الصعود إلي الكهف

إبراهيم عيسي   في الإثنين ٠٧ - يوليو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً


منذ 13عامًا وأنا أكرر هذا السؤال: هل كان أهل الكهف علي حق؟ وفي كل عام ومع كل ألم أو أمل أجدني أسال نفس السؤال (أحيانًا طبعًا أشعر أن النوم في كهف في صحبة كلب أفضل من المناهدة والمناكدة التي نحياها)؛ ولكنني أعود وأسأل: هل كان أهل الكهف علي حق؟



صحيح أن أهل الكهف مجموعة من الشباب (بعض التفسيرات تقول إنهم في سن الـ17 سنة) كانوا يعيشون في مجتمع ظالم غاشم (تفسيرات تقول إنه كان عصرًا وثنيًا وتفسيرات أخري تري أن الأحداث في عصر ما بعد المسيح) كان مجتمعًا يسوده الفساد المالي والسياسي يرتع فيه الكبراء والأمراء والتجار ورجال المال ويصطلي فيه الغلابة والفقراء النار والعذاب، كان مجتمعًا غريبًا موحشًا في ظلمه وفساد كباره، إذا سرق فيهم الكبير والأمير من قوت الناس ومال الشعب أقرضوه وتركوه؛ وإذا سرق الضعيف جرسوه وحاكموه وأقاموا عليه الحد، وإذا نطق الحر يغضب وينقد ويعارض أغلقوا فمه وكمموه وسجنوه في منفي أو مشفي، كان مجتمعًا يملأه المداحون والمنافقون ووعاظ السلاطين الذين يسيرون بالدف والطبل وراء الحاكم يرددون اسمه وكلامه ويمجدون سلطانه ويهتفون «بالروح بالدم نفديك يا حاكمنا وسلطاننا وأميرنا وسر حياتنا ومليكنا ومالكنا وإله حياتنا»؛ وكان لهؤلاء العسس والكهان مكانة عالية ومقام رفيع في هذا المجتمع الذي تعوّد علي الخنوع والخضوع والركوع، وكان أهل الكهف شبابًا في مقتبل العمر فتيانًا مثل الورد والفل يمتلئون حماسًا للحق وحبا لله وللحرية والحقيقة، التفتوا إلي بلدهم فرأوا الوضع منيلاً بنيلة، فماذا فعلوا؟

بسم الله الرحمن الرحيم: «إذ أوي الفتية إلي الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدًا»، صدق الله العظيم!، هذا ما فعلوه، قرروا الاعتزال وتركوا المجتمع علي حاله وحياته وظلمه وظلامه وكفره وقرفه، صلوا وعبدوا وناموا.. وماتوا هكذا شاءت المشيئة، عمومًا لقد نام أهل الكهف وماتوا مئات السنين حتي أحياهم الله وأعادهم وعادوا ونزلوا إلي بلدهم مرة أخري فإذا به بلد مؤمن عادل وقد تغير الحال تمامًا، والسؤال: كيف تغير البلد إذن وأهم وأنقي وأعظم شبابه ينامون في كهف؟

إذا كان الشباب الأكثر إيمانًا بالحق وبالحرية في كهف معتزلين ومبتعدين ومختفين عن ساحة الوغي والمواجهة مع الحكم والحكومة والأمراء والكبراء، فمن إذن قام بتغيير هذا المجتمع الفاسق الظالم حكامه وأمراؤه..من الذي نقل الوطن من الظلمات إلي النور؟

هنا أعيد الإجابة التي أكررها علي نفسي كل يوم الصبح وأنا رايح المحكمة حين أشاور نفسي أن أبحث لي عن كهف (دون أن أنسي الكلب) فإذا بي لا أملك إلا أن أنحاز لموقف الفتية الآخرين «أكيد فيه ساعتها فتية آخرون !» الذين لم يصعدوا للكهف وفضلوا أن يظلوا في بلدهم يقاومون الفساد ويواجهون الظلم والعسف ويرفضون الواقع ويعارضون النظام الفاشي والحاكم الطاغية ويغيرون المجتمع بنضالهم وكفاحهم ويحولونه من الظلم إلي العدل، من الظلام إلي النور، من الكفر إلي الإيمان.

عمومًا من الواضح أن موقف ومنهج أهل الكهف بالغ التقدير والاحترام بدليل أن الله يحبهم ويجعلهم مثلاً للتقوي والإيمان فضلاً عن آخرين يرون أن خطأ أهل الكهف ليس في أنهم صعدوا للكهف بل إنهم نزلوا منه!

اجمالي القراءات 6509
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق