امير بريطاني وامراء عرب

القدس العربى   في الأحد ٠٢ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً


الامير هاري حفيد ملكة بريطانيا، وشقيق الملك القادم يقاتل حاليا في صفوف قوات بلاده في اقليم هلمند في افغانستان معقل حركة طالبان ، واكثر المناطق خطرا في البلاد. ولولا الصدفة المحضة لما عرف البريطانيون والعالم بهذه الحقيقة.


الامير هاري كان يريد الذهاب الي العراق للقتال في صفوف القوات البريطانية هناك، ولكن افتضاح خبر سفره ضمن وحدته، ادي الي تغيير الخطط، والعدول عن الفكرة كلها، حفاظا علي سلامته، وخوفا من استهدافه من قبل تنظيم القاعدة أو فصائل المقاومة الاخري، وتحقيق نصر دعائي اعلامي كبير يؤثر سلبا علي معنويات الجنود البريطانيين، والخطط الغربية، والامريكية علي وجه الخصوص في هذا البلد.
الاعلام البريطاني أشاد بشجاعة هذا الامير، وكذلك فعل غوردون براون رئيس الوزراء، حيث جري التأكيد علي ان الاسرة الحاكمة البريطانية ملتزمة اخلاقيا وعمليا بمصلحة البلاد، وافرادها غير معزولين عن بقية ابناء الشعب البريطاني، وان امراءها لا يبخلون بارواحهم في خدمة قضايا بلادهم.
الملكية في بريطانيا لا تحكم، لانها ملكية دستورية ممنوع علي الملكة او افراد اسرتها التدخل في السياسة، لان هذه هي مهمة البرلمان المنتخب، والحكومة التي يرأسها رئيس منتخب من قبل الشعب في انتخابات مباشرة، ويمكن ان يتصرف هؤلاء بطريقة مختلفة، اي ان يتقاضوا راتبا شهريا، ويقوموا بمهام بروتوكولية بعيدا عن مصادر الخطر، ولكنهم يرفضون ذلك، ومعظم ابناء الملكة خدموا في الجيش، وعوملوا معاملة الجنود الاخرين، ابناء الطبقة الكادحة، يأكلون ما يأكلون، ويشربون ما يشربون، وينامون علي الأسرة نفسها، ويقضون الاجازات نفسها.
الجمهوريات عندنا في المنطقة العربية تتحول الي ملكيات، والملكيات تحكم وتتحكم بكل صغيرة وكبيرة من مقدرات البلاد، وبعض الاسر الحاكمة تستولي علي ثروات البلاد كأنها ملك خاص بها، تنفقها علي ملذاتها دون حسيب او رقيب.
ابناء رؤساء الجمهوريات في معظم الدول العربية لا يعرفون الشعب، ولا يختلطون به، ويعيشون وسط طبقة من ابناء الاثرياء الذين كونوا ثرواتهم بالنصب والاحتيال والفساد وسرقة المال العام.
الغالبية الساحقة من ابناء الاسر الحاكمة، في الجمهوريات او الملكيات، هم رجال اعمال، يستولون علي المليارات من خلال واجهات من جنسيات مختلفة، ويكونون الثروات الهائلة، ويحتكرون من خلال وكلائهم، كل الصفقات والمقاولات الكبري، وعمولات الاسلحة، ويستعدون لخلافة آبائهم في الحكم عبر القمع والاضطهاد ومؤسسات النفاق، واعلام الفساد.
بعض ابناء الاسر الحاكمة يدخلون الجيوش فعلا، ويتولون مناصب عسكرية، ولكن ليس من اجل القتال دفاعا عن الامة وقضاياها، وانما للحصول علي العمولات، سواء عمولات الاسلحة، او التموين، او الصيانة، او حتي الطبابة وتأجير الثكنات ومقاولات بنائها.
نحن هنا لا نمدح الامير هاري، ولا القوات المسلحة التي ينخرط فيها وتقاتل حاليا في دول عربية واسلامية، وتقتل الآلاف من الابرياء في حروب غير اخلاقية، وغير عادلة، وغير قانونية، ولكننا نبين الفارق الكبير بين حكامنا وحكامهم، وهو الفارق الذي ادي الي تقدمهم وتخلفنا، ووصولنا الي هذه الدرجة من الانهيارات في مختلف المجالات.
تظل هناك نماذج مشرقة لا بد من التوقف عندها، وهي وجود قيادات عربية تقدم ابناءها شهداء في سبيل قضاياها العادلة، ونذكر في هذا المجال السيد محمود الزهار قائد حركة حماس الذي قدم ولديه شهيدين في خدمة قضية فلسطين، والسيد حسن نصر الله الذي قدم مثلا سابقا علي الطريقة نفسها، وكذلك السيد خليل الحية احد قادة حماس الذي فقد ابنه قبل يومين في هجوم اسرائيلي، ولا ننسي قادة حماس مثل الشيخ احمد ياسين، والدكتور الرنتيسي، وقادة فتح ابتداء من الشهيد ياسر عرفات مرورا بالشهيدين خليل الوزير وصلاح خلف وآلاف الشهداء الاخرين من فصائل مقاومة فلسطينية، مثل الجبهات الشعبية والجهاد الاسلامي ولجان المقاومة.
الفارق شاسع حتما بين قيادات المقاومة وابنائهم وبين الملوك والرؤساء وابنائهم، ولهذا تزداد شعبية ومصداقية الاولين وتتراجع شعبية الحكام الي درجة متدنية جدا.

اجمالي القراءات 7261
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق