يروّج للتشيع والصوفية واليهودية والنصرانية والبوذية، 3/3/2008)


http://www.aafaq.org/search_details.aspx?id_arch=11220&id=الأخبار%20الرئيسية


طالب رجل الدين السلفي ناصر العمر بمحاكمة المشرفين على معرض الكتاب بدعوى ترويج الكفر والإلحاد. واتهم العمر في مقالة نشرها عبر موقعه الالكتروني القائمين على المعرض بـ"الترويج" لليهودية والنصرانية والبوذية والصوفية والإسماعيلية والباطنية والتشيع والأباضية والدرزية، على حد وصفه.


وعلى إثر هذا المقال أصدر خمسة من كبار رجال المؤسسة الوهابية في السعوية فتوى بمقاطعة عدد من دور النشر المشاركة في معرض الرياض الدولي للكتاب وذلك لبيعها كتب مفكرين وشعراء عرب مثل نصر حامد أبو زيد وأدونيس ونزار قباني، وغيرهم. واعتبر الخمسة في فتوى نشروها على موقع "شبكة نور الإسلام" أن كتب هؤلاء "هي أخطر على الناس من السموم القاتلة وأشد تحريماً من ترويج المخدرات فتلك تفسد الأبدان وهذه تفسد الدين". (تاريخ الفتوى 7 مارس 2008).


(13) (صحيفة الوطن السعودية، 17 يناير 2008)


(14) (مقابلة مع الباحث السعودي فؤاد إبراهيم، موقع آفاق 22/2/2007)


(15) (مقال للناشطة السعودية مضاوي الرشيد في صحيفة القدس العربي 23/7/2007)


(16) (مقابلة مع الباحثة السعودية مي يماني، مجلة المشاهد السياسي البريطانية، 18 ديسمبر 2005).

اجمالي القراءات 7605
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق