كاتب مسيحي لبنانى مقيم بفرنسا:
اللحية والحجاب صور من صور الاحتجاج ضد العولمة

signature   في الخميس ٢٣ - نوفمبر - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً


عرض لكتاب ( بأسم الهوية : العنف والحاجة للانتماء ) In the Name of Identity: Violence and the Need to Belong

على مر التاريخ كانت الهوية محل دراسة للعديد من الفلاسفة منذ سقراط وحتى فرويد ، ولكن الكاتب والأديب اللبنانى المولد والذى هاجر إلى فرنسا بعد الحرب الأهلية بلبنان أمين معلوف (53 عام ) يقدم فى كتابه ( بأسم الهوية : العنف والحاجة للانتماء ، الذى صدر عن دار أركاد للنشر بفرنسا عام 2000 فى 164 صفحة ، والذى ترجمته إلى الأنجليزية باربرا براى )رؤية مختلفة المنظور لهذا المصطلح تتعلق فى الأساس بالإجابة على سؤال واحد : "لماذا يرتكب الكثير من الناس جرائمهم بأسم الهوية ( الوطنية ، أو الدينية ، أو القومية أو العرقية ) ؟ وهل هذا جديد على مجتمعاتنا ؟ ام كان مستخدما قبل ذلك؟ وفى سبيل الإجابة على هذا السؤال يقوم بتتبع ودراسة للهوية وتأثيراتها الممتدة على مختلف أوجه النشاط والفكر الإنسانى القديم والمعاصر بدءا بصراع الشرق الأوسط بين العرب والأسرائيليين ، والحروب العالمية الأولى والثانية وجميع الصراعات الأثنية والعرقية التي تشهدها القارة الأفريفية باستمرار وحتى داخل أوروبا فى البلقان وروسيا ، وينتهى بالتأكيد على خطورة التعامل مع قضية الوهية بصورة وقائية " يعتبرها عدائية " لأنها تؤدي إلى قمع واضطهاد الأقليات والمعارضين ، وبالأحرى "الأعداء".

يتحدث معلوف فى البداية عن ماهية الهوية ، فيصفها بأنها " قد لاتكون السبب الرئيسي لقيام الحروب والقتل الجماعى ، ولكنها السبب فى الطغيان والطمع للاستحواذ على الأراضى والثروات والقوة ، انها الوقود الذى يستخدمه المهيجون لاشعال النيران فى أى مجتمع ، إنها ميكانيكية "نحن" ، و"هم" التي بها لا نستطيع " نحن" ان نحيا إلا إذا قمنا بقتلـ "هم" ، ولهذا فأنـ"هم " لا بد ان يجردوا من إنسانيتهم ليصبحوا " أرقاما" وبيانات للقتلى..

 ثم ينتقل معلوف لرصد تاريخي لدور الهوية المؤثر فى التاريخ الإنسانى فى معرض دفاعه عن الصاق تهمة التعصب للذات بالمسلمين فقط (نلاحظ هنا أنه مسيحي ) مؤكدا أن الإسلام لا يشجع على التعصب ، كما أنه ولمدة قرون كانت المسيحية هى ديانة الطغيان والتعصب ( الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش) فى الوقت الذى كان فيه الإسلام أكثر تسامحا ، ولكن فى الربع قرون ما بين القرن الخامس عشر والتاسع عشر اجتاحت الرؤية التنويرية مختلف بقاع العالم الغربى التي أدت إلى شيوع الديمقراطية والتقدم العلمى والتكنولوجى مما جعل المسيحية تصبح أكثر تسامحا ، فى الوقت الذى كان العالم الإسلامى فى نفس الفترة تحت الاستعمار وكانت أية محاولة لنشر التنوير ترفض أولا من الدول الاستعمارية ، ومن أهل البلاد أنفسهم ظنا منهم أن ذلك قرينا بالتشبه (بالاستعماريين ) . وحتى خلال ستينات وسبعينات القرن الماضى ، عندما حاول الحكام الوطنين للدول المستعمرة التوجه نحو الغرب ( مثل جمال عبد الناصر والسادات من مصر ) فأنهم وقعوا فى فخ الاعتقاد المرضى المتعلق بربط " التحديث " بـ "التغريب" ،  ولهذا أيضا يضيف معلوف- فأن معظم المتطرفين الدينين الذين نراهم اليوم جاءوا نتيجة فشل النظم العلمانية الديكتاتورية العربية وانهيار النظم المدنية ، حيث أن " العلمانية بدون ديمقراطية هى كارثة للاثنين على حد سواء" .ومن هنا فأن "اللحى والحجاب" هى علامة من علامات الاحتجاج والاعتراض الذى مارسها بعض العرب ضد السيطرة الغربية سواء باللجوء إلى الماركسية ، او باللجوء إلى الأصولية الإسلامية.

وهنا ينتقل ملعوف للسؤال التالى ، وهو مالذى يجعل الناس يخافون على احساسهم بالانتماء ؟ ويطرح بعض الأجابات أهمها : الخوف من العولمة وتآكل السيادة الوطنية و السيطرة الغربية الممتدة على مدى الثلاثة قرون الأخيرة على العالم ويسهب معلوف فى الحديث عن العولمة كأحد " اهم عوامل التخندق وراء الهوية" فى المجتمع الحديث متتبعا الموقف الدفاعى الذى استخدمته مختلف الدول والقوميات المختلفة من الشرق والغرب الذى عبر عن نفسه فى بعض الأحيان كخوف من " الإمبريالية الغربية " أو" الأمريكية" ، وأحيانا أخرى " الغزو الثقافى" و" السيطرة التكنولوجية " و "نظرية المؤامرة الكونية " . وينتهى بالسخرية من خوف بعض الدول الغربية " فرنسا والدول الأسكندنافية من العولمة لذات الأسباب ولكن تحت شعارات أخرى، أغلبها تتعلق بالأحتكار الأمريكي للأعلام والسينما والمؤسسات الدولية ، ومن هنا يرى أن كل من البلاد يبدى اهتمام متفاوتا بهويته " السياسية " أو "الثقافية" أو "الدينية" أو "الاقتصادية " أو " الإعلامية" بحسب اهتماماته الخاصة. ولكن معلوف يعتبر هذه الاسباب لا تفسر بشاعة الحروب المتعلقة بالذاتية على مر التاريخ ، ومن هنا فهو يضيف أسبابا أخرى ، مثل " السادية " التي يحاول أحد الأطراف من خلالها اجبار الطرف الآخر على التنازل عن هويته ، وهو ما يؤدي إلى نتيجة عكسية عن طريق تمسك الطرف المقهور أكثر بهويته .. وهناك " الإحساس بالخطر" الذى يجعل بعض المجتمعات تشرع القتل الجماعى منطقيا عن طريق حماية الأشخاص الأكثر قرابة "أو عصبية " من "الشرور المتوقعة " مستشهدا بالتجربة النازية وأفران الغاز . بالإضافة إلى ذلك ، يرى معلوف ان هناك بعض الظروف الطارئة التي قد تجعل الذوات الفردية المختلفة تتصارع مثل المهاجرين الذين يتعلموا أكثر من لغة وأكثر من ثقافة ويضطروا إلى التحيز إلى أحد المعسكرين لموقف ما .ويؤكد معلوف فى النهاية أنه لا يمكن ان يعالج التطرف والتعصب بألقاء اللوم على ديانة أو جماعة معينة ، فنحن "لا نستطيع فقط ان نمحى بعض الأرهابيين هنا وهناك ، ثم العودة مبتهجين بالنصر" فانه يرى أن الدين يؤدي وظيفتين أساسيتين تتعلق أحداها بتلبية مطالب روحية ، والأخرى بتحقيق مطالب "الهوية الدينية" ، وان هذه المطالب إذا لم تتحقق يحدث التعصب ضد "الآخر الديني". ومن هنا فأنه يدعو إلى اشاعة الأحساس بالصلة بين الناس وبعضهم عن طريق القيم الأنسانية المشتركة ، واحترام القيم والتقاليد والحضارات المختلفة بدون التعامل معها عن طريق التقسيم والتفضيل .

 

اجمالي القراءات 10693
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق




مقالات من الارشيف
more