نفاق المثقفين !

د.محمود عمارة   في الإثنين ٠٨ - أكتوبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً


انتظرت أن يخرج علينا كاتب أو صحفي أو إعلامي يقول علي الملأ: إن عمال المحلة مخطئون، وليس لهم أي حق فيما فعلوه.. فهم يطالبون بتوزيع أرباح السنة المالية قبل شهرين من الميزانية، وبدلاً من انتظار الميزانية اعتصموا واحتشدوا ونجحوا في «لي ذراع» الحكومة ليرسخوا ثقافة البلطجة، وهذا خطأ جسيم كان يجب إدانته ومقاومته.



وانتظرت بعد الحوار المطول لمرشد الإخوان والذي قال فيه كلاماً خطيراً يعيدنا إلي عصور الظلام، والتخلف.. فلم يعلِّق أحد من المثقفين أو الكتاب المتخصصين في شؤون الجماعات ليفند، أو يرد، أو يعلِّق أو يوضح خطورة مثل هذا الكلام علي حاضر ومستقبل مصر.. وللأسف لم نقرأ أو نسمع تعليقاً أو توضيحاً ممالأة، وموالسة، ونفاقاً لجمهور الإخوان ومريديهم!

كل صباح نقرأ ونسمع من بعض المثقفين كلاماً معسولاً وعاطفياً «يدغدغ» مشاعر العامة «موالسة» ونفاقاً للقراء والسامعين بالكيل للحكومة مرَّة، كسبب لكل مشاكلنا، ولإسرائيل كأساس لكل بلاوينا، واتهام أمريكا بأنها تقف بالمرصاد وبالمؤامرات أمام طموحاتنا، وبأننا شعب مغلوب علي أمره، وأن المصريين هم أطيب شعوب المعمورة وقلبهم أبيض كالبافتة..

وفي المساء تسمع من الأشخاص نفسهم كلاماً مختلفاً تماماً وعلي النقيض يقول لك: يا عم ده شعب عاوز الحرق.. ده شعب يخاف ما يختشيش ومالوش غير الكرباج.. ده شعب نعاج يستاهل كل اللي يجري له.. ده شعب صفته ونعته.. إلخ.

في الصباح تجد بعضاً ولا أقول كثيرين من «المثقفين» يلعنون النظام ويسبون الحكومة عمال علي بطال.. موالسة ونفاقاً وكسباً للرأي العام الكاره للنظام وفاقد الثقة بالحكومة، والجاهز لتصديق وترديد أي شائعات.. وفي المساء تجد بعضهم «محني» الظهر، أو «مقرفص» أمام الوزير أو المسؤول، وأحياناً تسمعه وهو ينافق ويوالس وعينه تدب فيها رصاص!!

في العلن كثيرون لا يملكون شجاعة الاعتراف، ولا يعرفون ثقافة الاعتذار، ولا يجرأون علي مواجهة الرأي العام بالحقائق.. فلا تجد أحداً يقول للشرطة بمناسبة نجاحها في تنظيم حركة المرور بالشوارع في رمضان «شكراً» علي مجهوداتكم ونتمني في العام المقبل أن يعم النظام المروري ليصل إلي مدينة نصر وغيرها.

. ولممالأة وموالسة الرأي العام الغاضب من الحكومة لا يستطيع أحد أن يقول مباشرة وبصراحة وبقوة: تحية لحكومة نظيف ممثلة في الوزير «رشيد» لشجاعته وجرأته في محاربة الاحتكار وإعلان الحرب علي المحتكرين مهما كانت سطوتهم وجبروتهم.. وأن يوسف بطرس غالي قد قلب مصلحتي الضرائب والجمارك رأساً علي عقب بعد خمسين سنة من التخلف والعفونة وقهر وظلم جمهور المتعاملين معهما..

وأن «المغربي» رغم اختلافنا معه في بيع الأراضي بالمزاد بدلاً من حق الانتفاع للأجانب، فقد نجح بجدارة في إعادة الثقة والمصداقية لوزارة الإسكان بمنع الفساد..، وأن «جمال» مبارك رغم أننا من أشد المعارضين «لتوريثه» أو حتي لدخوله الانتخابات بعد والده مباشرة، فإنه لولا وجوده بجانب «الرئيس الأب» لكانت الكارثة والطامة الكبري لو أن «الأب» كان قد استمر بنفس سياساته وفكر رجاله من أمثال عاطف عبيد وشركاه..

والرأي العام «مستريح»، و«مبسوط»، و«سعيد» بأن هناك من «يشتم»، و«يسب» نيابة عنه وبعيداً عنه.. وكلنا يعرف أن النظام والحكومة هما «إفراز» لأي شعب، فالشعب هو الذي «يزوِّر» الانتخابات بالقري والمدن.. ناظر المدرسة والعمدة والخفر والمدرسون وأعضاء الحزب كلهم مصريون وهم الذين يتسارعون ويباهون «بتعبئة» الصناديق لصالح الحزب الحاكم.. وحتي المثقفون فأغلبهم يتكاسل ولا يذهب إلي لجان الانتخاب ليدلي بصوته.

ولن أتحدث عن وضع الجماعة الصحفية وحالة التربص والارتباك والحرب والضرب فوق وتحت الحزام بين بعضهم البعض.. في الصباح يتعاركون ويوزعون علي بعضهم صكوك الخيانة والعمالة، وفي المساء تري بعضهم وهو يحضن ويقبل وينافق من خوًَّنه ومن أساء إليه.. الحق يقال وباختصار:

حالنا يصعب علي الكافر.. ووضعنا مؤسف ومزر.. بعد أن أصبحنا أضحوكة لمن لا يسوي، وإذا استمرت الحال هكذا خمس سنوات فالمجاعة قادمة، والخطر محقق.. يا عالم.. الدويلات تتقدم بسرعة البرق، والإمارات تتطور تطوراً مذهلاً.. والدول من حولنا تفسح لنفسها مكاناً لائقاً علي الخريطة العالمية.. أما نحن بكل ما نملك من كنوز تاريخية وأثرية، وثروات طبيعية، وموارد بشرية.. وموقع جغرافي يتوسط أسواق العالم.. وميزات ومميزات نادرة.. رغم ذلك وأكثر من ذلك، تجدنا «كالبهائم» نرفس - ننطح - نبرطع، و«كالنساء» نلطم الخدود.. نولول - نبكي علي اللبن المسكوب، و«كالمجانين» نهزي - نكتئب - ننتحر، و«كالعجزة» نزحف - نشحت - نستجدي.

والحل الوحيد في رأيي للخروج من هذا المأزق:

أن يخرج علينا الرئيس مبارك «الأب» ويقول لنا:

«.. لقد أخطأت باستمراري في الحكم، وكان يجب أن أترك «الكرسي» في ٩٩ بعد أن حققت لمصر الاستقرار، ونجحت في الإصلاح المالي والنقدي والهيكلي الذي اعترفت به كل المؤسسات العالمية، وأعاد الثقة والأمل والانتعاش للشعب، ولإصلاح هذا الخطأ، ومن أجل مصر ومستقبل الأجيال القادمة قررت التالي:

١- تعيين «فلان الفلاني» نائباً للرئيس.

٢- تشكيل لجنة من حكماء مصر ومن جميع الاتجاهات والتيارات العاقلة لتغيير الدستور حتي يسمح بتداول السلطة، وأن تكون مدة الرئاسة دورتين فقط كل منهما خمس سنوات.

٣- يمتنع علي «جمال» مبارك الترشح للرئاسة في ٢٠١١، وله كل الحق في دخول انتخابات ٢٠١٦.

وللحديث بقية.



 

اجمالي القراءات 7371
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق