فتش عن التوريث

حمدين صباحى   في الإثنين ٢٤ - سبتمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً


تقول الحكمة القديمة الموروثة واسعة الذيوع والشيوع: «فتش عن المرأة» وهي نصيحة للذين يبحثون عن سبب منطقي أو تفسير مقنع للكثير من الأفعال والظواهر والمواقف والمعضلات.
لكن هذه الحكمة، التي قد تكون صحيحة، لن تكفيك لتفسير ما يجري في مصر الآن خصوصا هذه الهجمة العنترية علي حرية الصحافة. أنت تحتاج إلي حكمة جديدة، قد تكون أصح، تقول: «فتش عن التوريث».

مقالات متعلقة :

في الأسبوع الماضي قرر المجلس الأعلي للصحافة ـ بالإجماع (؟!) ـ إدانة ثلاث صحف هي «الكرامة» و«الدستور» و«البديل» بارتكاب أخطاء مهنية في تغطيتها لشائعة مرض الرئيس. وأحال تقريرين عن الموضوع إلي نقابة الصحفيين لمحاسبة «الكرامة» و«البديل» وفقا لنصوص ميثاق الشرف الصحفي، وكان إبراهيم عيسي «الدستور» قد سبقهما إلي نيابة أمن الدولة وأحيل إلي المحكمة!
فإذا سألت ما الذي يجمع هذه الصحف الثلاث التي لا تجمعها مدرسة فكرية أو أيديولوجيا سياسية أو انتماء حزبي أو نمط مهني أقول لك «فتش عن التوريث».
وفي اليوم التالي صدر حكم قضائي رباعي الصفات: عجيب، غريب، مريب، معيب. رباعي العقوبة: الحبس والغرامة والكفالة ودفع التعويض رباعي الضحايا: عبدالحليم قنديل «الكرامة» وإبراهيم عيسي «الدستور» وعادل حمودة «الفجر» ووائل الإبراشي «صوت الأمة».
فإذا سألت ما الذي يجمع هذه الصحف الأربع ورؤساء تحريرها أقول لك ـ أيضا ـ «فتش عن التوريث».
فهذه الصحف وهؤلاء الصحفيون مصنفون في خانة واحدة. أنهم ضد التوريث. قد يتفاوتون في الدرجة بين عدو لدود أو حاسد حقود أو معارض شديد أو مقاتل عنيد أو مخالف رشيد لكنهم ضمن القائمة السوداء لأعداء التوريث، وهذا هو السبب الأهم في شن الحرب علي هذه الصحف وسن السكاكين لذبحها، والاستعداء علي هؤلاء الصحفيين البواسل الذين يتعففون عن ابتذال أقلامهم والانخراط في موكب التبشير بكارثة الملك العضوض.
ستقول لي ولماذا التمحك في حكاية التوريث إذا كانت هذه الصحف تعارض الحكومة وتسخر من سياستها وتحقر إنجازاتها وتهاجم الرئيس مبارك نفسه وتتهم النظام الذي يقف علي رأسه والحزب الوطني الذي يتصدر زعامته بأنه حزب نظام الفقر والفساد والاستبداد، أليس هذا سببا كافيا للتربص بهذه الصحف والكيد لهؤلاء الصحفيين وجرجرتهم ـ وكله بالقانون ـ إلي غياهب السجون؟
نعم.. معك حق لكن معارضة الرئيس ليست كمعارضة الوريث. الخلاف علي مبارك أو معه بعد أكثر من ربع قرن قضاها في الحكم وقرابة ثمانين عاما من ا لعمر أصبحت أقرب لتقييم تجربة أوشكت علي الاكتمال ولم يعد فيها أكثر مما مضي منها. إنه موقف من تجربة تحسب علي الماضي. لكن الخلاف علي جمال مبارك أو معه هو خلاف علي المستقبل. والخلاف علي الماضي مهما اشتد واحتد لا يغير من الماضي شيئا ولا يبدله.
لكن الخلاف علي المستقبل يؤثر عليه ويغيره ويبدله. إنه صراع علي الأدوار والمواقع والمصالح.
وإذا كان الابن الطامح أو الطامع يتطلع إلي كرسي أبيه بعد عمر طويل، أو أثناء عمره الطويل، فإن هذا الشاب الأربعيني لا يتمتع بحكمة وسعة صدر وطول بال الأب الثمانيني. ولهذا فإن معارضيه عليهم أن يستعدوا لدفع فاتورة فادحة مقارنة بفاتورة معارضة أبيه.
ولأن الوريث لا يتمتع بأية مبررات موضوعية للشرعية فلا هو، كأبيه، خاض حربا ضد العدو كحرب أكتوبر. ولا هو، كأبيه، ابن الأغلبية من الفلاحين المصريين.. إنه بلا دور وطني وبلا انتماء شعبي وبلا تاريخ سياسي. مجرد رجل بنوك لا ترشحه للوراثة إلا صلة الدم بالرئيس وهي سبب كاف، حتي لو كان كفؤا، لرفضه والوقوف في وجهه حتي لا يقال إن مصر عدمت الرجال وهانت علي الله وعلي المصريين حتي صارت متاعا يورثه الآباء للأبناء.
ولأن الوريث بلا قاعدة اجتماعية شعبية فإنه لا يستطيع تأمين طريقه إلي السلطة بالطرق الديمقراطية ولا برضا المصريين. ولهذا ينبغي أن تتم إزاحة العقبات من طريقه وأولي هذه العقبات هي الصحافة الحرة.
وإذا كانت مصر قد أنجزت مكسبا ديمقراطيا يعتد به فهو حرية الصحافة. وقد بذلت فيها ثمنا غاليا دفعته أجيال من الصحفيين الشرفاء آخرهم رؤساء التحرير الأربعة المحكوم عليهم بالسجن.. هذا المكسب الثمين هو سلاح في يد الشعب المصري ويعرف أباطرة التوريث أنهم لن يمروا إلي عرش مصر بينما الصحافة الحرة تزغرد لهم بل ستطلق عليهم قذائف الرفض وتخوض المعركة ضدهم بالشرف الذي يليق بصحافة حرة وصحفيين أحرار وشعب يستحق الحرية.
لهذا تنصب المشانق الآن لحرية الصحافة. لهذا يطلب الطامعون في الوراثة رأس الصحفيين الأحرار. ولهذا سيبقي معيار الحكم علي أية صحيفة ومقياس حريتها في مصر الآن هو قدرتها علي الحفاظ علي المكسب الذي تحقق وهو حق نقد الرئيس، وإصرارها ـ وهو الأهم والأخطر ـ علي معارضة الوريث.
الكرامة

اجمالي القراءات 7532
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   عابد اسير     في   الأربعاء ٢٦ - سبتمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[11303]

بدون تفتيش


المسألة لا تحتاج الى تفتيش لانها اصبحت أوضح من شمس النهار يا استاذ /صباحى لان أصبح العب عالمكشوف واللى ما يشترى يتكعبل فى امن الدولة والكل بيتكلم والوارث والمورث ومواكب المنتفعين بيطلعوا لسانهم للكل

وسلملى على الديمقراطية
----------------------

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق