مسلمون .. يدافعون عن الأقباط

د. سيتي شنودة   في الخميس ٢٥ - أكتوبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً



يعيش الأقباط المسيحيون في مصر منذ أكثر من خمس وثلاثين عاماً في جو من الاحتقان الطائفي لم يعانوا مثيلاً له منذ مئات السنين .. وقد وصل هذا الاحتقان ضد الأقباط المسيحيين في مصر إلى حد هجوم عشرات الآلاف من البسطاء والمثقفين المغيبة عقولهم على كنائس ومنازل ومتاجر الأقباط في مصر ونهبها وحرقها وقتل العديد منهم .. كما حدث في الكشح بمحافظة سوهاج يوم 2/1/2000 ( التي تم فيها ذبح 22 مسيحياً وحرقهم والتمثيل بجثثهم )، و كما حدث فى قرية منقطين مركز سمالوط بمحافظة المنيا يوم 3/12/2004 ، وقرية دمشاو هاشم بمحافظة المنيا يوم 1/1/2005 ، وقرية تلوانة مركز الباجور بمحافظة المنيا يوم 3/4/2005 ، ومحافظة الأسكندرية يوم 21/10/2005 ويوم 14/4/2006 ، وقرية العديسات بالأقصر يوم 18/1/2006 ، وقرية بمها بالعياط بمحافظة الجيزة يوم 11/5/2007.. وغيرها الكثير من حوادث الهجوم على الأقباط في مصر في السنوات الأخيرة.

مقالات متعلقة :

ولكن إلى جانب هذه الصورة القاتمة والمظلمة لحال مصر .. وحال الأقباط في مصر .. تظهر براعم من زهور جميلة تنبت وسط "الأرض المحروقة" ووسط النيران والدخان والأشلاء .. فإلى جانب عشرات الآلاف من المتعلمين والمثقفين والجهلة المغيبة عقولهم الذين يقومون بالهجوم على كنائس ومنازل ومتاجر الأقباط .. هناك الملايين من المسلمين الذين يرفضون هذه الجرائم الهمجية ويدينونها علناً .. ويقومون بالدفاع عن أشقائهم الأقباط وأخوتهم في الوطن .. وحقهم في الحياة والمواطنة وحرية العبادة .. وهم يقومون بذلك لهدف أبعد وأشمل .. وهو الدفاع عن وحدة الشعب المصري بمسلميه ومسيحييه .. وإفشال مخطط تفتيت وحرق مصر بمسلميها ومسيحييها ، الذي تخطط لة وتشارك فيه قوى وجهات عديدة ـ داخلية وخارجية ـ لتفتيت مصــــر وإعادتها إلى العصـــور الوسطى .. بل لمحوها من الوجود .. ؟؟!!

* ومن أمثلة ما يقوم به المسلمون للدفاع عن وحدة هذا الوطن الواحد ، ما يقومون به من عقد الندوات والمؤتمرات لنصرة مبادئ المواطنة وحرية العبادة والمساواة بين كل أفراد الشعب المصري ، بغض النظر عن دياناتهم أو طوائفهم أو مذاهبهم. كما يقوم المسلمون برفع الدعاوي القضائية ـ مثلما فعل الأستاذ أحمد أبو المجد المحامي ـ ضد من يزدري بالدين المسيحي ومن يحاول تفتيت الشعب المصري وتحويله إلى طوائف وشيع تتناحر وتتقاتل .. تنفيذاً للمخطط الشيطاني لتفتيت مصر .. وحرقها بمسلميها ومسيحييها.

* بل أن هناك من المسلمين من يمتلك القوة والشجاعة التي تصل به إلى حد التضحية بمنصبه ومركزه الكبير والاستقالة منه احتجاجاً على اضطهاد الأقباط والتمييز ضدهم .. مثلما فعل الأستاذ الدكتور / سالم سلام أستاذ ورئيس قسم طب الأطفال بكلية الطب جامعة المنيا - الذي استقال من منصبه احتجاجاً على رفض تعيين معيدة مسيحية في القسم الذي يرأسه - وهو مالم نسمع عن حدوثه من الكثير من الأقباط أنفسهم .. الذين على استعداد للتضحية بالغالي والنفيس في سبيل التمسك بمناصبهم ومصالحهم .. ؟؟!!

* كما قامت كوكبة من الأبطال والرواد المسلمين ـ على رأسهم الدكتور مهندس محمد منير مجاهد ـ بتكوين جماعة "مسلمون ضد التمييز الديني" بعد الهجوم على كنائس الأسكندرية في شهر أبريل 2006 .. وقد توسعت هذه الجماعة وتحولت بعد ذلك إلى "مصريون ضد التمييز الديني" ، لتضم كل طوائف الشعب المصري ، لمناهضة كل أشكال التمييز الديني ضد كل طوائف الشعب المصري ، ولإعلاء شأن المواطنة والحريات الدينية ووحدة الشعب المصري بكل طوائفه.

* كما تقوم الكثير من منظمات حقوق الإنسان المصرية بالدفاع عن الأقباط المسيحيين في مصر ، وعن حقهم في الحياة وحرية العبادة ، وتقوم كذلك بالتنديد بما يحدث من فتن طائفية متكررة ، إلى جانب إرسال بعثات تقصي الحقائق إلى مواقع أحداث الفتن الطائفية لنقل صورة صادقة عما يحدث إلى العالم كله .. ومن هذه المنظمات التي تعمل في هذا المجال "المنظمة المصرية لحقوق الإنسان" التي تعرض أمينها العام الأستاذ / حافظ أبو سعدة للاعتقال والحبس بعد أن أصدرت المنظمة تقريراً عن أحداث الكشح الأولى عام 1998 ، أدانت فيه وفضحت ممارسات الأجهزة الأمنية ضد الأقباط.

ومن الغريب أن البعض من الأقباط يكافئ هؤلاء الأبطال والرواد المسلمين ـ الذين على أتم استعداد للتضحية بكل شيء في سبيل الدفاع عن مبدأ المواطنة وعن الأقباط وحقهم في الحياة والحرية ـ بنشر مقالات ومداخلات وأحاديث تسبهم وتسب دينهم وتصف العرب والمسلمين بأحط الألفاظ .. متناسين أن من يدافع عن الأقباط المسيحيين هم من العرب والمسلمين أيضاً .. وأن هذه المقالات والمداخلات التي تهاجم العرب والمسلمين ، تهاجم بالضرورة هؤلاء الأصدقاء والأشقاء المسلمين الذين على استعداد للتضحية بمناصبهم وأرواحهم في سبيل الدفاع عن الأقباط وعن وحدة الشعب المصري , والذين نشعر ونلمس حبهم وتعاطفهم ورفضهم لدعاوي الحقد والكراهية التي يراد لها أن تحرق مصر بمسلميها ومسيحييها....

كما أن الهجوم على كل العرب والمسلمين هو هجوم باطل .. وغير عادل .. لأنه إذا كان هناك الآلاف من الإرهابيين والمتطرفين المسلمين الذين يقتلون المسلمين قبل المسيحيين .. فهناك أيضاً الملايين من العرب والمسلمين الذين يرفضون الإرهاب والتطرف والقتل والذبح باسم الإسلام.

إن هؤلاء الملايين من العرب والمسلمين المعتدلين الرافضين للتطرف والإرهاب .. هم الصفوف الأمامية الأولى التي تدافع عن الأقباط .. وعن المسلمين .. وعن العالم كله ، في مواجهة قوى التطرف والإرهاب .. لأن هؤلاء المسلمين الشرفاء اكتشفوا حقيقة الوجه القبيح للتنظيمات والحركات المتطرفة والإرهابية ، التي تستخدم الدين - كمطية ووسيلة سهلة ومؤكدة - لتحقيق هدفها الأول والأوحد وهو الوصول إلى الحكم واستعباد الشعوب ، ولو على أشلاء الملايين من المسلمين أنفسهم ، كما حدث ويحدث حالياً في العراق ودارفور ومصر والجزائر ولبنان وأفغانستان وباكستان وغزة . ولقد شاهد المسلمون بأعينهم هذه التنظيمات والجماعات الإرهابية تذبح المسلمين قبل المسيحيين .. وتمثل بجثثهم .. وتعلقهم على أعمدة المشانق الجماعية ، بعد وصول هذه التنظيمات الإرهابية ـ المعتدلة منها والمتطرفة ؟! ـ إلى سدة الحكم .. وغير بعيد عن الأذهان ما حدث في إيران الخميني الذي قام بتعليق خصومه من أنصار الشاه على المشانق الجماعية .. وقبل أقل من عام واحد قام بتعليق أنصاره الذين أوصلوه إلى الحكم على نفس هذه المشانق الجماعية التي نصبت في الميادين العامة والساحات الرياضية .. ؟؟!!

*****

إننا يجب ألاَّ نتوانى أو نضعف او نجبن أمام مكافحة الإرهاب والتطرف .. وفضح رؤوس الإرهاب وقواده المتخفين والمختفين خلف مواقع ومناصب هامة في دول عديدة !!؟؟ .. كما أننا لا يجب انَ نتوانى أو نجبن ـ حتى لو فقدنا أرواحنا وأموالنا وحريتنا ـ أمام كشف وفضح القتلة واللصوص الذين أثاروا الرعب والفزع .. وذبحوا عشرات الألآف من الأبرياء من المسيحيين والمسلمين والسياح ورجال الشرطة - في مصر وخارج مصر - طوال أكثر من خمسة وثلاثين عاماً .. ولكن ـ وفي نفس الوقت ـ يجب ألاَّ نهاجم الملايين من العرب والمسلمين ، الذين يدافعون عنَّا وعن مبدأ المواطنة وعن حقنا في الحياة وفي ممارسة شعائرنا الدينية .. ويجب ألاَّ ندفعهم إلى التحول إلى صفوف التطرف والإرهاب بهجومنا عليهم وعلى دينهم وقومهم وعشيرتهم

أما الأقباط الذين يبروون الهجوم على العرب والمسلمين ، بحجة أن هناك من يهاجم الدين المسيحي ويسبه ويزدري به ويكفر المسيحيين ويحقرهم ويدعو علناً إلى قتلهم واستحلال دمائــهم وأمــــوالهم وأعراضــهم .. فإننـــا ـ إزاء هذا الهجوم ـ يمكننا الرد الهادئ والمناقشة الموضوعية الموثقة بالأسانيد والأدلة والمراجع .. ولكن في محبة .. تناقش ولا تسب .. ترد ولا تهاجم ولا تحقِّر .. حتى مع من يهاجم الدين المسيحي ويزدري به ويكفر المسيحيين ويحقرهم ويستبيح دمائهم وأموالهم وأعراضهم .. ؟؟!!

هل تريدون ـ أيها الأقباط ـ الدخول في مناقشات ومجادلات بيزنطية لن تؤدي إلا إلى تحويل الأصدقاء المسلمين إلى أعداء .. والى استخدام واستغلال قادة الإرهاب ومنظروة لهذا الهجوم على العرب والمسلمين لبث المزيد من الحقد والكراهية ضد الأقباط وضد العالم كلة .. وإلى تفريخ أجيال جديدة من المتطــرفين والإرهـــابيين الــذين نهاجم دينهم وقومهم وعشيرتهم .. ؟؟!!

إننا نصادق ونعايش الكثير من المسلمين .. ونتداخل معهم في علاقات هي أقوى من علاقات الأشقاء .. وأقوى من العلاقات بين بعض الأقباط أنفسهم .. ونعلم جيداً ـ بل نرى ونلمس بالفعل ـ أنهم يحبوننا ويتعاطفون معنا ومع آلامنا .. وكل ذلك يحدث لهدف واحد .. وهو الحفاظ على وحدة الشعب المصري .. ومنع تفتيت مصر .. وحرقها بمسلميها ومسيحييها


******

أخوتي وزملائي وآبائي الأقباط في الداخل والخارج .. أرجوكم .. لا تسعوا
أو تشاركوا في تحويل أصدقائنا وأشقائنا المسلمين .. إلى أعداء لنا ..!؟

وبدلاً من أن تلعن الظلام .. أضئ شمعة

{ الموت .. والحياة .. في يد اللسان .. وأحباؤه يأكلون ثمَرَه .. } (من أمثال سليمان الحكيم)

******

اجمالي القراءات 8213
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق




مقالات من الارشيف
more