الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل: «المقال الثانى» أسباب للتأييد .. وأسباب للصمت

  في الجمعة ١٨ - يناير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً


كل نظام جديد - في أي وطن من الأوطان - يطلب لنفسه، وتقبل منه جماهيره «فترة سماح» تتيح له فرصة الإمساك بالخطوط، وإعادة التقدير واستكشاف البدائل، والتخطيط للمسؤولية، ومن ثم يبدأ وفاؤه بما تعلق به من آمال، هي في الواقع نوع من «الرهان» علي المستقبل.



وتختلف فترة السماح من وطن إلي آخر وفق ظروفه، ففي الولايات المتحدة مثلاً - وفي أوروبا كذلك - تكون «فترة السماح» لأي نظام أو أي رئيس هي «الأيام المائة الأولي»، وبعدها - وليس قبلها - يبدأ الناس في السؤال عن: ماذا؟ - كيف؟ - ومتي؟

وفي العالم الثالث فإن فترة السماح تمتد في الغالب - سنة - خصوصًا إذا كان العهد الجديد قد وصل إلي مواقع الحكم من خلال مفاجآت وتقلصات غير عادية، بحيث يصبح عدلاً أن تطول فترة السماح.

وكان هذا المقال - الثاني - في هذه المجموعة من ستة - بعد سنة كاملة من رئاسة «حسني مبارك»، وبداية للسؤال عن: ماذا؟ - كيف؟ - ومتي؟

نوفمبر ١٩٨٢

سيادة الرئيس:

في جزء سبق من هذه الرسالة التي أتوجه بها إليكم بعد عام من تأييد طوعي لكم، ثم صمت ألزمت به نفسي ولم يلزمني به أحد - عددت أمامكم دوافعي للموقفين:

* ما كان - أو لم يكن - من أسبابي للصمت.

* ما كان - ولا يزال - من أسبابي للتأييد.

وكنت قد فرغت من عرض أسباب الصمت، ثم انتقلت إلي أسباب التأييد، وعددت منها اثنين:

* أولهما: سجلك في الخدمة العامة، وملخصه بواقع الملف السري لخدمتكم: «وطني، كفء، لديه ملكة القيادة» - ثم تأكيد ذلك بمتابعة لدورك في أكتوبر ١٩٧٣ - وبالتحديد لدور الطيران.

* وثانيهما: أنك لست مدينًا لأحد، و«أنهم أرادوك لهم، ولكن المقادير أرادتك لنا، وهكذا يجب أن تكون». وكان دليلي علي ذلك قولكم لنا يوم خروجنا من الأسر إلي القصر: «أريد فتح صفحة جديدة في تاريخ مصر، أريد حوارًا مفتوحًا مع كل القوي الوطنية، أعطوني وقتًا لأفكر في خياراتي».

كانت هذه العبارات صدي عائدًا لما سمعه الشعب منكم، حين تقدمتم إليه تطلبون ثقته. وكنا نحن لا نزال وراء القضبان. ثم سمعنا منكم مباشرة ما سمعه الشعب قبلنا، وكما فهمت جموعه، فهمنا. وكان معني القول - والصدي - ببساطة أنكم بحس وطني مرهف تقدمون أنفسكم لشعبكم بهويتكم المستقلة، أول عهد وليس بقية عهد، ووصلت الإشارة والبشارة إلي الكل، وجاءوا جميعًا إليكم مطمئنين وراضين.

* * *

وفي هذا الجزء من هذه الرسالة - التي أستميحكم العذر في استرسالاتها واستطراداتها - فلقد كان المفروض - يا سيادة الرئيس - أن أستكمل بقية أسبابي لتأييدكم، وسوف أفعل.

لكن سؤالاً اعتراضيا يستوقفني، ولعله يستوقف غيري، وربما كان الأفضل أن أفرغ منه لينفسح الطريق إلي بقية الحديث.

السؤال الاعتراضي يقول:

«ولماذا التوجه بالحديث إليكم مباشرة؟».

وردي عليه مباشرة:

«ولمن غيركم نتوجه بالحديث؟».

وهذه - يا سيادة الرئيس - ليست صيغة مجاملة، وإنما محاولة لصياغة الحقيقة التي ينبغي أن نواجهها كما هي، وبدون تفلت للهرب منها سواء بالتجاهل أو بالتزويق!

وتساوي هذه الحقيقة أن أقف أمامها بما هو أكثر من صياغة عامة تحتويها جملة واحدة قلت فيها: «ولمن غيركم نتوجه بالحديث؟».

وإذا أذنتم لي بهذه الوقفة - يا سيادة الرئيس - فإني أفصل الأمر علي الوجه التالي:

- ١ -

في معظم بلدان العالم الثالث - وفي المرحلة الراهنة من تطورها الاقتصادي والاجتماعي، ومن ثم السياسي - فإن السلطة مؤسسة واحدة، هي رئاسة الدولة.

ولهذه المؤسسة الواحدة أدوات، كما أن من حولها قوي ومجموعات وتيارات.

- والأدوات تتمثل أساسًا في الجهاز الرسمي للحكم بفروعه المختلفة، ابتداء من حامل بندقية الأمن إلي حامل دفتر تحصيل الضرائب.

- وأما القوي والمجموعات والتيارات، فخليط يتفاعل مع بعضه، وحركة هذا التفاعل والفاعلية النسبية لأطرافه - هي التي تخلق المناخ العام الذي يجري فيه العمل الوطني في أي بلد من البلدان.

* وبصفة عامة فإن القوي عادة - هم أصحاب المصالح القائمة في المجتمع.

* وبصفة عامة أيضًا فإن المجموعات عادة - هي مشروعات (أو محاولات أو طموحات) تتصدي للمصالح القائمة.

* وبصفة عامة أخيرًا فإن التيارات عادة - هي شحنات الفكر المتلفتة إلي كل اتجاه، تفتش وتبحث عن مثال، وتشد معها إلي التفتيش والبحث جماهير يشكل اتجاهها مع هذا التيار أو ذلك ما يمكن تسميته بـ: «الإحساس العام». ولا أتجاسر - علي الواقع - فأسميه «الرأي العام»، لأن «الرأي العام» - في البلدان التي تسمح الظروف بظهوره وبتأثيره فيها - يستطيع أن يفرض، وأما «الإحساس العام» فإن أقصي ما يستطيع بلوغه أن يعارض - بمعني أدق يعرقل.

إن حركة التفاعل بين هذه العناصر كلها: مؤسسة الرئاسة الوحيدة، وأجهزة هذه المؤسسة، ثم خليط القوي والمجموعات والتيارات - حركة بالغة التعقيد في أوطان خرجت بالكاد من عصور التبعية تبحث لنفسها عن مكان في عالم أشبه ما يكون ببحور الظلمات التي تتحدث عنها حكايات السندباد.

وفي تحديد مواضع هذا الخليط علي الساحة، فإنه يمكن القول بشكل إجمالي ما يلي:

* القوي (أصحاب المصالح القائمة) - وهم باستمرار قرب السلطة لا يطيقون بعادًا عنها، لأن قربهم ضمان مصالحهم، وقربهم في نفس الوقت تسهيل تأثيرهم.

ورغبتهم في القرب تجعلهم علي استعداد باستمرار، وجاهزين طول الوقت لما يطلب منهم، لأنه المقدمة المنطقية لما يمكن لهم - بدورهم - أن يطلبوه.

* والمجموعات (مشروعات أو محاولات أو طموحات التصدي للمصالح القائمة) - فإن أطرافها في موقف مركب، فهم مع السلطة في حركة جدل لا ينقطع، يريدون عرض مطالبهم أمامها باستمرار ويحاولون إقناعها بأنهم وإن كانوا في هذه اللحظة مجموعات إلا أنهم بحركة التاريخ أقرب إلي تمثيل المجموع.

وهم يعتبون أحيانًا، وربما يغضبون، لكنهم تحت كل الظروف لا يسمحون - ولا يقدرون علي السماح - بقطيعة بينهم وبين السلطة، فذلك أكثر مما يحتملون وأكثر مما تحتمل الظروف.

* وأما التيارات (شحنات الفكر المتلفتة في كل اتجاه تشد معها «الإحساس العام») - فإن أصحابها بالتأكيد في الموقف الأصعب. لأنهم ليسوا ضد السلطة بالضرورة،

ثم إنهم ليسوا معها بالضرورة، بل هم معها في علاقة شد وجذب، هو نفسه حركة الصراع بين المصالح القائمة وبين المطلوب المشروع. وأهميتهم ليست فقط في أنهم العنصر المؤثر علي اتجاهات «الإحساس العام»، وإنما هم أيضًا - مع اختلاف الاتجاهات - أكثر العناصر تأثيرًا في حركة المجموعات (مشروعات أو محاولات أو طموحات التصدي للمصالح القائمة).

هذه هي ملامح الصورة السياسية العامة في معظم بلدان العالم الثالث - يا سيادة الرئيس - بدايتها أننا أمام مؤسسة قوية واحدة، وسلطة فعلية واحدة - هي مؤسسة وسلطة الرئاسة، وبالطبع فإن هذا الوضع ليس أبديا، وإنما هو وضع يتأثر كل يوم بحركة التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في أي بلد من البلدان.

وعلي وجه اليقين فإنه سوف تبرز أكثر في المستقبل، ومن داخل هذا الخليط، طبقات واضحة التكوين، بحيث يصبح لكل من هذه الطبقات تعبيرها السياسي عن نفسها وبالطبع عن مصالحها، ثم تتمكن هذه التعبيرات السياسية من أن تقيم مؤسسات للشرعية الدستورية والقانونية، تحل محل شرعية المؤسسة الواحدة.

- ٢ -

وفي ظروف مصر - يا سيادة الرئيس - زيادة علي ما في ظروف غيرها من بلدان العالم الثالث - تكرست سلطة المؤسسة الواحدة، بل سلطة الرجل الواحد.

كان المجتمع المصري - منذ خمسة آلاف سنة - علي شكل الهرم، ولم يكن الهرم في الوجدان المصري مجرد شكل هندسي أو تكوين معماري، وإنما كان الهرم تصورًا أو تصويرًا لأوضاع المجتمع.

«الملك الإله» علي القمة - وكبار الأمراء وكبار الكهنة وكبار القواد وكبار الموظفين، وكلهم المسؤولون عن النيل والأرض والبركات(!) طبقة تحته - والمهندسون والإداريون والفنيون طبقة ثالثة تحت الطبقة الثانية - وتحت هؤلاء جميعًا قاعدة الهرم الضخمة، وفيها جموع المنتجين من الزُّراع والصُّناع - حياتهم علي النيل والأرض، وولاؤهم مضمون: بهيبة الملك الإله، وطقوس كبار الكهنة، وسلطة الحكام من كبار القواد والموظفين.

وقد قام هذا الهرم في مصر الفرعونية واستمر بعدها. والغريب - يا سيادة الرئيس - أن كل محاولات تحدي هذا الهرم لم تنجح إلي الآن، ولا بالثورة. وربما كانت الأزمة الحقيقية لمصر «الثورية» أن هذا الهرم بقي علي شكله العام رغم الحركة العنيفة صعودًا وهبوطًا علي درجاته، ورغم الصلة المباشرة التي تحققت في بعض الأوقات بين قمته وبين القاعدة.

ولعل تلك الحركة العنيفة كانت محاولة لاستباق التطور، ما لبثت سطوة الحقيقة - بصرف النظر عن حركة التاريخ - أن اعترضت سبيلها وأعادت الأمور إلي سيرتها الأولي، خصوصًا بعد أن ساعدت طوارئ الأحداث في المنطقة وفي العالم من حول مصر علي التواصل المباشر - حتي بوسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية بين قمة الهرم وبين قاعدته.

وهكذا فإنه إذا كانت للسلطة في معظم بلدان العالم الثالث مؤسسة واحدة هي سلطة الرئاسة - فإن مصر علي وجه التحديد، تواجه المعضلة مضاعفة مرتين:

- مرة بظروف مراحل التطور التاريخي العام للشعوب والأمم.

- ومرة ثانية بخصوصية التاريخ المصري وطبائعه.

وإذا اتفقنا - يا سيادة الرئيس - علي أنها مؤسسة حقيقية واحدة، وسلطة فعلية واحدة، إذن فلمن غيرها نتوجه بالحديث؟

ولكي أكون صريحًا دون أن أتجاوز الحد أو الحق، فإني أعترف أنني لم أكن متحمسًا لتوجيه الحديث إلي غير مؤسسة الرئاسة، لأن الحديث مع غيرها في رأيي يعود بنا إلي أيام الإمبراطورية القديمة في اليابان، حين كان الأمراء يتلقون العلم في إحدي قاعات القصر،

ويجلسون وبجوار كل منهم واحد من أبناء عامة الناس، ويدخل المعلم إلي القاعة الملكية فلا ينظر إلي أبناء الأمراء ولا يلفت انتباه أحد منهم ولا يوجه نحوه لومًا بكلمة،

وإنما يوجه ملاحظاته - ولومه - وعقابه - إلي الفتي الجالس بجوار الأمير من أبناء الشعب، وليفهم الأمير ما يفهم وينتبه إلي ما يحلو له أن ينتبه إليه، لأنه في كل الأحوال محصَّن فوق التوجيه بالكلمة أو النظرة - فضلاً عن العقاب!

ولكي أكون منصفًا، فإن مصر الحديثة شهدت فترة سماح عابرة تواجدت فيها علي قمة الهرم المصري سلطتان، وتلك هي فترة ثنائية السلطة بين القصر الملكي (شكليا)، وبين الاحتلال البريطاني (واقعيا).

وإذا أخذنا بداية تاريخ مصر الحديث بمحمد علي، فقد كان «محمد علي» وحده علي قمة الهرم، ولي النعم، وذلك وصف جديد للملك الإله.

وإذا أخذنا بداية تاريخ مصر الحديث بالاحتلال البريطاني، فقد كان «كرومر» وحده علي قمة الهرم معتمدًا ساميا، ومن اللورد «كرومر» (المعتمد البريطاني في مصر أواخر القرن التاسع عشر)، وحتي اللورد «كيلرن» (المندوب السامي البريطاني حتي أواسط القرن العشرين) لم تتغير الصورة شكلاً وواقعًا. وفي كل الأحوال فقد انتهت هذه الثنائية بسقوط الملكية، وإنهاء الاحتلال بعد الثورة المصرية سنة ١٩٥٢.

وبانتهاء هذه الثنائية تأكدت مرة أخري - شكلاً وواقعًا - قاعدة المؤسسة الواحدة والسلطة الواحدة علي قمة الهرم المصري: ظروف التطور في العالم الثالث تزكيها - وخصوصية التاريخ المصري تؤكدها!

هكذا كان عصر «جمال عبدالناصر»، وهكذا كان عصر «أنور السادات» بعده.

ولقد أزعم - يا سيادة الرئيس - ومن منظور رؤيتي، وقد يكون صواباً أو خطأ ما أراه، أن مؤسسة الرئاسة وسلطتها في عصر «جمال عبدالناصر» كانت لها استجابة معينة لاتجاه التاريخ وضروراته وتدفقه المتحرك دوما.

وبنفس المنطق فإن مؤسسة الرئاسة وسلطتها في عصر «أنور السادات» كانت لها استجابة أخري للتاريخ، لكنه في الحالتين - في العصرين - لم تكن هناك غير مؤسسة واحدة وسلطة واحدة، وكل ما عدا ذلك من أشكال وأدوات وحتي واجهات.

وبالطبع فإن كليهما - «عبدالناصر» أو «السادات» - لم يمارس سلطته في فراغ، وإنما مارس هذه السلطة في واقع رآه، وعلي ضوء تحليل للعالم الواسع قدّره، وفي مساحة حوله لها تفاعلاتها الجارية في المجتمع بين القوي الممثلة لأصحاب المصالح القائمة، والمجموعات الممثلة للمشروعات «النشطة» والتيارات المتأثرة والمؤثرة في نفس الوقت.

ومع ذلك فهي في نهاية المطاف مؤسسة واحدة وسلطة واحدة، ومنها يصدر القرار، ومن القمة ينزل إلي ما تحتها.

قاعدة لم تتغير مهما كان نوع القرار، سواء كان اختيار رجل لمهمة، أو تحديد مسار اجتماعي، أو سياسي أو دولي.

* وعلي سبيل المثال فإن رجلا فاضلا في حد ذاته وكفئاً - كالمهندس «صدقي سليمان» - أصبح رئيسا للوزراء في عصر «عبدالناصر» باختيار شخصي منه، مع ملاحظة أن «صدقي» لم تكن له سابقة عمل سياسي، وإنما كانت له تجربة تنفيذية هي الإشراف علي بناء السد العالي، وبعدها اختاره «جمال عبدالناصر» ليرأس الوزارة. وفي صميم الموضوع فإن «صدقي سليمان» لم يكن يمثل - سياسيا - ما هو أكثر من الاختيار الشخصي لجمال عبدالناصر.

وعلي سبيل المثال أيضا فإن رجلا مؤتمنا وموثوقا - كالسيد «ممدوح سالم» - أصبح رئيسا للوزراء في عصر «أنور السادات» باختيار شخصي منه، ولم تكن لممدوح سالم - هو الآخر - سابقة عمل سياسي - وإنما كانت له تجربة مطمئنة في مجال حفظ الأمن، واختاره «أنور السادات» ولم يكن «ممدوح سالم» يمثل - سياسيا - ما هو أكثر من الاختيار الشخصي لأنور السادات.

والقياس سليم بعد ذلك إلي آخر المطاف.

وإذا تركنا مجال اختيار الرجال للمهام، وانتقلنا إلي مجال تحديد المسارات الاجتماعية أو السياسية أو التنفيذية، فإن نفس القاعدة تظل سارية المفعول.

كان تأميم قناة السويس، وبناء السد العالي، والتوجه القومي العربي والتحول الاشتراكي، وصيغة تحالف قوي الشعب العامل - اختيارات لجمال عبدالناصر من واقع رؤيته.

وكانت قرارات أكتوبر ١٩٧٣، والتوجه نحو الولايات المتحدة الأمريكية والصلح مع إسرائيل، وسياسة الانفتاح - اختيارات لأنور السادات ومن واقع رؤيته.

ويلفت النظر - يا سيادة الرئيس - أن الأدوات التي نفذت هذه السياسات والقرارات المتباينة، كانت نفس الأدوات، أي أجهزة السلطة.

ويلفت النظر أكثر - يا سيادة الرئيس - أن التنظيمات الواجهات التي قامت علي تنفيذ هذه السياسات وتولت مسؤولية القرارات المتباينة لها - نفس التنظيمات تقريبا، بل نفس الوجوه حصرا - لأن غالبية الذين كانوا في صفوف الاتحاد الاشتراكي هم الذين انتقلوا منه إلي صفوف حزب مصر، وهم الذين انتقلوا منه إلي صفوف الحزب الوطني، والسبب واضح، فقد كانوا هم ممثلي القوي «أصحاب المصالح القائمة» القريبين من كل سلطة - أي سلطة - بحكم الحرص علي حماية المصالح، والرغبة في التأثير إلي أقصي الممكن.

وأليس ملفتا للنظر أكثر من ذلك أنه حتي أحزاب المعارضة وقتها «وحتي الآن» بدأت وجودها ونشاطها بقرار رئاسي؟

لقد كان الرئيس «السادات» هو صاحب قرار المنابر، بل اختار لهذه المنابر - اليمين والوسط واليسار - رؤساءها. وكان هو أيضا صاحب قرار تحويل المنابر إلي أحزاب وبنفس الرؤساء الذين اختارهم، وليكن أن التجربة العملية طورت الممارسات - فإن ذلك لا يغير نسب الأبوة ولا شهادة الميلاد!

ماذا أقول - يا سيادة الرئيس - هل أقول إنه حتي القانون نفسه أصبح قرارا واختيارا: قانون «حل الأحزاب» في عصر «عبدالناصر» - «إنشاء المنابر» في عصر «أنور السادات» - مجرد مثالين!

اجمالي القراءات 10835
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق