توريث الحكم في الدول العربية.... شخصنة السلطة أم امتداد الاستبدادية..؟!!

صلاح الصيفي   في الأربعاء ٢٦ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً



لم يكتفِ الحكام في الدول العربية بتطبيق مبدأ "لن أترك الحكم حتى الموت"، حتى انتقلوا لتطبيق مبدأ آخر وهو "لا حكم من بعدي إلا لولدي"، وكأن مفهوم الدولة لدى النخبة الحاكمة – المعمرة في الحكم – هو عبارة عن عزبة أو إقطاعية لابد للأبناء أن يرثوها عن الأباء، مما أصاب المواطن العربي بالإحباط وعدم الأمل في التغيير والإصلاح وتداول السلطة بالطرق الديمقراطية المتعارف عليها في العالم غير العربي.




وهناك الملايين من المواطنين العرب الذين عاشوا وماتوا أيضا ولم يتغير الرئيس الحاكم في بلادهم، وهناك الملايين أيضا الذين وُلدوا وتعلموا وتزوجوا وأنجبوا أطفالا وربما أصبحوا أجدادا ولم يتغير رئيس الدولة .


لقد أصابت الأنظمة الجمهورية في العالم العربي ظاهرة بروز "ابن الرئيس" وتوليه سلطات فعلية تتجاوز أحيانا سلطات الشخصيات الرسمية في هذه الدول التي يوجد بها نائب للرئيس، وسلطات رئيس الوزراء.


فقد لمع ابن الرئيس حافظ الأسد في سوريا "باسل الأسد" وعندما توفي في حادث سيارة استدعي شقيقه بشار من لندن، حيث كان يواصل دراسته العليا في طب العيون، وتولى بالفعل رئاسة الجمهورية بعد وفاة والده في يونيو عام 2000، حيث جري تعديل الدستور السوري في دقائق لينطبق على الوريث، وفي نفس التوقيت تقريبا جري التركيز على أبناء رؤساء اليمن وليبيا ومصر، وبدا الحديث سرا وعلنا في هذه البلاد عن توريث أبناء الرؤساء للحكم وعن الجمهوريات الوراثية أو الملكية أو الجمهوريات الملكية.


جمال مبارك في مصر
ففي مصر يحاول الرئيس المصري محمد حسني مبارك إقناع الشعب المصري وتهيئة "المناخ السياسي"، بقبول فكرة توريث ابنه المرشح جمال مبارك ليتولي المسيرة من بعده، حيث بدا واضحًا، خلال الأعوام القليلة الماضية، تنامي دور جمال مبارك داخل الهيكل التنظيمي للحزب الوطني، منذ حصوله على عضوية الأمانة العامة للحزب الحاكم في عام 2000م، قبل صدور قرار في 17 سبتمبر 2002م، بتعيينه رئيسًا لأمانة السياسات بالحزب، التي وصفها حينئذ صفوت الشريف، الأمين العام للحزب، بأنها "قلب الحزب النابض"، في إشارة واضحة لدورها المرتقب أو المرسوم لينتقل بذلك مركز القوة عمليًّا إلى الأمانة المستحدثة، ورئيسها الجديد جمال مبارك، وليس إلى الأمانة العامة، بعد إقصاء يوسف والي نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة عن منصب الأمين العام للحزب، وبعد تقليص صلاحيات منصب كمال الشاذلي أمين التنظيم، ليصبح مبارك الابن بذلك هو الرجل القوي عمليًّا داخل الحزب الوطني.


وقد أوردت صحيفة واشنطن بوست تقريرًا تناول الحالة السياسية في مصر، وذكر التقرير أن الرئيس المصري حسني مبارك يعمل على توفير المناخ الملائم لتولي نجله جمال مبارك الأمين العام المساعد للحزب الوطني الحاكم منصب الرئاسة بعد أن يتخلى عنها الرئيس مبارك.


وذكرت الصحيفة أن من بين هذه الخطوات ما قام به الرئيس مبارك من تأجيل الانتخابات المحلية المصرية منعًا لزيادة نفوذ الإخوان المسلمين في الحياةِ السياسية المصرية بما يُعطيهم الحقَّ في دعم مرشح في الانتخابات الرئاسية القادمة في العام 2011م، ما قد يقلل من فرص فوز جمال مبارك بالانتخابات التي ينوي الترشح فيها.


كما أكدت الصحيفة أن تعيين جمال مبارك في هذا المنصب الرفيع في الحزب الوطني يعتبر خطوةً على طريق التوريث، مشيرةً إلى أن مبارك قام بالإطاحة ببعض الرموز من داخل الحزب الوطني والتي تخالف جمال في التوجهات، ونقلت الجريدة تصريحات بعض المفكرين والناشطين السياسيين المصريين التي أشاروا فيها إلى أن كل هذه الخطوات تعبر عن رغبةٍ حقيقيةٍ لدى النظام في توريث الحكم لجمال.


أحمد على صالح في اليمن
وفي اليمن أصبح هناك تساؤل يشغل المواطنين عن مستقبل العقيد "أحمد علي صالح" نجل الرئيس اليمني "علي عبدالله صالح"، والذي يشغل العديد من المناصب الهامة مثل قيادة الحرس الجمهوري، وعضوية البرلمان، وعدد من الهيئات الشبابية.


ولقد برز دوره مؤخرا في القضاء علي تمرد "الحوثي" وأنصاره، وكذلك تصفية بعض خلايا تنظيم القاعدة في اليمن، وأدوار أخرى في دوائر صنع القرار في اليمن، لذلك يعتقد كثير من المراقبيين أن الفرصة متاحة أمام نجل الرئيس اليمني لخلافة والده، بفضل سيطرته على أمور الجيش وعلاقاته الجيدة بالقبائل الكبرى، ويرى آخرون أن الكاريزما التي يتمتع بها الرئيس "علي عبد الله صالح" وقدرته على البقاء في السلطة لأكثر من 25 عاما، بالاضافة الي توازناته السياسية الداخلية والخارجية، كلها تمهد الطريق لخلافة طبيعية لابنه في السلطة.


أولاد القذافي في ليبيا
وفي ليبيا نلاحظ أن اسم "سيف الاسلام القذافي" نجل الرئيس الليبي "معمر القذافي" قد لمع مؤخرا بعد ان نسبت إليه عمليات إصلاح مفاجئة وتغيرات انقلابية في سياسة ليبيا الخارجية، ومن هنا يرى كثير من المراقبيين أن انفتاح ليبيا علي العالم الخارجي وانتهاء مرحلة العزلة جاء بعد خطوات مهد لها سيف الاسلام القذافي برئاسته لمؤسسة القذافي الخيرية العالمية، والتي تقوم بدور الوساطة الانسانية لاعادة الرهائن وأسرى الحروب والنزاعات المسلحة، كما حدث في أزمة الرهائن بالفلبين، ونجاح سيف الاسلام في إجراء مفاوضات مع جماعة "أبو سياف".


ولم تطل الشائعات بخلافة "سيف الاسلام القذافي" لوالده فقط ، بل أن هناك أبناء آخرين للزعيم الليبي طالتهم الشائعات لدورهم البارز في بعض الأحداث السياسية والعالمية، مثل "الساعدي القذافي" الذي يرأس اتحاد الكورة في ليبيا، والذي أصبح من كبار الشخصيات الرياضية المعروفة في العالم، ولم يقتصر أمره على الرياضة فقط بل يقوم والده بتكليفة بمهام سياسية وجهود وساطة بين بلاده والغرب.


أما "عائشة القذافي" ابنه الزعيم اللليبي فهي محامية وناشطة في مجال المرأه والتنمية، وقد تطوعت للدفاع عن الرئيس العراقي صدام حسين قبل إعدامه، وسافرت أيضا قبل احتلال العراق في مهام وساطة بين النظام العرقي والامم المتحدة لرئاستها لاحدى المنظمات الإنسانية.


التوريث الخليفي في البحرين
وإذا نظرنا إلى حالة توريث الحكم في البحرين نجد أن الأمر لا يختلف كثيرا عنه في الدول العربية الأخرى، خاصة في ظل آليات الحكم المستبدة وغياب الديمقراطية الحقيقية واتكاء الحكم على نظام "المكرمات" الملكية في تسيير شئون البلاد بدلا من اعتماد الانتخابات النيابية الحرة وليست الجزئية الناقصة، لذلك يرى رجال الإصلاح في البحرين أن "لا" للتوريث" الخليفي يجب أن يتحقق من خلال التحرك الواسع الشعبي السلمي يشترك فيه كافة الأطياف والطبقات من مثقفين وعمال وطلاب وعلماء دين مطالبين بتغيير حقيقي وليس مزيف.


والنظام الخليفي يسعى لامتصاص ما يحدث في المنطقة واحتواء تداعيات التغيير الديمقراطي في العراق، ويحاول عبر أدواته وعملاءه نشر مقولة أن "لا" تمييز طائفي في البحرين وأن البحرين نظامه "ديمقراطي" في محاولة منه في استخدام أساليب المعارضة البحرانية وخطابها لتغييب الحقيقة وقلب الحقائق ولخداع الرأي العام العالمي، من أجل تكريس حكم "الملك الضرورة" وأسرة الحاكم ولمنع قيام التعددية السياسية، ومنع المواطن البحريني من المطالبة بتطبيق مبدأ تداول السلطة من خلال الانتخابات النزيهة والحقيقية التي تعتمد الآليات السليمة البعيدة عن التقسيمات الطائفية في الدوائر الانتخابية.


لقد أصبح النظام يعمل على خلط الاوراق السياسية في المشهد البحراني والاستفادة من علاقاته الوطيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية من أجل قمع شعبه والاستمرار في نهج الكبرياء وسياسة التهميش ضد الأغلبية.


التوريث الشعبي
والغريب في الأمر في حالة الدول العربية أن مبدأ التوريث لم يقتصر فقط على الحكام والرؤساء، بل إن هناك نوع آخر من التوريث ربما تغاضى عنه الكثير من الكتاب والصحفيين وهو التوريث الشعبي الذي أصبح وباءاً تعاني منه المجتمعات العربية، فحالة توريث الحكم في الجمهوريات العربية التي حظيت بالكثير من الكتابات المختلفة من جانب الكتاب العرب، هي التتويج النهائي لمبدأ التوريث الشائع في العالم العربي على مستوى القاعدة الشعبية من حيث توريث الوظائف والمناصب المختلفة، فالكثير من النظم العربية قد سمحت بهذا التوريث الشعبي وتغاضت عنه؛ حيث يبدأ التوريث من أعلى المناصب إلى أدناها.


وهناك العديد من الأمثلة التي لا حصر لها يمكن أن تؤكد هذا المستوى من التوريث الشعبي نجدها في الجامعات وأجهزة الإعلام والسلك الدبلوماسي والشركات والهيئات الرسمية وحتى في المهن التي تحتاج إلى مواهب وإبداعات خاصة مثل التمثيل والغناء والرياضة.


ولذلك فإننا نجد أن العديد من المؤسسات الحكومية في هذه الجمهوريات بالأساس قد أصبحت مغلقة على أسماء عائلية بعينها، وعلى ما يبدو أن هذه الظاهرة سوف تستمر في ذلك الوضع إلى أن تظهر آفاق جديدة تغير من هيمنة واستقرار بنية التوريث الشعبية في العالم العربي.


ولأن التوريث بشكله الحالي يعتمد على توريث ما لا نملكه إلى من يخصوننا، فإننا نجده منتشراً بشكل كبير في القطاعات الحكومية المختلفة، فلقد درجت الأعراف العربية على اعتبار المؤسسات الحكومية مجرد عزبة خاصة يحق لمن يرأسها أن يفعل ما يريد، لذلك نجد انتشاراً مثل هذا الشكل بدرجة كبيرة في الكثير من المؤسسات الحكومية الرسمية، من أعلى المناصب حتى أدناها، وفي بعض الجمهوريات العربية تبدأ المسألة من المناصب القيادية المهمة ، وحتى من يقوم بأعمال النظافة وعمل الشاي والقهوة.

اجمالي القراءات 8114
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق